كنزة حمراء.

redcardigan
By Amanda Blake

أعرف أنني أكثر صبراً الآن. كيف؟ لأنني لا اقتلع أوراق البقدونس من سيقانها بالسكين وبسرعة. أفكك الحزمة برفق واسحب السيقان واحدة تلو الأخرى برفق. ثم أقص الذي لا احتاجه منها. كانت هذه الحقيقة غائبة تماماً عنّي، الركض الدائم في رأسي لألحق بموعد لا أعرفه. وغير حكاية البقدونس الكثير من التصرفات التي لاحظت توقفي عنها مؤخراً. مقاومة الكرنفال في رأسي وعدم نقله للخارج آتت ثمارها كما توقعت. أتنفس، أعد حتى الثلاثة وأفكر: لماذا الركض على الدرج؟ لماذا اشد الملابس من علاقاتها؟ لماذا اصطدم بطاولة الطعام في طريقي للمطبخ وأُهشّم اصبع قدمي كلّ يوم؟ هل أنا في عجلة للحاق بشيء؟ لا طبعاً. استيقظ في وقت مناسب، واستعد في وقت مناسب، وأراقب الوقت إذا كان هناك شيء مُنتظر.

قبل بداية العام كتبت أربعة عشر هدفاً لأحاول تطبيقها، وذكرت بأنني سأذكر تجربتي في ذلك وأدوّن عنها كلما سنحت الفرصة. في هذه الحالة وللحدّ من العجلة والركض –بلا سبب- يمكن التفكير في هدفين: التنفس بشكل أفضل، وتجنّب الدراما! تحتاج هيفا التفكير بهدوء والتحرك بهدوء أكثر ويمكن بالتنفس علاج ذلك، كلما أصبح التنفس أبطأ كلما زاد تركيزي في المحيط حولي واللحظة المهمّة التي لا تتكرر.

خلال فبراير يرتدي الكثير من السيدات –والرجال أحيانا- اللون الأحمر دعماً لنشر الوعي بأمراض القلب. هناك يوم قوميّ أمريكي وبريطاني لذلك، ويقع كلاهما في شهر فبراير. بالأمس -7فبراير- كان يوم ارتداء الأحمر في أمريكا والذي يحلّ في أول جمعة من كلّ فبراير. وإذا فاتكم ارتداء كنزة حمراء أو شال للتعبير عن دعمكم للمبادرة. يمكنكم مشاركة البريطانيين في يومهم لارتداء الأحمر والذي يحلّ في 26 فبراير الجاري.

12109743

أقرأ منذ عدة أيام في “قصص تولستوي” بترجمة غائب طعمة فرمان والصادرة من دار المدى. وهكذا بقراءة الكتاب والاستماع لـ “آنا كاريننا” تبدأ رحلتي مع الأدب الروسي، وقد يكون هذا مشروعي القرائي لهذا العام إلى جانب قراءاتي الأخرى. القصص المنشورة في هذا الكتاب كُتبت بين (1828-1910م)، كتبها تولستوي على مدى نصف قرن وتشمل نماذج من مجمل إبداعه. أحبّ دائما البحث عن قصص الكتاب القصيرة، واعتقد شخصياً إنها الطريقة الأفضل للدخول لعالمه، لسببين: لأنه يكتبها على مسار حياته الأدبية وفيها تتضح شخصيته وهي تتبلور، والسبب الآخر كونها نماذج مصغرة لما يمكن للقارئ توقعه في الروايات أو الأعمال الأخرى.

الأسبوع الماضي أيضاً شاهدت هذا الفيديو الخفيف والممتع لغريتشن روبن –مؤلفة كتاب مشروع السعادة وكتب أخرى- تتحدث فيه عن اكتساب العادات وتغيير الحياة وارتباطها بالسعادة. تناقش موضوع مهمّ وقد لا ننتبه له، وهو اختلاف البشر وطبائعهم في تلقّي الأوامر وتغيير العادات وكيف يمكن لفهمنا الأعمق بهذه الاختلافات مساعدتنا في اكتساب العادات بسهولة وتغيير حياتنا.

