is it over now?

في متجر سيزان الفرنسي في حيّ مارليبون اللندني وقفت بانتظار خلو غرف القياس. احتضنت بين ذراعي علبتيّ حذاء وجدتها بعد بحث طويل، لكن القصة ليست هنا. في طابور الانتظار القصير وقفت سيدة سبعينية مع ابنتها (عرفت من الشبه العظيم) والتفتت لأنظر لكنزتها القطنية: I love your sweatshirt.

 كانت الكنزة المميزة جزء من قطع الملابس الكثيرة التي غرقت بها المدينة والدولة (إذا تذكرت أدنبرة كذلك). حملت صور منوعة للمغنية الأمريكية تايلر سويفت. أثنيت على كنزتها وعلقت بسرور: شكرًا اقتنيتها ليلة البارحة! وقلت لها إذا كنّا في الحفل سويّة. انطلقنا بالحديث عن الحفلة الممتعة وعن مشهد دخول ترافيس كيلسي. “لقد ظننت أنه سيجثو على ركبته ويتقدم لخطبتها أمام ٨٩ ألف متفرج” ضحكنا من اشتراكنا في الفكرة الرومانسية أنا والسيدة السبعينية، واستدركنا: لا نعتقد أنها ستقبل بمشاركة هذه اللحظة الحميمة أمام المتفرجين. كيف وصلتم هنا؟ لقد انتصرنا في الحرب العظيمة – وهذا المصطلح الذي أطلقه جمهور تايلر سويفت على حرب التذاكر، إذا حصلت على تذكرة هذا يعني أنك انتصرت في الحرب. أخبرتها أن قصتي بدأت عندما أبلغتني أختي الصغرى بحصولها على تذكرتين للحفلة قبل سنة وعدة أشهر. والآن لنخطط للرحلة. لم أكن أكيدة من سهولة الترتيبات لكنني قررت تركها للحظة الأخيرة. ومع مرور الأيام بدأت الصورة تتضح أكثر: سنبني رحلة الصيف بين لندن واسكتلندا وحفلة تايلر سويفت.

لم تكن هذه هي الرحلة الأولى التي أحضرها في حياتي، لكن في كل المرات السابقة كانت الفرق الموسيقية أقلّ جماهيرية بشكل ملحوظ. أحبّ هذا الاختصاص الذي لا يزاحمني فيه الآلاف. أحضر بحماس وأغني الكلمات وأذكرها.

ما لم أتوقعه أو استعد له هو هذه الجولة التاريخية لتايلر سويفت والتي بدأت نسختها الأولى العام الماضي وجالت العالم. كانت الحفلة في نقطة عمياء من تفكيري. حتى قررت حصة أختي ضخّ الحماس بداخلي وبدأت أولًا بإعداد قائمة أغنيات تتكرر في كلّ حفلة: خذي اسمعيها واحفظي الكلمات!

بدأت الاستماع لتايلر سويفت في بداية ظهورها عندما كانت طابع الأغاني الشعبية الأمريكية Country music يغلب عليها (وما زلت أحبّ هذا النوع من الأغاني حتى في انتاجها الحديث).

وأخبرتني لاحقًا بأنّها جهزت قائمة بالأغنيات التي تعتقد أني سأحبها، وفي كلّ مرة كنت اشاركها واحدة كانت تضع علامة بجوارها. لا أعرف ما أسمي هذا الارتباط الذي بدأ بالنموّ. شعرت أن علاقتنا دخلت مرحلة مختلفة، مرحلة اهتمام مشترك وفراشات صغيرة تملؤنا بالتساوي. صندوق الرسائل بيننا في انستقرام امتلأ بمقاطع من حفلات سابقة وأغنيات وتوقعات لقائمة الأغنيات المفاجئة التي ستؤديها سويفت في كلّ حفلة.

كل ما جاء لاحقًا لم يكن متوقع.

