الحلقة 27: وليام فوكنر

Kitty_William_Faulkner

كان الصباح الوقت الأفضل للكتابة لدى فوكنر، على الرغم من أنه خلال حياته درّب نفسه على التكيف مع أكثر من روتين للعمل متى ما اقتضت الضرورة ذلك. عندما كان يكتب “As I lay Dying” في الظهيرة قبل أن يخرج لورديّته الليلية في مصنع للكهرباء. كان فوكنر يجد أن العمل الليلي أكثر ملاءمة له. ينام في الصباح عدة ساعات ويكتب طوال الظهيرة، ثم يزور والدته لشرب القهوة في طريقه للعمل. وهناك يأخذ قيلولات قصيرة وسريعة خلال ساعات عمله الذي لا يتطلب الكثير.

كان ذلك في صيف 1929م أما في صيف 1930م فقد اشترت أسرة فوكنر ملكيّة ضخمة. ترك وليام وظيفته لإعادة ترتيب منزلها وإصلاحه. حينها أصبح يستيقظ باكراً، يتناول فطوره، ويكتب طوال الصباح. كان يعمل في المكتبة التي لم يكن لبابها قفل، لذلك كان فوكنر يزيل مقبض الباب الخارجي كي لا يزعجه أحد. بعد الظهر يتناول الغداء وليلاً يسترخي مع زوجته على الشرفة مع زجاجة ويسكي.

أما بخصوص القصة الشهيرة عن كونه يكتب مخموراً، لا يوجد دلائل على صدقها. بعض معارفه وأصدقاءه علقوا على هذه العادة لكنّ ابنته نفتها بشدة وأكدّت على أنه كان يكتب واعياً ويشرب بعد ذلك. وعلى العموم، لم يكن فوكنر بحاجة لما يثبت طاقته الإبداعية. خلال سنواته الخصبة بين العشرينات والأربعينات من القرن الماضي، عمل بكثافة رائعة، كان ينهي 3000 كلمة يومياً وأحياناً ضعف هذا الرقم. ذات مرّة كتب لوالدته يخبرها بأنّه أنهى 10 آلاف كلمة في يوم واحد بالعمل من العاشرة صباحاً وحتى منتصف الليل.

الحلقة 26: إيغور سترافنسكي

tumblr_mg0iaup5pA1qaxihzo1_500

“استيقظ في الثامنة صباحاً، أتمرّن قليلاً، ثم أبدأ العمل بلا توقف من التاسعة حتى الواحدة بعد الظهر.” سترافنسكي متحدثاً إلى صحفي في 1924م. بشكل عام كانت تلك الثلاث ساعات أقصى ما يمكنه عمله يومياً. بالإضافة إلى ذلك كان يقضي يومه في كتابة الرسائل، نسخ النصوص الموسيقية، ويتدرّب على البيانو. إذا لم يكن سترافنسكي في رحلة فنية، فإنه سيعمل كل يوم على موسيقاه، بوجود الإلهام وعدم وجوده. كان يتطلب العزلة ونوافذ مسدلة الستائر قبل البدء. يقول سترافنسكي بأنه لم يتمكن أبدأ من العمل على موسيقاه حتى يتأكد أن أحداً لن يسمعه. إذا شعر إيغور بأنه عالق، يسترخي قليلاً ويريح رأسه.

الحلقة 25: هنري ميلر

Henry Miller, 1962

عندما كان روائيا شاباً كان ميلر يكتب من منتصف الليل وحتى الفجر، حتى توصّل لاكتشاف أنه شخص صباحي. خلال إقامته في باريس في ثلاثينات القرن الماضي كان يكتب من الفطور وحتى الغداء. ثم يأخذ استراحة للقيلولة ثم يعود للكتابة حتى الليل.

عندما تقدم به العمر وجد أن كل ما يكتبه بعد الظهر غير ضروري وغير مقنع. قال في إحدى مقابلاته: “أنت لا تؤمن بتجفيف المنابع، أليس كذلك؟ أؤمن بأنني يجب أن انهض وابتعد عن الآلة الكاتبة ما دام لديّ المزيد لقوله.” ساعتين أو ثلاثة في الصّباح كانت كافية له، وكان يركز على أهمية المحافظة على نمط إبداعي يوميّ وثابت.

الحلقة 24: مارك توين

The-Cheshire-Cat-with-Mark-Twain.

