أمريكا بالسيارة.

americabycar-5

“لا يمكن فصل السفر بالسيارة عن التجربة الأمريكية.” حدثت نفسي في رحلتي الماضية.

لا، لم تكن قراءتي لكتاب جاك كيرواك “على الطريق” السبب الرئيسي، على الرغم من أنني أجلتها حتى انطلقت في رحلتي البرية الأولى هناك. إنما كانت الصورة التي رسمتها في مخيلتي عشرات الأفلام السينمائية والقصص والكثير من أغنيات الفلكلور الأمريكية. هكذا يجب أن تكون طريقة تعرّفك على هذه القارة. بالسيارة ولساعات ممتدة وأيام. لم تكن رحلتي طويلة كما توقعت، وانتظر الرحلة التي وعدت بها نفسي وأخوتي بقطع القارة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. لكن، كنت محظوظة كفاية بقطع الطريق الذي مرّ به المستعمرون الإنجليز الأوائل. بين شاطئ فرجينيا وبنسلفانيا كانت رحلة السبع ساعات بمثابة الحلم. لم استطع أن أغفو لأكثر من ساعة –ربما حدث ذلك فجأة وبلا تخطيط وللحظات- رأيت غابات ممتدة، أنهار، خليج ضخم وشاطئ محيط بدا وكأنه خالٍ من البشر. طرق معبدة، طريق شبه معبدة وطرق فرعية تقودكم للمزارع والحقول. خيول وأبقار، نسور تحوم فوق الطريق السريع بحثاً عن جيفة حيوان دهس للتوّ. سيارات وبشر ولوحات. استعدت فكرة راودتني قبل السفر، فكرة لمجموعة صور. وبدأت بالتقاط صور للطريق، من جهات السيارة المختلفة ونوافذها ومراياها. صور مهزوزة وصور جيدة حتى امتلأت ذاكرة الهاتف. بعد عدة أسابيع فكرت بنشر بعض منها بالإضافة إلى مجموعة التقطتها في نيوجيرسي ونيويورك. لم أجد هاشتاغ أنسب من #americabycar لنشر الصور من خلاله في انستغرام. وفي هذا الهاشتاغ وجدت عدة صور التقطت قبلي وكانت كلها تقريباً في معرض للمصور لي فريدلاند الذي قدم مجموعة مصورة لأمريكا من داخل السيارة. واصلت إدراج صوري في الهاشتاغ وتبعني أفراد العائلة –كما ستلاحظون من الصور المدرجة تحته- . الفروق كثيرة بين صوري وصور لي فريدلاند. بداية من الألوان ومرورا بالمناظر وانتهاء بالاحترافية التي يملكها المصور المخضرم. سأحاول في هذه التدوينة التحدث عن مجموعة “America By Car” للمصور لي فريدلاندر.

America-By-Car-332x338

لي فريدلاندر مصوّر أمريكي التقط مجموعة من الصور الأحادية –باللونين الأبيض والأسود- من داخل سياراته المستأجرة –تويوتا وشيفروليه كما اتضح لاحقا- ولمدة خمسة عشر عاماً. التقط صوراً لأمريكا برفقة أجهزة السيارة وإطارات النوافذ والمرايا الجانبية. التقط 192 صورة وصنّفها إلى مجموعات، لا جغرافيا إنما بحسب الموضوع: أنصاب تذكارية، كنائس، منازل، مصانع، محلات بيع البوظة، تماثيل سانتا كلوز بلاستيكية، ومعالم على الطريق. لي فريدلاندر استلهم مشروعه المصوّر من أعمال غاري وينوغراند وروبرت فرانك التي صوّرت الحياة الأمريكية الحقيقية. إنما اختلفت طريقة العرض، فالمصور هنا لا يغادر سيارته إلا مرة واحدة ليصور بورتريه شخصي ويطل برأسه من نافذة الراكب. تنوعت الصور ومحتوياتها. تارة نرى النافذة الأمامية على اتساعها، وتارة يظهر المقود والراديو، وعدادات السرعة والوقود، وفي أحيان أخرى يلتقط الصور عبر النافذة الخلفية التي تشبه شاشة سينمائية. أما المرايا الجانبية فقد تطفلت عليها السماء بغيومها أو المنازل وأحيانا المصور وكاميرته. صور بسيطة واضحة وأخرى معقدة مليئة بالطبقات والتفاصيل. ويمكن نسبة هذا التأثر إلى والكر إيفانز ويوجين آتغيت.

