18 رمضان: ضجر حميد

By Cristina Garcia Rodero
By Cristina Garcia Rodero

(أ)

أعرف عن نفسي بأنني انتبه لتفاصيل حياتي بملاحظة تفاصيل الآخرين. دائما لدي الحاجة لصوت التنبيه الخارجي الذي يذكرني بشيء، يذكرني بالتحرك وتغيير عاداتي، تنبيه صغير وواضح. سأوجز لكم مثالاً كي تتضح الرؤية فالحديث لدي يشبه الدخول في دوامة -مؤخرا-. هل يحتاج الأصدقاء المقربون لمتابعة بعضهم على الشبكات الاجتماعية؟ وأعني بالأصدقاء أولئك الذين تكونت علاقتهم بعيداً عن العالم الافتراضي ودهاليزه، على كرسي الدراسة، أو في العمل، أو خلال اجتماع عائلي! احتجت للحديث مع صديقتي لمعرفة رأيها في الموضوع وكانت فكرتها: لستُ بحاجة لمتابعتك، أنت على بعد مكالمة أو رسالة قصيرة. لكنها العادة التي تدفعنا لجمع كل من يهمنا أمره في مكان واحد. سأعيد ترتيب نفسي وحديثي لأوضح لكم الفكرة أكثر: تخيلوا معي صديقان- أو صديقتان- يتابعان بعضهما على شبكة اجتماعية، كتب أحدهما عن مناسبة عظيمة أو خبر مفرح ونشره لمتابعيه على اختلاف قربهم وانتماءهم لدائرته الاجتماعية. لكن أقرب أصدقاءه -الشخص أعلاه- لم يعرف بالخبر لأنّه ضاع في ازدحام متابعيه، أو لأنه ببساطة لم يطلع على الموقع في ذلك اليوم. الصديق -صاحب الخبر- ينتظر أو يتوقع تهنئة، لكنها لا تصل من الشخص الذي يهمه كثيراً أن تصل منه. تأتي فرصة في أحد الأيام، يكتشف الصديق الخبر، ويسارع بخجل للاتصال بصديقه. يعتذر لكنه لا يقتنع باعتذاره ويطالبه بمتابعة أفضل في المستقبل.

لستُ متأكدة من أن السيناريو أعلاه لم يحدث معي بطريقة ما في زمن ما. لكن، كنت وما زلت واعية لأهمية التواصل مع الأصدقاء بعيداً عن ضجة التقنية. إذا كنت مقبل على خطوة مهمة وبحاجة لدعم، اخرج من غرفتك، تحدث مع عائلتك أولاً، اتصل بصديق للجلوس معه والتحدث بلا تكلف أو عداد أحرف.

في القصة أعلاه أنا منحازة تماماً للصديق الذي تأخر عن إرسال تهنئته خصوصاً إذا كان صديقه الآخر يعده مقربا كفاية ليستمع لأخباره المفرحة قبل الجميع. نحن بحاجة للتركيز على الدوائر الاجتماعية والتفريق بينها، أخيك مثلاً أو أبيك لا يمكن وضعهم في خانة واحدة مع متابعيك في تويتر! إذا أردت إيصال رسالة لهم وجهها مباشرة، إذا شعرت بالضيق منهم لا تعمم وترسل رسائل مشفرة لمن لا يفهمها، اكتب بوضوح -إن كانت الكتابة ملحة- أو وجه حديثك مباشرة بلا حواجز.

إذا تحبّ إنسان وتهتم له أشعره بذلك، بتميّزه عن البقية، بقربك منه، بعيداً عن ازدحام هاتفك بالأيقونات والصور والتعليقات الأوتوماتيكية. لا أحب تقديم النصائح قبل توجيه نفسي للقيام بها، لا أحب ذلك أقول وأجدني أكتب الكثير منها كلّ مرّة : )

(ب)

في بحثي المستمر عن برامج صوتية تمتد بين ٤٥ دقيقة وساعة -الوقت المفضل للمشي- وجدت وثائقيات صوتية من بي بي سي، اليوم استمعت لأحدها عن ألبير كامو، حياته وأعماله الأدبية ولقاءات مع أهل وأصدقاء. وهذا الرابط الخاصّ به. 