في الفترة ما بين 1870و1880م انتقلت عائلة توين كل صيف إلى مزرعة كواري في نيويورك. على مسافة 200 ميل غرب هارتفورد كونيكتيكت حيث منزل العائلة. وجد توين في تلك الصيفيات أكثر فترات حياته الكتابية غزارة، خصوصاً ما بعد 1874م عندما بنى أصحاب المزرعة غرفة كتابة صغيرة وهادئة على أرض الملكية، في ذلك الصيف تحديداً بدأ بكتابة مغامرات توم سوير. كان روتينه بسيطاً: كان يذهب للعمل صباحاً بعد فطور غنيّ ومغذي ليكتب حتى وقت العشاء في الخامسة مساءا. لم يكن أحد من أفراد عائلته يجرؤ على طرق باب غرفته، وكانوا ينفخون في بوق لمناداته عند الضرورة. وفي الأيام الحارة كان يترك باب الغرفة مفتوحاً ويثبت أوراقه بالطوب ويكتب بلا توقف حتى عند الأعاصير، مرتدياً ملابس خفيفة مصنوعة من الكتّان. بعد العشاء يقرأ توين ما كتبه خلال اليوم على أفراد عائلته. كان يحب الحصول على جمهور ودائما يكسب موافقتهم.

لا يعمل مارك توين أيام الآحاد ويقضيها مع أسرته ويقرأ ويستمتع بأحلام اليقظة في بقعة ظليلة من المزرعة. كان يدخن السيجار باستمرار سواء كان يكتب أو لا. يتذكر صديقه وليام دين عادات تدخينه المخيفة : “كان المنزل بحاجة للتهوية باستمرار، لماذا؟ لأن توين كان يدخن من الفطور حتى موعد النوم”. يذكر أصدقاءه أيضاً أنه كان يعاني من الأرق.


الحلقة 23: إرنست همنغواي

hemingway

خلال حياته كبالغ داوم همنغواي على الاستيقاظ باكراً، بين الخامسة والنصف والسادسة صباحاً. مع طلوع النهار ينهض وإن كانت ليلته الماضية صاخبة وغارقة في الكحول. يقول عنه ابنه غريغوري بأن مناعته قوية ضد الأعراض الجانبية للشرب المفرط. “يظهر والدي بشكل رائع دائماً، وكأنّه نام نوم الطفل في غرفة معزولة وبغطاء عينين أسود”. في لقاء أجري معه في باريس ريفيو العام 1958م شرح همنغواي بالتفصيل عن أهمية تلك الصباحات:

“عندما أعمل على قصة أو كتاب أبدا كلّ صباح ما إن يطلع الضوء. لا أحد يقاطعك والمكتب بارد وتدفئه بالكتابة. أكتب بلا توقف، أتوقف عندما أعرف ما سيحدث لاحقاً. أكتب حتى تعرف أنك ما زلت تملك المزيد من عصير الكتابة. أنك ما زلت تعرف ما سيحدث في التالي عندما تتابع الكتابة. لا شيء يمكنه أن يؤذيك، لا شيء سيحدث، لا شيء له معنى حتى يأتي اليوم التالي وتتابع ما كنت تفعله من قبل. ما يصعب تجاوزه حقاً هو الانتظار لليوم التالي.”

بعكس الأسطورة الشهيرة المتداولة عن همنغواي بأنه لا يبدأ الكتابة إلا بعد تجهيز 20 قلم رصاص من قياس 2. ينفي هذه الإشاعة بقوله “لم يسبق أن امتلكت 20 قلم رصاص في وقت واحد.” كان همنغواي يكتب واقفاً، مقابل خزانة كتب بارتفاع صدره على آلة كاتبة. قبل استخدام الآلة وكمسودة أولى يكتب على ورق خفيف بخفّة قشر البصل وبقلم الرصاص. عندما يعمل بشكل جيّد يبعد لوح الكتابة وينتقل للآلة الكاتبة. كان أيضاً يتابع عدد الكلمات التي يكتبها يومياً “كي لا يخدع نفسه” على حد قوله. عندما يتوقف الهامه الكتابيّ، يترك العمل على الروايات والقصص ويتجه للردّ على رسائل البريد. هذا يخلّصه من مسؤولية الكتابة، أو كما يسميها مسؤوليته عن الكتابة السيئة.