lee-friedlander-montana-3-091310-lg

يُظهر فريدلاندر أيضا ولعاً باللوحات الإرشادية على اختلافها وأخطاءها المتعددة وحروفها المتساقطة.

tumblr_m762cnuxs91qzn0deo1_500

السيارات كما نعلم تعزل البشر عن بعضهم، هذا ما حاول فريدلاندر تذكيرنا به في كل صورة من صور المجموعة. أيضاً، كانت هناك مسافة بين صور فريدلاند وحاضر الحياة الاجتماعية والسياسية الأمريكية. تعلقت عدسته بآثار الحرب الأهلية ونصبها التذكارية وخجلت عن توثيق المعالم المعاصرة –إلا في حالة واحدة ظهر فيها ملصق سيارة يدعم حملة أوباما وبايدن الانتخابية- وهذا أيضا شيء لاحظته وأنا أتصفح المجموعة للمرة الأولى، ربما ما يعتبره البعض عيباً في الصور وجدته شيء مميز وجيد، كأنها من حقبة ماضية، خارج الزمان وإن بدت في أماكن معروفة ومسجلة. ومع أنّه لم يعبر بنيو أورلينز وديترويت وهي مناطق منكوبة في أمريكا، إلا أنه عبر “حزام الصدأ“، مرّ بمصانع أكرون أوهايو، ومنازل كليفلاند التي تشابهت وتلك التي صورتها لوحات تشارلز بورتشفيلد التي غطت فترة الكساد العظيم. السيارة مرة أخرى حالت بينه وبين التعاطف مع ما يراه. لم اقتن الكتاب بعد، لكنني شاهدت صوره موزعة في كثير من المواقع وقرأت عدد من التقارير التي كُتبت عنها ومن هذه المقالات ترجمت مقتطفات هذه التدوينة، هنا مقالة وهنا واحدة أخرى

عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

nyc

وصلتني عدة أسئلة في حساب Ask بخصوص قضاء عطلة في مدينة نيويورك، التكلفة ونصائح أخرى عن التنقل وأفضل الخطط للاستمتاع بالمدينة. كنت أفكر في تدوينات منفصلة لكنني الآن وجدت الوقت مناسب للتدوين عن خطة عشرة أيام في نيويورك من تجربة واختيارات شخصية.

أودّ الإشارة إلى أنّ تكاليف الرحلة والخطة لا تشمل تذاكر الطائرة لأنني زرت المدينة مرة بالباص ومرة أخرى بالسيارة حيث أنّ مكان سكني المؤقت في الولايات المتحدة الأمريكية كان يبعد حوالي ساعتين عنها. لكن كخيار مقترح للرحلة هناك شركتي طيران مفضلة للعائلة: الخطوط القطرية، الخطوط التركية. خط الرحلة ممتاز والخدمات المقدمة تتناسب والسعر الذي تدفعونه. والآن إلى النقاط الرئيسية.