قسّمت غريتشن الأشخاص إلى الأقسام التالية:

– المؤيد: وهو الذي يتفاعل بسرعة وجاهزية تجاه الأوامر التي توجه له، سواء كانت داخلية من نفسه أو خارجية من رؤسائه أو المجتمع أو أيّ شخص سواه. والأمر نفسه ينطبق على العادات.

– المستفهم: شخص يطرح الأسئلة ويشكك في كل الأوامر التي توجّه له، ويحتاج المزيد من التوضيحات حتى يصل للاقتناع بها أو إيجاد سبب منطقي لها.

– الثائر: يقاوم كلّ القوانين والأوامر. سواء كانت داخلية أو خارجية.

– المدفوع: يتجاوب مع الأوامر الخارجية ويجد مشقة في التجاوب مع الأوامر الداخلية التي تصدر من نفسه.

تذكر روبن أنّ الثوار يشكّلون أقل نسبة من البشر، ثم يزيد عنهم بقليل المؤيدون، ويقع الغالبية بين المستفهمين والمدفوعين. أيضاً لكل من هذه الأنواع هناك إيجابيات وسلبيات، ومعرفة أنفسكم ونقاط ضعفكم أو قوّتكم سيساعدكم في التوصل لأفضل الطرق التي تروضون فيها حياتكم للتغيير. فالمؤيد يجد دافعيته في الإنجاز التام لما يُطلب منه والعمل معه جيد لأنه يتبع القوانين ولا يحتاج لرقابة ومتابعة ويفعل ما يتوقع منه لكنّ ذلك أيضاً يدفعه لظهور أسوأ ما فيه وهو القلق الدائم والتوتر كي لا يفشل أو يخذل الآخرين وأولهم نفسه وتحدّه القوانين وتؤطره وتتعبه بيئات العمل التي لا قوانين بها. لا يريد المؤيّد أن يلام، ويستيقظ صباحا ليتساءل
“ماذا على جدولي اليوم؟ ماذا أفعل اليوم؟”،
لدى المؤيد فكرة ثابتة عن القوانين ويريد للجميع العمل بها. أما النوع الثاني “المستفهم” فيجد دافعيته في صوت المنطق. يحتاج أولا التحقق من وجود المنطق ليقرر بنفسه اتباع الأمر أو تجاهله. ولا يتبع القوانين التي تتعارض مع المنطق أو تميل للعشوائية. العمل معهم صحيّ للمنظمات فهذا يعني الدقة والتحقق من الأمور قبل القيام بها. لكنّ ذلك يجعلهم يخفقون في أمور أخرى تظهر سلبياتهم، المستفهم لا يتناول الدواء الموصوف له إذا لم يكن منطقياً ويجيب على تساؤلاتهم. يحتاج المستفهم للمزيد من المعلومات كذلك وهذا يعني تعطله عن إنجاز العمل. ويعترف كلّ منهم بأن هذا متعب على المدى البعيد. يستيقظ المستفهم ويسأل نفسه “ما الذي يحتاج للإنجاز اليوم؟”.
أما النوع الثالث “الثائر” فيجد دافعيته في رغبته الحالية. يقاوم الثائر السيطرة والتحكم سواء كان مصدرها خارجياً أو داخلياً. يحبّ أن يتخذ قراراته من شعوره بالحرية. يجد الثائر نفسه مدفوعاً لكثير من التصرفات بالحدس أو الرغبة فقط. وستجدون في حديثه إحساس بالتحدّي “سأريك..” “انظر كيف افعل ذلك..”. و عبارات مثل “سأفعل ذلك لأنني أحبك وليس لأنه يتحتم علي” وجمل على شاكلة “لا يمكنك إجباري على فعل ذلك” و “سأفعل ذلك لأنني أريده وليس لأنك طلبته مني”. أي شيء تطلبه من الثائر سيفعل عكسه، ويقاوم كلّ التحكم ولا يعطي نفسه أي قوانين. ميزة العمل مع الثائر تتمثل في الابتكار والعمل خارج الحيز المرئي، لديه حماسة واندماج في العمل والمشاريع. لكنّ مساوئ شخصيتهم تتمثل في مقاومتهم للقوانين وعكس الكلام وهم أيضاً متعبون من ذلك ولا يستطيعون الالتزام بعادات شخصية. الثائر يستيقظ صباحا ويتساءل “ماذا أريد أن أفعل اليوم؟”. أما النوع الرابع والأخير “المدفوع” ويجد دافعيته في الأوامر الخارجية والمسؤولية. سيجد صعوبة في الأوامر أو العادات الداخلية ويكره أن يخذل الآخرين أو كسر توقعاتهم. ستجدونه يتفاعل بشكل جيد مع مواعيد تسليم المهام النهائية، مع التدريب وجماعات العمل والمرشدين، ويحمل على عاتقه مسؤولية القدوة الجيدة. العمل معهم عظيم لأنهم يسمعون ويطيعون. أما مساوئ شخصيتهم فيشعرون بها في أنفسهم بسبب سعيهم الدائم لإرضاء الآخرين ينسون أنفسهم كثيراً. وهم الأكثر عرضة للاحتراق النفسي، وليس لديهم الدافع للبدء بمشاريع أو مهامّ تخصهم.

