التوقيت الجيّد يصنع الفرق.

tumblr_m7o9y0TeSF1rn9746o1_400

الكتابة المستقلة فرصة جيدة للوصول للكثير من القراء. قد لا يوفر لكم ذلك وظيفة مستقرة في مطبوعة ما، لكن نشر قطع مختلفة في عدة مطبوعات سيوصلكم لهذا الهدف. من أهمّ أنماط الكتابة المستقلة Freelance كتابة المقالات الموسمية أو الملفات التي تغطي مواضيع مختلفة في المجلات والصحف. وجدت هذه النصائح المميزة التي كتبها دون فوغان –كاتب أمريكي مستقل- لمساعدة كلّ كاتب في تحقيق الانتشار والمكاسب المادية الجيدة مع الاحتفاظ باستقلاله التامّ. فوغان لديه خبرة تمتدّ إلى حوالي 25 عاماً في الكتابة المستقلة. أعجبتني النصائح وأحببت ترجمتها ونقلها لكم بتصرّف.

  1. ادرسوا التقويم، تعرفوا على الأحداث القادمة ومتى ستحدث. عادة يعرض الكتّاب أفكارهم الكتابية بالتزامن مع المواسم الشهيرة. مثل الأعياد الدينية، وبداية العُطل والمناسبات الوطنية.
    لكن، عوضاً عن ذلك يمنكم التفكير في صورة أكبر، تجاوزوا الأحداث المحلية إلى العالمية وابحثوا عن المناسبات التي يتكرر حدوثها سنوياً وتهم شريحة كبيرة من الناس، مثل الاحتفالات الرياضية والفنية أو ذكرى مناسبة دولية أو شخصية مهمة. قد يفيدكم هذا التخطيط المسبق في معرفة ما يتوقعه الناشرون منكم وتكتبونه. توفّر مواقع الكترونية حكومية وغير حكومية قوائم وتقاويم سنوية يوضح عليها أهم الأحداث التي ستقع في العام المقبل- أو الأعوام المقبلة-. كلما كبرت أهمية الحدث كلما كانت فرص مشاركتك في الكتابة أكبر.
  2. ابحثوا في اهتماماتكم الشخصية. لدينا جميعاً مواضيع واهتمامات نوليها الكثير من الوقت. كثير من هذه الاهتمامات تحظى بأحداثها السنوية التي تتكرر. وربما موسمية وشهرية. قد يثير اهتمامكم كاتب معين أو مدرسة أدبية معينة أو جائزة أدبية، أي منها تختارون ستجدون له مناسبة تتكرر كل فترة. من المناسب الاستعداد لهذه الأحداث واختيارها كموضوع لمقالاتكم المقبلة أو إعداد بحث مختصر ومكتوب بحرفية ومدعم بالوسائل والإضافات التي تدهش القارئ وقبله الناشر. الأحداث التاريخية -كذكرى الاستقلال أو المعارك الحربية الشهيرة أو ميلاد عالم عظيم- تعتبر أوقات مناسبة تنشر فيها المجلات والصحف قطع معدّة –غالباً- من كتاب مستقلين، وهنا يأتي وقتكم!
  3. القوا الشبكة بعيداً. هذه قاعدة معروفة للكتاب المستقلين! إذا أردتم الحصول على فرصة للنشر ابعثوا بمقالاتكم إلى عدة صحف/مجلات/دوريات، لأنكم لا تعرفون مسبقاً أي هذه الجهات مستعدة لتقديم فرصة جيدة لكم، اكتبوا –أيضاً- في نفس المواضيع ولكن بصياغة وعدد كلمات مختلف لضمان حصولكم على المساحة المخصصة للفكرة وإن تغير حجم المقال المطلوب.
  4. تجنبوا ثمار الفاكهة الأقرب! المقصود بذلك المواضيع والأفكار النمطية التي تقفز للذهن فوراً. هذه المواضيع عرضة لتهافت الكثير من الكتّاب عليها وبذلك تضيقون على أنفسكم فرصة النشر وتدخلون في منافسة ضخمة! ابحثوا عن مدخل مبتكر أو زاوية لم يُكتب عنها بعد, المقال الناتج سيكون متفرداً وسينال إعجاب جهات النشر الحريصة على التجديد.
  5. ابعثوا بكتاباتكم باكراً. لأنّ تحرير وتنسيق المواضيع ونشرها يحتاج إلى وقت وغالباً المجلات والصحف التي تغطي أحداثاً تذكارية تطمح إلى إنتاج ملف مميز وأعداد خالدة. قد يمتد العمل والتجهيز لهذه الأعداد بين أربعة وستة شهور قبل موعد النشر الفعلي. هنا يأتي دوركم للتواصل مع هيئات التحرير لمعرفة قانون المشاركة معهم والنشر والوقت اللازم لإرسال موادكم في حالة وقع الاختيار عليكم. هناك مطبوعات متعاونة ستزودكم في حال طلبتم ذلك بخططها المستقبلية ورغباتها الكتابية في حالة أردتم المساهمة. والكاتب الجيّد يبدأ باكراً.

