مُتعة مستعادة .

كانت الكتب وما زالت أكثر شيء يستولي على اهتمامي وانتباهي، ظننت أنّ هذه الحالة كبرت معي وتطورت مع الوقت، لكن باستشارة ذكرياتي وبعض ملاحظات من حولي، اكتشفت بأنّ الموضوع قديم جداً، من الطفولة وأفلام الكرتون. قبل فترة بحثت أختي بدافع فضول من ذاكرتها عن أفلام كرتون Merry Melodies التي انتجتها Warner Bros. بالتحديد حلقات السلسلة التي عرضت الكتب في احتفالية سرية ! الأول هو Book Revueالذي عُرض في العام ١٩٤٦م ، من بطولة البطة دافي، عندما شاهدته تذكرت تفاصيل الفيلم، بعضها لأنني لم أكن أجيد اللغة مثل اليوم، ولا حتى أسماء الكتب التي عُرضت، مجرد استيعاب بسيط للصراخ والقفز والرموز والشخصيات التي عبرت الشاشة أمامي. كان العرض مضحك هذا ما اتذكّره، ملوّن، وشاهدته الآن وأعجبت به أكثر، فكرة الترجمة الحرفية لعناوين الكتب التي على الأغلفة، ونقلها للأطفال وتعريفهم بها، هذه الفكرة بحدّ ذاتها رائعة. على الرغم من التحفظات الكثيرة التي ظهرت وتمّ اقتصاص بعض المشاهد عند عرضها في وقت قريب على شاشات التلفزيون الأمريكية، بسبب ملاحظات عنصرية، أو تعليقات صادمة للصغار.

والفيلم الثاني Have you got any castles? الذي عرض في العام ١٩٣٨م ، تتكرر فيه بعض الكتب، وتظهر أخرى ، لكن فكرة الفيلمين تشترك في إحياء العناوين وتحويلها لشخصيات متحركة، ليست بالضرورة متوافقة ومتطابقة مع الكتاب الأصلي .

ولدكم ضرب ولدنا !

هكذا ببساطة عنوان التدوينة تدور أحداث الفيلم Carnage العمل الأحدث لرومان بولانسكي والمقتبس عن مسرحية بعنوان إله المجازرGod Of Carnageلياسمينا رضا. لحظة هل قلت ببساطة ؟ الفيلم يحبسك مع أربعة شخصيات من نيويورك، في حوارات عميقة جداً وتافهة جداً في نفس الوقت. يناقش آل لونغستريت وآل كووان مشكلة مهمة، زاكري كووان ضرب ايثان لونغستريت وكسر له كم سنّ، وكلاهما بعمر الحادية عشرة، طفلان يلعبان في حديقة في بروكلين. الفكرة الرائعة في الفيلم هو تضخيم البالغين للأمور الصغيرة، نعرف – لأننا مررنا بالطفولة – أن الشجارات مهما بلغت من الحدة تُنسى أمام الأراجيح في اليوم التالي! لأننا لا نمنح كل تفصيل صغير اسم درامي يصنع منه فقاعة ويتفاقم، في الفيلم ستشاهدون ذلك، وفي أكثر من مشهد عندما تمنح السيدة لونغستريت (جودي فوستر) الشجار مصطلحات وتصطدم مع الوالدين كووان (كيت ونسليت و كريستوفر والتز) بسببها. في المشاهد الأولى من لقاء الاسرتين الفيلم وحده كان كفيل بشدّي للنهاية، بنيلوبي تكتب ما يشبه خطاب التظلم وتشرح فيه جوانب الشجار، وتطلب من الزوجين الآخرين القيام بالمثل. يحتفظ الفريقين بالهدوء والاناقة تحت المظهر اللامع، وبينما تمر الـ (٧٩ دقيقة) وهي الزمن الكلي للفيلم وهنا أحببت الزمن الحقيقي، نادراً ما نمر بفيلم تسير فيه الأحدث بزمن حقيقي. بينما يمرّ هذا الزمن يفقد الجميع صمودهم، وتظهر الشخصيات الحقيقية – جداً حتى يصبح البالغون أطفالاً في مشهد مضحك . الزوجان لونغستريت بوهيميان، محبان للفنّ والحياة الطبيعية، والانسانية. بينما على الضفة الأخرى الزوجين كووان، عمليان، الزوج بهاتف لا يصمت وأمور مهمة دائماً، والزوجة مثل المكنسة تتبع اخطاءه لتهذب الصورة من بعده . ينفجرون، وهذا طبيعي، لا يمكنك الاحتفاظ بقناع التهذيب والمثالية طويلاً أليس كذلك؟ هذا الانفجار الذي يأتي بثقل، يجعلك تفكر في المسرحية التي اقتبس منها بولانسكي الفيلم، أداء الممثلين عالي جداً والحوار كذلك. استغربت من أنني لم اجد الكثير من الاهتمام بالفيلم في وسائل الاعلام المختلفة على الرغم من الترشيحات والجوائز التي نالها. كان أشبه باكتشاف لذيذ. يبدأ الفيلم بمشهد لأطفال يلعبون في الحديقة، يضرب أحدهما الآخر، ثم ينتقل المشهد للشقة. وفي نهاية الفيلم وبينما تظهر الأسماء وكادر العمل، نعود من جديد للحديقة، أطفال يلعبون، أحاول التركيز لمتابعة ما سيحدث بعدها، المخرج يريد منّا ذلك، ما زلت متأهبة هذا ما صنعه بي شجار الاسرتين، والتصعيد الدرامي للموضوع. عندما عاد المشهد للحديقة كنت انتظر كارثة، شجار انتقامي؟ ولكن .. شاهدوا الفيلم لمعرفة ما سيحصل .

