سُئِل غونتر غراس إذا كان يكتب في الليل وأجاب: “لا أبداً، لا أكتب في الليل. لا أؤمن بالكتابة في الليل لأنها تأتي بسهولة، وعندما اقرأها في النهار تبدو سيئة. أحتاج لضوء النّهار لأبدأ، بين التاسعة والعاشرة صباحاً أتناول فطوري على مهل مع القراءة والموسيقى. وبعد الفطور أعمل. أتوقف لاستراحة بعد الظهر وأشرب القهوة ثم أعود للعمل حتى السابعة ليلاً.”
الحلقة السادسة: تشك كلوز
“في عالم مثالي سأعمل لستّ ساعات يومياً، ثلاثة في الصباح، وثلاثة بعد الظهر. هذا ما أحببت القيام به دائماً، خصوصاً بعد ميلاد أطفالي. كنت أعمل ليلاً لكن عندما ولد الأطفال لم يعد بإمكاني العمل في الليل والنوم نهاراً. حينها فقط بدأت العمل في روتين شبيه بالعمل من التاسعة صباحاً للخامسة مساءا، وإذا أمكنني العمل لأكثر من ثلاث ساعات مرّة واحدة أبدأ في صنع الفوضى. لذلك كانت فكرة العمل لثلاث ساعات ثم التوقف لوجبة الغداء والعودة من جديد لثلاث ساعات أخرى وهكذا. أحيانا، استطيع العودة للعمل ليلاً ولكنني أصنع الكثير من الأخطاء واقضي اليوم التالي في إصلاحها.” يقول تشك كلوز أنّه لا يستطيع المحافظة على الروتين دائما، لذلك يحاول تأخير الاتصالات الهاتفية لما بعد الرابعة مساءا وهذا غير ممكن للأبد! عندما يجد الوقت للعمل لا يفتقر للأفكار، يقول أنّ الإلهام لغير الناضجين، البعض منا يصل لمكان العمل ويبدأ. خلال عمله يحب الاستماع لصوت التلفزيون والراديو في الخلفية، خصوصاً أخبار الفضائح السياسية، كانت أفضل ساعات عمله بالتزامن مع ووترغيت وايران-كونترا وغيرها. إنّه يحب قدرا معيناً من التشتت، يحميه من القلق ويجعل الأشياء قريبة.
الحلقة الخامسة: بابلو بيكاسو
في العام 1911م انتقل بابلو بيكاسو من باتو لافوا – مجمّع من الاستديوهات بإيجار منخفض في مونمارت- إلى شقّة محترمة في كليشي بمونبارناس. وضعه الجديد توافق مع شهرته التي تنمو وأمنياته البعيدة بالتحول إلى برجوازي. يقول عنه جون ريتشاردسون كاتب سيرته الذاتية: “بعد الحرمان الذي وجده في طفولته والبساطة التي عاشها في أيامه الأولى بباريس، أراد بيكاسو العيش والعمل بلا قلق ماديّ، مثل رجل بسيط ولكن مع الكثير من المال”. احتل بيكاسو الاستديو الملحق بالشقة ومنع الجميع من الدخول إليه بلا إذن، وأحاط نفسه بأدوات الرّسم والألوان وأكداس القمامة. كانت الحيوانات الأليفة ترافقه من بينها كلب وثلاث قطط سيامية وقرد اسمه مونينا.
طوال حياته كان بيكاسو يستيقظ متأخراً وينام متأخراً، يقفل على نفسه الاستديو في الثانية بعد الظهر ولا يخرج قبل غروب الشمس. تقول عنه صديقته فرناند أنه لم يكن رفقة جيدة بعد نهاية يوم عمله، يخرج من الاستديو صامتاً ولا يتكلم كثيراً، قد تمرّ وجبة الطعام كاملة بلا كلمة واحدة. وقد يعزى مزاجه هذا للنظام الغذائي الذي كان يتبّعه لا يشرب سوى المياه المعدنية والحليب، ولا يأكل سوى الخضروات والسمك ومهلبية الأرز والعنب.
اقترحت عليه فرناند أن يخصص يوم الأحد للمنزل والعائلة، وهي فكرة استوحتها من غيرترود شتاين. هكذا تمكّن بيكاسو من تخصيص الوقت لزيارات الأصدقاء المعلّقة في ظهيرة واحدة. يقول ريتشاردسون أن بيكاسو كان يتأرجح بين الانعزال الاجتماعي وحبّ الصحبة ونادراً ما أصابه الملل بسبب الرسم.
