الريش في شعره.

dostoy

(أ)

اقضي الكثير من وقتي في الطبخ، مؤخراً لاحظت ذلك. وأفعله بشغف واهتمام. مفضلتي تنمو بمواقع الوصفات وأفضل البدائل في غياب المكونات من السوق. أحبّ تحليل مراحل حياتي واهتماماتي المؤقتة لم انتظر أن يفعلها أحد بالنيابة عني. في الطهي اليومي أجد نتائج حاسمة وواضحة، إذا أخفقت في مكوّن تدمر الطبق كلّه. في وجوه المتذوقين أشاهد حصيلة عمل ساعات. ينتفخ كاحلي ويؤلمني لكنني أفعل ذلك بحبّ شديد، لا اطهو الطعام لشخص لا يحبّه، أو ينتقي كثيراً ويتذمر كلما وُضع طبق أمامه، يستبعد الخضرة، ويتبعها بتفكيك الهرم الغذائي أمامي. مثل هذا الشخص لا أدري في الحقيقة ما يعجبه في الحياة؟ متى يشكر الله مثلاً أنه لا يتمدد على رصيف ما ينشد قطعة خبز يابسة. ولا أشغل تفكيري ولا وقتي بإجباره على أكل ما أعدّ. اتصال لمطعم للوجبات السريعة سيمنحه الكثير من الحبور!

أجرّب وصفات في أكثر من نوع من الأكل، حتى لنفسي، مذاقات جديدة لم أجرب المزج بينها وكانت النتيجة مذهلة. انشغل عن كثير من الأمور التي وضعت لها الوقت. أنام جيداً، أعمل بجدّ أكبر. وأركض بلا توقف. عندما نصل لنهاية الأسبوع أكون بحاجة للصمت أكثر من أي شيء آخر. كنت فقدت شهيتي للقراءة والكتابة أصبحت مثل حلم يزورني، استرجع مقاطع كتبتها وأحببتها، أتصفح أرشيف المدونة وتنعشني قدرتي على صنع كل هذا. ما زال هناك حبر، لكنه للأسف يشعر بالنّعاس. هل هو التقدم في السنّ؟ هل كانت الكتابة فعلاً قدري والمشروع الذي يجب أن أكرس عمري له؟ لا أعلم. لكنني متأكدة من شيء واحد، أنني أفعل كلّ شيء بحبّ. لا اجبر نفسي على إنهاء كتاب ممل لإضافة رقم أو غلاف لحصيلتي، لا أخرج من المنزل بلا حاجة، وأعتذر كثيراً عن أي شيء سأفعله مكرهه.

(ب)

استيقظ صباحاً وشعري يعلوه الريش، كنت أتساءل عن المكان الذي يأتي منه، واكتشفت أنّ غياب الشغف امتد لتغيير لحافي، استخدم حشوة اللحاف بلا غطاء والنتيجة الريش يتسلل منها لرأسي. تذكرت أسماء الهنود الحمر، ووجدت لنفسي اسما جديدا : الريش في شعره!

(ج)

كلما نزفت لثّتي تذكرت الإسقربوط – كتبت عنه أكثر من مره وعن فزعي- الحلّ الوحيد لهذا الهلع تناول المزيد من البرتقال والحمضيات عموماً. وهكذا فعلت وأسعدتني النتيجة. كلّ يوم لحظات رعب قصيرة قبل البدء بتنظيف أسناني. يقولون بأن نقص الفيتامينات مسبب أيضاً، لكنني توقفت عن تعاطيها بسبب تراكمات صحية من بينها انفراط عقد شهيتي والتهامي لكل شيء أضع يدي عليه. توقفت من يناير تقريباً عن تناول المكملات الغذائية وأشعر الآن بأن شهيتي استعادت توازنها.

(د)

تعرفون زوايا بيتكم جيداً؟

تحفظون روتين أيامكم؟ هناك تفاصيل لطيفة ومضحكة التفت لها، مثلاً الوقت اللازم لتناول فنجان القهوة بعد الغداء. أضع أطباقي في الحوض، والمساعدة المنزلية تنهي بعض المهام وتغسل الأطباق أطلب منها إعداد قهوتي وإحضارها لغرفتي، اصعد وانتظر. بينما تنتهي من التنظيف وترتيب المكان بعد الغداء تكون معدتي مستعدة لفنجان القهوة. وهذا المقياس لا يخيب.

