الخميس أخيرًا!

 

أيقظني المنبّه، وفي الأيام التي استيقظ على صوته أعرف أني بحاجة للمزيد من النوم. عادة استيقظ قبل المنبه بعدة دقائق وأحيانًا بنصف ساعة. أحب هذه اللحظات التي كأن يومي يتمدد معها. أنا والمنبّه في سباق. بقيت لساعة متأخرة ليلة البارحة بسبب وجبة تناولتها وانزعاج طفيف في معدتي. فكّرت في شيء يساعدني على البقاء يقظه لأرى مفعول الدواء. بحثت في قائمة المسلسلات وتذكرت مسلسل The Gilded Age  الذي لم أكمله. فضولي يقول أكملي وبحثت عنه وبدأت الموسم الثاني منه. لم يكن ذهني قادرًا على تفكيك الكلمات فاستبعدت السهر على القراءة، أو الكتابة.

نهضت بصعوبة وذكّرت نفسي أنه الخميس، وفي طريقي للعمل سأمرّ بمقهى مفضل يحضرون فيه قهوة باردة بالحليب كما أحبّها.

هذا اليوم مليء بالهدايا اللطيفة، إفطار مجاني في الكافتيريا بعد أن وضعت في طبقي الخبز المحمص واللبنة والخضروات قال الموظف: هابي ثيرزداي! قلت له نعم هو كذلك، ومددت هاتفي للدفع. وقال: لا الإفطار مجاني! جميل جدًا. حتى الغداء كان مجاني اليوم ولا أعلم ما السبب.

الخميس يشبه نفسه اليوم. خفيف ومنظم والكلّ يشعر بالخفة. وأنا؟ انتظر نهاية الأسبوع بحماس لتجربة عدة الرسم التي وصلت في البريد. كراسات بأحجام مختلفة وأقلام تلوين وتخطيط. بالإضافة للقراءة بنهم واستمرار كان الرسم سمة ملازمة لطفولتي ومراهقتي. أذكر الفترة التي توقفت فيها عن الرسم تمامًا: سنة الجامعة الأولى. وفقدت كل مهاراتي البسيطة والمعقدة. الآن أنوي التعلم من جديد. السبب في استعادة هذه الهواية: اختبار قدرتي ومرونتي على تلقي المعلومات المختلفة والاحتفاظ بها، ومن جهة أخرى تنويع المشاريع الإبداعية في وقت فراغي.

حاولت ذات مرّة العودة للرسم بعد نصيحة قرأتها لهنري ميلر يقترح فيها تجربة منفذ إبداعي آخر عندما ترهقك الحبسة. لا تستطيع الكتابة؟ جرّب الرسم. لا تستطيع الرسم؟ جرب التصوير، وهكذا. بدأت برسومات طفولية مضحكة تسجل تفاصيل أيامي وتوقفت. الصورة في التدوينة هذه واحدة من رسومات ميلر، ربّما كان يعاني من حبسة كتابية دفعته ليكتب بالألوان.

وأنا أفكر في موضوع الحبسة تذكرت تدوينة قديمة تحدثت فيها عن تجربة كاتب في التدوين اليومي (أو الكتابة عمومًا). بحثت بالعبارة المفتاحية ووصلت إليها:

«قرأت مقالة ملهمة للكاتب جيمي تود روبين الذي كتب يومياً بلا انقطاع لـ 373 يوماً، يسرد في المقالة تفاصيل تجربته وكيف استطاع المحافظة على هذه الدافعية والحماس، بكلمات أخرى: كيف صنع له روتين كتابي. وكان من بين ما ذكره هو تخطيطه المسبق ليومه وإذا كان يعلم بانشغاله خلال يوم ما، فإنه يجلس للكتابة في الصباح الباكر ولو لعدة دقائق، وهذا يساعد على تدفق حبره كل يوم. ملاحظة أخرى ذكرها أيضاً، إذا انحرف يومه عن مساره وتغيرت خططه، يحدث نفسه: عشر دقائق فقط! ويجلس للكتابة خلالها، فهو يكتب عادة 250 كلمة خلال هذه المدة، وعندما يكتب ينجز صفحة واحدة، صفحة واحدة لا يمكن تجاهلها فهي إضافة لما كتبه في اليوم السابق. النقطة الثالثة والأخيرة والتي تهمني بشكل أكبر، عندما يتعرض لحبسة الكاتب. صحيح تستطيع المحافظة على روتين كتابة يومي لكن ماذا يحدث إذا لم تجد ما تكتبه لمواصلة العمل على موضوعك؟ يشبه جيمي الموضوع بإخفاء الأوراق النقدية في جيوب محفظتك أو في مكان آخر لتفاجأ عندما تجدها وتستفيد منها عند الحاجة. عندما يصاب بالحبسة في موضوع معين، يعود لمواضيع أخرى وقصص خبئها لحين يجد الوقت لكتابتها، ويبحث فيها ويكتب. في نهاية اليوم سيكون منتجاً ويستعيد حماسته للكتابة من جديد.»

