التاريخ الكوني للضجر .

لم أتعرف على الضجر في سنّ مبكرة، في الحقيقة أستطيع تحديد الفترة التي اكتشفت فيها معنى كلمة ضجربكل معانيها واشكالها العامية وبكل اللغات. كان الزمان الصيف والمكان بيت جدتي والمزرعة الممتدة. ما إن تبدأ العطلة الصيفية حتى تبدأ فعاليات لا تنتهي من اللعب والمغامرات الغير متوقعة! في عمر التاسعة تقريباً تنبهت، كنا عدة عائلات في مكان واحد، تجمعنا مواعيد الوجبات، ويفرقنا ميلان الشمس في السماء لتعلن موعد الخروج والركض في كلّ اتجاه. ولكن ، كانت هناك عائلة مميزة، مميزة لأن كلّ افرادها كانوا يعانون من ضجر، علمت اليوم بأنه ما يسمى بالضجر المزمنويختلف عن النوع البسيط من الضجر لأنه مزمن وخطير، ومزعج . مهما كانت الاجواء ممتعة ستجدهم منكفئين على انفسهم وينتظرون، يحسبون الوقت لغياب الشمس، الوقت لتناول الطعام، الوقت لانتهاء العطلة والعودة. وخلال كلّ ذلك أمرّ بالتعذيب الصريح الذي يكمن في ترديد كلمات مثل زهق، طفش” . كخلفية صوتية لجلوسنا أمام التلفاز، بينما يعرض مسلسل كرتوني مثير ومحفز، وهم في زاوية المكان يستدرجون حالة من الحزن تبدأ بترديد الكلمات وتنتهي ببكاء طويل وعقاب من الوالدة التي ضجرتبدورها منهمفي كتابه الضجر، تاريخ حيّيشرح بيتر توهي أنواع الضجر ببساطة ويقول أن النوع الأول منها البسيط الذي يحدث لنا مع المواقف المتوقعة مسبقاً والتي لا يمكن الهروب أو الفكاك منها، مثل المناسبات الاجتماعية الطويلة، حفلات الزفاف، الاعياد، هذا النوع بسيط لأنه مربوط بفترة زمنية ستنتهي سريعاً. وجه آخر أيضاً من هذا الضجر البسيط هو تكرار تجربة معينة حتى الاشباع، وهنا يولد الضجر منها. مثل أكل صنف معين من الطعام، أو الاستماع لمقطوعة موسيقية مرات ومرات، ينتقل فيها الانسان من شعور الضجر حتى الغثيانأما النوع الثاني – الأكثر تعقيداًما يمكن تسميته بالضجر المزمن أو الوجودي، وهو الذي أولته الدراسات الاهمية، وكتب عنه الادباء وقيده الرسامون في لوحاتهم، ربما لأنه كان وما زال أشد أثراً على من يعانون منه ولأن النوع الثاني والابسط شعور انساني يأتي ويغادر سريعاًوفقاً لدراسة بريطانية أجريت في العام ٢٠٠٩م من خلال الانترنت، يعاني البريطانيون حوالي ستة ساعات اسبوعياً من الضجر، ولشخص يعيش حتى عامه الستين سيكون قد عانى من سنتين تقريباً من الضجرأيضاً كشفت الاحصائية أن البريطانيين هم رابع شعوب اوروبا – من ٢٢ دولة – في معاناتهم مع الضجر. ولو كان الوقت والمال يسمح لهم بترفيه أنفسهم بشكل أفضل لاختلفت الاحصائية بالتأكيد.

متابعة قراءة التاريخ الكوني للضجر .

قطار الحياة.