هذه هي النقاط الرئيسية التي احتوى عليها الفيديو، حاولت ترجمتها بأفضل شكل ممكن واختصارها لكم.

مخرج تولستويّ:

“أيعقل أن الناس يشعرون بالاكتظاظ في العيش في هذه الدنيا الرائعة، وتحت هذه النجوم التي لا تسبر؟ وهل يمكن حقاً أن يبقى في نفس الإنسان شعور الحقد والانتقام ونوازع القضاء على بني جنسه؟ يبدو لي أن كل ما في قلب الإنسان من شر لا بد سيختفي في تماسه بالطبيعة، بهذا التعبير الأعظم فصاحة عن الجمال والخير”

النصائح الذهبية للكتابة الماركيزية

Marquez-funny

 

  1. أكتب ما تعرفه.

    “إذا كنت سأقدم نصيحة لكاتب شاب، سأقول له أكتب عن شيء حدث لك. يمكن دائما اكتشاف ما إذا كان الكاتب يكتب عن شيء حدث معه أو شيء أُخبِر به. يدهشني دائما الإعجاب الذي تحظى به كتاباتي لكونها تولد من مخيلتي. والحقيقة أنني لم أكتب سطراً واحداً بلا أساس واقعي.”

  2. اقتبس من طفولتك.

    “لقد اكتشفت أنّ كلّ أحداث طفولتي تحمل قيمة أدبية. والآن أصبحت أقدّرها أكثر.”

  3. أوجد السّحر.

    “مئة عام من العزلة” رواية استخدم ماركيز فيها الواقعية السحرية. تحتوي القصة على سجاجيد طائرة، والسيمياء –الكيمياء القديمة-، حلويات تصيبكم بالأرق وتفقدكم الذاكرة. لقد تعلّم ماركيز كتابة القصص بهذه الطريقة من جدته. كانت تحدثه عن أشياء خارقة للطبيعة، أشياء أسطورية. لكنّها كانت تروي القصص بطريقة جادة وطبيعية. يسمّي ماركيز ذلك بـ الوجه الخالي من التعابير Brick Face. نبرة الراوي لا تتغير بانتقاله من العناصر السحرية للعناصر الواقعية، ولا يتعرض للمقاطعة.

  4. كن صحفياً.