(ج)

قرأت اليوم هذا الموضوع الذي يطمئنني بخصوص الضجر، وإنّه محفز جيد للابتكار والتجديد.

17 رمضان: موت الإنسان يشبهه

ChekhovCropped

“ثمة قول مأثور: موت الإنسان يشبهه. وعندما أفكر في سنوات حياة تشيخوف الأخيرة، في أيامه الأخيرة، بل والدقائق الأخيرة، أتذكر لا إراديا هذا القول. بل أن القدر أضفى، بمنهجية مشؤومة على جنازة تشيخوف ذاتها، كثيرا من الملامح التشيخوفية المحضة.

لقد قاوم المرض الجبار طويلا، وطويلا جدا، لكنه تحمله بشجاعة، ببساطة وصبر، بلا عصبية، بلا شكوى، وتقريبا بلا كلام. وفي السنوات الأخيرة كان يشير في رسائله فقط عرضا، بلا اهتمام إلى صحته: “تحسنت صحتي، رغم أنني ما زلت أسير حاملا الكمادات…” “منذ فترة قريبة أصبت بذات الجنب، ولكن حالتي الآن أفضل…” “صحتي ليست على ما يرام.. أكتب قليلا..”. كان لا يحب الكلام عن صحته، ويغضب عندما يسألونه عنها. وإذا تسنى لنا أن نعرف عنها شيئا، فمن أرسيني وحده. إذ يقول همسا وهو يهز رأسه: “كانت حالته سيئة جدا صباح اليوم. نزف دما” أو تقول يفجينيا ياكوفلفنا سرا وبنبرة أسى في صوتها: – بالأمس لم ينم أنطوشا مرة أخرى وهو يتقلب ويسعل طوال الليل. كنت اسمعه من خلف الجدار.

ترى هل كان يعرف أبعاد مرضه وخطورته؟ اعتقد أنه كان يعرف، ولكنه حدق بلا خوف كطبيب وحكيم، في عيني الموت الزاحف. وكانت ثمة حوادث صغيرة مختلفة تشير إلى ذلك. فقد اشتكت له امرأه ذات مرة من الأرق واضطراب الأعصاب، فقال لها بهدوء ونبرة حزن مستسلم لا تكاد تلحظ: – أتدرين، طالما لدى المرء رئتان جيدتان فكل شيء جيد.

لقد مات ببساطة، بصورة مؤثرة، وفي وعيه. يقال أن آخر كلماته كانت “إنني أموت” وخيمت على آخر أيامه سحب الأسى العميق على روسيا، واضطرمت برعب الحرب اليابانية الدامية الرهيبة. وأتذكر جنازته كأنما في الحلم. بطرسبرغ الباردة الرمادية، والخلط الذي حدث بين البرقيات، والمجموعة الصغيرة من الناس على المجطة، وعربة نقل القواقع البحرية، وناظر المحطة وموظفوها الذين لم يسمعوا أبدا عن تشيخوف ولم يروا في جثمانه سوى شحنة سكك حديدية. وبعد ذلك وكنقيض له – موسكو، والحزن العفوي، وآلاف البشر الذين بدوا كاليتامى، والوجوه الباكية. وأخيرا القبر في مقبرة “نوفوديفيتشي” وقد غاب كله تحت الزهور، بجوار قبر بسيط لأرملة القوزاقي أولجا كوكاريتنيكوفا”.

وأذكر الجناز الذي أقيم في المقبرة في اليوم التالي للدفن. كان مساء هادئا من شهر يوليو، وفوق القبور انتصبت أشجار الزيزفون العجوز التي ذهّبتها الشمس، ساكنة بلا حراك. وفي أصوات الكورال النسائي الرقيقة تردد حزن هادئ مستسلم وزفرات عميقة. وفي نفوس الكثيرين آنذاك جاشت حيرة مضطربة ثقيلة. وتفرق الجمع من المقبرة ببطء وفي صمت. واقتربت من والدى تشيخوف ولثمت يدها دون كلمات. فقالت بصوت مرهق ضعيف: انظر أية بلوى أصابتنا…انطوشا رحل.