تفاصيل البيت؟

لدينا سلة مهملات في كلّ زاوية تقريباً ربما عدد السلال أكثر من عددنا في المنزل! وفي كل سلة نوعية معينة من المواد. في غرفة الجلوس حيث تجلس والدتي قصاصات أقمشه، أوراق وخيوط صغيرة. حيث يجلس والدي قشور فواكه، أوراق صغيرة بها أرقام هواتف وقوائم تسوق، وأحيانا علب أدوية فارغة. في زاوية غرفة جلوس الضيوف لن تجدوا سوى قطع بخور متفحمة. وفي زاوية أخرى: لا شيء، وعلى سبيل المرح أحيانا أترك قشرة موز في سلة والدتي، أو مجموعة كبيرة من الأوراق والمجلات في سلة غرفة الضيوف. يبدو شكلها غريباً ومربكاً.

(هـ)

ماذا بعد؟

توقفت حلقات الپودكاست بسبب غياب الحبّ، لدي الكثير لقوله وإعداده لكنني لا أجد الحب والاهتمام اللازم لإنجاز الحلقات. أفكر في إعداد أربع أو خمس حلقات عن التخطيط للسفر والإجازة، خصوصاً وإنني أفعل ذات الشيء حالياً وسيكون جيداً الاستماع لاقتراحاتكم حول الموضوع بعد التحدث عن تجربتي.

أبحث فكرة لحلقات جديدة خلال رمضان قد تكون مفاجئة وممتعة. وكل هذا يعتمد على طاقتي والأفكار المتوفرة.

ماذا بعد لوثة الطهي؟

عاودتني شهية القراءة قبل أسبوع تقريباً، تأكدت من ذلك بعد استعادة سرعتي المعتادة ونشاطي في الانتهاء من كتاب. ما زالت هذه السنة سنة الكتّاب الروس، اقرأ لدوستويفسكي رواية “الأبلة” على مهل، وبدأت في أعمال كافكا الكاملة بكتاب يجمع مقالات وآراء حوله.

سأحاول كتابة تدوينات بلا ميعاد، كهذه التي أنجزتها قبل قليل.

الغرب: قصة إبادة.

3594269

شاهدت مؤخراً وثائقي ضخم يحكي قصة الغرب الأمريكي. لا أستطيع الجزم بالنسبة الحقيقية لمعرفتي حول تاريخ تلك المنطقة والتحولات التي شهدتها، سأقول على سبيل التقريب 20% مقابل ما تعلمته وتعرفت عليه بعد مشاهدة هذا الوثائقي. حاول منتجو العمل تناول الحكاية بصورة موضوعية، وأقول أنّ القصة الحقيقية أكثر فظاعة مما سترونه. نحنُ نعرف جيداً وحشية الرجل الأبيض تجاه الأراضي الجديدة التي وصلها، وكيف تأسست الحضارات الحديثة والدول العظمى على عظام الشعوب الأصلية المطحونة. ستشاهدون أكثر من ذلك.

وثائقي “الغرب” لكين بيرنز وستيفن إيفز عُرض للمرة الأولى في سبتمبر 1996م ، عُرض بشكل متسلسل مجموعة من الوسائط المتعددة – صور وروايات وتسجيلات أرشيفية – بالإضافة إلى كنز من المعلومات والروابط على الموقع الرسمي له (هنا).

قُسّمت أجزاء الوثائقي إلى ثمانية حلقات مقسمة على فترات زمنية، تتفاوت القصص فيها وينتقل الراوي بينها بحسب تطور الأحداث.

الجزء الأول: الشعب (حتى عام 1806م)

يستعرض التركيبة السكانية لأمريكا والمناطق الغربية خاصة قبل وصول المهاجرين. يستعرض المستوطنات والمستعمرات المنتشرة على شواطئ المحيطين الأطلسي والهادي. وهناك تفاصيل عن أساطير ورؤى السكان الأصليين.

الجزء الثاني: إمبراطورية على الطرق (1806-1848م)

انطلاق الرحلات إلى الغرب واقتحام المجهول. في هذا الجزء قصص المستكشفين والمغامرين الذين مهدوا لضمّ المناطق الغربية للولايات المتحدة الأمريكية. في نفس الحلقة استعراض للمناطق الجغرافية وصعوبة طبيعتها. والحديث عن جماعة المورمن الأولى واستقرارهم في ما يعرف اليوم بولاية يوتا.