بعيدًا عن الحبسة، انتظرت هذا المساء طويلًا، سأتوقف عن الكتابة الآن وأتابع وثائقي جديد عن اليزابيث تايلور Elizabeth Taylor: The Lost Tapes.

.

.

.

صعب السؤال؟

أحبّ الأمثال الشعبية والمجازات التي نستخدمها في لغتنا اليومية لتمسك بيدنا وتقودنا إلى أماكن ما كنّا سنصلها. واحد من الأمثال المحببة لديّ «الكلمة الي تستحي منها بدّها» ويستخدم هذا المثل كتمهيد لقول ما نتردد فيه أو نخجل منه. يشبه الاستئذان والتهيئة لما سيأتي بعده من حديث. أحبّه لأنه جزء من التفاصيل الصغيرة التي تشير إلى تهذيب وحرص من المتحدث لما سيقوله لاحقًا وربّما لأن فيه جرعة شجاعة تحفزنا للإقدام على القول.

نستخدم أنا ولبنى* مثل آخر في أيام العمل الصعبة أو التي نواجه فيها حوادث صغيرة في الصباح «لقد ابتلعتِ الضفدع باكرًا يا هيفا» وابتلاع الضفدع هذا قصة أخرى. وابتلاع الضفدع المجازي هنا يقصد به الانتهاء من أصعب الأمور التي تنتظرك باكرًا، في بداية اليوم، في بداية المشروع أو عند أي نقطة انطلاق تعبر بها.

قرأت في نشرة جيمس كلير البريدية الأسبوع الماضي عبارة ذكرتني بالمثل أعلاه، وذكرتني بالضفادع الكثيرة التي ابتلعتها بقصد ودون قصد.

يتركنا جيمس في نهاية نشرته البريدية مع السؤال: «ما هي المحادثة التي ستشعرك بالفخر بنفسك إذا أجريتها اليوم -حتى ولو لم تحقق لك النتيجة التي تريدها؟» وبعد السؤال يشجعنا ويقول: «اذهب لإجراء هذه المحادثة الآن!» شعرت أنّ هذا التساؤل سيصحبني الفترة القادمة ويذكرني بالمرات الكثيرة التي امتنعت عن خوض المحادثات أو طرح الأسئلة. هذا الخوف الغريب من التجربة والمحاولة قد يمنعنا من خير كثير ينتظرنا. سأترك سؤال جيمس كلير هنا أمامكم لتفكروا فيه جيدًا. ماذا سيحدث لو اختصرت الوقت وطلبت الترقية التي تنتظرها؟ أو نقلك إلى مكان عملٍ آخر؟ أو تحقيق صلح منتظر مع شخص تختلف معه؟ ماذا سيحدث إذا سألت شخصًا يعجبك بصراحة إذا كان مهتمًا بك؟ مرتبط بآخر؟ أو لا يبحث عما تبحث عنه؟ هذه المحادثات التي -نستحي منها- ستنقذنا يومًا، وتختصر الألم والسيناريوهات التي نضعها في رؤوسنا ونقحم الآخرين فيها بلا علمٍ منهم أو انتباه.

*صديقتي/كنزي

.

.

.

بين الشجاعة والغباء

“Courage is knowing it might hurt, and doing it anyway. Stupidity is the same. And that’s why life is hard.”

— Jeremy Goldberg

قرأت الاقتباس هذا وقررت أن احفظه في تطبيق الملاحظات. تصلح سيرة ذاتية «بين الشجاعة والغباء». شاركت الفكرة مع أكثر من شخص حولي وفي كلّ مرة كنت استحضر -رغما عنّي طبعًا- مواقف مختلفة من حياتي. هذا الحدّ الفاصل الذي أكاد لا أراه بين منطقتين، فهو من جهة الشجاعة التي تدفعني للإقدام على أمرٍ أعرف أنه سيؤلمني لكن النتيجة في الطرف الآخر ستبهجني بالتأكيد. ومن جهة أخرى الغباء الذي يدفعني بنفس الحماس لأفعلها مرة أخرى واستيقظ على نتيجة مؤسفة!

وبين هاتين الفكرتين تستيقظ حربي الدائمة على التردد (سأكتب عنه قريبًا) وسيناريوهات بديلة مزعجة. أحبّ هذه الأوسمة والكدمات التي جمعتها بين الضفتين، بين الشجاعة والغباء. ولا أندم لحظة واحدة، بل أتعلم.

.

.

.

Painting: Memories – George Henry Boughton (1833–1905)

.

.

هل ترى ما أرى؟

قرأت يوم أمس تدوينة لسيث غودن يتحدث فيها عن موضوع يشغلني حاليًا. صدفة مروري بمدونته في تلك الساعة وقراءة المنشور تركتني في تأمل طويل. أغبطه على قدرته والتزامه بالتدوين اليومي منذ سنوات! وهذا موضوع آخر قد أكتب عنه وأناقشه طويلًا. فكرة سيث التي تكلّم عندها في التدوينة تركّز على التغيير الشخصي، وحقيقة أن التغيير هو الثابت الوحيد في حياتنا. أنا اليوم لستُ أنا قبل أسبوعين (لديّ اثباتات كثيرة حول هذا الأمر) ولستُ أنا قبل عشرة أعوام. ومهما زادت محاولاتي وبحثي للعودة هناك، لن أتمكن من ذلك. يستخدم نهر المسيسيبي كمثال على فكرته. الماء في النهر لم يكن هنا منذ عشرة أعوام. حتى حدود النهر تغيّرت، وضفافه. الأسماك والكائنات التي تعيش بداخله انتقلت وفنت.

