اترك المنزل لتكتب أكثر

 

أحب الروابط العجيبة بين محادثاتي اليومية مع أقاربي وصديقاتي وبين المواضيع التي أمرّ بها مصادفة على الانترنت. هذا الأسبوع كنّا نتحدث عن السفر وحيدة، تناول الطعام وحيدة، المشي وحيدة، مشاهدة الأفلام وحيدة وغيرها من الأنشطة التي أمارسها وحدي دون انزعاج لأنني أحيانًا أقضي الوقت في تأمل البشر من حولي. حتى وإن بدا الأمر وكأنني مشغولة بنفسي تمامًا. أسمع الأصوات والأحاديث، التفت لتأمل الوجوه – لا أطيل النظر حتى لا يشعرون بالانزعاج. لا أعلم متى بدأ هذا التقليد الهادئ لكنّه إحدى المتع العظيمة التي أزورها مضطرة وراغبة.

بعد حديثنا أنا وقريباتي مررت في الصباح التالي بموضوع قصير يتحدث فيه أحد الكتّاب عن المنافع التي يجدها في الخروج من المنزل – إلى مطعم في هذه الحالةوتأمل الأشخاص من حوله. وكيف يساعده ذلك في صناعة الشخصيات للقصص والروايات وفي الكتابة بشكل عام.

كيف يستفيد الكتّاب من مراقبة البشر؟

١تأمل الطريقة التي يرتدي بها الآخرين ملابسهم. طبقاتها، حركتها، ألوانها. ما هي الاكسسوارات التي يضعونها؟ أين يرتدون ساعاتهم؟ خواتمهم؟ هل يعلو شعرهم الشيب؟ كيف يسرّحون خصلاته؟

٢تأمل طريقة الناس مع بعضهم. كيف يتحدثون؟ أي نبرة تُسمع منهم؟ كيف يديرون النقاش ويلقون التحية ويضغطون على أكفّ أصحابهم؟

٣تأمل طريقة جلوس الآخرين وحدهم. هل يزعجهم ذلك؟ هل تقرأ من أعينهم مشاعر تلك اللحظة؟ يقرأون كتبًا أم وجوه البشر؟

٤تأمل لغة أجسادهم. إيماءاتهم. نظراتهم وحركة أيديهم على الطاولة وفي الهواء. التماع المشاعر في أعينهم.

٥كيف يأكلون؟ ما الذي يختارونه من قائمة الأطعمة؟ هل يدخنون بشراهة؟ هل يمتعضون من منع التدخين؟ ما هو شكل حيرتهم أمام الأطباق الشهية؟ يشربون الشاي ساخنًا أم يبرد على مهل وهم منغمسون في الأحاديث؟

الشيء المؤكد بعد الملاحظات أعلاه أنك ستعود للمنزل وفي رأسك عشرات الحكايا، ستذهب بعيدًا وتنسج القصص لمجرد اقترابك من الناس. ستكتشفهم وتكتشف نفسك. سواء كنت على طاولة مطعم أو مقهى، في الشارع، في السوق، في الجامعة والمستشفى والمطار .. هل يكفي المجال لعدّ كل مكان يجتمع فيه البشر؟

العزلة مدهشة لكن وكما كتب صاحب هذه الأفكار أنتوني إلرز:

الشخصيات لا تولد من الهواء؛ بل تُحاك من تفاصيل أناس حقيقيين حولنا

.

.

.

طابع بريد لرسائل الحبّ فقط

التقيت بماركيز في المرّة الأولى عام ١٩٩٣م بمكسيكو سيتي. كان انتهى للتوّ من كتابه عن الحبّ وشياطين أخرى“. عمل صغير نُشر بالإسبانية في ١٩٩٤م، وصدرت الترجمة الإنجليزية له في العام ١٩٩٥م. كان قد بدأ بكتابة سيرته الذاتية الضخمة التي نُشر الجزء الأول منها في ٢٠٠٢م. وفي تلك الفترة أيضًا كان يتعافى من هجمة السرطان الأولى. تلك الهجمة التي غذّت الوساوس والغمّ بداخلهامتدّ حديثنا ليومين في كوخ خارجي ملحق بمنزله. رائقٌ بلا بهرجة، كان في فترة ما مكتبته، ثم مكتب، ثم كهف رجل مدفّأ بعناية.

