٢ أبريل

٨:٤٥ ص

سمح لنا الجار بالنوم لنصف ساعة إضافية. لا توجد أعمال حفر أو تكسير هذا الصباح. ورغبت باستغلال هذا الهدوء في تأمل السقف والتفكير في كلّ شيء. لديّ أعمال أنجزها، وخطة لحلقة بودكاست جديدة نهاية الأسبوع، وصيام أيام قضاء. ومرّت بي فكرة سعيدة للحظة: غدًا الجمعة، يوم تغيير الشراشف!

٩:٣٠ ص

قررت اليوم تجهيز القهوة في غرفة المجلس. طحنت القهوة (وهذه متعة كانت تقتصر على نهاية الأسبوع لضيق الوقت) وحملت الأدوات وبدأت صباحي. رائحة المكان تعبق بالقهوة الطازجة وبقيت كذلك عدة ساعات. شربت القهوة وبدأت كتابة سريعة لتدوينة الأمس.

١١:١٥ ص

وصلت شحنة من مكتبة جرير فيها مقصات، وصمغ، وورق ملوّن. أنوي العودة لهواية قديمة أحيي بها ذكريات مخزنة في الصناديق. لدي الكثير من الصور، والقصاصات، والمجلات، والأشياء التي لا أجد لها تصنيف. سيكون ممتعًا وضعها في كولاج!

١٢:٠٠ – ٣:٣٠ م

العمل والترتيب لمهام الأسبوع القادم.

٣:٤٥ م

مكالمة ممتعة وطويلة مع صديقة اشتقت لرؤيتها والجلوس معها. تحدثنا عن الفترة الحالية وما نمرّ به من تغيرات سريعة. تحدثنا عن اكتشافات الهوايات القديمة، وصنع وقت عمل يومي لا يطغى عليه شعور الإجازة!أعطتني فكرة لطيفة حاولت تطبيقها لعدة أيام لكن لم ألتزم، تنصح بعدم تشغيل جهاز التلفزيون أو مشاهدة أي شيء حتى تنتهي ساعات العمل المعتادة، وترتدي صباحًا ملابسها وكأنها ستخرج للعمل، لتغيرها مساءً في أخرى مريحة. نخطط أيضًا لتمرين رياضي نشترك فيه سوية عبر الاتصال المرئي. ربما الأسبوع المقبل.

٤:٣٠ – ٦:٣٠ م

قيلولة غريبة. استيقظت وكأني قضيت ليلة كاملة في النوم. والحقيقة لم أكن بحاجة لهذه القيلولة وعكّرت مزاجي للأمانة. تناولت الغداء في السابعة والنصف، وشربت عدة أكواب من القهوة لاحقًا.

٨:٠٠ م

شاهدنا حلقة جديدة من سلسلة ميل روبنز اليومية. واقترحت أننا سنبقى في هذا الوضع لعدة أسابيع قادمة (والعلم عند الله) لكنّ الشيء الأكيد أنّ الحياة لن تعود لطبيعتها بشكل كامل فورًا. سنحتاج لوقت لإعادة التهيئة والاستعداد لعودة مختلفة. تقترح ميل اختيار مشروع مدته ١٠ أسابيع للفترة القادمة. وكلّ منا لديه مشاريع وخطط يمكنه الاختيار منها. ركّز فقط على هذا المشروع حتى لا تغمر نفسك بالمهام ويصيبك الاحباط. وقسم المشروع لمراحل ومقاييس تقود نجاحه. ما سيحدث بعد ١٠ أسابيع أنّك ستخرج من هذه الحبسة بنتيجة، بتحقيق هدف، أو حتى اكتشاف قدرتك على الالتزام بفكرة!

٩:٤٠ م

مكالمة مسائية مع أختي منى، نشاهد نشرة الأخبار ونعلّق على الأحداث ونتساءل.

١٠:٤٥ م

عودة لمتابعة المسلسل البريطاني Beecham House الذي توقفنا عن مشاهدته قبل سنة تقريبًا. (المسلسل متوفر على Wavo)

١٢:٠٠ ص

القيلولة الغريبة سهّلت هذه السهرة الطويلة، غدًا أصوم وهذا وقت مناسب للسحور. وقرأت مقالتين وقتها جيد. الأولى عن الكولاج (مصادفة مروري بها اليوم) وصنع الفنّ من القمامة، والثانية عن صنع القوائم الطويلة والتفكير في كيفية إنجاز سلسلة من المشاريع، والأحلام.