قبل سفرنا بعدة أسابيع بدأت نشرات الأخبار البريطانية تذيع التقرير تلو الآخر عن شكل المدن التي ستعبرها الحفلات وفرص العمل والوظائف التي أوجدتها الحفلة. يمكنكم معرفة المزيد بالبحث عن هذا الموضوع تحديدًا ورؤية الأرقام والنتائج المدهشة التي حققتها في أمريكا والعالم. لكن مشاهدة التقارير التلفزيونية شيء ورؤية الحياة في المدينة بانتظار الحفل شيء آخر.

لم يكن حضور الحفلة هذه اعتيادي لأنّها جاءت بمتطلبات مثيرة للاهتمام، هناك اختيار الزي من الحقبة المفضلة لك: Taylor Swift, Fearless,Speak Now, Red, 1989, Reputation, Lover, Folklore, Evermore, Midnights, The Tortured Poets Department.

والمحصلة كانت أني اخترت Folk-more  ودمجت حقبتين سوية. فستان كحلي مورّد وزينت وجهي بكريستالات صغيرة حول عينيّ!

بالإضافة لاختيار الملابس كانت مهمة تجهيز العديد من أساور الخرز الملون لتبادلها مع الحضور أو الاحتفاظ بها كما فعلت (لم أرد تبديل أساوري مع أحد فقط صنعتها أختي لأغنياتي المحببة: (Cruel Summer, Lover, Anti-Hero

كان الحماس لحضور الحفلة في كفّة ودخول ملعب ويمبلي في كفة أخرى. هذا المكان الحلم الذي وددت زيارته منذ تسعينات القرن الماضي عندما كنت متابعة مهووسة للدوري الإنجليزي. تحتفظ أختي بتصوير فيديو مليء بالمشاعر لي عندما عبرت البوابة الصغيرة باتجاه المدرّجات. ومع أن أرضية العشب الأخضر مغطاة بالكامل بتجهيزات المسرح والحفلة إلا أنني إذا أغلقت عيني بالشكل الكافي يمكنني تخيل المباريات التي أقيمت هنا.

هذا الاستطراد مربك.

لنعد قليلًا إلى الوراء، عندما وصلنا للمدينة المكتظة وهذا وضعها الطبيعي كلّ صيف. وكل صيف هو “موسم لندن”. جموع البشر، واجهات المحلات، أغنيات المتاجر بطوابقها المتعددة. تايلر تغنّي في كل مكان. وفي بعض المتاجر ستجد مجموعات أساور ملونة، أو أحذية رعاة بقر، أو سترات جينز مطعمة بالكريستالات. هذه الاحتفالية الرائعة مهدت لأسبوع من الانتظار والترقب. دون مبالغة في كلّ مكان ندخله، مطعم أو متجر كان، أو خلال جولة بالسيارة ستسمع شخصًا ما في الواقع أو على الراديو يتحدث عن تايلر سويفت وحفلاتها المتسلسلة.

قبل الرحلة بعدة أسابيع فكرت في ليلة الحفلة وازدحام المترو وصعوبة واخترت حجز غرفة فندق قرب الملعب، والنتيجة الصادمة أن أسعار الفنادق في محيط الملعب تضاعفت لعشر و١١ مرة! فكرت أن هذا جنون غير مبرر، وبحثت أكثر حتى حصلت على عرض جيد وتضاعف سعر الليلة المعتاد لثلاث مرات فقط وهذا أفضل بكثير من عشر مرات. ضمنت على الأقل تخفيف القلق الناتج من ترتيبات المواصلات وضمنت أيضًا الذهاب باكرًا بعد الظهر لترك متعلقاتنا الشخصية في غرفة الفندق والاستعداد للحفلة بهدوء والتوجه للمكان في الوقت المناسب.

كنت أهدئ من توتري بقولي: إذا كانت هذه الحفلة مناسبة لطفلة في الرابعة من العمر ستكون مناسبة لي بالتأكيد. وهذا ما حدث! تنظيم المكان والدخول والمرافق كانت أكثر من رائعة. لم أشعر بالانزعاج أو التعب خلال ساعات الحفل. ربما بسبب اختيار المقاعد فلا يمكنني تخيل نفسي مع الجمهور الوقوف في ساحة الملعب والذين اضطروا للحضور للمكان قبل ساعات طويلة ليضمنوا زاوية جيدة. لم تغب الشمس باكرًا وهذه من محاسن موعد حضور هذه النسخة ففي الصيف يمتد النهار حتى قبيل العاشرة مساء.