.

.

ماركيز:

(مشيرًا إلى مسجلة الصوت) هل نحتاج إليها فعلًا؟ أنا عدو مسجلات الصوت. لها أذن وليس لها قلب. يمكنك تدوين ملاحظاتك.

ستريتفلد:

إنني كاتب بطيء. لذلك يؤسفني أنني مضطر لاستخدامها، وإلا سيتمد اللقاء للأسبوع القادم.

ماركيز:

حسنًا إذا. وأعتذر منك إذ أنني لا أجيد التحدث بالإنجليزية. أكبر خطأ ارتكبته في حياتي: عدم اتقان التحدث بالإنجليزية (يرفع يديه مستسلمًا). اسألني ما بدا لك.

ستريتفلد:

اشتبكت مؤخرًا مع سرطان الرئة؟

ماركيز:

نعم؛ لكنّ فحوصاتي مبشرة والورم حميد. لقد كان خبيثًا لكنه لم ينتشر. منحني الأطباء الكثير من التفاؤل. كنت أقول دائمًا إذا حدث شيء مشابه؛ أكذبوا علي. والآن يعطونني انطباع أن كلّ شيء بخير ولا أعلم أحقيقة هذه أم كذبة؟ مراجعات الفحوصات مرعبة، فقد يجدون شيئًا آخر.

جدولت مؤخرًا موعدًا ليوم الأربعاء. يوم السبت بدأ القلق، وعندما جاء الأحد ظننت بأنني سأموت.

ستريتفلد:

ماذا حدث يوم الاثنين؟

ماركيز:

قدّمت الموعد.

ستريتفلد:

هل أثر السرطان على عملك؟

ماركيز:

أصبحت في عجلة من أمري. كنت أقول لنفسي دائمًا: يمكنني عمل هذا خلال عشرين سنة أو ثلاثين سنة. الآن أعلم بأنني قد لا أملك ثلاثين سنة أخرى. أحاول تجاوز ذلك عندما أجلس للكتابة. يمكن اكتشاف تأثير العجلة بوضوح على الأعمال الإبداعية. وفي أية حال، استخدام الكمبيوتر أثر علي أكثر من السرطان.

أول رواية كتبتها باستخدام الكمبيوتر الحب في زمن الكوليراوأشك بأنها أول رواية كُتبت بالاسبانية على الكمبيوتر.

باستخدام الآلة الكاتبة، أنهي المسودة الأولى ثمّ أسلمها للطابع الذي يختزلها في نسخة نظيفة. كانت لحظة سعيدة. رؤية النسخة الجديدة هكذا.لكن إنجازها يتطلب وقتًا طويلًا.

الرواية عندما تُطبع على الكمبيوتر تصبح قابلة لتعديلات لا نهائية. أكتب وأعيد الكتابة بكل سهولة وسرعة. الدليل على ذلك؟ أصبحت أنشر رواية كل سنتين بعد أن كنت أفعلها كل سبع سنوات.

متابعة قراءة طابع بريد لرسائل الحبّ فقط

إفطار لشخص واحد

.

.