١:٣٠ ص

شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل جديد على نتفلكس The English Game، يبدو لطيفًا.

.

.

.

١ أبريل

٨:١٥ ص

استيقظت باكرًا لأسبق صوت حفر الجدران والمطارق في بيت جيراننا. أفكر كلّ يوم ما هو هذا الشيء الذي يجب إنجازه خلال هذه الأيام؟ الصخب يخترق الجدران، ورأسي، ومكالمات الاجتماعات خلال الأسابيع الماضية. شعرت بالانتصار لأنني سبقت المنبّه (٨:٣٠) والصخب. وفي هذا اليوم بالذات لا توجد مهامّ عاجلة، قررت القراءة في كتاب The Artist’s Way لجوليا كاميرون. كتاب ومشروع استشفاء إبداعي أجلت العمل به طويلًا، لكنني بدأت فعليا قبل سنتين بتطبيق بعض أدواته ومنها (صفحات الصباح).

٩:٤٥ ص

حمام سريع.

قبل شهر تقريبًا اقتنيت مجموعة الشامبو وملطف الشعر هذه من iherb.  لهذا الشامبو قصّة لطيفة، قبل ثلاث سنوات تقريبًا اخترت تجربة هذه الشركة في تعبئة صغيرة للسفر. وكانت العبوات التي طلبتها صديقتي في رحلاتي. رائحة الشامبو وملطف الشعر ارتبطت في ذاكرتي بنيويورك، واكتشاف المدن الجديدة. الرائحة عنصر مهم في ذاكرتي، تضعني في مشاعر جيدة كلما شعرت بالضيق أو التوتر. واختيار هذا الشامبو جاء في وقت مثالي. فلا سفر قريب، ونيويورك بعيدة!

١٠:٣٠ ص

أحبّ التفكير في وجبة الفطور من الليلة السابقة. وبالأمس كانت الفكرة تغيير المربى في ساندويتش الفول السوداني واستبداله بالتفاح المكرمل. والطريقة لمن لم يدفعه فضوله للبحث في غوغل بعد: في مقلاه أضيف شرائح تفاحة واحدة إلى ملعقة زبدة ساخنة وابدأ بتقليبها. اخفض الحرارة للمنتصف تقريبًا وأضيف القرفة المطحونة والسكر البني حسب الرغبة (استخدمت ملعقتين صغيرة لكلّ منها). استمر في تقليب التفاح حتى يكتسب لون ذهبي غامق كالكراميل (ومن هنا جاءت كلمة مكرمل) تقريبا سبع دقائق. بالنسبة للساندويتش حمصت شريحتين خبز توست (برّ أو أبيض حسب ما تفضلون) ودهنتها بزبدة الفول السوداني، ثمّ أضفت التفاح المكرمل كحشوة بداخلها. من ألذّ الاكتشافات! في السابق جربت الموز الطازج والعسل، أو الزبيب والعسل. وكلها مفضلة.

١٢:١٠م

شاهدت هذا الفيديو من سلسلة تقدّمها ميل روبنز بدأت من يومها الأول في العزل. السلسلة رائعة لمساعدتكم على فهم مشاعركم الآن. والحلقة هذه بالذات لمست مكان عميق بداخلي، وأجابت على تساؤلات مهمة مرتبطة بالطريقة التي أمضي بها وقتي وكيف تتذبذب طاقتي وشهيتي للحياة كل يوم.

١:٤٥م

أحبّ الاستفادة من بقايا الأكل في المنزل!

قبل ليلتين كان العشاء دجاج مشوي في الفرن، تبقى قطع من الدجاج مع العظام.

ويوم أمس كان الغداء خضروات مطهوة على الطريقة الصينية مع الزنجبيل مع قطع الدجاج المتبقية.

اليوم قررت استخدام الخضروات والدجاج وطهوتها سريعًا مع عدة ملاعق من الأرز الأبيض وقلبتها في صلصة الصويا، عصرة ليمون، وفص ثوم طازج ومهروس. هذه الوصفات تعني الاستفادة من كل المكونات والأطباق في المنزل، وتقليل الفائض. إنّها مثل سباق تتابع شهيّ!