    “لقد ساعدتني الصحافة في كتابة الروايات فقد أبقتني قريباً من الواقع.” على الرغم من عنصر الفنتازيا في أعمال ماركيز إلا أنّ قصصه بُنيت على أسس واقعية. والسبب في ذلك؟ تدريبه الذي تلقاه كصحفي. فالكثير من كتّاب القرن التاسع عشر والقرن العشرين كانوا صحفيين في البدء من بينهم مارك توين، إرنست همنغواي، وجون شتايبنك.

  5. اجعل قارئك يصدّقك.

    “في الصحافة يختل العمل بالكامل إذا كانت هناك معلومة خاطئة. على النقيض من ذلك، في الرواية تمنح معلومة واحدة حقيقية الشرعية للعمل بالكامل. هنا يكمن الفرق الذي يعتمد على تفاني الكاتب. يمكن للروائي فعل أي شيء يدفع بقارئه لتصديقه”. سبق وتحدثنا عن الكتابة عما تعرفونه لكنّ ذلك يعد الأساس ونقطة البدء للاختراع. عندما تخترعون شيئاً صدقوه أولا. وإلا كيف ستتوقعون من الآخرين ذلك؟

  6. خذ قفزات بالأحاسيس.

    من العناصر المدهشة في أعمال غابرييل غارسيا ماركيز، الطريقة التي يدمج فيها بين الأحاسيس والمشاعر الغير متوقعة. مثال على ذلك مدخل رواية “الحبّ في زمن الكوليرا” الذي كتب فيه ماركيز “رائحة اللوز المرّ تذكره دوما بمصير الغراميات غير المواتية”. اللوز والغراميات الغير مواتية كيف يمكن الربط بينها؟ لستُ متأكدا لكنّ الرابط مذهل.

  7. استخدم الرمزية السياسية.

    احتجت لقراءة أكثر من 59 صفحة من “مئة عام من العزلة” لاكتشف أنّ ماكوندو كانت رمزاً لكولومبيا. كتب ماركيز الرواية وسط الاضطرابات السياسية لستينات القرن الماضي، وصوّرت الرواية مشاعره تجاه وطنه الذي يحبه. سرّ الكتابة بالرموز السياسية يكمن في ثلاثة أشياء –كما في كتابة القصص تماماً- “تسلية القارئ، الترفيه عنه، ثم تثقيفه” يمكن للحكايات السياسية تثقيف القارئ لكن إذا لم تسلّيه وترفه عنه لن تحظى بالكثير من القرّاء. 

 

* تُرجِمت هذه النصائح عن “7 Writing Lessons From Gabriel Garcia Marquez” للكاتب “Joe Bunting”.

قصص ماركيز الضائعة وقهوة فيتنامية

??????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????

قبل بداية العام الجديد ملأت قارئي الإلكتروني بمجموعة كبيرة –كبيرة جداً- من الكتب الإلكترونية، ابتعت بعضها والبعض الآخر حمّلته من مدونات وبواسطة التورنت، والمجال لا يتسع للحديث عن رأيي في الحصول على الكتب المقرصنة على الإنترنت، لكنني سأفعل على الأقل في هذه التدوينة. تحدثت قبل عدة أشهر مع مكتباتيّ نيويوركي عظيم وأسعدني أننا نلتقي على أرضية مشتركة في هذا الموضوع، ليس لأنني لا أملك رأياً، بل لكي أشعر براحة وتأييد. الفكرة تقول: بأنني صرفت خلال حياتي القرائية ما يكفي لتغطية جشع دور النشر في العالم، وأن حصولي على الكتب بطريقة مجانية لا يعني بأنني توقفت عن دفع المال لشراء الكتب. وهذا ينطبق بالتأكيد على الموسيقى والأفلام والبرامج الوثائقية التي نسلك كل الطرق الملتوية للوصول إليها. هل كان ذنبي بأنني ولدت في هذا النصف من الكرة الأرضية؟ وأن رفاقي في النصف الآخر سيتمكنون من مشاهدة وقراءة الكتب بدفع مبالغ رمزية لا تُذكر بينما أحرم من ذلك بسبب الامتناع عن الهدايا المجانية في الإنترنت؟ إنّها هداياهم لنا، يسجلون ويعيدون النسخ ويرسلون إلينا وردّ الهدايا يزعجني كثيراً.

