قرأت في نشرة بريدية اليوم عن أسلوب الروائية الأمريكية لورين غروف في تأليف الكتب. تنتهي من المسودة الأولى بالكامل وتضعها في خزنة بعيدة ولا تعود لقراءتها أبدًا، ثمّ تبدأ في الكتابة مجددًا من الذاكرة! لا أتخيل نفسي أقدم على مغامرة من هذا النوع، وأظنّ أن فكرة البدء من جديد ستكون كافية لإنهاء المشروع في تلك اللحظة. لا أعرف السبب الحقيقي لأنني لم أبحث أبعد من هذه السطور التي مررت بها، لكن ربما كانت تبحث عن الجدّة أو النظر للموضوع من زاوية أخرى. تريد كتابة قصة مختلفة بمشاعر جديدة؟
مضى هذا الأسبوع ببطء شديد، كان دفع الأيام فيه أشبه بدفع صخرة باتجاه قمة جبل وفي كلّ مرة أوشكت على التدحرج إلى الوراء. وصلت الخميس بمشاريع تطهى على مهل، وجلسة مطوّلة مع مرشدتي التي ذكرتني بهيفا قبل ثلاث سنوات من اليوم، كيف كانت تتصرف في مواقف مشابهة؟ وكيف انزوت بعيدًا على الهامش مع رغبة شديدة في الاختفاء!
تقول بأنني اليوم قررت بإصرار أن أكون مرئية.
هذه الأيام غادرت منطقة بقيت فيها طويلًا لا أعلم متى حصلت اللحظة المناسبة لكني واعية جدًا فالأمر بشكل عام مرتبط برغبتك وحماسك في التغيير.
يشبه الأمر المخاطرة- أو على الأقل هذا ما شعرت به في البداية. أن تضع نفسك في دوائر جديدة في مواقف ومشاعر ومساحات أكبر وأكثر تعقيدًا من احتمالك. ثم بدأت التساؤلات بالظهور، هل الأمر مرتبط فقط بالحضور في المكان ومحاولة التواصل أم أنه يتطلب عملًا أعمق؟ هذه الحالة مرتبطة بسنوات وسنوات منذ بداية تشكل الشخصية في الطفولة.
ومن هنا بدأت رحلة التعلم التي مررت، تعلم أخذ مكاني الحقيقي في دائرتي الشخصية وفي علاقاتي وحياتي المهنية. وتعلّمت أيضا أن أشير للأسباب وأعالجها ومنها كان خوفي الدائم من الرفض والخيبة وربما سقف توقعاتي المرتفع جدًا.
وفي جانب العمل الداخلي أو النفسي تعلمت أيضًا تقنيات في الحديث والتواصل البصري والوجود في مساحات جديدة. كيف أعرف بنفسي؟ ما هي الكلمات المعدودة التي أبدأ بها الكلام مع الآخرين، وكيف أدخل في حوار جانبيّ عندما تكون الفرصة سانحة.
هذا التعلم يعني العودة لنفسي القديمة، فالقصة الطريفة أنني كنت طفلة تشتعل بالفضول والحماس وعلى حدود المشاغبة في أحيان كثيرة، لدرجة أن معارف والديّ كانوا يعلقون بأن مراهقة متعبة تنتظرهم. مع الوقت والممارسة تعلّمت أن كثير من الناس حولي يشعرون بالتردد والخجل وتشغلهم تساؤلات عن الضوء المسلط عليهم وهل يرغبون به أم لا؟
وفي غمرة تعلمي واكتشافي كانت أيامي بمثابة أرجوحة تتحرك بين رغبتي في الظهور والحصول على مساحتي المستحقة، وبين رغبتي المعاكسة في الهروب والبقاء في زاوية هادئة وخفية. وبين المكانين أرى حجر العثرة الذي يؤخرني عن إطلاق قدراتي وشخصيتي الكامنة.
ما بحثت عنه في فترة التعلم والاكتشاف هذه هو حالة تتطابق فيها شخصيتي الحقيقية التي تظهر عندما أصبح في دائرة من الأشخاص الذين أودّهم وأشعر بالارتياح بينهم سواء كانت تلك الدائرة من الأصدقاء أو الزملاء في العمل. هذه الشخصية الحقيقية الصاخبة التي تتحدث بصوتها ولا تختصر ولا تختبئ وراء أي ستارة تظهر لها. هذه هي الشخصية الأحبّ التي تظهر أيضًا في الكتابة بلا تردد. لكنها تتراجع قليلًا عندما يصبح النصّ المكتوب حوارًا بحضرة الآخرين.
هذه لحظة للحديث عن جانب خفيّ وحساس ولحظة إظهار للضعف البشري الذي نتشاركه جميعًا مع اختلاف السياقات والقصص. أن تكون مرئيًا يعني أن تكون محبوبًا يحتفى بك وتسعك المساحة التي تستحق أن تشغلها في هذه الحياة وهو حقّ نمتلكه منذ لحظة ولادتنا.
لا أدري لم اخترت الحديث عن الموضوع اليوم. قد يكون شعوري بالفخر والسعادة وكأني حصلت على نجمة وما زال التعلم مستمرًا. وقد تكون فرصة لفتح نقاش معكم والعودة لاحقًا بتفاصيل حول التمارين والتحديات الشخصية التي وضعت نفسي وسطها.
شاركوني في التعليقات لو مررتم بقصة مشابهة وكيف تعبرون هذا التحدّي اليوم؟
Picture by Tang Yau Hoong
.
.
.