الجزء الثالث: ذرّة من المستقبل (1848-1856م)

تروي الحلقة الثالثة تفاصيل حمّى الذهب في الغرب وقصص المدن التي بدأت بالنمو والاتساع تبعا لذلك. حكايات التجار والمنتفعين الأوائل والجشع الإنساني الذي تحمل وصمته أمريكا اليوم. ثم تتحدث الحلقة عن العمال المهاجرين واستغلالهم. وسط كل ذلك وفي كلّ حلقة من حلقات السلسلة ستجدون أنّ العمود الفقري لهذه الحكاية “الإبادة” التدريجية للسكان الأصليين – الهنود الحمر- وهم الأحقّ بثروات هذه الأرض والعيش فيها بسلام.

الجزء الرابع: موت يشعل الشغب (1856-1868م)

وسط فوضى الغرب والحملات التي اقتحمته، انطلقت شرارة الحرب الأهلية الأمريكية. معارك بين مؤيدي العبودية ومن يحارب لإسقاطها. في الحلقة أيضا حديث عن الفوضوية وهجماتها. هناك أيضا شهادة للكاتب مارك توين –صموئيل كليمنز- ومراسلاته الصحفية والشخصية. هناك جزء مهمّ ومؤثر في الحلقة بعنوان “من المتوحش؟” سؤال مهمّ لأمريكا يبحث عن إجابة حول المذابح التي سجلها التاريخ – وغفل عنها- ضد السكان الأصليين.

الجزء الخامس: أعظم المشاريع في ظل الرب (1868-1874م)

سكك الحديد التي ربطت بين الشرق والغرب وهجمات الهنود لاستعادة أراضيهم المنهوبة. وفيها حديث عن مشكلات المورمن ومحاصرة الحكومة لهم من أجل معتقداتهم الدينية. في الحلقة التفاته إلى حيوان الجاموس -البافلو الأمريكي- وحملات الصيد والقتل التي حولته إلى حيوان شبه منقرض خلال عدة سنوات. ثمّ الانتقال إلى رعاة البقر والطرق التي سلكوها مع قطعانهم تبعاً لانتعاش تجارة لحوم البقر. ختام الحلقة يعود بنا إلى مأساة الجاموس وكونها “جرح في القلب”. قلب الأرض وقلب السكان الأصليين الذين استهدفوا بطريقة غير مباشرة عندما أبيد الحيوان الذي اعتمدوا عليه في العيش والدفء والحماية.

الجزء السادس: توقف القتال إلى الأبد (1874-1877م)

نقلت القطارات الملايين من المهاجرين الجدد للبلاد وتوجه جزء كبير منهم إلى الغرب. لكن المقاومة التي أظهرها الكثير من السكان الأصليين باقية. يرفضون التغيير والخضوع والاندماج القسري. تُختم الحلقة بشهادة من الزعيم جوزيف –أحد زعماء الهنود- “الكلمات الطيبة لا تعيش طويلا، ولا تعيد قتلانا ولا وطننا الذي احتله البيض.. ” يتحدث بكل حرقة عن الاتفاقيات الواهية والوعود الكاذبة للسياسة الأمريكية.

الجزء السابع: جغرافية الأمل (1877-1887م)

أحكمت أمريكا قبضتها على الغرب في 1877م. الآن مقابل كل هندي أحمر أربعين رجل أبيض. نصف مليون مستوطن جديد وصلوا إلى الغرب في عام واحد. الهاربون من العبودية والأوروبيون المهاجرون وكلّ من يبحث عن بداية جديدة. السكان الأصليون وبضغط من الحكومة اجبروا على التخلي عن لباسهم ولغتهم وعبادتهم وحتى أسمائهم الأصلية. الصينيون الذين حفروا الجبال ومهدوا الطرق لسكة الحديد وأسسوا مدن الغرب غير مرحب بهم الآن. المكسيكيون-الأمريكيون غمرتهم الهجرات الضخمة وأخلّت بتوازن حياتهم الوادعة في كاليفورنيا وما حولها. سيتعلّم الأمريكيون بالطريقة الصعبة أن الغرب غير قابل للترويض.

الجزء الثامن: سماء واحدة فوقنا (1877-1914م)

حلقة تلخص كلّ شيء. تدق المسمار الأخير في نعش الطبيعة المخترقة والمخربة. في نعش الإبادة العظيمة للسكان الأصليين وتغيير الحياة في أمريكا للأبد. فيها قصص المناجم وأغنى أرض في العالم، ومذبحة Wounded Knee. فيها تحدي الإنسان لظروفه الصعبة ومقاومتها. هناك جانب طيب ومسالم لكلّ ما حدث، ربما لأننا الآن نعرف طاقات البشر وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل.