15853660

أعود للكتب التي ملأت بها جهازي وكان من بينها كتاب “قصص ضائعة” لغابرييل غارسيا ماركيز، كتاب خفيف يقع في مئة صفحة تقريباً، كُتب على غلافه الخلفي:

لستُ أدري إذا كانت توجد. ولا بد من وجودها، كتب تجمع مثل هذه القصص التي تتكرر في جميع أنحاء العالم، والتي يؤكد رواتها أنهم كانوا شهود عيان على وقائعها. وهذا يعني: إما أن الرواة يكذبون، وهو أمر محتمل، وإما أن تلك القصص تحدث فعلاً بشكل متشابه في أوساط ثقافية متباينة، وأزمنة مختلفة”

القصص التي يعنيها ماركيز ويبدأ بها كتابه الممتع جداً، هي الأساطير المحلية والقصص التي يرويها الناس والأصدقاء في مناسبات عدة وينسبونها لأشخاص مختلفين في دول مختلفة. ولكن، لا أحد يعرف أين بدأت بالفعل. قصص مثل سيدة تركب السيارة بصحبة مجموعة من الأشخاص، وبعد قطع مسافة من الطريق تختفي بعد تحذيرهم من منعطف خطر. قصة أخرى عن سيدة لا تتناول الطعام الكافي في منزلها وتثير ريبة زوجها الذي يكتشف بأنها تخرج لتناول الطعام في المقابر وتعيش على جثث الموتى. يروي ماركيز قصة غرائبية حدثت معه على الطريق من برشلونة إلى بيربينيان ومعه زوجته مرسيدس وطفلاه. كان يسير بسرعة مئة كيلومتر في الساعة حين راوده فجأة إلهام لا تفسير له يدعوه لتخفيف السرعة قبل أن يصل إلى المنعطف. وتجاوزته السيارات التي كانت وراءه ولا يمكنه نسيانها: شاحنة صغيرة بيضاء، وفولكس واجن حمراء، وفيات زرقاء. ما زال يذكر الشعر المجعد الأشقر للهولندية التي كانت تقود الشاحنة الصغيرة. وبعد أن تجاوزتهم السيارات الثلاث في نظام كامل، اختفت عن أعينهم في المنعطف، لكن ما لبثوا أن التقوا بها بعد لحظة، وقد اختلطت ببعضها في ركام من الخردة المدخنة مصطدمة بشاحنة ضخمة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس.

ماركيز حكّاء مدهش، وكلما سنحت لي الفرصة أعلن بثقة أنني أحبّ أعماله الواقعية –مقالات وسيرة وخطابات- أكثر من رواياته وقصصه، وأعود لأفكر: إنّه يبني الكثير من قصصه على حياته الواقعية وربما كان هذا المكوّن السحري السرّ في تعلق محبيه به.

يتحدث في قصصه الضائعة عن أمور شتّى ويستطرد – وأنا أحب الاستطراد- للتحدث عن التاريخ ومؤلفات وكتاب وسياسيين. أيضاً وردت تفاصيل مهمّة عن تبّني روايته “مئة عام من العزلة” سينمائياً وستجدون ذلك تحت العنوان “إحدى حماقات أنطوني كوين”. ويتحدث عن جائزة نوبل ونظرياته الشخصية حولها وحول ارتباطها بوفاة من يحصل عليها –طبعاً هنا يورد أسطورة شهيرة قد لا يؤمن بها بالضرورة-، لفت انتباهي هذا الجزء وكنت أفكر فيه وهل كان يتوقع حصوله عليها قبل كتابته؟

في عدة ساعات سيحملكم ماركيز على بساط الريح –أو الكونكورد- متنقلاً من قصة لأخرى، من الشيخوخة لهفوات البرامج التعليمية، لأخطار التدخين ويختم الكتاب بعنوان مدهش وقصة لافتة “الزوجات السعيدات ينتحرن في السادسة”. إنه رجل بألف وجه، وألف ذاكرة. القراءة له تنعش شهّيتي وتعيد ألوان الحياة ودفئها في روحي، صدقاً لم أجد كاتب يوازي مكانته في نفسي، مع أنني أبحث وافتح ذهني واستعدّ.