في خزانة الذكريات في غرفتي احتفظ بأساور الخرز الملونة، والسوار المضيء الذي تحققت من بطاريته ليعيش طويلًا. هذا السوار المضيء جزء من تجربة الحضور، ترتديه في يدك ويومض بألوان متنوعة تتبع الفقرة التي تؤديها المغنية على المسرح. السوار جزء من الاندماج الكامل الذي شهدته لآلاف البشر في مكانٍ واحد. الكلّ يغني الكلمات حتى لم تعد تسمع نفسك! وكلما اشتد الصراخ والحماس كنت أجلس على كرسيي واتأمل المشهد. لا أتقن الكلمات، ولا أعرف سر الصراخ، لكنني مغمورة بهذا الحبّ العظيم. والفرح الذي رأيته في قفزات أختي ومتعتها. ماذا لو وضعته في علبة واستعدته كلما احتجت له؟

في بداية الحفلة تقول تايلر أننا من الآن وصاعدًا كلما سمعنا أغنياتها سنتذكر اجتماعنا هنا، سيكون للذكريات شكل آخر.

شكلنا معًا.

أنا وأختي.

أنا وأختي في طريق العودة وهي تحمل حذائها في يدها من التعب.

أنا والسيدة السبعينية في انتظار غرف القياس.

أنا ونادلة المقهى في أدنبره وهي تشتكي من آلام ظهرها بعد حفل الأسبوع السابق.

أنا والفتيات الصغيرات وهنّ يغنين ملء رئاتهن.

أنا والطفلة المتعبة عند مصعد الفندق وأمها تحملها.

أنا وكل من عبر الطريق باتجاه بوابات ويمبلي.

أنا وهيفا الصغيرة المبتهجة الآن، جدًا.

 

بين المواجهة والتخلّي

مع كلّ بداية أسبوع جديد أجلس لكتابة المهام التي يجب إتمامها سواء كانت شخصية أو مرتبطة بالعمل. أفكّر في الصراع الذي أخوضه وأنا أدون هذه المهام وابدأ بالتسويف وهي في رأسي قبل أن أضعها على الورق. التأرجح بين التخلي عن الأمر تمامًا أو التأجيل أو إجبار نفسي على إتمامها على مضض مع كثير من الثقل والتردد. المصادفة الطريفة أني مررت بتدوينة لـ ليو باباوتا تتحدث عن نفس الفكرة، وتعطي بارقة أمل باقتراح ما يمكن فعله في هذه الأحوال. هذه التدوينة نسخة مترجمة عن الموضوع -مع الكثير من الاختصارات. ليو يقترح علينا التفكير في خيارات أخرى غير التأجيل الكامل والإجبار على العمل.

ومن بين هذه الخيارات:

  • اختيار الراحة والابتعاد عن المهمّة ومن ثمّ العودة إليها عندما نكون أكثر انتعاشًا.
  • إيجاد الأسباب التي تلهمنا للعمل على المهمة والتمسك بها حتى عندما نشعر بالتعب أو الضجر. مثل تذكّر الهدف الأكبر والرؤية العامة لنا. أو البحث عن الأثر الذي يتركه هذا العمل على حياتنا وحياة الآخرين. باختصار إيجاد قيمة أصيلة نضعها نصب أعيينا كلما شعرنا بالتراخي.
  • طلب الدعم والمساعدة من الآخرين. لا تخجل من طلب المساعدة بكل أشكالها. كيف يمكن للآخرين مساعدتنا في هذه المهمة؟ أو حتى تشجيعنا وجعلها أكثر متعة.
  • ابتكار منهج إبداعي يساعدك في تنفيذ المهامّ ويشجعك على احترام جهودك.

وهكذا يوجز لنا ليو الموضوع ويشجعنا على التفكير في الأمر من زاوية مختلفة وكلما اتسعت الخيارات كلما أظهرنا لأنفسنا الاهتمام والرعاية اللازمة.