مدينة اسمها الجحود.

By denys arel

انتهيت من مجموعة الكتب التي اقتنيتها من العاصمة مؤخراً، لم أكن مستعداً لهذا، توقعت أن يكون هضمها صعباً، حاولت ذلك على أية حال. والآن ؟ أنا بين خيارين، أن أزور العاصمة في أقرب وقت لجلب المزيد من الكتب، أو البقاء هنا ومباشرة الكتابة. الخدعة لن تنطلي على الجميع، لن تكون قابلة للتصديق بعد مضيّ ستة أشهر من العزلة، كانت ستولد رواية من ألف صفحة لو أنني كتبت بنفس الحماسة التي نقلتها عبر الهاتف، لصديقي، لوالديّ، ولمديري السابق. هنا في الجنوب لا يحدث شيء، الحياة تمشي بسلاسة، حاولت مشاكسة الجيران، طلاب المعهد مقابل العمارة، واستفزاز الباعة المتجولين، أريد ابتكار قصة، أيّ قصة، أريد أن أشعر بكثافة الحياة التي جئت للبحث عنها.

كان الوضع مخيفاً في البدء، كيف سأتمكن من إعالة نفسي بعد انتهاء مصروف الجيب الأخير، مستحقاتي المتأخرة من العمل، والجمعية السنوية اليتيمة . أعيش على المعجزات اليومية هنا، تغطي تكاليف الايجار الممتاز، وفواتير الخدمات، والانترنت. أكتب، خطابات لمكتب العقار المدار بطريقة غير شرعية في اسفل الشارع، أبحاث أكاديمية لطلاب أغبياء تكلفهم آلاف الريالات بينما انجزها في ساعتين على الاكثر. ثم أتمدد في قيلولات كسولة، واستمتع، فقاعة العزلة التي تكبر يوماً بعد يوم وتهددني بالانفجار. يشاركني المكان كلب، كلب مطيع ومن فصيلة طيّبة، وجدته تائهاً وتبعني، اطعمته، ولزم الشقة بلا حراك. ما من لصوص يخشاهم المرء، في مدينة وادعة كهذه، تخشى عليهم من نفسك! ولكن يتذكر المرء في كل كبد رطبة صدقة ويبقي على الكائن المستوحد علّه يكسب فيه الاجر الكثير. أكثر الجيران اهتماماً بي أبو ابراهيم، الشقق الاربعة الأخرى المكونة للبناية ملكه، يعيش فيها مع أسرته الممتدة، ويزورني ليحتسي الشاي، يسألني عن عملي – كل مرة – واخترع له إجابة ولا يعترض. يدعوني لتجربة أطباق بناته المختلفة، وأشمّ في حديثه أحياناً دعوات مصرحة ومبطنة للارتباط، اكتفي بالأكل والهروب، فأنا كما يصف ماركيز نفسه : لا ميل حقيقي لديّ لأن أكون كاتباً أو صحافياً، وإنما عازباً لا يُهزم. في حواراتنا الطويلة تلك يشكو من إبنه الوحيد ابراهيم، من إهماله وغيابه، وجشعه، ومن جحوده في أحيان أخرى، لا أملك العبارات المناسبة للتخفيف من وجع هذا الشيخ، أنا من جهة أخرى اقطن في مدينة تبعد آلاف الأميال عن والديّ، مع علمي بحاجتهم وانتظارهم، وخشيتي من خذلان لا يشفيهم منه كتاب من عشرين صفحة! أبو ابراهيم يشكو ابنه كلّ يوم، لكنّني حدست اليوم حرقة أكبر، تجاوز من ابراهيم ربما ؟ يقول أنه بعد أن وجد طريقة ينقله بها من مكان عمله البعيد عن المدينة للعودة إليها، طلب منه مغادرة البناية، هو شيخ كبير، يحتاج للهدوء، والعزلة، والتوقف عن مراقبة الأسرة وتضييق الخناق عليهم. هكذا قالها؟ أو عبارة تشبهها تردد والده وهو يحكي القصة، وعندما رفض الخروج والعيش في المزرعة، هددّه بحرمانه منها، وايداعه في دار رعاية اجبارياً. يتكلم الرجل وانظر إليه، لصحته، لذاكرته الحديدية، ما من شيء يمنعه من البقاء حولهم، وما من سبب يدعو لهذا النكران الذي يصدر من ابنه. لا اذكر كيف تنصلت من الحديث الطويل، وكيف كانت عباراتي المكرورة في تطمينه والدعاء له. وجدت نفسي لاحقاً في محل البقالة الصغير الذي يبيع كلّ شيء، لتسوقك الطارئ، لمستلزماتك المكتبية، بطاقات الهاتف، بعض الادوية، والكتب الاكثر مبيعاً، تلك التي اتفادى قراءتها ما استطعت، والنظر إليها يصيبني بالإحباط، يذّكرني بالكعكة التي أخبزها، جاع الجميع ولم تنضج بعد.

متابعة قراءة مدينة اسمها الجحود.

عفشك .. هويّتك !

التقطت هذه الصورة قبل عدة أيام، ما إن فعلت ذلك حتى استعدت من ذاكرتي قصيرة المدى مشهداً في مسلسل كوميدي أتابعه، صديقه تتحدث مع صديقتها عن برنامج رائع على التلفزيون، فكرة البرنامج أن يأتي المشاركون بحقائبهم المعنويةويتحدثون عنها من الأكبر للأصغر، ما الذي يحمله المسافر – عبر الحياة – ويشكل ثقلاً على كاهله ؟ الفكرة الرائعة لمعت في ذهني، وقاومت التدوين على الرغم من أنني وفي بعدي عن المنزل اتيحت لي فرصة استخدام الحاسب الشخصي لقريبتي. القصة ليست هنا تحديداً، القصة أنني تخيلت نفسي في صالة انتظار لا نهائية في مطار رحلات الحياة، وحولي حقائبي عفشيالمعنويّ، مضحك المنظر، تذكرت تأملاتي للمسافرين بينما يعبرون أمامي بالعربات وحقائبهم كومة فوضى، ويزيد عليها صناديق مغلفة كيفما أتفق، صناديق أغذية، أكياس صغيرة متناثرة، هذه الفوضى التي تزعجني في المسافرين، وخصوصاً عندما يركبون الطائرة ويبدؤون بضغط امتعتهم بقوة لحشرها في الصناديق العلوية. هذه الامتعة – الفوضى العارمة – هي بالتحديد حقائب حياتي التي أحملها، فكرت فيها وعددتها حتى تعبت من العدّ، لا أشعر بالفخر أبداً، وزاد تركيزي على هذه النقطة بعد أن سألت أختي عن حقائبها التي تحملها وفاجأتني بأنها اثنتين، واحدة ضخمة تكلفها رسوم الامتعة الزائدة كل مرّة، وأخرى خفيفة تحملها في يدها، يا ليت كنت كذلك ! المثير للاهتمام أنّ عفشي الافتراضي عندما عرّضته للنقد والبحث وركزت جهدي في تأمله، وجدت أنّ بعضه حقائب صغيرة ما إن تفتحها ستجد أوراق بيضاء صغيرة وفارغة، لا شيء مهمّ ! لماذا هذه المساحة ولماذا كاهلي المُثقل ؟ بالأمس وبينما صحبني والدي للمنزل من المطار كان يفكر بصوت مرتفع، ويروي لوالدتي خططه المستقبلية – المرتبطة بي – وكلما سمعت نبرة الحماس في حديثه كلما تحسست أكبر الحقائب التي احملها الآن، آماله هو، تطلعاته هو، والسيناريو الذي يعيش وينتظر أن يحققه من خلالي، تخيفني طريقتي في تصنع الحماس أحيانا، برغم معرفتي بحجم المطب الذي أمرّ من فوقه. حقائبي الأخرى وفوضاها لم تتراكم إلا بسبب كسلي أنا، هناك أيضا الأمتعة التي يتركها الآخرون ويرحلون، ما جعلني أعلن قبل عدة أيام أيضاً الرجاء من المسافرين الانتباه لحقائبهم، قفلنا مكتب المفقودات “.