أول مستشفى متنقل على سكة حديدية في العالم ، وربما على عجلات

الفكرة بدأت كحلم لجواهر لال نهرو ونفّذت في العام ١٩٩١م من قبل جون ويلسون مؤسس “Impact India Foundation”.مهمة هذا القطار، التنقل والوصول إلى مناطق هندية يقطنها ٧٠٪ من سكان الهند، ولكن لا ترقى فيها الخدمات الطبية للمأمول. المشروع جاء بتعاون بين وزارتي الصحة والسكك الحديدية ويُدعم اليوم من عدة جهات. ويتطوع فيه أفضل أطباء البلاد، لا يبالون بمجانية الخدمة، وسوء الاحوال الجوية، والانقطاع عن العالم الحديث. كلّ ما يرجونه هو تقديم أمل في الحياة لمن فقده. وإذا كنتم تعتقدون أن الخدمات ومستوى الجودة والنظافة المقدم على هذا القطار منخفضة، فكروا مجدداً، بعض الاطباء يصرح بأن بعض المعدات وجودتها لا يتوفر في أفضل المستشفيات والجامعات في الهند. لأن الفقراء والمقطوعين في الارياف بشر ، ويستحقون الأفضلشاهدت وثائقي بي بي سي حول الموضوع، وذهلت، شيء مبكي في الحقيقة، بينما تنتحر قطاراتنا كمداً، وتأخذ معها الارواح، تجوب القطارات الهند لعلاج المرضى وتوفير الخدمات الصحية لهمخلال الوثائقي ستشاهدون عدة حالات مرت أولا بمراكز الكشف المحلية لتحديد مدى حاجة المرضى للعمليات، من ثم نقلهم للقطار، ثمّ يعرض الوثائقي في نهايته حالة كلّ منهميتوقف القطار في محطته ولحوالي الشهر، كلّ أسبوع تُجرى عمليات جراحية في مجال، الاسبوع الأول لعمليات الأذن، والثاني لشلل الاطفال والثالث للشفاة، والرابع للعينينينقطع الطريق بسبب المظاهرات واعمال العنف، يتأخر وصول الاطباء والمساعدات، لكن العمل لا يتوقف، يبحث الاطباء عن مخرج دائما، ولا يضيعون الوقت في البحث عن مهربسنوياً يعالج حوالي ٥٥٠٠ مريض من خلال مشاريع قطار الحياة، ومنذ العام ١٩٩١م تلقى حوالي ٦٠٠ الف مريض العناية الطبية المجانية، وأجريت ٨٥ الف عملية جراحية في مختلف المجالاتالسرّ في نجاح مشروع كهذا؟ التعاون بين عدة جهات حكومية وخيرية، ونجاح السكك الحديدية الهندية ودقة عملها ووصولها إلى أقصى مناطق البلاد. مناطق لم تصلها الرعاية الصحية إلا بنسبة ضئيلةمن جهة أخرى حماس الاطباء، أولئك الذين يتركون أماكن عملهم سواء كان ذلك حكومياً أو خاصاً، سعادتهم ودقة عملهم تمنح البهجة والأمل للآخرين. كل هذه العناصر ساهمت في استكمال واستمرار العمل على هذا القطار.

يمكنكم التعرف على المزيد في هذا المقال، وفي صفحة ويكيبيديا الخاصة بالمشروع، وموقع مؤسسة Impact India.

أيضاً يمكنكم تحميل الوثائقي من (هنا) ومشاهدة ملفات الفيديو هنا


.

Detachment

الاحتراق النفسي هو الموضوع الاساسي في هذا الفيلم، قبل فترة ليست بالبعيدة شاهدت الوثائقي في انتظار سوبرمانالذي يناقش أوضاع التعليم العام في الولايات المتحدة الامريكية، انحدار مستوى الخدمات التعليمية والكادر التعليمي بشكل عام، ما أدّى لانسحاب الطلاب، أو تدني مستوياتهم التحصيلية مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. يُفتتح الفيلم بمونولوج يتحدث فيه المعلمين والمعلمات عن أسباب تعيينهم – أو اختيارهم للعمل في التدريس– . والاسباب في مجملها تعطي انطباع أولي عن انعدام الرغبة في العمل، ومساعدة الآلاف من الطلبة لايجاد طريقهم في هذه الحياة.

اسم الفيلم معناه الانفصالأو بمعنى آخر الانعزاليحكي صراع هؤلاء المعلمين، والجهاز الاداري، وهنري بطل الحكاية معهم ومحاولاتهم لايجاد حلقة وصل بينهم في نفس الوقت الذي يفصل بينهم وبين بعضهم صحاري شاسعة – معنوياً-.