ويتحدث أيضًا عن نزعتنا الفطرية لاختيار أحد الخيارين الأولى: الامتناع والتجاهل التامّ أو العمل بإجبار. ونحنُ في هذه الحالة لا نتخذ قرارًا خاطئًا باختيار أحدهما، لكن التصرف بنفس الطريقة كلّ مرة سيمنحنا نفس دائمًا نفس النتائج: فالتجنب يجعلك عالقًا ويوقظ بداخلك الأحكام الذاتية القاسية، وإجبار نفسك على العمل يجعل تشعر بالعبء، والإرهاق، والتعب، والهمود. إن معرفتنا الذاتية بهذه النزعة تهيئنا للتفكير في تجربة أمرٍ مختلف. وستشجعنا في اختيار رعاية الذات عبر التأكد من العمل دون إرهاق، وإنعاش أيامنا بطريقة نحبّها. وبدلًا من إجبار نفسك للعمل على مهمّة للانتهاء منها وتجاوزها جرّب واحدة من الخيارات أعلاه.

وأنا اقرأ التدوينة وأنقلها هنا تذكرت مهمة أجلتها ثلاثة أشهر! وبعد أن انتهيت منها خلال ساعة أو أقل بقليل ضحكت كثيرًا من نفسي. هذا الانزعاج والتأجيل والتجاهل كان سينتهي بشكل مختلف لو أني قررت يومًا ربطها بنشاط ممتع مثل مشاهدة فيديو على يوتوب أو الاستماع لكتاب صوتي أو التحدث مع صديقة على الهاتف. بالضبط الأمر بهذه البساطة، وشعوري بعد الإنجاز مذهل.

كانت لدي خزانة بأربعة أرفف كبيرة ملأتها بأنواع متعددة من القرطاسية والأقلام والألوان وبدأت بحشر كل شيء صغير من هدايا ولُعب وتذكارات، وزجاجة ماء منذ ديسمبر الماضي! كل يوم أدخل الغرفة التي أصبحت مكتبة ونادي رياضي لتستقبلني الرفوف وفوضاها وزجاجة الماء. أسافر وأعود لأكدس المزيد وأؤجل ويزداد غضبي من نفسي وكسلي.

نهار السبت الماضي بدأت بالعمل بالإضافة لإعادة تنظيم أرشيف يومياتي للسنوات الماضية وتخزين الدفاتر في مكان جيد. أفرغت الرفوف وتركتها شبه فارغة في مواضع، بينما ملأت الجزء الآخر منها بالكتب التي أقرؤها حاليًا، وأدوات الرسم، وبعض الأغراض اليومية والأقلام.

وأقيس على هذه المهمة غيرها من القائمة التي أسميتها «أبدية» على أمل العودة إليها قريبًا. سيكون منتصف نهار السبت لأشهر قادمة موعدي. أختار نشاط ممتع، وأحاصر مهمة مؤجلة وهكذا. حتى تنتهي كلها بسلام.

كيف يبدو شكل عنايتك بذاتك؟

سألتني المرشدة خلال جلسة اليوم.

رُشحت في أكتوبر الماضي للانضمام لبرنامج تدريبي يركز على القيادة بالذكاء العاطفي. هذا البرنامج التدريبي المعدّ خصيصًا لي ولفريق ممتد في جهة عملي ينوّع بين جلسات الإرشاد الشخصية والجماعية. وفي كلّ مرة نجتمع لورشة جديدة أخرج بحصيلة معلومات وأفكار قد لا تكون جديدة بالضرورة لكنها مختلفة والنظر إليها من زاوية جديدة أمر بالغ الأهمية.

سألتني ولم أتردد لحظة في الإجابة، ربما لأن الموضوع يشغلني دائمًا. كيف اعتني بنفسي؟ بروحي على وجه التحديد. لن أتحدث عن العناية بالذات المرتبطة بالعناية بالجسد كزيارة صالون الأظافر، أو صبغ الشعر، أو التمرين اليومي. ولا تلك المرتبطة برحلات التسوق في الواقع وفي العالم الافتراضي.