٢:٣٠م

اقرأ هذه الأيام رواية الفتاة التي تحترقلكلير مسعود. رواية هادئة ولطيفة ومليئة بالتفاصيل. راوية القصة جوليافتاة في الثانية عشرة، مقبلة على سنوات المراهقة العاصفة. تروي قصتها مع صديقتها المقربة كايسي. وتمر علاقتهما بتغيرات ويتباعدان. لم انتهي بعد من قراءتها لكنني مستمتعة جدًا بهذا الهدوء وأحاديث جوليا وتأملاتها مع نفسها ذكرتني بمكانٍ كنت فيه قبل أكثر من عقدين. وقد أرّقتني الاسئلة حول رفيقات المدرسة، وحياتهنّ وهل نحنُ أصدقاء؟ وماذا تعني الصداقة حقًا؟

٦:٢٥م

تمرين ومشي لثلاثين دقيقة.

جرّبت القراءة خلال المشي وشعرت بالدوار، واستبدلتها بالموسيقى.

٨:٣٠م

اكتشفت موضي مسلسل استرالي جديد اسمه Stateless يستند على أحداث حقيقية ويروي قصة مجموعة من الشخصيات تلتقي حيواتهم في مركز احتجاز المهاجرين. فريق التمثيل رائع والنصّ وتسلسل القصة كذلك. شاهدنا خلال اليومين الماضية خمس حلقات متتالية، وبقيت الأخيرة.

ينتهي اليوم بالتأمل، التفت لهاتفي وأشاهد النص المتحرك “Stay Home” لم يخطر ببالي سيناريو مشابه لما يحدث الآن، ولا في أسوأ كوابيسي. استعيد يومي، استمع لتنفسي ينتظم وأذهب في النوم العميق.

.

.

.

فناجين القهوة المنتظرة

قد تبدو أنانية للوهلة الأولى.

الكلّ يفكر متى يعود لعمله؟ وحياته الطبيعية. متى يخرج للشارع؟ متى يزور أحبّته؟ ويفكر بالتأكيد بسلامته، لا يريد لهذا المرض أن يقبض على رئتيه.

استيقظت هذا الصباح وأنا أشعر بالضيق، ضيق وفوضى وأفكار مؤذية لا ينجح في دفنها شيء. وللتخفيف عن نفسي هذا الثقل بدأت بتدوين قائمة افتراضية لما سأفعله بعد أن يُرفع الحجر وتعود للحياة بهجتها وألوانها.

أريد فناجين قهوة مضبوطة بيني وبين ربى. وأن نسرد يومياتنا وتفاصيل الساعات التي قضيناها بعيدًا خلال الأيام الماضية.

لدينا روايات متضاربة، أين بدأت القصة أولًا؟ الرسائل بيننا تقول ٢٠١١م واللقاءات الفعلية بدأت في ٢٠١٣م. كنت في مؤتمر للتعليم الإلكتروني في الرياض، زائرة من الجبيل لتغطية المؤتمر لصحيفة الاقتصادية. بيننا عدة صفوف، واكتشفنا بأننا في نفس المكان من خلال تويتر والكتابة الحيّة.

التقينا في الاستراحة بين المحاضرات، وتحدثنا عن كلّ شيء في نفسٍٍ واحد. تقول ربى بأنني فتحت هاتفي المحمول وعرّفتها على اخواتي وتحدثت عن اشتياقي لهنّ. نحبّ رواية هذه القصة كلما عرفنا بأنفسنا كتوأم تفصله سنوات، وجينات، ومسافات.

القهوة التي بدأت لقاءنا منذ سنوات، كانت في مرّة عشاء تحت نجوم منهاتن، وفي مرة أخرى مشية هادئة في مغارة بالأحساء، وبينهما مدن، وقصص، ووجوه.

ربى التي تنجح كلّ مرة بالعلامة الكاملة، بلا تكلّف أو حفلة صاخبة. ربى تكون نفسها، وفي الوقت نفسه: كتف وذراع قوية، وعقل إضافي، وقلب أكبر من الحياة!

والقهوة بيننا ليست مشروب ساخن وحسب، بل ذخيرة وهدنة. نجلس وبيننا طاولة وعليها دفاتر، واستراتيجيات، واقتباسات، وخطط. مرة نفكر في مشروع مليوني سيغير العالم، ومرة أخرى نفكك المكونات الأوليّة لوصفة طبق سحرنا ولم ننسه لأيام.