ليست هناك طريقة مثالية لمشاهدة الوثائقي، لا تشغلوا أنفسكم بكتابة الملاحظات أو تسجيل التواريخ والأسماء، الموقع الرسمي يحتوي على النصّ  الخاص بالحلقات مع صور وروابط وأرشيف مذهل. الشيء الوحيد الذي يؤسفني فعلا أنه لم يترجم بعد – على الأقل على حد علمي- ولكنّه بطريقة عجائبية حرضني على قراءات ومشاهدات إضافية وربما زيارات لمتاحف تاريخية تبحث في الموضوع. الوثائقي موجود على يوتوب لكنني قمت بتحميله بالتورنت للمشاهدة بلا انتظار وانقطاعات. روابط الحلقات: ١،٢،٣،٤،٥،٦،٧،٨

سبق وشاهدت سلسلة أنتجها ستيفن سبيلبرغ عن الغرب “Into The West” درامية أكثر من كونها وثائقية لكنّها بنيت بالطبع على أسس حقيقية. كتبت عن السلسلة تدوينة هنا بعنوان “هل يشفى الجرح؟“. هناك أيضا بعض المسلسلات التي تمرّ على تلك الفترة وتذكر بها مثل “Hell On Wheels” الذي يتحدث عن إنشاء سكة حديد الباسيفيك. وفي رواية “ابنة الحظ” لإيزابيل آييندي صورة لسان فرانسيسكو الوليدة.

أين أذهب من هنا؟

سأقرأ كتاب هوارد زن “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية” و كتب منير العكش “أمريكا والإبادات الجماعية” و “أمريكا والإبادات الثقافية“. هناك أيضاً فيلم من إنتاج HBO بعنوان “Bury My Heart In Wounded Knee” وإذا زرت نيويورك أو واشنطن مستقبلاً ، هناك المتحف الوطني للهنود الأمريكيين. وقد أبحث عن وثائق ومشاهدات أخرى حول الفترة التاريخية وأشارككم بها يوما ما.

تنانير تفصيل ..وأشياء أخرى.

via Tumblr

أبحث دائماً عن أفضل مدخل للتدوينة الجديدة. كلّ مرة أقول هذه أفضل، أو تلك. لكن الرضا العميق لديّ لا يتحقق. وأعرف تحفز القراءة الذي يسكنني كلما قرأت عنوان مقالة جديدة أو حتى بداية كتاب. لا أريد مقدمات! أريد المحتوى وأريده الآن.

إبريل شهر مناسب لبدء التخطيط للصيف، والتخطيط للصيف لا يعني السفر فقط! خططوا صيفكم كما تريدون ولكل ما ترغبون بفعله. هذا العام أذهب في رحلة استجمام ومغامرة قصيرة الفرق بينها وبين رحلة العام الماضي لأمريكا أنّ الدعم المادي لها والتخطيط سيكون شخصي بامتياز، عندما ترغب بشدة في السفر وتخبرك أسرتك وبصراحة: لا يمكننا تحمّل التكاليف وعليك إيجاد طريقة لجمع المال.

الخطوة الأولى لتحقيق ذلك أولاً: إيجاد عمل! وبما أنني مشغولة بكتابة بحثي وأعمال أخرى أتنقل بين المدن لأجلها ولا استقر، فإنني أبحث عن عمل مرن، عمل يقدم لي مصدر دخل جيّد ويمكنني القفز من العربة وهي تسير وكلما أردت ذلك دون خسارة الكثير ودون التسبب بالمشاكل للمؤسسة. كانت فكرة العمل مع والدتي أعظم فكرة مضيت فيها منذ سنوات، بيئة عمل سعيدة وبرّ والدين، وإجازات اضطرارية والعمل عن بعد.

لا أريد الحديث الآن عن تجربة العمل –تدوينة مستقبلية وكثير من التسويف- لكن سأقول: بعد الراتب يأتي التوفير، والتوفير المقصود لا أعني به طبعاً التقتير الشديد وانتظار الصيف والحرمان حتى ذلك الحين، كلّ شيء رائع بالاعتدال. احتسب قيمة المصروفات الأساسية التي لا تستطيع الانتظار واقتسمها مع أختي: اشتراك قنوات التلفزيون، قهوتنا المفضلة، مشتريات السوبرماركت التي لا تدخل في ميزانية العائلة، رحلات التسوق الصغيرة، زيارات الصديقات وهدايا المواليد وأعياد الميلاد وغيرها. أما المشتريات المجنونة والتي بلا سبب تنتظر، تنتظر طويلاً.