من جهة أخرى، شاهدت بالأمس وثائقي سيعجبكم –على افتراض إن كل توصياتي الوثائقية تعجبكم- وثائقي عن طريق القهوة. ولكن هذه المرّة يعرض الوثائقي قصة القهوة الفيتنامية بالتحديد. كنت دائما أفكر في أمريكا الجنوبية، أفريقيا، واليمن وإندونيسيا عندما أفكّر في القهوة. لكن فيتنام، لا. في الوثائقي يذهب سيمون ريف إلى فيتنام لتتبع القهوة من الشجرة إلى الكوب. يريد سيمون إيجاد أصل 500 مليون كوب قهوة أسبوعي في إنجلترا! في الوثائقي إحصائيات ومقابلات وحقائق جميلة ومحزنة.

مخرج ماركيزي

“أحبّ الحديث عن ابنيّ، لأنهما مثل أمهما: واثقان من نفسيهما وذكيان وجديان. وأحب الحديث عن قرحتي الاثني عشرية، التي لا تستكين إلا عندما أكتب، لأن الأصدقاء لم يوجدوا لمشاركة أحدنا حياته الطيبة فقط، وإنما للتخوزق معه كذلك”

يوم للحصاد

By Amanda Blake
By Amanda Blake

قصّت مصففة الشعر ضفيرتي ولفتها في شبكة ومدتها لي. “خذيها يمكن تحتاجين لها حشوة تسريحة أو شيء” طبعاً لا أعلم أين تبدأ دهشتي وأين تنتهي. كانت مجازفة كبيرة، حتى هي التي تعرفني من عشرة أعوام تقريباً ترددت للحظات وهي تقرب المقص وتنظر في المرآة وتسألني من جديد وهي توازنه على رقبتي، هنا أكيد؟ أقول لها نعم وبسرعة قبل أن أغير رأيي. ضحكت عندما أصرت أن آخذ الضفيرة معي ولا ألقيها في سلة المهملات. تقول أنّ العاملات هنا يبعن الشعر الطويل للزبونات اللاتي يردن حشو شعرهنّ وزيادة كثافته. لم تكن تعرف خوفي المبطنّ من الشعر المقصوص، والشعر عموماً. أحاول دائما إخفاء ذلك بطرق طريفة ومبتكرة، أحاول إخفاء الدوار الذي أشعر به عندما تطلب أخواتي مني تضفير شعرهن أو تصفيفه. الشعر الوحيد الذي أمسّده بلا هلع، شعر قطتي.

احتفظ بشعري الطويل لستة أعوام الآن، لم أقصه ليتجاوز كتفي ولم أفكر في التخلي عنه. أربّيه بحرص واعتني به ما استطعت. لم أكن هكذا، لكنّها رغبتي الدفينة في مراقبة شيء ينمو، ولأن خبرتي الزراعية معدومة كان شعري شجرتي –حرفياَ-. كنت قبل خروجي للصالون بساعات أتحدث عن اختفاء مشابك الشعر والربطات المطاطية التي اشتريها وتذهب لحفرة سوداء. كنت غاضبة قليلاً لأنها تضيع. لكن وبعد ساعات أصبحت الحاجة إليها معدومة. لم أستطع مقاومة المعاني الخفية التي حملها يومي القصير ورحلتي إلى الصالون. مزيّنة أخرى في الصالون تحبّ دائما التقاط المزيد من شعر حاجبي، أهددها بأنّها ستخسر اصبعا أو يداً إن هي بالغت في ذلك. تضحك وتعمل بحرص وتردد وتمدّ لي مرآتها الصغيرة –الخاصة- كما تقول. ممتاز! توقفي الآن. تقول المزيّنة لأختي أن وجهي لم يتغير منذ المرة الأولى التي شاهدتني فيها. وتضيف: ربّما لأنّها ليست جديّة. ضحكت أختي وقالت هيفا ليست جديّة؟