لقد وصلنا لمرحلة الصمت المحبب، وقد تمر أيام لا نتبادل فيها كلمة واحدة، لكنّها تعلم وأعلم أن أماكننا لا تتحرك. وكأنها دخلت غرفة خاصة في قلبي، وتخلصت من المفتاح منذ زمن ولا أحد منا يتساءل أين هو؟ أعدّ أخواتي فينطلق العدد إلى أربعة، ولن أكون مخطئة بضمّها إليهن.

وجدت قبل ساعات رسالة منسية وصلت منها تتساءل عن كيفية انتقالي للرياض؟ وهل هذا ممكن؟ أقول لها استجيبت دعوتك!

أفكر في ربى اليوم، في هذه الساعة الخانقة من المساء، كيف تفكّك هذا الضيق وتحيك قصة جديدة ممتعة؟

وأعود لقائمتي التي بدأت كلّ هذا، سيكون الربيع، وسنلتقي، ونحتفل بفساتيننا البيضاء الجديدة، والقصص التي لم نشاركها، والغد الأجمل.

.

.

.

اكتب لأنجو

على كفي الأيمن أثر يتلاشى لتحليل دمّ. في كلّ مرة أزور المستشفى لفحص طبّي أو مراجعة وتحتاج مني دمّ أدخل في نقاش سريع مع الممرضات: لن تجدي مكانًا على ذراعي، وتصرّ وتؤكد بأنها أفضل من الممرضة التي سبقتها. وأقول لها هنا على ظاهر كفي الأيمن أفضل مكان. تستغرب وتقول بأنه مؤلم وصعب. وأعيد من جديد قبل أن تبدأ بثقب ذراعيّ والضغط بحماس. تتأفف بعد عدة دقائق وترضخ أخيرًا، وتعدّ كفي لسحب الدمّ. ننتهي سريعًا وأخرج. على ظاهر كفي الأيمن أثر تحاليل دمّ متباعدة أصبح مثل شامة بلون فاتح. “هذا هو التحليل الطبي الوظيفي الأخير.” صرّحت لعائلتي. هذه المرّة ستكون وظيفة لوقتٍ طويل. سأحارب كل شياطيني وأتمسك بها لأنّ الأوضاع حولي غير مستقرة، ولأن الوقت قد حان لأجدها.

نهاية العام الماضي شهدت زلازل عنيفة على المستوى الشخصي، الكثير من الخطط والآمال تهاوت وأنا أنظر لها بهدوء وإيمان مستقر وغريب. لم أخطط لأيّ من هذا. وأشعر في لحظات كثيرة بأنني استيقظت في جسدٍ آخر، وقصة أخرى. لكنني ملزمة بتعلم أبجديات هذه الحياة من جديد. كل ما تعودته وحرصت على التمسك به أثبت في مواضع عدة هشاشته. وأنا أريد الوقوف على أرضٍ صلبة.

على كفّي الأيمن أثر خفيف لتحليل الدمّ الذي أجريته في فبراير قبل الانطلاق في وظيفة جديدة. تركتُ ورائي ست سنوات من العمل في صناعة المحتوى والتسويق. هذه الخبرة والمعارف التي التهمتها بنهم خبت شمعتها تدريجيًا بداخلي. وبدأت أبحث عن نافذة جديدة. شيء يمكنني العمل عليه بخبرتي هذه، بالأدوات التي أملكها، والآن أنا في مجال البحث وجمع المعلومات. أكتب وأقرأ واترجم، وأقضي ساعات طويلة من يومي في قراءة مئات السطور. اتحقق من معلومة ما، وأبني ملفات عن شخصيات وأماكن وأشخاص. لقد كانت هذه مهارتي الأولى، وسلواي، ومدخل للصداقات والعلاقات والتأثير.

اكتب هذه التدوينة لأخفف عن نفسي الغثيان الذي يلازمني منذ أيام، أجاهد نفسي بالكتابة وأدون أحداث الحياة حولي. أخفف عن قلبي القلق والتفكير بإخوتي خلف المحيط، أركز على ضوء غرفتي الرمادي والنهار الذي يبتعد تدريجيًا. رائحة شمعة البرتقال والعنبر.وذاكرة صيفيات بعيدة تزورني.

هذا العزل أو الحجر المنزلي الاختياري كان حياتي قبل سنوات. أشعر الآن بالهلع لأنني لن أخرج للعمل، أو التقي بصديقتي كل يومين في مقهانا المفضل لنثرثر ونكتب. لن أخرج للقاء أقاربي الذين لا تفصلني عنهم سوى عدّة أحياء. ولن أتمتع بحريّة الخروج لتأمل المدينة التي أحبّ.

