الحلقة 17: بيوتر تشايكوفسكي

tchaikovsky

في العام 1885م استأجر تشايكوفسكي كوخاً في مايدانوفو. قرية صغيرة في منطقة كلين شمال غرب موسكو. بعد سنوات من التنقل والقلق عبر روسيا وأوروبا، وجد المؤلف في عامه الخامس والأربعين حياة جديدة يحبها. “يا لها من بهجة أن يكون لدي منزل” كتب لراعيته “يا لها من نعمة أن تعرف أحداً لن يقاطع عملك، قراءتك، ومشيك.” سيعيش بيوتر في ذلك الكوخ ما تبقى من حياته. بعد وصوله بقليل بدأ تشايكوفسكي روتينه اليومي وتبعه كلما كان في المنزل، يصحو بين السابعة والثامنة صباحاً، ويعطي لنفسه ساعة لشرب الشاي والقراءة من الإنجيل أولا ثم كتاب آخر في فلسفة سبينوزا أو شوبنهاور. ثم يخرج للمشي لخمسة وأربعين دقيقة. في التاسعة والنصف يجلس للعمل على البيانو بعد الانتهاء من أعماله المنزلية والرد على البريد.

عند الظهر تماماً يتوقف لتناول الغداء الذي يستمتع به دائماً. بعد الغداء يخرج لرحلة المشي الثانية مهما كانت حالة الطقس في الخارج. يروي أخوه عنه أنّه اكتشف مع الزمن أن الرجل يحتاج للمشي ساعتين يومياً للحفاظ على صحّته. وكان يتعامل مع حبّه للمشي باهتمام شديد يصل لدرجة الهوس، كان يظن أنه لو قصر مدة المشي اليومية سيصاب بمرض أو ستتأثر صحته.

هوس تشايكوفسكي بالمشي لم يأتِ من فراغ، يمكن تبرير ذلك برغبته في البحث عن إلهام لإبداعاته. كان يقف عادة ليسجل أفكاره ثم يعزفها لاحقاً على البيانو. بعد المشي يشرب الشاي من جديد ويقرأ جريدته أو المجلات التاريخية لساعة. ثم يعمل من جديد عند الخامسة ولمدة ساعتين. يتناول العشاء عند الثامنة ليلاً. وبعد ذلك إذا كان لديه ضيوف يلعب تشايكوفسكي الورق معهم وإذا كان وحيداً يقرأ قليلاً ثم يعزف على البيانو.

الحلقة 16: ليو تولستوي

21-5-2010-2-34-23533

“يجب أن أكتب كل يوم بلا فشل، ليست الجودة ما يهمني بقدر ما يهمني الالتزام بالروتين”. كان هذا تولستوي في إحدى يومياته القليلة التي كتبها خلال ستينات القرن التاسع عشر عندما كان غارقاً في العمل على “الحرب والسلام”. مع أنه لا يصف روتينه في هذه اليوميات إلا أن ابنه سيرغي سجل لاحقاً الطابع العام لأيام والده في “ياسنايا بوليانا” ملكية العائلة في إقليم تولا الروسي:

“من سبتمبر إلى مايو نستيقظ نحن الابناء مع مدرسينا بين الثامنة والتاسعة صباحاً ونذهب للصالة لتناول الفطور. بعد التاسعة صباحاً ينزل والدي من غرفته مروراً بالصالة وللطابق السفلي حيث يقضي حاجته، وكنا دائماً نقول أنّ والدي معكّر المزاج حتى يغتسل. ثمّ يصعد ويتناول فطوره المكوّن من بيضتين مسلوقتين، ولا يتناول شيئاً آخر حتى الخامسة بعد الظهر. لم يكن يتحدث كثيراً عند الإفطار ويذهب بعده إلى مكتبه مع كوب من الشاي. لا نراه إلا قليلاً حتى موعد العشاء.”

وفقاً لسيرغي، كان تولستوي يعمل في العزلة ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إلى مكتبه والأبواب المتصلة به تبقى مقفلة ليتأكد أن أحداً لن يقاطعه. لكن ابنته تاتيانا تناقض هذه الرواية وتذكر أنّ والدتها كانت تدخل لمكتبه وتجلس لتخيط بهدوء بينما يكتب. قبل العشاء يذهب تولستوي للمشي والإشراف على العمل في ملكيته، ثم يجتمع لاحقاً بالعائلة في مزاج أكثر اجتماعية. يكتب سيرغي:

“في الخامسة نتناول العشاء الذي يصل والدي له متأخراً. يأتي متحفزاً ويروي لنا أحداث يومه. بعد العشاء يقرأ أو يتحدث مع الضيوف إن وجدوا، وأحيانا يقرأ لنا جهراً ويطلع على دروسنا. في العاشرة ليلاً يجتمع سكان الملكية لشرب الشاي قبل الذهاب للنوم أو القراءة أو عزف البيانو. ثم ينام والدي عند الواحدة صباحاً.”

الحلقة 15: نيكولا تسلا

Nikola_Tesla

كان نيكولا تسلا متدرّب مبتدئ في مكتب توماس أديسون في نيويورك. يعمل يومياً من العاشرة والنصف صباحاً حتى الخامسة صباحاً من اليوم التالي. لاحقاً عندما بدأ شركته الخاصة أصبح تسلا يذهب للعمل عند الظهر. وفوراً تغلق السكرتيرة الستائر لأنّه يفضل العمل في الظلام. قد يرفع الستائر عندما تبدأ عاصفة في الخارج لأنه يحبّ النظر للبرق وهو يرتطم بالمباني المرتفعة ويجلس على أريكة الموهير.