من الأشياء التي قمت بتجربتها تغيير أماكن اقتناء الملابس، شراء أدوات تجميل بجودة عالية وسعر أقلّ، التوقف عن الأكل خارج المنزل والطبخ أكثر، تفصيل الملابس بدلا من شراءها-مثلا- أحبّ ارتداء التنانير الملونة وكلما وجدت قصة أحبّها أو لون مفضل تفاجئني الأسعار السعر عادة يبدأ من 250 ريال إذا كان نوع القماش ممتاز. الفكرة الحلّ: اقتنيت مجموعة أقمشة قطنية بجودة عالية – كلّفت حوالي 200 ريال – وأخذتها لخياط نسائي انجز العمل على خمسة منها بـ 400 ريال، بحسبة سريعة لو كنت سأقتني تنانير مماثلة سأصرف 1000 ريال أو أكثر، لكن التفصيل وبمقاس وفكرة مناسبة لم يكلف أكثر من 600 ريال. وهذا مثال بسيط. توقفت عن شراء الكتب بعد صراع عنيف مع نفسي! أصبحت أذهب لمجمعات التسوق للفرجة وأقاوم ويبدأ الحساب الذهني ليصبح كلّ شيء أمامي قابل للانتظار.

بذكر السفر والتخطيط، هناك شيء آخر أقوم به، في نهاية الأسبوع ابحث عن مواقع سياحية واقرأ آراء الزوار وتقييمهم لكلّ شيء وأدوّن، القائمة كبيرة جداً وقد لا تكفي للرحلة المنتظرة لكنّني وقبل السفر بقليل سأقوم بفلترتها بحسب الأهمية. هذا موقع رائع يساعدكم في التخطيط وصنع رحلة افتراضية قبل سفركم الفعلي، يسجل لكم المواقع والاهتمامات ويحسب لكم يومياً المسافات بين الأماكن والوقت اللازم لزيارتها وساعات عملها. هناك أيضاً فرصة الاطلاع على خطط الآخرين والحصول على أفكار إضافية لكم.

غير السفر يمكن التخطيط لتعلّم شيء جديد، أي شيء خلال إجازة الصيف. شيء تأجلونه من سنوات أو شهور. شيء لم يتوفر لكم تعلمه قبل هذه السنة وبسبب العمل أو الدراسة سيكون الصيف الوقت المناسب لفعل ذلك. في الانتظار ابحثوا عن مصادر تعلم، أو أماكن تعلم وابحثوا عن التكاليف والمعلم الأفضل. يمكن التخطيط لهواية جديدة مثلاً، أو نشاط عائلي. وكلّ هذه الاهداف ضمن خططي وأسعى لتنفيذها إن استطعت.

بالنسبة لي الصيف والنهار الطويل يرتبط بالقراءة، مضى وقت طويل على انهاء الكتب بحماس وسرعة. آنا كاريننا تحدق بي في زاوية المدونة كل مرة أزورها. لم انتهي من الاستماع للكتاب مع أنه ممتع وتولستوي لا غبار عليه. لكنّ المزاج السماعي لا يساعدني كثيراً. استمعت لكتب وبرامج أخرى، قرأت كتب الكترونية واغرق في مذكرات تشايكوفسكي على مهل. كتاب جديد اقرأ فيه الآن ببطء: قطط همنغواي. كتاب بتفاصيل حميمة وهادئة. ستتعرفون من خلاله على همنغواي وذكرني بتدوينة كتبتها عن قططه ذات الأصابع الستة. لكنني أفشل في التخلص من شعوري بالذنب مهما حاولت، أقول الشهية القرائية موجودة وهذا الأهم. للصيف كنت كل سنة أصنع قائمة قراءة، ربما لأنني مشغولة خلال العام الدراسي وأتوقف عن كل شيء مع الإجازة، والآن لا مجال فالعمل على مدار السنة. لكن سأشارككم بنصائح سريعة لصنع قائمة قراءة للصيف:

– راجعوا قوائم سابقة. كتب كنتم تريدون قراءتها أو توصيات أصدقاء تنتظر، زوروا مفضلة متصفح الإنترنت أو مفضلة تويتر أو قائمة To Read الخاصة بكم في موقع Goodreads. ستجدون عناوين واقتباسات تنعش ذاكرتكم بعيداً عن الانشغالات اليومية. ويمكن أنّ الكتب التي كانت تشعركم بالذنب لهجرها ستكون مناسبة.

– اختاروا كتب تناسب الوقت. الصيف يتخلله أوقات انشغال وأوقات فراغ (شهر رمضان مثلاً مناسب جداً للقراءة) قسموا الكتب على الصيف بحسب حجمها ونوعها. كتب للرحلات البرية، كتب للرحلات الجوية الطويلة، كتب للانتظار في المحطات. والقائمة تطول.