طبعاً ، لم استطع مقاومة البحث أكثر في موضوع الامتعة هذه، ووجدت تدوينة باللغة الانجليزية سأحاول باختصار نقل بعض محتوياتها عن الموضوع. في الجزء الأول منها تتحدث عن تنوع مصادر الامتعة التي نحملها وفي المجمل تحصرها في ثلاثة مصادر : ١معتقداتنا حول أنفسنا والآخرين والعالم ، ٢مشاعر وقيم نحتفظ بها لأنفسنا بسبب خوفنا من التعبير عنها ، ٣المهارات التي طورناها واتقناها لتساعدنا في العيش مع الآخرين وتحقيق أهدافنا .

ثمّ تقترح علينا إعادة تنظيم هذه الأمتعة عن طريق طرح بعض الاسئلة على أنفسنا: ماذا نحمل معنا؟ منذ متى نحملها؟ هل قمنا بتوظيبها بأنفسنا أم وظبها آخرون؟ هل ما زالت هذه الأمتعة تؤدي الغرض الذي نحملها من أجله؟ ويمضي المقال لوصف شكل الحقائب الخارجي الذي يشي بأهميتها ونوعية محتواها. ثمّ في الجزء الثاني تفصّل الكاتبة المحتوى وتتناول المعتقدات والأفكار التي نحملها وبعض الأمثلة عليها، والمشاعر وعبئها الخاصّ . في الجزء الثالث تطرح فكرة رائعة وحقيقية تتلخص في استخدام العربات المدولبة، لحمل كلّ هذه الأمتعة والعربة مجازاًقد يُقصد بها الإدمانات أو أي شيء نهرب إليه للتخلص من كل هذه الأعباء.

والآن بعد هذا العرض أعلاه، ومحاولة تقريب الفكرة، أتمنى أن تحدثوني عن عفشكم الخاصّ

العلامة الفارقة: ثلمة في الوجه !