  1. اختيار السكن: جربت نوعين من السكن في نيويورك. الأول في شقق يؤجرها أصحابها من خلال موقع Airbnb.com الفكرة في هذا النوع من المساكن أنكم ستسكنون في منزل لأشخاص، بأثاثهم ومتعلقاتهم الشخصية، سيتركون المنزل خلال فترة بقاءكم فيه وستدفعون لهم الإيجار المنخفض بشكل ملحوظ بدون ضرائب أو قيمة مضاعفة، حتى المواقف الخاصة بسياراتهم –إن وجدت- ستستفيدون منها في حال امتلكتم سيارة. تحتاجون للبحث بكلمات مفتاحية ومراجعة كل التفاصيل الخاصة بالشقة بعيدا عن المفاجآت. وقد وُفقت باختيار شقّتين مناسبتين، في كل منها مطبخ مجهّز، وأثاث جيد وخدمة إنترنت وغيرها من الأساسيات التي يحتاجها المسافر. اختلف المضيفون ففي الأولى لم تترك المضيفة أي أطعمة أو مشروبات للاستخدام، فقط تجهيزات. في الشقة الثانية كانت العائلة تسكن بالطابق السفلي وجُهزت الثلاجة في الشقة بالماء والمشروبات والخزانة بالأطعمة الأساسية والمعلبات، لم أحتج للتسوق إلى بعد عدة أيام. تأكدوا أيضا في حالة حجز هذا النوع من السكن من وجود المصاعد والأبواب المحمية والحراسة – لو احتجتم ذلك- ففي الشقة الأولى احتجت لحمل حقائبي لثلاثة أدوار وكدت افقد وعيي بسبب حرارة أغسطس! بالنسبة لقيمة السكن بهذه الطريقة خلال عشرة أيام: حوالي 1300 دولار أمريكي. مبلغ كامل بلا زيادات! أضفت عليها حوالي 200 دولار في شراء أطعمة وخضروات لتوفير مبالغ الأكل في الخارج، خصوصاً مع وجود الضرائب المرتفعة ورغبتي في تناول طعام أتأكد من محتوياته الحلال.

    أما النوع الثاني من السكن فهو اختيار الفنادق، الفنادق في نيويورك لها ميزة ظاهرة ومنفرة في نفس الوقت ألا وهي: ضيق المساحة! لكن الخدمات والنظافة جيدة في الكثير منها. لا تعتقدوا بأنكم ستجدون فندق بمساحة كبيرة نسبياً خصوصا إذا كانت ميزانيتكم المخطط لها متوسطة. جربت السكن في فندق جديد في منهاتن تابع لسلسلة ماريوت. الفندق جيد ولكن ثمن الغرفة لأربعة ليال سيقارب قيمة السكن من خلال Airbnb.com وللعشرة أيام الكاملة. لماذا؟ لأن ضريبة السكن في نيويورك حوالي 6% ولأن السكن في منهاتن مرتفع مقارنة بالمناطق الأخرى. أشير كذلك إلى أنني لم اختر خدمة الإفطار وحاولت تجاوز كل الإضافات ومن بينها الإنترنت إذا كان مبلغ الاشتراك مرتفع. السعر التقريبي لفندق جيد في نيويورك يبلغ حوالي 250 دولار. الفنادق الأقل سعراً تكون في مناطق مزدحمة ملوثة سمعياً وبيئياً وقد لا تتمتع بمستوى أمان مناسب. متابعة قراءة عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

14 لـ 2014.

14for14

إذا طُلب منكم المشاركة في لعبة الاعترافات الشهيرة، لا تكونوا مبادرين! اتركوا اعترافكم لنهاية اللعبة. أعتقد أنّ هذه هي نصيحتي الأكثر أهمية للعام الجديد –نصيحتي التي لم يطلبها أحد- ويمكنكم تطبيقها على كلّ شيء يتطلب القفز أولاً. على صعيد آخر، قررت أخطط لسنتي وأكتب 14 تغيير مهمّ وسأحاول خلالها تطبيق كل ما جاء في القائمة. بالتدريج؟ بالتأكيد. سأحاول أيضاً –كالعادة- التدوين عن كل بند متى ما شعرت أنني قمت بتحقيقه. أو الكتابة عن المحاولة في تطبيقه. لم يكن إيماني عميق بكتابة الأهداف والتغييرات وأن حفظها في مكان بعيد أنسب وأنفع من نشرها ورؤيتها مكتوبة. قد تلهمكم، وربما لأنني أرغب في أن تكون هذه التدوينة حجة على نفسي.

بلا تفاصيل أكثر إليكم 14 لـ 2014.