– ماذا أقرأ؟ حسناً هذا لمن لديه كمية كتب هائلة ويبدأ بالغرق فيها تدريجياً. أو سيقتني كتب للصيف مبنية على كتب قرأها سابقاً. أحبّ هذا الموقع وأتوقع أنكم تعرفونه What to read next? موقع تضعون فيه كتاب انتهيتم منه ويختار لكم كتب أخرى لتتبعه، أو هذا الموقع Your next read وفيه شبكة اجتماعية تابعة ومراجعات ويرتبط بـ Goodreads وأيضاً تبحثون فيه عن قراءتكم التالية باستخدام عنوان كتاب انتهيتم منه.

أحاول جاهدة ألا أفقد تسلسل أفكاري وأنا أدوّن الآن.

شاهدت وثائقيات كثيرة خلال الفترة الماضية وأعدكم بأنني سأكتب عنها بإذن الله، هناك بعض التدوينات التاريخية والأدبية، وقراءات في كتب وصور وترجمات. كان رأسي يدور من يناير الماضي وقد أتمكن من تثبيته أخيراً. في حلقة البودكاست السابعة والتي أنشرها يوم السبت القادم سأتحدث عن الفنادق، بعض الأفكار المرتبطة بالفنادق والسكن فيها واختيارها بمناسبة التخطيط للصيف، هذا استطلاع رأي سيسعدني مشاركتكم فيه. سريع وخفيف ونتائجه سأطلعكم عليها يوم السبت.

“a portrait of my children, once a week, every week, in 2014.”

أحبّ المشاريع السنوية على الرغم من أنني فشلت في بعضها، لكنّني أتابعها بحماس وأشجع من يقوم بها في أي مجال. مررت صباح اليوم بهذه المدونة اللطيفة والمنوعة. صاحبة المدونة اختارت مشروع صور (52 أسبوع) للسنة الحالية، ستكون الصور التي تلتقطها مجموعة بورتريهات لأسرتها –أطفالها بشكل خاصّ- وبدأت فعليا تسجيل هذه الصور ونشرها في المدونة، كمية الحبّ والسعادة فيها لفت انتباهي، في إحدى الصور التقطت صورة لبطنها وهي تحمل صورة لأشعة السونار الخاصة بالجنين في بطنها وأعلنت: “اليوم أخبرنا الطبيب بأنها بنت.” لم أتابع المدونة من بدء التجربة وجئت لأتعرف عليها بعد حين، أتصور اهتمام المتابعين من البداية ودهشتهم معها وفرحهم بالخبر السعيد. يمكنكم أيضاً متابعتها هنا.

بذكر المواليد والأطفال قرأت اليوم عن دراسة تجعل القلب يرقص، تتحدث عن رائحة المواليد الخاصة وتأثيرها على الأم والنساء عموماً. الباحثون راقبوا ثلاثين سيدة طُلب من كل واحدة منهنّ “شمّ” بيجامة طفل مولود. نصف السيدات أمهات فعلياً ونصفهنّ الآخر بلا أطفال. لكن في الحالتين وجد الباحثون أنّ رائحة المولود أثرت في دائرة المكافأة Reward System في الدماغ وهي الخلايا التي تخلق السعادة ومشاعر السرور. كأن السيدات تعاطين الكوكاين أو الشوكولا! لا يعرف الباحثين ما يجعل رائحة الأطفال تؤثر بهنّ بهذه الطريقة لكنّهم يعتقدون بأنّها مكونة من 250 عنصر كيميائي. يقول أحد الباحثين المشاركين في الدراسة بأنّ الرائحة تؤثر في الجميع لكنّها تؤثر في أمّ المولود بشكل مختلف. تخلق هذه الرائحة رابطة مشاعر بين الأمّ والطفل وهذه الرائحة تدفعها للاهتمام به.

لا تقرأ هذا الكتاب

grossmannovel

المرّة الأولى التي عرفت فيها قوة الترجمة والنقل كانت منذ سنوات بعيدة. كان أقاربي الصغار يسألون عن معنى كلمة أو عبارة في مشهد فيلم بلا ترجمة، وكنتُ ارتجل إذا لم أجد المعنى أو أحرّفه قليلاً حسب ما تقتضيه الفئة العمرية. الترجمة تأخذ أشكالا كثيرة في حياتي ولا ترتبط بنقل كلمة من معنى إلى آخر. هناك الصور، والمشاعر، والحكايات والقدرة على نقلها وتحويلها وإشباعها بالتفاصيل المناسبة.