كانت هذه حياتي قبل سنوات، تمر الصيفيات بلا سفر، ولا لقاء للأقارب إلا نادرًا، وإذا لم أخرج من المنزل للسوبرماركت أو الطبيب، كنت أحطم الأرقام القياسية ضاحكة مضى شهر على آخر مرة خرجت.” كانت هذه حياتي قبل عمل مستقر واستقلال مالي عن الأسرة، وأوضاع أفضل وتوفر للمواصلات. كيف كانت كلّ هذه الساعات تمرّ؟ ربما لأنني لم اكتشف رفاهية الخروج بلا هدف. ساعات محددة كل عدة أسابيع لاقتناء الضروريات والعودة من جديد للعزلة الاجبارية. أعود لتلك الأيام وأتذكر الصديقات في منزلنا، ساعات الظهيرة الكسولة والقراءة والأحاديث الطويلة وتجربة الوصفات، والتأمل، الكثير من التأمل.

انتقد نفسي وأذكّرها بتلك الأيام، واستشعر نعمة الانطلاق في الحياة وحرية الاختيار في البقاء والعزلة. وأتمنى أن تمرّ هذه الأيام سريعًا، وأن يهدأ قلبي، ونخرج من هذه الأزمة سالمين وأحبّتنا.

.

.

.

السرعة الأرضية ٧٢٥ كم

جلست لكتابة هذه التدوينة يوم السبت الماضي بعد أن أخذني الحماس لبدء التدوين الأسبوعي. انزلق اليوم كالعادة وتذكرت قبل ليلتين أن التدوينة لم تُكتب، ولم تنجح الخطة.

أحاول من جديد لنفض المشاعر والأفكار كما كانت التدوينات قبل عقد من الآن. أتذكر بوضوح أسبوع دونت فيه يومياتي عندما انقطعت عن شرب القهوة، وأسبوع آخر جربت فيه تحديات متنوعة مشتركة مع مجموعة مدونات. وأيام أخرى كنت أكتب تحت تأثير هذيان الحمّى وعلاجات البرد.

كان ترددي أقلّ وحماسي أكبر. كان هذا كله قبل أن تصبح الكتابة وحش أقابله كلّ يوم، في المكتب، على الهاتف، في أحاديث الأصدقاء. نمت هذه الكوابيس بيني وبين السطور عندما أصبحت الكتابة كلّ شيء إلا هوايتي الشخصية والحميمة.

أين كنا؟

عودة لفكرة التدوين الأسبوعي وكيفية المحافظة عليها، كل أسبوع تقريبًا أكرر نفس الروتين خارج ساعات العمل: هناك مشاهدات، وقراءات، ومواضيع تناقشها دوائري الاجتماعية، أو تجربة شيء جديد طبعًا.

هذه التفاصيل ستكون العمود الفقري للكتابة نهاية الأسبوع (الخميس تحديدًا) إلا إذا كانت لدي مواضيع مخصصة احتاج الحديث عنها باستفاضة.

لماذا فعلت ذلك؟

نهاية الأسبوع الماضي كنت في رحلة سريعة للمنطقة الشرقية، وكالعادة عندما أسافر وحيدة تصبح كلّ حواسي متأهبة. وخاصة حاسة السمع التي تلتقط أحاديث الغرباء، والنداءات، والضحك، وكل الأصوات التي لا التفت لها بصحبة رفقة ممتعة.

أبطال هذه القصّة أبّ وطفلته التي لم يتجاوز عمرها خمس سنوات بحسب تحليلي. كانت تقفز حول الكراسي ويطلب منها أكثر من مرة أن تجلس بهدوء. وكررّ مرات ومرات اجلسي، اجلسيبلا فائدة حتى اطلق جملته الحاسمة: “اجلسي وإلا بزعل!” وجلست أخيرًا متملمة.

فكرت لحظتها أنّ المشهد يمكن أن يلخص حياة الكثير منّا، ولن أحدد الفتيات فقط.

الأب لم يوضح للصغيرة أنّ القفز والركض خطر عليها، سيؤذيها هي، أو يؤذي الآخرين الجالسين حولها. بمجرد أن حددّ بأن مشاعره هو ستتأثر، وخاصة شعوره بالزعل أو الضيق، امتثلت للأمر.