استيقـظت والدتي باكرًا هذا الصّباح لتعدّ القرص المفروك بالتّمر. وفي نفس اللحظة التي بدأ فيها المنزل بالاستيقاظ التدريجي انهارت قواي! ربّما كان ذلك بسبب مزيج من الهدوء والوحدة. أخواتي يقضين العيد في الطرف الآخر من الكرة الأرضية بينما أحاول صناعة تقليد جديد للاحتفال بيومي. استيقظت لاحقًا بعد الضحى بقليل، خرجت لشراء بعض الاحتياجات من السوبرماركت واخترت هدية صغيرة لقريبتي. نتبع تقليد جديد مستورد مثل كثير من التقاليدلكنّه ممتع! الفكرة تقتضي شراء الهدايا وتوزيعها على مجموعة الأقارب. تتم المزاوجة بين الأفراد بحيث تعرف ما الهدية التي ستختارها لأحدهم بينما تتوقع هدية لك من شخص آخر. التقليد مرتبط بأعياد الميلاد الغربية واسمه Secret Santaابحثوا عنه.

كان الشهر الماضي خفيفًا على قلبي بالرغم من الجهد الذي بذلته في تنظيم يومي بين العمل والاحتياجات الشخصية والاستمتاع بلياليه الطويلة.

أمضيت أيامي الأخيرة في وظيفتي ككاتبة محتوى بشركة تاكت للتسويق الرقمي، أنجزت مهامي وقدمت ورشة عمل مسائية ليومين في الأسبوع أشارك فيها فريق العمل بما تعلمته خلال السنوات الماضية في مجال صناعة المحتوى بشكل عام ومحتوى الشبكات الإجتماعية بشكل خاصّ. أحببت حماس المشاركين في الحضور مع أنّ مساءات رمضان مغرية للبقاء في المنزل والترفيه أو الانشغال بالتعبد.

المرحلة القادمة انتقل للعمل في القطاع الحكومي في تجربة مختلفة على جميع الأصعدة. صحيح سيكون مجال عملي مرتبط بالكتابة والتحرير، لكنني متحمسة للتحديات التي سأجتازها تباعًا وساكتشف قدرتي على التأقلم والتعلّم من جديد.

خلال الشهر القادم أيضًا أقدّم ورشة عمل مجانية عن البدء بالعمل المستقّل تستضيفها مكتبة الملك عبدالعزيزالفرع النسائي يوم السبت ١٥ يوليو بين الساعة ١١ صباحًا – ٢ بعد الظهر.

تناولت فطوري هذا اليوم وحيدة، مع ذلك أشعر بالرضا والسلام وتقبل كلّ ما سيأتي. اشتقت لمدونتي بعد تلك الإجازة القصيرة والأيام القادمة ستحمل تدوينات انتظرت نشرها طويلًا.

شكرًا لكم وعيدكم مبارك

 

حياة طيّبة

.

.

أهلًا يا أصدقاء!

كل عام وأنتم بخير وشهر مبارك عليكم. أسأل الله أن يكون شهر رضا وسلام وبهجة على قلوبكم ومن تحبّون.

سأكرر ما أقوله كلّ عام عندما أحتفل بالشهر الكريم وأدوّن في استقباله: هذا شهر استعادة ضبط المصنع السنوي. شهر التأمل وإنجاز كل الخطط المعلقة. الشهر الذي تفتح الروح بابها على مصراعيه.

خلال الأيام القادمة الكثير من الراحة والاستعداد والعمل في آن. ستذهب المدونة في إجازة قصيرة تنتهي بالعيد إن شاء الله. لكن المحتوى سيستمر عبر مجلة The *It Mag الإلكترونية من خلال سلسلة حياة طيبة“. سأكتب في مواضيع متنوعة تتناول الحياة بشكل عام، وتصبّ في موضوع خاص واحد: كيف نعيش حياة طيبة؟

خلال الشهر أيضًا، استعد بحماس لنقلة مهنيّة جديدة إن شاء الله، وأنهي ارتباطاتي مع مكان عملي الذي أتممت فيه سنة ونصف عملت من خلالها على العديد من المشاريع الملهمة وصنعت ذكريات لا تنسى.

ترفيه الشهر سيرتبط بالكتب الصوتية، وساعات وساعات من المشي. أنهيت خلال إجازتي القريبة قراءة المقالات التي جمعتها في تطبيق بوكيت والآن دور الكتب التي جمعها رفّي في أوديبل Audible. الثيمة العامة للشهر الطعام، الصحة، وتحفيز الإبداع.