  1. شرب المزيد من الشاي. هناك عالم كامل في ورقة الشاي، نكهات ودول وطرق تحضير لم التفت لها حتى الآن.
  2. نشر تويتات أقلّ  وتحويل التدوين المصغر هناك إلى تدوينات طويلة ومفصلة هنا.
  3. اقتناء حصالة، وملئها بالمال طبعاً.
  4. المحاولة أكثر، وتجاهل التراجع والتراخي عندما لا تنجح الأمور.
  5. كتابة رسالتين بخيط اليدّ وإرسالها للأصدقاء.
  6. تقديم المديح لمن يستحقه، مديح مباشر، مديح ملفوف بالشكر والامتنان.
  7. التقاط المزيد من الصور.
  8. التنفس بشكل أفضل.
  9. خياطة لحاف -أمنية قديمة ومشروع بدأ وتوقف منذ سنوات-.
  10. اتقان شيء، إجادته والتعرف على كافة جوانبه. صنع المربّى مثلاً.
  11. الكتابة كلّ يوم. كلّ يوم مثل هيفا بعمر العاشرة.
  12. التفكير العميق قبل الكلام.
  13. تجنب الدراما.
  14. قضاء وقت أقلّ على الإنترنت، وفعل الكثير بعيداً عن الكمبيوتر.

2013: سنة القراءة

Beautiful-Girl-114

.

.

اشتركت قبل عدة أشهر بموقع SurveyMonkey لأسباب أكاديمية. انتهيت من عملي من خلاله وقررت الاستفادة من المدة المتبقية للرسوم التي دفعتها .

كيف؟ فكرت في استطلاعات رأي منوّعة –وهي فكرة جربتها من قبل في مدونتي- ثم ابني من خلالها تدوينة بتفاصيل مختصرة. كان الموضوع الأول والأهم بالنسبة لي: القراءة. كانت السنة الماضية ملوّنة ومذهلة، لكن من جهة أخرى قراءات قليلة وتدوينات أقلّ. تقول الإحصائية السنوية لـ ووردبريس بأنني دونت 60 مرة. ربما هذه أقل سنة في التدوين منذ بدأت في 2005م في هذه المدونة ومدونات أخرى. لا ارغب في الإسهاب بخصوص العام الماضي، قررت ألا أفعل! والحديث المهمّ الآن عن نتائج الاستطلاع. شارك فيه 213 شخص وهو رقم رائع ومحفز لإعادة التجربة مع مواضيع أخرى. الأسئلة موجودة هنا لمن يريد الاطلاع والمشاركة.

النتائج التي جمعتها جاءت كالتالي- ستلاحظون تفاوت النسب وأنها لا تكمل المائة أو تزيد عنها، السبب أن الأسئلة لها خيارات متعددة أحياناً وأنا اظهر النسبة الخاصة بالخيار-:

  • تراوحت أعمار المشاركين بين 16 وأكثر من 40 سنة. والنسبة الأكبر كانت للفئة 21-30 سنة بـ 59%.
  • العدد التقريبي للكتب المقروءة : 25% من المشاركين قرأوا من 1-5 كتب ، 21% من 6-12 كتاب ، و16% 13-20 كتاب ، 38% أكثر من 20 كتاب.
  • 68% من الأشخاص يقرأون كتب الكترونية وورقية، بينما يحتفظ 27% بخيار القراءة الورقية فقط.
  • 83% من المشاركين يقتنون كتبهم من مكتبات محلية. و52% منهم يقرأ الكتب المقرصنة على الإنترنت، و26% يتسوقون من مكتبات خارجية، بينما 27% منهم يشترون الكتب عبر المواقع الإلكترونية المتخصصة.
  • حصلت مكتبة جرير على أعلى نسبة من التعليقات التي قامت بتسميتها المكان الأول للتسوق، يليها التراثية في الرياض وفروع العبيكان. هناك أيضا ذكر لمكتبات دبي مول ولموقع جملون، وأمازون، وبارنز ونوبل، ثم المتنبي بالدمام ومعارض الكتاب عموماً.
  • 11% من المشاركين يصرفون أقل من 100 ريال لشراء الكتب. و20% بين 100-300 ريال، بينما صرف 25% منهم أكثر من 1000 ريال سعودي
  • نسبة استعارة الكتب ضئيلة مقارنة بالشراء. 9% من المشاركين أجابوا بنعم واستعاروا كتباً من مصادر مختلفة.
  • الروايات تربح في سباق المواضيع. 88% من المشاركين قرأوا روايات ويليها السير الذاتية والمذكرات حوالي 55% من المشاركين اختاروها كموضوع لقراءاتهم والنسبة الأقل للموسوعات.
  • اللغات التي يتقنها القرّاء : العربية بنسبة 99% ، والإنجليزية بنسبة 55% ووجدت تعليقات بخصوص إتقان اللغة الروسية/الهولندية/اليابانية والكورية.
  • الآيباد هو القارئ الإلكتروني الأشهر بنسبة 62% من الأصوات، وحصل كيندل على 6% و18% على جالاكسي نوت. وجاء في التعليقات: القراءة على جهاز الكمبيوتر، الجوال والكمبيوتر المحمول.
  • بالنسبة لتوصيات القراءة: 80% من المشاركين يحصلون عليها من تويتر. و6% من فيسبوك و28% من انستغرام، و69% من Goodreads أما توصيات الأصدقاء فحصلت على 57% والراديو بأقل نسبة 1%. أما التعليقات فأظهرت الحصول على التوصيات من خلال: البودكاست، البحث، نادي القراءة، ويوتوب والكتب نفسها.