هنري مدرّس مؤقت، يحاول دائما ألا يرتبط عاطفياً بمكان، بزملاء، أو طلاب، وهو بذلك يحافظ على المسافة الآمنة بينه وبين الآخرين. مسافة كافية لإفخاء آلامه، ومخاوفه، ولكن عالمه لا يحتفظ بهذه الحواجز والحذر لوقت طويل، فجأة وبينما يتطور مسار الفيلم يبدو لنا بأن حياة هنري تتهاوى! في نفس الوقت نشاهد كل الشخصيات، تتهاوى على طريقتها، كأن الفيلم قبض على آخر مرحلة قبل الانفجار لكلّ منهم، وبدأ بالتأمل والترقب.

انهيار عالم هنري ومسافاته الاسمنتية التي وضعها، يأتي بسبب اتصالهبالآخرين، شيئا فشيئاً يجد نفسه يهتمّ، ويقترب عاطفياً، من طالبته الفنانة التي تكافح لتجد صوتها والدعم من أسرتها، وعاهرة مراهقة ينتشلها من أذية الشوارع – لو مؤقتاً، وزميلته في العمل.

أحببت في الفيلم واقعيته، الحوارات، زوايا التصوير، وفريق الممثلين الذي وإن بدا كبيراً، فإنه من جهة أخرى منح فرصة للقادمين الجدد. تذكرت اقتباسا احتفظت به لجون أبدايك يصف فيه الكتابة الواقعية، وسأصف به هذا الفيلم واقعي كما لو أن عملاقا ما اقتطع كتلة كبيرة من الأرض ووضعها في صندوق زجاجي“. ربما لأنّ كاتب القصة كارل لند مدرس سابق، نقل تجربته وتجربة زملاءه إلى الشاشة الكبيرة. عندما سُئل توني كاي عن سبب تبنيه للقصة للاخراج صرّح بأنه سبق وتناول المشاكل الاجتماعية في أفلامه – كاي هو مخرج الفيلم الكبير American History X الذي ناقش العنصرية في أمريكاوأنّ المشكلة هذه المرة التعليم، وأنه لا يصنع الافلام للمتعة فقط، وأوافقه لأنّكم إذا كنتم ستشاهدون الفيلم للمتعةابحثوا عن فيلم آخر.

التعليم دائما قضية تؤرقنيربما لأنني وبعد سنوات من الدراسة، ومحاولة الانخراط في التعليم بالشكل الايجابي الذي ارغب به لم أجد فرصة بعد! أريد أن أحاول قبل أن احترق، قبل أن افقد ثقتي بنفسي وبالنظام ككل. إنّ انحدار النظام التعليمي العام حول العالم كابوس، وأدرك من ما اطلع عليه، ومن شهادات زميلات لي مضى على عملهن أكثر من عقد من الزمان أننا نتجه لكارثة تشابه الكارثة الأمريكية، إن لم يوجد حلّ.

توني كاي يؤمن بأن وظيفة المعلمين هي أهمّ وظيفة على وجه الأرض، وأن المليارات يجب أن توجّه لهم، تعتني بهم الانظمة وتمنحهم الدعم اللازم لتكوين وتشكيل المستقبل المتمثل في الطلاب، لكن ما يحدث الآن هو العكس تماماً، مهنة التدريس تجتذب أسوأ المؤهلين لها، وينفر منها المبدعون أصحاب الأفكار المبهرة التي تحتاج إلى تبني.

في افتتاح الفيلم يظهر هذا الاقتباس، الذي ربّما يُجمل الحكاية، الاقتباس لألبير كامو.


* لو ساهمت هذه التدوينة في دفعكم لمشاهدة الفيلم – الذي دهشت بأنّ التغطية الاعلامية له ضعيفةيمكنكم تحميله بواسطة تورنت (هنا)، ومشاهدة مقتطف في الفيديو:

يتحرّك الزمن ببطء رحيم.