مقلاة لبيضة واحدة.

قبل سفري للولايات المتحدة الأمريكية بعدة أيام كنت أعدّ فطوري في المطبخ ولاحظت أنّ المقلاة الصغيرة التي استخدمها لقلي البيض في حالة سيئة. الطبقة المانعة للالتصاق تآكلت وبدأت بالزوال، ونصائح السلامة تقول عندما يحدث ذلك تخلصوا منها فوراً. وفعلت، وغادرت. من الأفكار المضحكة التي زارتني قبل النوم وعندما أفكر في بيتنا وما هي أحوالهم؟ أفكر في المقلاة الصغيرة التي تخلصت منها قبل سفري ولم أبلغ أحد. أفكر في بحثهم عن المقلاة والانزعاج الذي قد يسببه غيابها. هل تعرفون ما يمكن أن يقودكم إليه بحثكم المستميت عن أي شيء لتقلقوا بشأنه؟ هذه القصة مثال عليها. والحقيقة أن المنزل بخير وأن أحداً لم يتذكر غياب هذه المقلاة – على حد علمي- .

في رحلتي الأولى للتسوق بعد عودتي لم تغب فكرة المقلاة عن ذهني، وقفت في ممر المقالي وأواني الطبخ لاختيار واحدة، عدة شركات وأعجبتني مقلاة من بايركس. حملتها بسعادة. الفطور أهمّ وجبة في اليوم وأنا بحاجة لجيش من المعدات والمقادير الصغيرة التي تساعدني في إعداده بكفاءة!

متابعة قراءة مقلاة لبيضة واحدة.

طقوس نيويوركية.

 tumblr_msp0teSsXK1rk37gjo1_400

طلبت منّي الفنانة والكاتبة الفرنسية صوفي كال بعض التعليمات لتحسين الحياة النيويوركية وعليه أقدم لها التالي.

الابتسامة

ابتسمي حتى وإن لم يستدعي الظرف ذلك. ابتسمي وأنت غاضبة، ابتسمي وأنت تشعرين بالبؤس، ابتسمي وأنت تشعرين بأنك أكثر كائن مسحوق على وجه الأرض. ابتسمي وشاهدي الفرق. ابتسمي للغرباء في الشارع. قد تكون نيويورك خطرة، لذلك احذري. إذا فعلتِ ذلك ابتسمي للسيدات الغريبات عنك فقط. فالرجال وحوش ويجب ألا تصلهم فكرة خاطئة.