عندما سكنا بيتنا الحالي كانت الغرفة الأكبر غرفة البطات الثلاث أنا وأخواتي، لا يمكن أن تكون تلك الأيام قد مضت بلا فائدة تذكر. تعلمت فيها الكثير، ضبط جدول النوم مثلاً، التعامل مع المساحات الضيقة، والمزاجات الضيقة إذا تطلب الأمر ذلك. وكانت الفترة التي اكتشفن فيها كوابيسي وهلعي من الفقد. الشيء الوحيد الذي لم نتمكن من تجاوزه أو التفاهم معه، اختلاف اذواقنا الموسيقية. العلامة الفارقة الأولى في منزلنا والتي لم تنجح ضربات الطلاء الثلاث في اخفاءها هي قطرات البيبسي التي التصقت بالسقف عندما ألقيت العلبة المعدنية – في صيف ١٩٩٦م تحديداًباتجاه أختي عندما رفضت إغلاق الراديو وواصلت الاستماع لأغنية ” Faith ” لجورج مايكل، ذات الاغنية بعد تلك الحادثة أصبحت ما نسميه بـ أغنيتنا ! تم طلاء الجدران ثلاث مرات خلال السنوات التي مضت، ولم يفكر أحدٌ في طلاء السقف الذي كان لونه المبهم متناسقاً مع كل طبقة. وكلما نظرت لزاوية الغرفة أذكر ذلك اليوم وعلبة البيبسي التي أخطأت رأسها وأصابت رأس الغرفة. في كلّ بيت علامات فارقة، مثل الوشم، مثل الجرح الغائر، لا يمكن أن يطالها التغيير، بل إنّ ساكنيه يكبرون ويتغير كلّ شيء في حياتهم وتبقى تلك العلامة شاهدة. في الصورة أعلاه، جدار المطبخ، الذي يشكّل خلفية لماكينة القهوة التي تدور حولها أحاديث الصباح، والعصر، وما بينهما، في كلّ مرة يقف أحدنا ليعدّ لنفسه القهوة سينظر لهذه الخطوط الخضراء ويتذكر، كانت هنا قطعة خشبية تعلّق ويعلق عليها ورق القصدير، وورق التغليف البلاستيكي، ثبتتها والدتي بالغراء الساخن، وثبتت طويلاً، حتى جاء يوم حار في أغسطس وتهاوت، لم يبقَ من تلك المنصة إلا هذه البقع الخضراء، وبقايا الغراء الذي لا يفكر أحد في إزالته، حيث أنّ ذلك ممكن، أفكر هل هو الانشغال، أم أنّ البقع نجحت أخيراً في تسجيل نفسها ضمن العلامات الفارقة للمنزل. في استراحة الدرج المؤدي للدور العلوي، ستجدون ثلمة واضحة في أسفل الجدار، في قطعة الرخام التي تربطه بالدرجات، وسببها كان عندما كانت العاملة المنزلية ومعها أخي ينقلون سريراً مفككاً إلى قطع خشبية للدور السفلي انزلقت منهم القطعة الخشبية الاثقل وهوت باتجاه الجدار، وكُسرت قطعة الرخام، في كل مرة نقترب من الانحناءة السريعة ننظر للشق ونتخيل أنّه يسرب حكاياتنا للخارج كلّ مساء ! في صغرنا أيضاً كنّا نخترع اللعب، أعتقد أنّ اللعبة التي سأحدثكم عنها الآن والتي تركت علامة هي الأخرى ليست من اختراعنا تماماً، اختراع الفضول، اللحظة تلك ربما، كنا نبلل مناديل الورق ونرمي بها لأعلى نقطة في المنزل، الصالة الرئيسية في الدور السفلي تفتح على مدى ارتفاع البيت، وتمتد للدور العلوي، كانت المناديل تصل لأبعد نقطة ، ينزلق بعضها ويسقط سريعاً، البعض الآخر يصمد ليوم أو يومين ثم يجف بفعل هواء المكيف، ويقع أخيراً. وهناك القطع العجائبية التي صمدت لأكثر من عشرة أعوام ، وهذا هو الجزء المخيف من القصة، أذكر أنّ والديّ امتعضا بسبب الفوضى والهمجية في تلك اللعبة، لكن لاحقاً وفي كل مرة يرتفع فيها نظرنا للجدار الأعلى نجد المناديل صامدة، كل يوم ننتظر وقوعها، ومرت الأيام، والسنوات كذلك ! وما زالت في مكانها ، وأزيلت بأداة كشط عندما صبغنا الجدران مؤخراً. كان يمكننا توديعها في طقس مهيب، كنا كمن أزال شامة جميلة من وجهه للأبد . من العلامات الأخرى، المسامير التي حفرت بشكل خاطئ، اللوحات المائلة للأبد، الإنارة المعطوبة الغير قابلة للإزالة، أخطاء البناء الخارجي التي احتاجت لعين ثاقبة لتستدل عليها، الخربشات الصغيرة على جدران الأماكن التي لا يرتادها الضيوف، متعة العثور على هذه العلامات وتسجيلها للتاريخ أحببت الحديث عنها في هذه التدوينة، وهي فرصة كذلك لاستدراجكم لمشاركتي بما وجدتموه في بيوتكم .