آه، يا لهذا العمق المذهل للكلمات العادية البسيطة التشيخوفية حقا! لقد كشفت خلفها عن كل العمق الهائل لهذا المصاب، وكل استحالة رد ما وقع. كلا، إن العزاء هنا لا حول له. فهل يمكن أن تنضب وتسكن فجيعة أولئك الذين احتكت نفوسهم عن قرب بنفس هذا العبقري المختار العظيمة؟ ولكن فليخفف من أساهم المتأجج إدراكهم بأن فجيعتهم هي فجيعتنا كلنا. ولتلطف من حدته فكرة خلود هذا الاسم الرائع الطاهر الذي لن يُنسى. وبالفعل فسوف تمر الأعوام والقرون، وسوف يمحو الزمن ذكرى آلاف الآلاف من الأحياء الآن. لكن الأجيال القادمة البعيدة، التي كان تشيخوف يحلم بسعادتها بذلك الحزن الساحر، سوف تردد بعرفان وبأسى خافت على مصيره. “

– ألكسندر كوبرين يكتب عن موت تشيخوف (مقتبس من الأعمال المختارة لتشيخوف المجلد الثالث) 

16 رمضان: رداء الملك

تخيلوا أنّ ملابس الملك الباهظة تشعل ثورة. ومن جهة ثانية تبسّط ملابس ملك آخر تجعله موضوع الكاريكاتيرات وانتقادات الصحف والناس. الوثائقي أعلاه يتتبع ملابس الملكية البريطانية على مدى عدة قرون. الدكتورة لوسي وورسلي تبحث وتستعرض مع المشاهدين تبدل الملابس الملكية وتأثيرها على حكمهم ونظرة شعوبهم لهم. وكيف مع مرور الوقت استفاد الملوك والملكات على حدّ سواء من تأثير المظهر الخارجي على حجز مكانة خاصة لدى شعبهم.

وثائقي خفيف من بي بي سي سيفتح شهيتكم للبحث والاستطلاع بشكل أكبر في نفس الموضوع.

14-15 رمضان: ما من أرضٍ بديلة.

أنا ألعب كأس العالم الخاصّ بي.

تذكرت تدوينة كتبتها خلال الأولمبياد، تحدثت فيها عن أولمبيادي الخاصّ، وتدوينات أخرى تحدثت فيها عن التغيير الأفضل الذي أنشده، صحياً ومعنوياً. أصنّف نفسي عادة بشخص نشيط من متوسط إلى مرتفع، أمشي تقريباً معظم أيام السنة، لا أجلس في مكان واحد، أحب نوبات اللعب المفاجئة مع قطتي، أو لعبة الكترونية تطلب منك الرقص مع شخصية افتراضية أمامك، كلّ ذلك متوسط في نظري. لا أحبّ الجلوس أمام التلفزيون أو الكمبيوتر لساعات طويلة، أتنقل حول المنزل، اقرأ وأنا أتحرك، اصنع طعامي بنفسي كلّ يوم وللوجبات الثلاث، وطبعاً لا أحد يعدّ القهوة مثلي. مؤخراً وقبل بداية شهر رمضان بعدة أسابيع قررت خوض تجربة جديدة ألا وهي تحديد وقت يومي للرياضة وتقنين السعرات الحرارية التي أتناولها للحدّ الملائم صحياً وتخلصت من كل الأعذار بالمشاركة مع فريق الدعم الأفضل: أخواتي. كل واحد قام بحساباته الخاصة سواء كان يبحث عن نقصان، أو محافظة، أو نمط حياة صحي للأبد. وبدأنا بمراقبة طعامنا باستخدام التطبيق Fitness Pal الذي ستجدون فيه خيارات عظيمة من أطعمة وأنشطة رياضية وحتى حساب كمية الماء التي تشربونها يومياً. يذكركم الجهاز اذا عانى جسمكم من فقر في عنصر غذائي معيّن وينبهكم لتسجيل غذاءكم كل يوم في موعده على شكل فطور وغداء وعشاء ووجبة خفيفة. مضى 15 يوم على بدء التجربة والنتائج مفرحة مشجعة. كان الاختبار الأهمّ رحلة عائلية للعاصمة، ومقاومة كل المغريات وحفلات الطعام المجنونة كان هدفنا ونجحنا، لم نتجاوز الحد المسموح وحافظنا على هدوءنا لنخفف الهوس الذي بدأ به التسجيل عندما كنا ننهي الوجبة ونركض للأجهزة للتسجيل. شيئا فشيئا أصبح هناك تركيز وقياس نظري ومعرفة بالأطعمة التي ستحرمنا من تحلية آخر الليل أو حصة إضافية من فطائر رمضان الشهية.