على أية حال ابتسمي. ابتسمي باستمرار وقدر الإمكان لكلّ شخص لا تعرفينه. ابتسمي لموظفة البنك التي تمد لك نقودك. ابتسمي للنادلة التي تقدم لك الطعام، ابتسمي للراكب الجالس أمامك في عربة المترو. وخلال ذلك، تنبّهي إذا ابتسم لك أحد بالمقابل. سجلي عدد الابتسامات “المرتدّة” التي تحصدينها يومياً ولا يحبطك غيابها. اعتبري كلّ ابتسامة ترتدّ إليك هدية غالية.

talktostrangers

تحدثي مع الغرباء

هناك أشخاص سيتحدثون إليك بمجرد ابتسامك لهم. يجب أن تكوني مستعدة لذلك بتعليقات شيّقة. بعض هؤلاء سيبادرون بالحديث لأنهم مشوّشون وليست لديهم فكرة عن سبب تبسّمك في وجوههم. هل هي إهانة؟ أم إظهار للطافة؟ هل لديك مشكلة سيدتي؟ اقفزي مباشرة للتعليق التالي: لا، ما من مشكلة سيدي، كنت أتأمل ربطة عنقك معجبة. أو أحببت فستانك سيدتي.

سيتحدث آخرون معك لأن لهم روحاً طيباً، سعداء بالمشاعر الإنسانية العفوية التي يبديها الآخرون في طريقهم. حافظي على استمرار المحادثة قدر الإمكان. لا يهمّ محتوى الحديث. الأهمّ من ذلك الحفاظ على التواصل الأصيل الذي حدث.

إذا وجدت نفسك بلا مواضيع للحديث، تحدثي عن الطقس. الساخرون يقولون بأنه موضوع تافه ومستهلك. ولكن في الحقيقة، لا يوجد موضوع يدفع المتحدثين للكلام بسرعة مثل الطقس. إنّه يؤثر بنا جميعا بشكل متساوٍ. بيضاً وسوداً، أغنياء وفقراء، أصحاء ومرضى. الطقس لا يفرّق بيننا، عندما تمطر عليّ تمطر عليك أيضاً. والطقس على عكس مشكلات الحياة الأخرى، ليس من صنع الإنسان.

على الرغم من أننا نعاني من الأشياء التي تفرقنا إلا أنه من الجيد تذكر الأشياء التي تجمعنا وكلما ركزنا أذهاننا عليها كلما ارتفعت معنويات المدينة.

peopleny

المتسولون والمتشرّدون

أنا لا أطالبك بإعادة اختراع العالم. أريد منك فقط الانتباه له، والتفكير في الأشياء حولك أكثر من تفكيرك بنفسك. على الأقل خلال تواجدك في الخارج، خلال مشيك في الشوارع، في الطريق بين الهنا والهناك.

لا تتجاهلي البؤساء. إنهم في كلّ مكان، ونحنُ نكبر ونعتاد على وجودهم إلى حدّ نسيانهم. لا تفعلي ذلك! أنا لا أطلب منك التبرع بكلّ مالك للفقراء، حتى وإن فعلتِ ذلك سيبقى الفقر موجوداً وسيضيف فرداً جديداً إلى قوائمه. في الوقت نفسه، نحن مسؤولون عن قلوبنا والحفاظ عليها كي لا تقسو. المبادرة ضرورية ومهما بدا ما تفعلينه صغيراً وبلا أمل سيظهر أثره بعد حين.

على سبيل المثال، اشتري خبزا وجبناً أكثر من احتياجك بقليل، واعدي شطائر إضافية قبل خروجك من المنزل واحمليها في جيوبك. قد تتمكنين من إطعام جائع أو اثنين في طريقك.

احملي معك السجائر. نعي أن التدخين مضر بالصحة، ولكن ما لا نعيه أنّ السجائر قد تمنح البعض السلوى. لا تمدي يدك بسيجارة واحدة، قدمي علبة سجائر كاملة إن استطعت.