يقول بيكاسو عن نفسه أنه لا يشعر بالدوار أو التعب بعد الوقوف لأربع ساعات أمام لوحة. لهذا السبب يعيش الرسامون طويلاً!
“عندما أعمل على لوحة اترك جسدي خارج الاستديو، كما يترك المسلمون أحذيتهم في الخارج قبل دخول المسجد”.
الحلقة الرابعة: هاروكي موراكامي
عندما يكتب هاروكي موراكامي رواية يستيقظ في الرابعة صباحاً ويعمل لخمس أو ستّ ساعات متواصلة. بعد الظهر يخرج للركض أو السباحة – أو كلاهما-، ينهي أعماله، يقرأ ويستمع للموسيقى. أما موعد نومه اليومي فيحلّ في التاسعة ليلاً. “التزم بهذا الروتين يومياً بلا تنويع” يقول موراكامي في لقاء مع باريس ريفيو 2004م “التكرار نفسه يصبح شيئاً مهماً، نمط علاجي، أعالج نفسي لأصل إلى حالة ذهنية أعمق”. يرى موراكامي أنّ الحفاظ على هذا الروتين الناجح لا يتطلّب جهداً ذهنيا وحسب، بل جهدا بدنيا كذلك. القوة الجسدية لدى موراكامي مهمّة كأهمية الحسّ الفنّي.
في العام 1981م، العام الذي كانت فيه بداية موراكامي الكتابية الفعلية بعد سنوات من إدارة نادي للجاز في طوكيو، لاحظ هاروكي أنّ نمط حياته يساهم في زيادة الوزن. موراكامي يقضي الساعات جالساً، يشرب الكحول، ويدخن حوالي 60 سيجارة يومياً. قرر حينها تغيير عاداته كلياً فانتقل مع زوجته إلى الضواحي واقلع عن التدخين وخفف من شرب الكحول. أما برنامجه الغذائي فتحول إلى نظام غنيّ بالخضروات والأسماك وحافظ على هذه التغييرات لحوالي ربع قرن!
الشيء السلبي الوحيد الذي وجده موراكامي في هذا النظام أنّه لا يسمح بحياة اجتماعية نشطة. “ينزعج الكثير من الناس عندما ارفض دعواتهم بشكل متكرر” كتب موراكامي في مقالة نُشرت في 2008م. لكنّه اكتشف علاقة ضرورية جداً مع قرّائه “سيرحب القراء بأي أسلوب حياة اختاره إذا كنت سأضمن لهم أنّ كلّ عمل اكتبه سيكون أفضل من السابق. أوليست هذه مهمتي الأولى كروائي؟”.
الحلقة الثالثة: هنري ماتيس
“استمتع بكلّ شيء، لذلك لا أصاب بالضجر أبداً” هنري ماتيس متحدثاً مع أحد ضيوفه 1941م خلال جولة في محترفه بجنوب فرنسا. أخذ ماتيس ضيفه في جولة حول مكان عمله. أراه أقفاص الطيور الاستوائية ومحمية النباتات بثمار اليقطين الضخمة والتماثيل الصينية الصغيرة، ثمّ جلس يحدثه عن طقوسه اليومية.
“هل تفهم لمَ لا أشعر بالضجر أبداً؟ خلال خمسين عاماً لم أتوقف عن العمل ولو للحظة. من التاسعة صباحاً وحتى الظهر، أجلس للمرة الأولى لوجبة الغداء وأتبعها بقيلولة ثم أحمل فراشي الرّسم في الثانية مساءا من جديد وحتى الليل. لن تصدقني! أيام الآحاد أبحث عن عذر جديد لعارضاتي كي أقنعهنّ بالبقاء حتى انتهي من عملي، وأنها المرة الأخيرة التي أجبرهنّ فيها على البقاء. ثم ادفع لهنّ ضعف الأجرة المقررة وإذا وجدت فيهنّ المزيد من التململ وفقدان الصبر اعدهن بأنني سأمنحهن يوم عطلة خلال الأسبوع. “ولكن يا سيّد ماتيس” تقول إحداهنّ “لقد مضى على هذا الوعد شهور ولم نحصل أبداً على يوم العطلة المنتظر” يا للمسكينات! إنّهن لا يفهمن وعلى أية حال لن أضحي بيوم الأحد لأنهنّ يردن البقاء مع أحبائهنّ”