أجبتها بأنني استمتع بوقتي وحدي، والتخطيط لنهاية أسبوع كاملة أكون فيها مع نفسي في عزلة اختيارية يحيط بها الصمت. ويصاحبها البدء بمشاهدة مسلسل جديد أو فيلم أحبه ولا يجد اهتمامًا من صحبتي. قد أكتب قليلا أو ارسم، أو أسدّد مديونية النوم بعد أسابيع الأرق.

في العادة أقضي الوقت مع اخوتي أو صديقاتي وحتى خيارات الفعاليات أو الترفيه نختارها بشكل جماعي. هذا الوقت الذي أخصصه لنفسي ويتضمن إلغاء الخطط، والتوقف عن عمل أي شيء. هذا الأمر يأتي بالتوازي مع التوقف عن التوقع أو الانضمام للجماعة ويعطيني شعور بالطزاجة – إذا أمكنني استخدام هذا الوصف. يشبه تصفير عداد الركض. أريد التفكير والنظر للأشياء بشكل متفرد. أن يكون تفاعلي لجزء مع الوقت مع العالم الخارجي بلا شائبة أو تأثر بمن هم حولي.

كانت الفكرة في رأسي ممتدة وذات أوجه عدّه، لكن عندما كتبتها هنا تقلصت! لديّ رغبة دائمة في الاختصار وأرى أنها تحققت هنا.

وأنتم كيف يبدو شكل عنايتكم بذاتكم؟

عن السّفر وأشياء أخرى

صباح السبت وبينما كنت أعدّ قهوتي المقطرة على طريقة V60  تذكرت المرة الأولى التي شاهدت فيها شخصًا يعدّها بهذه الطريقة. قبل عشر سنوات خلال زيارة لنيويورك سكنت في فندق رائع يحتضن مقهى مميز تسري رائحة فناجينه حتى الأدوار العليا. كانت الموظفة غارقة في الأحاديث مع الزوار تناقش أسبوع الموضة والضغوطات التي تصاحبه. “خلال أسبوع الموضة كل يوم هو يوم اثنين!”. لم يكن خيار القهوة هذا في بالي أبدًا ولا أعرف عنه شيئا. طلبت منها قهوة سوداء وسألتني: أمريكانو أو V60؟ طبعًا شعرت بالفضول تجاه المقترح وسألتها كيف تعدونه وأشارت للأقماع المخروطية وفلاتر القهوة المصفوفة فوق أباريق زجاجية هكذا وبدأت بالعمل. حسنًا أريد منها واحدة -أو اثنتان لأختي لتجرّبها.

منذ سبتمبر ٢٠١٤ وأنا أشرب القهوة بأشكال مختلفة ومذاقات متعددة وأصبح فنجان الصباح أحد التفاصيل التي لم أنفصل عنها. هذا الحبّ والاهتمام ظهر بأشكال عدة في سنواتٍ لاحقة، ففي ٢٠١٥ و٢٠١٦ حضرت مهرجان القهوة في نيويورك وتعرفت على محامص جديدة وآلات وأدوات لإعداد القهوة لم أرها من قبل.

أفكر في هذا التنوع وفي السعة التي يمنحنا إياها السفر والتنقل من أماكننا المألوفة لمشاهد أخرى. حتى أنا لا أعود كما كنت كلما رجعت للبيت من رحلة جديدة. حياتي كلها تغيرت بعد شهرين ونصف قضيتها في أمريكا في ٢٠١٣، عدت بهوايات جديدة ومعرفة أعمق مع نفسي. تعرفت على المسطحات المائية كلّها في أسبوع واحد: المحيط والبحيرة، والنّهر، والخليج، والجداول! والأمر ذاته مع المعارض الفنيّة والمتاحف حيث شاهدت الأعمال التي لم أعرف منها سوى صورها في الكتب والوثائقيات. حضرت الأوبرا والباليه والاوركسترا وتعرفت على خطوط المترو وكيفية التنقل بوسائل النقل العامة. حضرت مسرحية تفاعلية وتسببت في عرقلة العرض ليدفعني أحد الممثلين جانبًا، حضرت حفل توقيع لكاتبة مفضّلة، وتناولت الكرودو* للمرة الأولى في حياتي. منذ تلك الرحلة والرحلات التالية لها كانت كلّ تجربة تعيدني لدهشة الطفل الأولى وقادني فضولي لأغرب الأماكن وأكثرها ألفة.