وإذا لم تتسع جيوبك للشطائر؟ اذهبي إلى أقرب فرع من سلسلة مطاعم مكدونالدز واشتري قسائم للوجبات. اشتري بقدر ما تسمح ميزانيتك، وقدمي القسائم للجوعى إذا لم تملكي خبزاً وجبناً. قد لا يعجبك الطعام المقدم في مكدونالدز لكنه يعجب غيرك. ومقارنة بالخيارات الأخرى، جودة طعامهم تتناسب مع الأسعار. هذه القسائم مفيدة في الأيام الباردة، يتناول الجائع طعامه ويجلس بعض الوقت في مكان دافئ. إذا لم تجدي موضوعاً لبدء الحديث مع جائع، تحدثي عن الطقس.

cultivateaspot

العناية ببقعة من المدينة

الإهمال لا يطال الأشخاص وحدهم في هذه المدينة، حتى الجمادات مُهملة. ولا أعني بذلك الجسور والأبنية والأنفاق. أقصد المواقع الصغيرة التي نادراً ما ينتبه لها أحد. انظري حولك بتركيز، كل شيء يتداعى.

اختاري بقعة من المدينة، لا يهمّ أين، اختاريها فقط. قد تكون زاوية من شارع، أو مدخل لمترو الأنفاق، أو شجرة في حديقة. تولّي مسؤولية هذه البقعة وحافظي على نظافتها. جمّليها. اعتبريها امتدادا لكِ. جزء من هويتك ربّما. افخري بها كما لو كانت بيتك!

اذهبي إلى هذه البقعة كل يوم في نفس الوقت. توقفي هناك لساعة، وتأملي ما يحدث. تأملي المارة. سجلي ملاحظات والتقطي صور ثم دوّني كلّ ذلك وتعلمي من الناس والبقعة نفسها. ابتسمي للمارة. تحدثي معهم كلما سنحت الفرصة وإذا لم تجدي ما تقولينه تحدثي عن الطقس!

* التدوينة مترجمة عن نصّ  “Gotham Handbook” لبول أوستر.

**الصور من التقاطي ما عدا صورة أوستر في رأس التدوينة

Blackwing 602

Processed with VSCOcam with t1 preset

في سبتمبر الماضي قرأت مقالة نشرتها هوليوود ريبورتر عن قلم رصاص يحتفل بعيده الثمانين. هذا القلم اسمه بلاكوينغ 602. المقال أثار فضولي لأنه يتحدث عن موضوع ببساطة قلم رصاص! في العام 1998م توقف إنتاج هذا القلم وارتفع الطلب عليه، بدأت سوق سوداء ومزادات الكترونية يتنافس فيها محبّوه بالدفع والاقتناء. وصلت قيمة إحدى العلب الأصلية إلى سعر 384 دولار.

Picture1

لماذا Blackwing 602؟

يقول شعار الشركة المصنّعة أنّ هذه الأقلام تتطلب من المستخدم نصف الضغط وتعطيه ضعف سرعة العمل. أيّ أن المستخدم سينعم بقلم سلس وسهل الاستعمال. هناك أيضا الممحاة القابلة للتعديل والتي يمكن إزالة قطعة الألمنيوم التي تثبتها وتعديل طولها بحسب الحاجة. أيضاً لون القلم المعدني وطلاؤه المميز. وأخيراً تركيبة الجرافيت والطين والشمع التي تمنح المنتج سلاسة وثبات وبلا لطخات.

لمحة تاريخية

انتج القلم للمرة الأولى في 1930م في مصنع ايبرهارد فايبر بنيويورك. تأسس المصنع في 1861م من قبل إخوة ألمان. موقع المصنع آنذاك أصبح موقع الأمم المتحدة اليوم. يقول المؤرخ هنري بيتروسكي أن القلم لفت الأنظار بظهوره بسبب كونه أسود. كانت أقلام الرصاص آنذاك صفراء للدلالة على جودتها العالية. تمّ تبني المنتج فور ظهوره من قبل الفنانين والمهندسين والكتّاب. من أشهر من بدأ باستخدامه آنذاك رسامي ديزني الذين رسموا به شخصيات محببة وشهيرة من بينها الفأر ميكي، والغزال بامبي وغيرهم. تقول إحدى الروايات أن رسام الكرتون الشهير شيمس كولهاين عندما توفي دُفن وفي يده قلم رصاص بلاكوينغ 602.