بورخيس في متاهته

Jorge-Luis-Borges-235x300عندما علم ريتشارد بورغن بزيارة بورخيس لأمريكا. زيارته لكامبريدج تحديداً، ركض. ركض من ساحة هارفارد إلى غرفته في ساحة سنترال. أكثر من ميل من الركض في خمس دقائق. قضى ريتشارد صيف 1967م في التحضير للزيارة واللقاء ببورخيس العظيم. خلال ذلك كان يتحدث عنه في كل مكان يذهب إليه. يذكر بورغن يوم 21 نوفمبر جيداً، بجوه الماطر وتفاصيله الدقيقة ولقاء السادسة والنصف. هذا المدخل الرائع كان المحرض لقضاء أطول فترة قراءة مع كتاب – منذ زمن طويل لم أفعلها- لم أشعر بأنني كنت مدفوعة لإنهائه بقدر تمسكي بكل سطر ومحافظتي عليه في حقيبتي، في السفر وبعد عودتي للوطن. رفيقي بورخيس في كتاب اللقاء الأخير الذي يجمع أفضل لقاءات أجريت معه على مدى عقود واللقاء الأخير الذي أجري معه لإذاعة أرجنتينية في 1985م. هذا الكتاب جزء من سلسلة أعدّتها دار ملفيل هاوس ونشرت مجموعة كتب بنفس العنوان لعدة شخصيات وبنفس الفكرة.

لم أقرأ أعمال بورخيس كاملة. وحتى قراءاتي له مختصرة جداً. بين مقالات وقصص قصيرة واقتباسات. لم يمنعني ذلك من الاستمتاع بقراءة بورخيس الإنسان. حاولت قدر الإمكان جمع أكثر الفقرات التي أعجبتني –وغيرها أكثر- ، والطريقة المثلى التي وجدت أنها مناسبة لعرض الكتاب في تدوينة هي كتابة عناوين فرعية وسرد ما وجدته في حديثه عنها. في الكتاب بالإضافة لاقتباساتي قراءات سريعة في قصصه القصيرة وتحليلها بين مقابله وبينه، الحديث عن ترجماته لكافكا ووالت ويتمان وغيرهم. رأيه في ألمانيا وهيروشيما ولوركا الذي لا يعجبه، لا يمكنني حشر كل تلك المتاهة هنا لكنني أريد تحفيزكم للعودة للكتاب أتمنى أن تعجبكم الاقتباسات وترشدكم لقراءة الكتاب والتهامه بشهية.

jorge-luis-borges

أين تبدأ كتب بورخيس؟

تبدأ من كتب أخرى. لأنني أعتقد بأن قراءة الكتب تجربة لا تقلّ أهمية عن السفر أو الوقوع في الحبّ. قراءة بيركلي وبرنارد شو وإيمرسون مثل تجربة رؤية لندن. شاهدت لندن مع ديكنز وتشيسترتون وستيفنسون بالطبع. يرى الناس أنّ للحياة الحقيقية وجه واحد، السفر والصداع وألم الأسنان مثلاً. ثم يأتي الجانب الخيالي من الحياة في الفنون مثلاً. لا أجد فرقاً واضحاً بينهما. كل شيء يعني لي جزءا من الحياة.