قبل شهرين تقريبًا ذهبت مع أخواتي في رحلة صيفية ممتعة، كانت المرة الأولى التي نسافر فيها سويّة منذ العام ٢٠١١! في كل مرة كنا نسافر في مجموعات صغيرة، كل اثنتين أو ثلاثة مع بعضهن. لكنّ الوقت أخيرًا مناسب والأجواء والوجهة.

قضينا عدة أيام في العاصمة البريطانية لندن وتوجهنا إلى ادنبرة عاصمة اسكتلندا التي وقعت في حبّها منذ سنوات وعدت إليها مرتين.

خلال الأيام التي سبقت الرحلة حاولت المحافظة على هدوئي وقللت من حماسي كي لا أسبب لهنّ الارتباك. وددت أن يعبروا عن حبهن وإعجابهن بالمدينة، أو في حالة أخرى: انزعاجهن. قضينا حوالي الأسبوع في المدينة العتيقة وأحبّ أن أقول: لقد وقعن في حبّها لدرجة رفضهن للعودة والبقاء لوقت أطول إن أمكن.

تخللت إقامتنا في أدنبره رحلة يوم واحد إلى المرتفعات الأسكتلندية، كانت الرحلة أكثر من احتمال لياقتهن وصبرهن وخلال انطلاق السيارة بين المرتفعات وتعرجات الطرق صارحتهن بواحد من أهداف الجولة: تصوير الكوخ الوحيد في غلين كو! تماسكن طبعًا ولم يصارحنني برغبتهن في ركلي من السيارة. كان يومًا طويلا لكن الوقفات والمناظر الطبيعية الساحرة ستبقى في أحلامي حتى أعود.

تلقيت الكثير من الأسئلة حول الرحلة وما هي مفضلاتي؟ دائما الطعام عنصر جوهري في كلّ عطلة، والفنّ والقهوة والكتب بالتأكيد! قضينا أيامنا في الطبيعة أو المشي في الشوارع الهادئة بعيدًا عن صخب السياح في الRoyal Mile.

وبلا إطالة ها هي مفضلتي:

  • مخبوزات الهيل والقرفة من Söderberg
  • الستيك الشهي والاطباق المصاحبة في Kyloe
  • العشاء الياباني في Yamato
  • المشي في منطقة Stockbridge
  • نزهة اليوم المطير في حديقة Princes Street Gardens
  • اكتشاف محل العطور الاسكتلندي Jorum Studio

 

 

*الكرودو هو طبق إيطالي يقدّم فيه السمك (واللحم عمومًا) نيئًا. شبيه بالساشيمي الياباني.

.

.

.

الخميس أخيرًا!

 

أيقظني المنبّه، وفي الأيام التي استيقظ على صوته أعرف أني بحاجة للمزيد من النوم. عادة استيقظ قبل المنبه بعدة دقائق وأحيانًا بنصف ساعة. أحب هذه اللحظات التي كأن يومي يتمدد معها. أنا والمنبّه في سباق. بقيت لساعة متأخرة ليلة البارحة بسبب وجبة تناولتها وانزعاج طفيف في معدتي. فكّرت في شيء يساعدني على البقاء يقظه لأرى مفعول الدواء. بحثت في قائمة المسلسلات وتذكرت مسلسل The Gilded Age  الذي لم أكمله. فضولي يقول أكملي وبحثت عنه وبدأت الموسم الثاني منه. لم يكن ذهني قادرًا على تفكيك الكلمات فاستبعدت السهر على القراءة، أو الكتابة.

نهضت بصعوبة وذكّرت نفسي أنه الخميس، وفي طريقي للعمل سأمرّ بمقهى مفضل يحضرون فيه قهوة باردة بالحليب كما أحبّها.