جدول عمله اليوميّ ينتهي عند منتصف الليل مع فاصل في الثامنة ليلاً للعشاء بقاعة النخيل في فندق والدورف استوريا. كان يتناول عشاءه وحيداً ويتصل مسبقاً ليعطي التعليمات حول طعامه. عندما يصل يؤخذ إلى طاولته الخاصة والثابتة. على الطاولة 18 منديل مثنيّ بعناية وبينما ينتظر وصول طعامه يبدأ بتلميع الفضيات وأواني الكريستال بحماس على الرغم من لمعانها ونظافتها. ثم يصل طعامه الذي يحمله مدير المطعم المسؤول بنفسه وليس أحد الندّل. في طفولته طوّر تسلا عادة غريبة لا يمكنه الاستمتاع بطعامه بدونها ألا وهي حسب وزن طعامه ذهنياً قبل تناوله.

الحلقة 14: فرانز شوبرت

franz_schubert

وفقاً لأحد أصدقاء طفولته كان شوبرت يبدأ الكتابة في السادسة صباحاً ويستمر حتى الواحدة بعد الظهر، ويدخن غليوناً بعد آخر خلال ذلك. فترة ما بعد الظهر كانت أهدأ بالنسبة للموسيقي النمساوي، نادراً ما كان يعمل بعد الظهر. وجبة الغداء يتبعها التوقف عن العمل والخروج لبيت القهوة وشرب القليل من القهوة السوداء والتدخين وقراءة الجريدة. في عصاري الصيف كان يقضي وقته في المشي في المناطق الريفية خارج فيينا، ثم يستمتع بشرب كأس من البيرة أو النبيذ مع الأصدقاء. كان يتحاشى تقديم دروس البيانو على الرغم من أنه كان بحاجة للدعم المادّي، إلا أنّ هذا الدعم أصبح يأتيه من بعض أصدقاءه.

الحلقة 13: فيكتور هوغو

Victor-Hugo

عندما وصل نابليون الثالث للحكم في فرنسا 1851م أُجبِر فيكتور هوغو على مغادرة البلاد منفياً إلى جزيرة إنجليزية “جيرنزي” المطلة على ساحل نورماندي. عاش هناك لخمسة عشر عاماً مع أسرته وكتب بعض أفضل أعماله من بينها ثلاث مجموعات شعرية ورواية البؤساء. بعد وصوله للجزيرة بوقت قصير اشترى هوغو بيت “هوتفيل” الذي اعتقد السكان المحليون بأنّه مسكون بروح امرأة ماتت منتحرة، وبدأ فوراً إصلاحاته والصيانة. من أهم هذه الإصلاحات تحويل سقف وواجهة إحدى الغرف إلى الزجاج بالكامل لتصبح مثل الدفيئة الزجاجية إنما مجهزة بالأثاث. هذا الموقع كان الأعلى في الجزيرة بمنظر بانورامي يطل على القنال الإنجليزي، وفي أيام الصحو يمكن لهوغو رؤية ساحل فرنسا من النافذة. هناك كان يكتب كل صباح واقفاً، أمام مرآة.

يستيقظ هوغو فجراً على صوت المدفع في قلعة قريبة، يشرب القهوة المعدة للتوّ ويقرأ رسالة عشيقته جولييت درويت الصباحية. جولييت اسكنها هوغو على بعد تسعة أبواب من بيته. بعد قراءة رسالة محبوبته “جوجو” يبتلع الروائي الشهير بيضتين نيئتين، ويغلق على نفسه الباب في غرفته الزجاجية ليكتب حتى الحادية عشرة صباحاً. يخرج بعدها للسطح ليستحم من حوض بُرّد فيه الماء في الليلة السابقة، يغمر نفسه بالماء المتجمد ويدلك جسمه بقفاز من شعر الحصان. يمكن للعابرين رؤيته من الشارع، ويمكن لجوجو رؤيته من نافذتها!

عند الظهر ينزل فيكتور هوغو للطابق السفلي ليتناول الغداء. كان يرحب بكل زواره، الكتّاب والصحفيين وغيرهم. عندما تدق الساعة الثانية عشرة ظهراً يظهر في قبعة من الجوخ الرمادي وقفازات صوفية، يبدو وكأنه مزارع متأنق. كان كريماً مضيافاً، الكل يأكل بشهية على مائدته بينما يتناول القليل. بعدها يذهب في رحلة ساعتين من المشي ويتمرن عند الشاطئ. لاحقاً، يذهب للحلاق وهناك يحتفظ هوغو بقصاصات شعره لسبب مجهول. ثم يخرج في نزهة بالعربة مع جولييت، يعود للمنزل ليكتب المزيد، أو يستغل فترة ما بعد الظهر في الرد على أكداس الرسائل التي تصله يومياً.

عندما تغرب الشمس يقضي بقية يومه مبتهجاً في بيت جولييت بصحبة الأصدقاء، الكثير من المحادثات ولعب الورق أو يقضيه مكتئباً في المنزل. في عشاءات المنزل يتحدث هوغو في الفلسفة ويتوقف قليلاً ليتحقق من أنّ زوجته لم تغفو، أو يكتب في مفكرته الصغيرة التي يحملها في كلّ مكان.

يصف ابنه تشارلز المنظر: “ما إن يجلس للمائدة ويتحدث عن أي شيء قليلاً كأن يقول مرر لي الشراب، حتى يلتفت ويخرج دفتره الصغير ويبدأ بتدوين الأفكار، لا شيء يضيع، كلّ شيء ينتهي للطباعة.”