الغضب؟

ليس هناك مجد في الغضب. إنّه ضعف. يجب أن تمنح عددا قليلا من الأشخاص القدرة على إيذائك إلا إذا كانوا يحملون سلاحاً طبعاً. مثلا: لا أستطيع تفهم غضب شخص من تأخر النادل وانتظاره. أو لأن حامل الحقائب لم يكن متحضرا معه. بالنسبة لي هؤلاء الأشخاص أشكال هندسية في حلم. لأن البشر القادرين على إيذاءك حقا –باستثناء الأذية الجسدية من حاملي الأسلحة- هم الأشخاص الذين يهمك أمرهم. يقول لي صديق “لكنك لم تغفر لفلان أو فلان بينما غفرت لشخص قام بفعل أسوأ” فأقول له “لكن فلان الذي لم أغفر له ما فعل اعتقدت بأنه صديق حميم، يصعب علي الغفران إذاً. بينما الآخر الغريب كلياً مهما فعل لا يمكنه إيذائي، لأنه ليس قريباً مني بما يكفي”

أعلى مراتب الانتقام؟

النسيان. هذا صحيح، مثلا إذا كنت أتمشى في الشارع وأهانني أحد المارة، لا أعتقد أنني سأفكر بالأمر مرتين. سأتظاهر بأنني لم أسمع شيئا، سأتظاهر بأن شيئا لم يحدث. على أية حال، أنا لستُ موجودا بالنسبة له فلماذا يكون موجودا بالنسبة لي؟

الأرق

أصبت له لعام كامل في بيونس آيريس. ليالي الصيف طويلة هناك مع الكثير من البعوض والتقلب في الفراش وتقليب الوسائد من حين لآخر. تناولت حبوباً منومة ولكنها توقفت عن العمل بعد حين. هناك الساعة أيضاً تذكرك بأنك لا تنام كلما نظرت إليها ووجدت الوقت لا يتحرّك. لا أذكر متى وكيف توقفت نوبة الأرق تلك. انتقلت لبيت آخر بلا ساعات وكانت الحبوب المنومة موجودة. وأخيراً وجدت النوم. أذكر طمأنة طبيب عبقري نصحني بالتوقف عن القلق بشأن أرقي، وقال ما دمت مسترخياً في سريرك فهذا جيّد حتى وإن لم تغفو. لستُ متأكداً من صحة نظريته لكنني طبقت نصائحه واستعدت نومي بعد فترة.

بورخيس في بلاد العجائب

أحبّ رواية “أليس في بلاد العجائب” لم أكن واعيا بالكابوس فيها. أذكر قراءتها في طفولتي واستمتاعي. شعرت بشيء حيالها لكنني لم أجد الكلمات المناسبة للتعبير عنه ووصفه. عندما قرأتها مجددا ظهرت اللمسة الكابوسية بجلاء.

 r-O_autor_cego-borges e maria_kodama

قراءة الأدب

يحاول الناس التفكير في أكثر من وجه عند قراءة الأدب. يتصورون أنه مكون من أنصاف حقائق وأنّ عليهم إيجاد الصورة الكاملة. أو الحل للرموز. يقولون استمتعنا بقصتك ولكن ماذا عنيت بذلك؟ وأجيب: لا شيء. عنيت القصة ذاتها. يحبّ القراء البحث عن قصة وراء القصة، عن هدف خفيّ ولا يقبلون بغير ذلك. هناك الكتابة للمتعة الخالصة، لا يُكتب كلّ شيء لإثبات شيء! والناس دائما سيبحثون عن درس وراء القراءة.

الموت أم الأبدية؟

لا يرعبني الموت. أفكر في الحياة وكأنها حلم. الأبدية هي ما يخيفني. فالموت يعني التوقف عن الوجود وعن التفكير والإحساس والتساؤل، وأنت محظوظ لأنّك ستموت وتتوقف عن القلق! الأبدية مشكلة. كل ليلة قبل النوم يخيل لي بأنني ذاهب في نوم طويل، قد يحدث ذلك.