هذا اليوم مليء بالهدايا اللطيفة، إفطار مجاني في الكافتيريا بعد أن وضعت في طبقي الخبز المحمص واللبنة والخضروات قال الموظف: هابي ثيرزداي! قلت له نعم هو كذلك، ومددت هاتفي للدفع. وقال: لا الإفطار مجاني! جميل جدًا. حتى الغداء كان مجاني اليوم ولا أعلم ما السبب.

الخميس يشبه نفسه اليوم. خفيف ومنظم والكلّ يشعر بالخفة. وأنا؟ انتظر نهاية الأسبوع بحماس لتجربة عدة الرسم التي وصلت في البريد. كراسات بأحجام مختلفة وأقلام تلوين وتخطيط. بالإضافة للقراءة بنهم واستمرار كان الرسم سمة ملازمة لطفولتي ومراهقتي. أذكر الفترة التي توقفت فيها عن الرسم تمامًا: سنة الجامعة الأولى. وفقدت كل مهاراتي البسيطة والمعقدة. الآن أنوي التعلم من جديد. السبب في استعادة هذه الهواية: اختبار قدرتي ومرونتي على تلقي المعلومات المختلفة والاحتفاظ بها، ومن جهة أخرى تنويع المشاريع الإبداعية في وقت فراغي.

حاولت ذات مرّة العودة للرسم بعد نصيحة قرأتها لهنري ميلر يقترح فيها تجربة منفذ إبداعي آخر عندما ترهقك الحبسة. لا تستطيع الكتابة؟ جرّب الرسم. لا تستطيع الرسم؟ جرب التصوير، وهكذا. بدأت برسومات طفولية مضحكة تسجل تفاصيل أيامي وتوقفت. الصورة في التدوينة هذه واحدة من رسومات ميلر، ربّما كان يعاني من حبسة كتابية دفعته ليكتب بالألوان.

وأنا أفكر في موضوع الحبسة تذكرت تدوينة قديمة تحدثت فيها عن تجربة كاتب في التدوين اليومي (أو الكتابة عمومًا). بحثت بالعبارة المفتاحية ووصلت إليها:

«قرأت مقالة ملهمة للكاتب جيمي تود روبين الذي كتب يومياً بلا انقطاع لـ 373 يوماً، يسرد في المقالة تفاصيل تجربته وكيف استطاع المحافظة على هذه الدافعية والحماس، بكلمات أخرى: كيف صنع له روتين كتابي. وكان من بين ما ذكره هو تخطيطه المسبق ليومه وإذا كان يعلم بانشغاله خلال يوم ما، فإنه يجلس للكتابة في الصباح الباكر ولو لعدة دقائق، وهذا يساعد على تدفق حبره كل يوم. ملاحظة أخرى ذكرها أيضاً، إذا انحرف يومه عن مساره وتغيرت خططه، يحدث نفسه: عشر دقائق فقط! ويجلس للكتابة خلالها، فهو يكتب عادة 250 كلمة خلال هذه المدة، وعندما يكتب ينجز صفحة واحدة، صفحة واحدة لا يمكن تجاهلها فهي إضافة لما كتبه في اليوم السابق. النقطة الثالثة والأخيرة والتي تهمني بشكل أكبر، عندما يتعرض لحبسة الكاتب. صحيح تستطيع المحافظة على روتين كتابة يومي لكن ماذا يحدث إذا لم تجد ما تكتبه لمواصلة العمل على موضوعك؟ يشبه جيمي الموضوع بإخفاء الأوراق النقدية في جيوب محفظتك أو في مكان آخر لتفاجأ عندما تجدها وتستفيد منها عند الحاجة. عندما يصاب بالحبسة في موضوع معين، يعود لمواضيع أخرى وقصص خبئها لحين يجد الوقت لكتابتها، ويبحث فيها ويكتب. في نهاية اليوم سيكون منتجاً ويستعيد حماسته للكتابة من جديد.»

بعيدًا عن الحبسة، انتظرت هذا المساء طويلًا، سأتوقف عن الكتابة الآن وأتابع وثائقي جديد عن اليزابيث تايلور Elizabeth Taylor: The Lost Tapes.

.

.

.