اتحسس جرح صغير غائر على إصبعي وأفكر كيف يمكن صياغة افتتاحية مناسبة لهذه التدوينة العشوائية؟ ربما سأحكي أولًا قصة هذا الجرح الذي حدث بسبب انعدام صبري! قبل أسبوع أو يزيد من اليوم وجدت نفسي حبيسة غرفتي مع قطة متوترة بلا طعام أو مكان لقضاء حاجتها. كان يومًا طويلًا ومجهدًا عدت فيه من ورشة تدريبية بدأت صباحًا وتبعتها عدة ساعات عمل في المكتب. لم تعتد قطتي النوم في الغرفة. كل ليلة تقضي بعض الوقت معي ثمّ أخرجها لتتجول في المنزل وتجد زاوية هادئة لتغفو. كانت ظريفة جدًا تلك الليلة!
نظرت لعينيها اللامعتين وقلت هيا معي نختتم اليوم باللعب ثم اتركك تذهبين. أدخلتها وأغلقت الباب بالمفتاح وبعد بضعة دقائق شعرت بالملل وطالبتني بالخروج. حاولت فتح الباب عدة مرات لكن المفتاح امتنع عن الحركة. قررت حينها استخدام منشفة ثقيلة للامساك به وتحريكه بقوة وكسرته! وقفت مذهولة للحظة والمفتاح في يدي ولولو تموء وتدور حول قدمي في محاولة لشرح فتح الباب ببساطة: ما بك يا هيفا؟ هيا ضعي المفتاح هنا وحركي مقبض الباب لنخرج.
قبل أقل من ربع ساعة كان المنزل نابضًا بالحياة، والديّ مستيقظين يشاهدون مباراة أو برنامج رياضي عرفت ذلك من الصوت. وأختي كانت رفيقتي منذ قليل ولا أصدق أن النعاس تمكن منها بهذه السرعة. تواصلت مع كل الهواتف وطلبت النجدة من أخي الذي يعيش في مسكنه المنفصل. وانطلق لنجدتي!
مختصر القصة يا أصدقاء لأنني رويتها عشرات المرات منذ ذلك اليوم، عشنا ليلة طويلة من محاولات كسر القفل وإصابة في إصبعي بعد استخدام كل أداة حادة في غرفتي وانتظرنا الصباح لاستدعاء فنّي أقفال أو في سيناريو أسوأ: الدفاع المدني. فتح أخي الباب وقررت الذهاب لليوم الأخير من برنامج التدريب والعمل كأي يومٍ آخر لكن برأس لم يغف أكثر من ساعتين. وقطتي لولو المسكينة ركضت كما لم تركض من قبل باتجاه صندوقها وطعامها وشربت الكثير من الماء. أظن أنها ستعيد النظر في قضاء الليل بصحبتي وقد تركض في اتجاه معاكس كلّ مرة نلتقي في الممر.
القصة كلّها كانت بمثابة درس برسائل متعددة. قالت أختي: تأملي كل المجازات الممكنة لما تمرين به. في لحظة واحدة وجدت نفسي حبيسة المكان مع أفكاري ومشاعري والمرحلة الغائمة التي أمرّ بها منذ إبريل الماضي.
والآن سأحكي لكم عن قصة عنوان التدوينة المناسب جدًا لهذه الأيام!
ركز البرنامج التدريبي الذي حضرته على «التغيير» كيف يبدأ في المنظمات؟ وكيف نتعامل معه؟ وكيف تتمكن من الصبر على كلّ تفاصيله؟ كل هذه الأسئلة حضرت مع إجاباتها المسهبة، وقضيت مع زملائي تجربة ممتعة في تطبيق سيناريوهات تخيلية لبعض التحديات التي نواجهها في عملنا اليومي.
علق في ذهني نموذج «كيوبلر – روس» للتغيير. استخدمته المدربة وزميلتها في وصف حالة الموظفين في بداية وخلال ونهاية التغيير. في بدء المنحنى يسيطر الإنكار على الجميع، من ثم يهبطون باتجاه القاع وتبدأ المقاومة والشكوك، وفي القاع يستقرون في «وادي الفوضى» هنا يبدأ الألم والكرب، قد يطول مكوثنا في هذا المكان حتى نقنع بالتغيير ونتبناه بالصبر والمعرفة، ونصعد باتجاه الاكتشاف وتعزيز الإيمان باتجاه القمة حيث نملك الخبرة الكافية والالتزام بهذا التغيير.
في رحلتي الشخصية مع التغيير أقف في المنتصف، في وادي الفوضى! واللحظة الأولى التي ظهر النموذج على الشاشة أمامي ابتسمت لا إراديًا للمدربة. نعم أعرف هذا المكان جيدًا. من بين كل الرسائل التي تصلني كلما استشرت من أثق به: الصبر الصبر الصبر. تتردد الكلمة على سمعي كأنها تهويدة. هذا الصبر الذي سيخفف عني شعور الضياع العميق ويسهّل خطو أقدامي صعودًا.
بدأت التفكير في هذه التدوينة قبل أسبوعين تقريبًا، كنت أبحث عن نافذة أزفر منها ثقل مايو الطويل جدًا وأحداثه الغريبة وصعوباته. الأسبوع امتدّ وزادت الحكايات في رأسي والتفاصيل والتأملات.
ما زلت أفكر في الغرفة المغلقة وحديث عابر مع صديقتي مساء الأربعاء البعيد: اليوم سأعود للمنزل، أبكي قليلا، وأكتب تدوينة جديدة! وجدت سببًا للبكاء، وقصة جديدة لترويها.
يونيو يبشر بالخير من بدايته، العيد ورحلة صيفية وكتب جديدة أتطلع لالتهامها.
إذا كان هناك قائمة للحظات مبهجة خلال الفترة الماضية ستكون كالتالي:
- إتمام رواية يابانية ممتعة للكاتب كيئتشيرو هيرانو بعنوان «أحد الرجال» والبدء برواية للكاتبة الإيطالية نتاليا غينزبرغ بعنوان «معجم عائلي»
- سولو الكمان في مطلع ليلة حب لأم كلثوم.
- أطراف شعري المقصوصة حديثا.
- إنطفاء اللون الأحمر في خصلاتي الفاتحة والشيب المغمور بالبندق.
Photo by Rachel Rector
.
.