توقّف الإنتاج

استمر إنتاج القلم من قبل ايبرهارد فايبر حتى الثمانينات من القرن الماضي، ثم اشترت شركة فايبر كاستل الأمريكية المصنع. واستمر إنتاج القلم تحت شعار الشركة السابقة (EF) بالإضافة إلى إنتاجه باسم الشركة الجديدة (FC). وعلى أية حال كان القلم يصنع بنفس التركيبة الأصلية التي وُضعت له وبلا تغيير. خلال التسعينات اشترت شركة سانفورد الشهيرة بتصنيع أدوات الكتابة فايبر كاستل الأمريكية لتصبح المالك الجديد والمصنع لـ بلاكوينغ 602. استمر إنتاج القلم تحت إدارة الشركة حتى 1998م وتوقف تماماً. الخبر المتداول عن سبب التوقف كان يعزو السبب لتعطل ماكينة التصنيع الخاصة، ولم يتمّ إصلاح الأعطال من قبل الشركة المسؤولة. كانت هذه الماكينة تنتج قطع الألمنيوم الخاصة بالممحاة وعندما تعطلت استخدمت الشركة المخزون الإضافي من القطع حتى نفد. القصة الحقيقية تقول بأن الماكينة تعطلت فعلاً لكن الشركة لم ترفض إصلاحها. كانت هناك أسباب أخرى لتوقف إنتاج القلم من بينها عدم وجود طلب كافي على الأقلام. كانت الشركة تنتج سنوياً 1100 دزينة من الأقلام من نوع بلاكوينغ 602، بينما تنتج عددا أكبر بكثير كل ساعة ومن أنواع أخرى من الأقلام. هناك أيضاً الفارق الكبير بين الإنتاج وتكلفة إصلاح الأجهزة مقابل الطلب وهذا اثقل كاهل الشركة لذلك قررت إيقاف التصنيع ببساطة.

قلم العظماء

بعد توقف إنتاج القلم احتفظ المهووسون به بالأقلام التي بحوزتهم وإن لم يعد ممكنا الكتابة بها، بيعت الأقلام وعلبها الممتلئة والفارغة بأسعار خيالية. شيء يقول لي بأن أسباب ظهور الجماهير التي تعلقت به كثيرة وأهمها المشاهير الذين ربطوا إبداعاتهم به. على سبيل المثال لا الحصر: جون شتاينبك، فلاديمير نابوكوف، إيغور سترافنسكي، جون لينون، تشك جونز وغيرهم.

تجربتي

بعد الاطلاع على المقالة الشهيرة بدأت بالبحث عن معلومات إضافية ووجدت هذه المدونة، اعتقد بأنها أفضل مرجع لمعرفة قصة القلم وقراءة تفاصيل عنه. ثم قرأت عن شركة كاليفورنيا سيدار وهي الشركة التي اطلقت قلم رصاص بنفس الاسم في 2010م احتفاء بالقلم الكلاسيكي. وجد النقاد في القلم الجديد كفاءة مقاربة لسابقه لكن الأوفياء له يرفضون ذلك ويجدون أن قلم بالومينو لا يمت له بصلة.