من الأشياء التي تزيد حماستي للتقدم في العمر، هي اقترابي من حلّ اللغز، لغز نفسي. إذا أمكن ذلك، مع أنني أشكّ. كل يوم اكتشف شيء جديد عن نفسي. شيء يفوق طاقتي، وفي استسلام لحظيّ أتعامل مع اكتشافاتي كما أتعامل مع اكتشافاتي عن الآخرين. وعندما أتحدث عن نفسي، لا أعني الجانب العقلي والنفسي. بل حتى الفسيولوجي، خلال أقل من سنة اختبرت طاقات كامنة وعجائب في جسدي لم أطلع عليها من قبل، لم أجرّبها بصورة أدقّ. والآن بعد ذلك اكتشفت بأنني أدلل نفسي وأبحث عن أكثر الطرق بساطة للتعامل معها. متجاهلة بذلك النتائج المذهلة التي تأتي من وضع نفسك تحت الضغط أحيانا.

أكملت الشهر الأول –تقريبا- في العمل مع والدتي، واستلمت راتبي الأوّل مع أنني لم انجز كل الخطة التي وضعتها للشهر الأول من العام. سأعود أيضا لتدريس اللغة العربية لصديقاتها وسأعطيهم نبذة عن ما يمكنهم توقعه من العيش في السعودية. البعض منهم يسأل عن دروس في الطهي المحلّي وأقول: ربما.

شاهدت خلال نهاية الأسبوع وثائقي من روسيا، روسيا وجهتي الذهنية في هذا العام. سأقرأ مؤلفات روسية، وسأطّلع على ما يمكنني اصطياده من وثائقيات وبرامج تاريخية وربما أعمال فنيّة من هناك. الوثائقي Russia on four wheels، وثائقي من جزئين يغطي الدولة –أقرب إلى قارة- من الشرق للغرب وبين الشمال والجنوب. يقطعها على سيارتين كلّ من أنيتا راني وجستن رولات بدءا من سوتشي –مقرّ الألعاب الشتوية لهذا العام- وباتجاه وجهيّ روسيا المختلفين. جستن إلى معالم روسيا القديمة – ما قبل سقوط الشيوعية- ، يزور المناطق الزراعية التي شهدت التحول للمزارع الجماعية. يزور سجون القولاق ومعتقلات الأشغال الشاقة. أما أنيتا فتأخذ الطريق لروسيا الجديدة، التي تحاول بحماس اللحاق بركب التطور العالمي، تزور مراكز التسوق الضخمة والمصانع الجديدة وبالتأكيد سانت بطرسبرغ نافذة روسيا الغربية على أوروبا. التفاصيل في الوثائقي كثيرة ومذهلة، وهنا تأتي مهارة BBC العظيمة في صنع كبسولات ثقافية وضغطها في صور وتعليقات مقتضبة لكنّها ستزودكم ببداية الخيط. ومن الوثائقي ستبحثون عن المزيد. هكذا كانت بي بي سي دائماً. يمكن مشاهدة الحلقة الأولى برابط مباشر هنا، والحلقة الثانية هنا.