(أ)

يمكنني الحديث عن أيامي بأنها تطابق رهيب مع عنوان هذه التدوينة، الذي بالمناسبة اقتطعته من حديث طويل لجون أبدايك. كلّ صيف، صيف انتظار بالنسبة لي، لكن هذه السنة الأسوأعلى الاطلاق، أعوذ بالله من السوء، السوء هنا سوء الانتظار وسطوته على ذهني، لا استطيع الانشغال بشيء دون السقوط مرة أخرى في هاوية انتظار. انتظار أن تتضح الرؤية بخصوص عمل جديد. وانتظار انفراج في واجباتي الاكاديمية. الانتظار والبطء جيّدان، ربما هي الفرصة لأستعد للتغييرات التي ستحدث في حال حدثت، أو تمرين إضافي لتمارين الصبر التي نجحت فيها طوال حياتيأقرأ، أمضي ساعات اليوم في التنقل بين الدور العلوي والسفلي، شرب الكثير من الماء، لا أنسى أن حبة الفيتامين بعد وجبة الافطار أفضل لأنّ وقت امتصاصها مثالي، أحارب النسيان بتدوين يومياتي بسرعة، أكافح للالتزام بمشروع السنة ورسائلي لهيفا الصغيرة، يتوعك والدي قليلاً ثم يجتاز الوعكة، تتوعك والدتي قليلاً ثم تجتاز الوعكة، وبين هذا الوقت وذلك أدعو الله أن يحفظهما ويطيل بقاءهما، لا شيء يسندني في توعكي وتعثري مثلهما. أتابع الأخبار على أربعة قنوات اخبارية، أقرأ صحيفة واحدة لكلّ يوم، ولا أعود لقراءتها حتى يدور الاسبوع من جديد، أتابع أخبار ثلاثة ولايات أمريكية، اقرأ في كتابين، والثالث احتياطي لو غضبت منهما. أكتب وأشطب. أنام جيداً، اتبع حمية منذ ٣٦ يوماً، ونجحت في تقليل أرقي وشعوري بالكسل، تناولت حبوب الافطار الكاملة مع الزبيب، اتسوق للمنزل مرتين اسبوعياً بينما ينتظر والدي في السيارة، استمع للموسيقى الكلاسيكية، اكتشف لطفي بوشناق في حفلة ولا يتوقف الالبوم من الدوران. أفكر في مدونتي، افكر فيها كل يوم، افتح الصفحة أريد أن أقول شيئا ولا أجد. احضر مفاجأة لأخوتي في بلاد العمّ سام، وانتظر، يفتحون الصناديق أفرح وأعود لدوامتي من جديد، هذه الحياة، يجب أن يتوقف هذا الانزعاج سريعاً قبل أن يقتلني.

(ب)

سأتوقف عن الغضب من التوافهتوقفت عن محاسبة الاخطاء، الاخطاء تمحى لا شعورياً، مثل الغبار في غرفتي، اذا تجاهلته انزلق للخارج دون أن انتبه.الغضب من الشامبو الذي يقتحم عيني بعنف ويحرقها، هذا الغضب تافه، خصوصاً إذا عكر مزاجي، وتخيلت أن الارض كلها تقف ضدي بسببه، ما هذا؟ توقفت عن الغضب عندما خرجت يومها لأجد رسالة من صديقتي تخبرني بأن والدتها غادرت الحياة بعد صراع قصير مع السرطان، وددت لو أنّ سكب علبة شامبو كاملة في عيني ومقاومة غضبي سيعفيني من شعوري القاتل بالذنب. اغضب ويتعكر يومي لسبب تافه. بينما تعالج صديقتي قلبها المفجوع.

(ج)

أمرّ بكثير من الاشياء الجميلة، وأملك الوقت الكثير للحديث عنها، لكنني لا أجد الكلمات.

(د)

هذه التدوينة تطمين لي بأن مدونتي ما زالت على قيد الحياة، وربما رسالة لمن يقرأ، سأعود قريبا بالمزيد – ان شاء الله – شاهدت وثائقيات رائعة، وفيلم سينمائي، وقرأت كتاباً، ولديّ مجموعة من الروابط الالكترونية وتوصيات شرائية! لكن الكلمات ناقصة.