لكي أحصل على تجربة مشابهة وأضع حدّ لفضولي قمت بطلب علبة أقلام بلاكوينغ 602 الجديد، صعقت بالسعر (حوالي 20 دولار للدزينة) لكنني فكرت: الشحن مجاني لأنني في أمريكا! وصلت العلبة ولم أجرب الكتابة بالقلم حتى لحظة التدوين عنه، هذه التدوينة كتبتها بالقلم الشهير. لاحظت أنني لم احتج لإعادة شحذ القلم وأنني تمكنت من الكتابة لصفحة كاملة دون أن يزعجني بكسر أو تفتت أو تلطخ الصفحات بالسواد. وفعلا “ضغط أقل وسرعة مضاعفة”.

الفصل 31

Processed with VSCOcam with p4 preset

عدت قبل أيام من رحلة مذهلة في بلاد العم سام. تزامنت أيامها الأخيرة واحتفالي بعيدي الحادي والثلاثين. كان حلماً ممتداً حتى أنّ مخيلتي عجزت عن الحلم ليلاً. حققت كلّ ما رغبت بتحقيقه من هذا السفر، وأكثر. والقائمة التي وضعتها قبل حزم الحقائب انتهت سريعاً واكتشفت –على الرغم من ضيق الوقت- المزيد من الاهتمامات والوجهات السريعة. بينما كنت انتظر رحلة العودة كتبت سريعاً عدة نقاط، ماذا حدث؟ أين ذهبت؟ ماذا رأيت؟ غمرتني بهجة لم اشعر بها من قبل. كنت أقول طوال الرحلة لأخوتي –الذين سكنت معهم هناك- هذا السّفر أطلق بداخلي مشاعر ظننت أنني نسيتها.

غمرت نفسي بمياه المحيط، مشيت وحيدة في منهاتن وحتى منتصف الليل، عبرت الغابات الساكنة، راقبت السناجب وهي تجمع طعام الشتاء، حضرت حفلات موسيقية حيّة، استمعت لسمفونية بيتهوفن التاسعة، زرت مكتبة مايكل سايندبرغ السرية، شاهدت لوحات مونيه وديغا وإدوارد هوبر وسارجنت وماري كاسات وغيرهم. ركبت المترو، قرأت سيلفيا بلاث قبل رحلتي لحضور أسبوع الموضة النيويوركي، وعلى الطريق كيرواك بين شاطئ فرجينيا وبنسلفانيا، حضرت مهرجاناً فنياً وحفل توقيع لكاتب أحبه، وأخيراً سكنت في جناح ثيودوري في قرية وادعة.

التفاصيل التي لا تُصدّق إن قصصتها على نفسي قبل سنة من الآن، كلّ ذلك حصل بين أغسطس وأكتوبر. وكأنني وجدت صوتي الغائب، وجدت موضوعاً للكتابة، وجدت خيطاً سحرياً سينقذني من حبستي التي دامت طويلاً. عندما نويت السفر قررت التوقف عن التدوين، وقاومت كثيراً الحديث على الشبكات الاجتماعية عن تفاصيل أيامي هناك. عبّرت بالصور –الكثير منها- وأجد الآن أن كل ما فعلته كان صائباً. الاحتفاظ بتفاصيل الرحلة ونصائحها ودهشتها وعقباتها ورعبها لأكتبها في كتاب. هذه المرّة قلت لنفسي: سينجح الأمر. وإن لم ينجح؟ حسناً لستِ كاتبة كما تدّعين! وهذا مرعب.

أمام زجاج المكتب الصغير لموظف الهجرة في مطار واشنطن تحدثت عن نفسي في جملة مقتضبة “أنا كاتبة جئت للسياحة والبحث عن إلهام”. كانت اللحظة الأصدق منذ سنوات. وعاهدت نفسي حينها ألا أخذلها بالكسل والتسويف. هذه الذكريات الطازجة ستعرف بيتاً يحبّها ويحتضنها وستسعدون به قريباً.

بالنسبة للتدوين عن الرحلة، قد لا أدون عنها بشكل خاص لكن سأتحدث عن مواضيع أثارتها الأحداث حولي أو تنبهت لها وأنا هناك.

سعيدة بعودتي، سعيدة جداً.