مع جدولي المزدحم وحزني الخفيّ لأنني لا أقرأ كفاية، ولا أصل لنهاية الكتب التي أحبها بسبب العمل، أو السفر، أو ارتباط اجتماعي وغير ذلك. قررت العودة للكتب الصوتية بعد أن توقفت لفترة. هذه المرة أقرأ –سماعياً- رائعة تولستوي “آنا كاريننا” باللغة الإنجليزية. تمنيت لو أنها عربية لكن للأسف لم يكن هناك كتاب صوتي لها. الراوية تتحدث بلكنة إنجليزية صافية، تنطق الكلمات بحماس وعاطفة. أنهيت عدة فصول منها، وبحساب بسيط لمدة الكتاب وجدت أنّ المشي والاستماع لها لمدة ساعة يومياً، يعني الانتهاء قراءتها خلال شهر وستة أيام تقريباً. سأنتهي منها وانتقل للجريمة والعقاب، النسخة التي قرأتها في مراهقتي نسخة مختصرة إنجليزية، تلك التي تقدمها دور النشر للشباب للاطلاع على كلاسيكيات الأدب بلمحة.

أفكر في العصفور، في اللحظة القصيرة جداً التي تتوقف فيها أجنحته عن الرفرفة وتلتصق بجسمه. اللحظة الفاصلة هذه والعودة للحركة بعدها. لا يسقط، يحتفظ بتوازنه. تشبه إجازة قصيرة جداً ومنعشه.

ثائر على الكانفاس: إدوارد مانيه.

edouard_manet

لم يستطع أحد معرفة السرّ الكامن في لوحات الفنان الانطباعي الثائر مانيه. لقد كتب القوانين من جديد ووضع الأسس للفنّ الحديث كما نعرفه، أسسّ مدرسة وإن لم يكن واعياً لها. وفي هذه التدوينة التي جمعت لها الملاحظات والصور منذ فترة قصيرة وأحببت مشاركتكم بها اليوم، بمناسبة ذكرى ميلاده. سأتحدث باختصار عن مانيه، وعن الوثائقي الرائع الذي شاهدته عنه، والكتب التي قرأتها حول أعماله.

Music in the Tuileries Garden

تحدر إدوارد مانيه من أسرة باريسية غنية ومحافظة، ونشأ على العادات والتقاليد بين 1849-1857م. ثم انتقل من المسار المخطط له منذ طفولته إلى الفنّ الواقعي والانطباعي، أصبح بعدها الأبّ الروحي للمدرسة الانطباعية والحركة الفنية التي انطلقت تحت مظلتها وامتدت لأشكال أخرى من الإبداع الإنساني. يُنظر إليه بأنّه مؤسس الفنّ الحديث. وهذه الألقاب لم ينسبها لنفسه بالتأكيد، لكن طبيعته الثورية ومسيرته المختلفة دفعت بالمتابعين والنقاد –المحبين والكارهين- إلى تلقيبه بذلك. بدأ كلّ شيء في اللحظة التي رُفضت بها لوحته “غداء على العشب” ولم تشارك في صالون باريس الفنيّ الشهير 1863م. ثمّ وبأمر إمبراطوري أصدره نابليون الثالث عُرضت مع لوحات المنبوذين الأخرى في معرض Salon des Refuse. لقد حرّك مانيه الأجواء وأثار ضجة لم تهدأ لثلاثين عاماً. لم تكن العارضة العارية في الصورة السبب، فقد امتلأت اللوحات الكلاسيكية القديمة بصور العراة. لكنّها الطريقة التي ظهرت بها المرأة ونظرتها الجريئة التي تقابل بها المشاهد، جلوسها على العشب بجانب كومة ملابسها، والرجلان اللذان احتفظا بكامل أناقتهما وشاركاها الجلوس. كان ذلك كثيراً جداً وصادماً. لم تكن لوحته “غداء على العشب” خاتمة الدهشة والنفور ولن تكون الأخيرة. مانيه عرض لوحة “أوليمبيا” التي كانت بطلتها عاهرة تستريح على فراش وثير، لا ترتدي سوى شريط أسود مزين حول عنقها وحذاء بكعب في قدميها، تنظر في عيني المشاهد أيضاً، وفي ركن الصورة الآخر تقف خادمتها التي تحمل زهوراً من أحد زبائنها. متابعة قراءة ثائر على الكانفاس: إدوارد مانيه.