هذه التدوينة السريعة تحيّة للقراء الذين لا يكفون عن زرع السعادة في المكان، سأكون بالقرب وانتظر مرئياتكم وتعليقاتكم على السلسلة التي أنوي تقديمها في The *It Mag الإلكترونية

شكرًا لكم

.

.

 

وش عندكم؟

.

.

أنهيت إجازتي برحلة قصيرة إلى المنطقة الشرقية بصحبة أختي موضي. كانت الخطة أن أذهب مبكرًا قبل اشتداد حرارة الجو وارتفاع الرطوبة، لكن الجو كان لطيف ومقبول أو أني اشتقت كثيرًا لهذه الأجواء.

قابلت صديقات جدد جمعتني بهم شاشة الهاتف لسنوات وتابعت كلماتهم وصور حياتهم اليومية. أربعة أيام فقدت فيها الشعور بالوقت. قرأت وأخذت كفايتي من النوم، تأملت البحر من شرفتي واستمتعت بصوت نافورة صغيرة تجاورني.

التقيت بصديقات الطفولة وتحدثنا لساعات عن حياتنا واكتشفنا أسرار جديدة عن بعضنا لم نتوقف للحديث عنها من قبل. هذه الاكتشافات العظيمة صنعت رابطة جديدة بيننا. غادرت الخُبر وقد تخففت من الكثير من مشاعري وقلقي، وحملت معي أفكار ملهمة ومشاريع لبقية العام.

القصة لم تكن هنا، القصة في السؤال الذي تكرّر علينا أنا وموضي منذ لحظة وصولنا الأولى: وش عندكم؟ ليش جايين؟

والإجابة الوحيدة: لا شيء، استجمام واكتشاف.

لفت السؤال انتباهي لعادة لم نتخلص منها حتى وقت قريب، العمل المتواصل!

نحنُ حتى في رحلاتنا التي نقصد بها السياحة والاستجمام نحشر مهامّ عمل، وزيارات وننخرط في التعلم والتجهيز لمشاريع لاحقة. لم يكن انتقالنا خارج المنزل مكرّسًا للراحة والاستجمام فقط، وأظنّ أننا ورثنا ذلك من والديّ.

صنعنا صورة نمطية حولنا دون قصد وكنا: العائلة التي لا تهدأ.

تذكرت أيضًا الملاحظة التي أسمعها من كثير من الأقارب في كلّ مرة اتساءل عن غيابهم وانقطاعهم عنّا ويقولون: نعتقد بأنكم مشغولون ونتجنب إزعاجكم.

ليس بعد الآن، لقد مللت حركتي الدائمة وركضي ومن تغييرات السنة المهمّة أبحث الآن عن أفضل طريقة للاستمتاع بالبطء.

بدأت من هذه الرحلة القصيرة و قررت استبعاد عقلية الإنسان ( الماكينة) واخترت الهدوء.

غادرت الرياض بلا جهاز محمول ولا توقعات.

اخترت غرفة فندق هادئة وخدمات جيدة.

تجنبت مشاهدة التلفزيون واستمعت للراديو المفضّل حينما كنت أسكن الشرقية راديو البحرين (96.5)

قرأت كتاب وبدأت بآخر.

أنا سعيدة بالنتيجة، وأفكر بصوت مرتفع: أين كنت من كلّ هذا؟

آخر مرة استمتعت بالهدوء والعزلة والبطء قبل سنوات طويلة. وقد تكون هذه حياتكم كل نهاية أسبوع، وقد تبدو هذه التدوينة مضحكة ومبالغة في الحديث عن تصرف إنساني طبيعي جدًا.

ما أحاول قوله:

الحياة السريعة والركض والتعب المتواصل ليست ميزة أو شيء يدعو للفخر.

.

.

.