علمتني والدتي القراءة بعمر الثالثة، بذلت جهداً جيداً لكنّها نسيت العملية الدقيقة التي نجحت بها. الترجمة بدأت مع القراءة – على الأقل بالنسبة لي- كان الأطفال في الروضة يقرأون القصص المصورة ويتجاوزون النصّ المكتوب لأنه لا يُفهم ولا يعني لهم شيئاً. في وقت قراءة القصة تجلس المعلمة في زاوية المكان وتترك لي القصة بصورها وكلماتها، أقرأ بلا تردد، كان الأمر بمثابة معجزة وربّما لعنة! لأنني لم أتوقف من ذلك الوقت عن قراءة كل شيء الورق، الصور، اللوحات، الرموز، الوجوه والسماء.

مع تعلم القراءة بدأ تعلم لغة ثانية –الإنجليزية- كانت الفكرة الطريفة في تعلم هذه اللغة هي محاولة والديّ إيجاد مساحة للحديث بعيداً عن فهمنا. وكلما كبر أحدنا انظم للفريق وأجاد لغته بدوره. ومع مرور السنوات وتمرين لغتنا بمشاهدة برامج تلفزيون للأطفال والكبار وأفلام بلا ترجمة وقراءات أصبحت عضلة اللغة الإنجليزية متينة. أكثرنا حظاً أختي الصغرى التي جاءت في عصر الإنترنت وبيت تستخدم فيه اللغة بموازاة اللغة الأم ولا تنقص من قيمتها. أصبحنا بحاجة لمساحة سرية جديدة: الإسبانية ربما؟

سأسّرع الوقت حفاظاً على تسلسل أفكاري ولأنني أعرف أن الاستطراد جينة وراثية. بدأت التدوين في 2005م تقريباً، تنقلت بين عدة شركات استضافة ومدونات، كتبت بالتزامن مع مدونتي في منتديات الكترونية ومجلات وصحف محلية ودولية. لم يتساءل أحد عن المعلومات التي ابني عليها مقالة؟ من أين جاءت الأفكار الفريدة والجديدة وقصص لأراضٍ لم تطأ بعد؟ كنتُ أترجم الأشياء الرائعة التي أجدها وأعلم بأنّ الكثير لا يجيدون اللغة الإنجليزية فأنقلها لهم بطريقة مختصرة ومحببة. كلّ تدوينة كانت بمثابة بحث صغير وجمع للمصادر وتلخيص وترجمة. أكثر من 80% من محتوى تدويناتي هنا والمعلومات التي انشرها على حساباتي في الشبكات الاجتماعية: محتوى مترجم عن الإنجليزية. ومع أنني أشير إلى مصادري واعرض مواقع ومجلات ووثائقيات بلغتها الأصلية لمن يريد تجاوز حديثي والوصول للمصدر مباشرة إلا أن الكثير من المتابعين يجهل عملية الترجمة والنقل التي تحدث.

قبل شهر تقريباً صدرت رواية “كلّ شيء يمضي” للروسي فاسيلي غروسمان. ترجمتُ الرواية وصدرت عن دار أثر للنشر، كانت الفكرة مثل مغامرة مجنونة ترددت فيها كثيراً. لكنني كنت أقول لنفسي: أنتِ تترجمين بشكل يومي دون أن تشعري بذلك! حتى عندما أشاهد برنامج تلفزيوني واتصل بصديقة وأخبرها بتفاصيله، هذه التفاصيل ترجمة. استمرّت حالة الإقناع الداخلي بالإضافة للتشجيع الخارجي حتى قررت البدء بالعمل. لم أعرف فاسيلي غروسمان أبداً من قبل ولم يعبر اسمه ذاكرتي. لكن القراءة الأولية عنه وفي كتابه أثارت بي الحماسة. الرواية تستعرض الحياة السوفييتية تحت الحكم الشيوعي، شخصياتها قليلة مقارنة بروايات أخرى قرأتها. إيفان غريغوريفيتش معتقل لثلاثين عاماً يخرج ويعود لحياته. لم تكن العودة سهلة، وفيض الذكريات يزيدها صعوبة. الرواية تلقي الضوء على ستالين ولينين وعلى حصار ستالينغراد الشهير، تتحدث بتفصيل مرعب عن المجاعة الأوكرانية التي حصدت الملايين وشلّت غذاء أوروبا – كانت أوكرانيا آنذاك تلقّب بسلة خبز أوروبا- . لم تكن الترجمة سهلة، كانت الفكرة التي تحاصرني تقول: فكري في شخص لا يعرف الاتحاد السوفييتي، ولا الشيوعية، وليست لديه أي فكرة عن كثير من الأحداث التي نقلتها. وجدت في الهامش فكرة جيدة لكن حاولت كثيراً تجاوز الهوامش التي تشرح أكثر من اللازم، في ذهني دائما ماركيز وهو يتبرّم من المترجم الذي يعتقد بأنه يعرف كل شيء حتى أنه يفسر ما كتبه الروائي وكأنه له!