السعادة والكتابة

قلت ذات مرة أن الرجل السعيد لا يرغب في الكتابة أو فعل أي شيء. يريد أن يكون سعيداً وحسب. السعادة نهاية. هذه إحدى فوائدها، فائدتها الوحيدة على ما يبدو. أما التعاسة فيجب تحويلها إلى شيء. أعتقد أنّ كل الكتابات تأتي من التعاسة,

لبنات الكتابة الأولى

أعتقد أن الكاتب الذي يبحث عن التجديد في الكتابة يجب أن يبدأ بإثبات إتقانه لما صنعه سابقيه. لا يمكنك البدء بالاختراع قبل العودة وتجربة ما قاموا به.

أصفر

آخر لون بقي معي اللون الأصفر. أحلم بالألوان وعندما استيقظ يتحول كلّ شيء إلى ضباب مضيء مائل للزرقة أو إلى اللون الرمادي. كتبتُ كتاباً بعنوان “ذهب النّمور” كان في الكتاب قصيدة تحكي عن اللون الأصفر. أول لون رأيته، لون فراء النمور. كنت أقضي الساعات في حديقة الحيوان مبحلقاً في الفراء، وعندما بدأت افقد بصري بقي الأصفر لوناً وحيداً. أول الألوان غياباً كان الأسود ثم الأحمر مما يعني أنني لستُ في الظلام أبداً. كان ذلك مزعجاً في البداية. ثم بقيت معي الألوان الأخضر والأزرق. ومن ثمّ تحولا إلى بني. وأخيرا اختفى الأصفر. لم يبق هناك ألوان، فقط ضوء وحركة.

borges-kodama

يوم في حياة بورخيس

عندما كانوا يذهبون لإيقاظه في التاسعة صباحاً يكون قد سبقهم، لكنه يبقى في السرير محاولاً العودة للنوم. يستيقظ في الحادية عشرة صباحاً. يحصل على قيلولة لأربعين دقيقة. ويحبّ التأنق دائما وإن لم يكن يرى ما يرتديه، أينما وجدت بورخيس ستجده في بدلة أنيقة وربطة عنق من ايف سان لوران، لديه سبعة أو ثمانية عصيّ جمعها من أسفاره واهدته إياها ماريا كوداما التي تختار ملابسه له، حافظ بورخيس على غرفة والدته كما هي على الرغم من أنها طلبت منه تحويلها لمكتب. كان لدى بورخيس قطّ كذلك، لكن القط مات. ولم يستبدله بغيره، يقول بورخيس بأن القطط لا تتشابه وأنه بالبحث عن بديل سيكون كمن يلبس القط زياً لا يناسبه. يتجول بورخيس في البيت وينتظر القط أو يبحث عنه ثم يذكر أنه مات، مات القط بعمر الثانية عشرة، يعتقد بورخيس بأنه عاش حياة طيبة. قبل أن يفقد بصره كان بورخيس يقرأ ويحبّ القفز في الكتب وتقليب الصفحات، لكن عندما توقف عن الرؤية وأصبح لديه قراء توقف عن ذلك. لن يستطيع إخبارهم بأنه ضجر وأنّ عليهم الانتقال إلى جزء آخر من الكتاب. وهكذا يبدأ بتقبّل ما يقرأون له. والمكتبة؟ كان يستمتع بالسير للمكتبات وتصفح الكتب والنظر إليها، الآن وقد ذهب بصره ليس معه سوى الدخول للمكتبة وسؤالهم عن توفر جديد في موضوع ما. وإذا أجابوه بالنفي؟ يغادر. كان يمضي ساعات في المكتبات ويتصفح ويقرأ. بورخيس لا يقرأ الصحف، ولا يتابع الأخبار ولا ينتمي لحزب سياسي معيّن. كانت تأتيه الأخبار من الأصدقاء ويكتفي بذلك. ينتهي يوم بورخيس في الحادية عشرة ليلاً.