ما هو إذًا “نهر المسيسيبي”؟ هو مجرد تسمية، أو علامة، أو وعاء. وعندما يفعل النهر شيئًا غير متوقع نعلق على ذلك. الناس يشبهون النهر، ماذا لو كنت معروفًا بأفضل -أو أسوأ- ما فيك وحسب؟ أنت لست نفس الشخص الآن، اليوم، وفي هذه اللحظة. وهناك احتمال كبير ألا تكون كذلك غدًا. ولكن هذا هو التصنيف الذي اختير لك. يرى سيث أننا عندما نتحدث عن شخص، أو جهة أو حتى عن أنفسنا نفعل ذلك وكأنّ كل من هؤلاء له صفة الثبات. حقائق غير متغيرة. لكننا في الحقيقة مثل الأنهار. والتصنيفات تفقد أهميتها في وقتٍ ما، لذلك يتعين علينا تغييرها. وعندما نتمسك برأينا ونرفض الاعتراف بحقيقة التغيير نصبح كمن يحكم قبضتيه على شيء يمنعه من الانشغال بسواه. الانشغال بما هو أفضل.

.

.

٤ أغسطس – محاولة من جديد

هذه التدوينة فتات الخبز الذي سأتركه على الممر المؤدي لغابة عصافير الكلام!

لم أصدق سرعة ركض الأيام حتى شاهدت التقويم على مكتبي. بالأمس كنت استعد لكتابة تدوينة طويلة عن رحلتي الصيفية مع أخواتي (كان الأمس يونيو) ومرّت الأيام وفقدت الاهتمام بالحديث تمامًا. فقدت الاهتمام بالكثير من الأشياء لكنني مستسلمة وسعيدة. يداهمني الانزعاج في منتصف اليوم أحيانًا وأحاول الوصول لسببه وأفشل. أمرّ بأحداث صغيرة وكبيرة تذكّرني بقيمي التي التزمت بها والوعود التي قطعتها لنفسي، لكن صوتًا صغيرًا بداخلي يقول: هل بعض المرونة والتغيير مفيد هنا؟ تمرّ بي أحداث كبيرة وصغيرة واتساءل السؤال البعيد عن القنوط: لماذا يحدث معي هذا؟ مرة ومرتين وثلاث. ليس لدي ما أقوله هنا حقيقة. وإذا وصلت لهذه الصفحة بسبب تنبيه التدوينة الجديدة وكانت كلماتي مخيبة -اعتذر.

أكتب هنا لأنها مساحتي، ولأنني أفكر بتجربة شيء جديد. الصيف يشعرني بوحشة غريبة ووحدة أحيانًا. انغمس في العمل والمهام والمشاريع المؤجلة ثمّ يهدأ الصوت في رأسي وأتذكر ما تجاهلته. أرجوحة قلق لا تذهب إلى مكان.

في نشرة بريدية استقبلها كلّ أسبوع كتبت مدونة أمريكية تفاصيل استقبالها لشهر جديد كالتالي:

اشتريت شيئًا جديدًا.

اقرأ هذا الكتاب.

وأتطلع لهذا الأمر خلال أغسطس.

شيء أودّ الإشارة إليه: كتاب القصص القصيرة «كاتدرائية» لريموند كارفر. قصص قصيرة ممتعة ومختلفة أعادت لي شهية كتابة القصص – لا أظن أنني سأتبع هذه الشهية لأسباب كثيرة. آخر مرة كتبت فيها قصة قصيرة قبل ١٤ عامًا وكانت قصة غريبة جدًا أرشفتها ولا أود العودة إليها. كانت شخصيتها الرئيسية رجل يفقد أصدقائه كالعرق من مسام جسده! ما هذه الغرابة؟ ربما كان كابوس أو تعبير حقيقي عن مشاعري التي تزورني كلّ صيف. أذكر مرة اسميت شهر أغسطس بشهر الغربلة. أغربل فيه كلّ شيء. لا أعلم ما سيحدث هذه المرّة. أشعر بالانزعاج والفوضى والضجر. ولا أرغب في الحديث عن تفاصيل هذه المشاعر. أريد أن تأخذ دورتها الكاملة، أن اتخفف من هذه الأحاسيس بالانتظار والكتابة والبكاء.

هذه التدوينة تجربة. وفي وقت انقطاعي عن التواصل على منصات أخرى فالطريق الوحيد لهذه الصفحة سيكون عبر الإعلان البريدي للمدونة، أو فضولكم.

وفي حال وصلتم للنهاية شكرًا.

حدثوني عن يومكم، أو أيامكم عمومًا، كيف تبدو؟ هل ستتركون فتات الخبز هنا لأتبعكم بالحديث؟

.

.

.