عزلت نفسي بعيدا عن أي عمل روائي آخر ما استطعت، وتابعت الأخبار المحلية الروسية، وبحثت عن قصاصات تاريخية تدخلني في حياة فاسيلي بشكل أفضل. ظننت أنني أعرف الكثير في التاريخ، لكن ما وجدته في صفحات الرواية والإشارات فيها اذهلني. استمعت للموسيقى الشعبية الأوكرانية –والروسية- في الخلفية، قد يبدو هذا التفصيل مبالغاً فيه لكنّني أحببته. استخدمت أقلام رصاص بلاكوينغ التي تحدثت عنها في تدوينة سابقة هنا، وكتبت الترجمة في دفتر مقسم بصفحات ملوّنة وكنت أقيس تقدمي في العمل بتغير لون الصفحات، فصل بعد آخر وأتوقف قليلا لطباعة ما كتبته. لماذا لم تكن الترجمة مباشرة على الكمبيوتر؟ لأنني لا أجيد البدء بالعمل الكترونيا ولأن الطباعة تتيح لي فرصة التعديل ووضع مفردة مناسبة مكان أخرى.

كانت والدتي تطلّ من حين لآخر وأنا منهمكة في العمل فأطرح عليها سؤالاً وتجيب بسرعة وتأكيد لتصبح المفردة التي بحثت عنها لساعات في يدي! أذكر أنني علقت بشكل مأساوي في تعريف لحذاء لتأتي وتقول “حذاء بعنق” ببساطة حذاء بعنق مناسبة جدا وكانت بالفعل الكلمة التي بحثت عنها وفشلت. أذكر أنّ قطتي لزمت المكان الذي عملت فيه ولم تتركه حتى ليلة الترجمة الأخيرة، مضت عدة أشهر مثل حلم وأنا أردد أسماء الشخصيات بيني وبين نفسي وأعرف بأنني لن أنساها. قد تكون هذه الرواية رواية عادية جداً، أو مذهلة. إنها مثل الروايات التي تجلس على الرفّ حتى تقرؤوا عنها في توصية صديق تثقون به. أو تمرّ في حديث أدبي على شاشة التلفزيون فتبحثون عنها في محرك البحث وتلتقطون أطرافها. لو لم أترجم “كل شيء يمضي” لما تعرفت أسرتي على أهوال مجاعة أوكرانيا، لقد شاهدوا ذلك في وجهي وأنا أكتب عن الجوع وطبقي ممتلئ. لما تعرفت صديقتي على فاسيلي غروسمان وبحثت عن كتبه الأخرى لتسبقني بالقراءة. ولما تباشر الجميع بالكتاب ووضعوه على رأس قوائم تسوقهم في معرض الكتاب.

ما يحزنني فعلاً، والآن سأخبركم بالهدف الذي كتبت بسببه هذه التدوينة: أن الكثير ممن ابتاعوا الكتاب أخبروني بطريقة أو بأخرى أنّ الهدف من شراءه ترجمتي له، واحتفوا به بشكل كبير أثار حسد مدونتي وكتاباتي السابقة وتغريداتي. كنت وسأبقى مترجمة بطريقة ما لكنني لا أحبّ ارتباط تجربتي بكتاب. فالاحتفاء والحرص الذي وجده الكتاب مرعب، خصوصاً عندما يقتنيه البعض بعيداً عن محتواه، عن القصة التي يرويها. قد تصدمكم الأحداث وقد تكون الرواية ثقيلة على قلوبكم، أو مملة فتتركوها. أنا لا أحبّ اقتناء الكتب قبل معرفة محتواها ولو بشكل مختصر. لذلك، أرجو أن تقرؤوا عن فاسيلي غروسمان، وعن التاريخ الذي عاشه. شاهدوا وثائقياً عن ذلك، أو برنامج اخباري. إذا وجدتم في أنفسكم الاستعداد والاهتمام لقراءة “كل شيء يمضي” افعلوها بلا ترددّ.

حتى ذلك الحين نصيحتي لكم ستبقى: لا تقرأ هذا الكتاب، حتى تعرف ما بداخله!