وفكرت طويلا كم عدد المرات التي امتنعت أو قمت بفعل شيء يخصني أنا وحدي، بتأثير من زعلأحد الوالدين أو كلاهما. ولأذهب أبعد من ذلك وحتى لا يكون الأمر محددًا بهم، يجرب كل شخص تجمعه بك علاقة حميمة من أصدقاء وأقارب هذا السلاح معك. فهل تمتثل؟

لقد تخففت تدريجيًا من هذا الشعور، وبعد حرب طويلة أصبحت أزن الأمور بميزان شخصي، هل هذا الأمر سينفعني أو يؤذيني؟ هل قيمي الشخصية هي البوصلة؟ أو مشاعر الآخرين؟

ومن لحظة الأبّ وابنته التي اقحمت نفسي فيها دون شعور، امتدت تأملاتي لأيام، ووصلت للحظة الحقيقة: أنا لم اتحرر تمامًا من حبسة الذنب تلك، إلا أنني على الأقل أصبحت أكثر وعيًا وانتباها لها.

الحامي الله

في رحلتي القصيرة بدأت الاستماع للكتاب الصوتي Atomic Habits – By James Clear وكما سمعت مؤخرًا أن هناك ترجمة عربية مرتقبة له العادات الذريّة“. جيمس كلير كاتب ومدون أتابعه منذ مدة ولم أجد الوقت لكتابه إلا مؤخرًا. يناقش كتابه العادات وكيف تبني هويتك الشخصية، كيف تنقل حياتك من صفحة لأخرى بتغيير عاداتك. والأهم من ذلك، كيف تبدأ بذلك تدريجيًا. الكتاب حصيلة أبحاث ومطالعات ودراسة لسيناريوهات عرفتها الانسانية على مدى القرون.

يجمعها جيمس في الكتاب بطريقة مشوّقة وواضحة وسلسة. والجميل في الموضوع أن جيمس يدعم كتابه بوسائل مجانية يمكنكم طباعتها وتطبيقها في حياتكم اليومية تحت تبويب Cheat Sheet.

قبل أن استطرد كثيرًا كانت هذه المقدمة لأخبركم أن الكتاب ممتع للاستماع، ولم يقطع فضولي لاكماله سوى عجوز بشخصية لامعة كانت رفيقة مقعدي في الطائرة. وصلت على كرسي مدولب، وجلست بصعوبة وإلى جوارها ابنتها التي قيمت عمرها بين نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. قامت بتحيتي وابتسمت عيناها عندما رحبت بها بالمقابل. في انتظار الاقلاع وعبر الميكروفون بدأت تعليمات السلامة وطلب منا ربط الأحزمة. انتبهت لابنتها توصيها بربط الحزام، لكنها رفضت بإيماءة من كفها الذي لفت انتباهي. لقد رأيت هذه الكفوف في زمنٍ بعيد جدًا. نفس التجاعيد والحناء الباهت، والخواتم الذهبية المطعمة بالأحجاز الفيروزية. حتى الطريقة القلقة التي تلفّ بها خواتمها حول أصابعها، واحد تلو الآخر، وتعود من جديد للبداية. عاودت ابنتها الطلب بصوت أعلى هذه المرة وكأنها تطلب مني العون والتشجيع. التفتت وابتسمت للعجوز وأكدت على كلام الابنة، ووضعت يدي على كفها وكأنني لمست الكفّ البعيدة التي لم تعد. قالت العجوز المعترضة ليش؟ قلت عشان يحمينا. وردت بسخرية: الحامي الله يا بنتي وش تسوي الاحزمة. لم اعترض. وبقيت عيناي مسمّرة عليها طوال الرحلة، والكتاب الممتع أصبح كومبارس.

لها نفس التفاصيل الجسدية لجدتي الراحلة، حتى فوضى العباءة والبرقع الذي تضيع نظرته بين عينيها وأجدني بعفوية أرتبه لها. هذه العجوز ليست جدتي، لكن لها نفس الرائحة والضحكة الساخرة والنبرة. ونجحت بإقناع نفسي أنها هدية بين السماء والأرض لتطفئ هذا الشوق الذي يستيقظ كل فترة ولا أجد له حلًا.

أشياء لطيفة للأسبوع الماضي:

 

كيف كان أسبوعكم؟ أي اكتشافات جديدة؟ قصص؟ احتفالات وألوان؟

.

.

.