أما النشاط الرياضي فهذا قصة أخرى، أتابع من فترة حساب Fitness Blender على يوتوب ولديهم موقع خاص بشروحات وكتب وبرامج غذائية للياقة والصحة. بدأت بالتمرين منذ عدة أيام، تمارين حقيقية مجهدة لا تشبه المشي أو الرقص أو الركض مع القطط. التمارين مرتبة بحسب تمرس الشخص ومعرفته بها، هناك مراحل وهناك أنواع مختلفة للتمارين لن تشعروا معها بالملل أو التعب. فقط اعرفوا مقدار طاقتكم، وجهدكم بإجراء الاختبارات التي يضعونها في القناة.

حدث شيء غريب خلال الأيام الماضية، أحببت شعور التعب والألم الذي تصنعه التمارين وقررت صنع خلطة عجائبية من تمرينين في يوم واحد. وكان ذلك ممتعاً في وقته، حتى مضت عدة ساعات واكتشفت بأنني آذيت ركبتي، وأطرافي كلها كل منها بطريقة مختلفة، لم أتمكن من السير بشكل طبيعي، كانت الصلاة بمثابة عذابات يومية. ما الذي حدث؟ أقول لكم تجربتي هذه حتى لا تقعون في الفخ، صحيح أن التمارين كلها موجهة للمبتدئين، لكن هناك أنواع من التمارين تمدد العضلات وأخرى تقلصها، شيء بتسخين وتبريد وشيء بدون. وهكذا كانت الخلطة من تمرينين متناقضين فتاكة! وبدأت اقرأ وابحث بنفسي عن علاج العضلات المنهكة ووجدت أن الانتظار ل48 ساعة قبل تمرين جديد حلّ جيد. وشرب الكثير من عصير الكرز الطبيعي والطازج، بالإضافة إلى التدليك واستخدام علاجات العضلات، استخدمت كريم للعضلات لا أعلم إذا كان متوفراً في السعودية أو لا، يخلطه الدراجون مع فازلين ويدهنون به عضلاتهم المتعبة، اسم الكريم Bengay لو أردتم البحث والحصول عليه.

اليوم أشعر بتحسن كبير وأنا ممتنة لجسدي الذي لم يخذلني، تمرنت لثلاثين دقيقة وجلست لأكتب هذه التدوينة. بالأمس لم اكتب، كانت عيناي مسمرة على شاشة التلفزيون، من قناة إخبارية لأخرى أراقب العالم، أراقب الأسى وأخشى على قلبي من ابتلاعه.

خلال وقت الإصابة قضيت وقت التمرين في مشاهدة الوثائقيات، وشاهدت اثنين من أعظم الوثائقيات التي ستشاهدونها. شيء من السكينة والاطمئنان يزورني عند مشاهدة الطبيعة، اتساع الكون، وكل ما يحدث بينما نحنُ البشر نقتتل! ما يرعبني حقاً واقتبس هنا عن راوي الوثائقي “ما من أرض بديلة” هذه الأرض بيتنا الذي إذا أفسدناه سنفنى معه.

oceans OneLife