رسائل من مكاني الجيّد

خلال العقود الثلاثة الماضية، جرّبت مع نفسي الكثير من التقنيات التي ساعدتني على تجاوز المصاعب بكلّ أشكالها ومسبباتها. ولم أجد أفضل وأنسب لي من التخيل Visualization. لقد كان التخيل مرساة أيامي الصعبة، والطريق الذي أسلكه بهدوء لانتشال نفسي من أي عنق زجاجة أو منعطف خطر. كان وما زال أشبه برسائل من مكاني الجيّد الذي ينتظرني بعد عبور العاصفة.

بدأت القصة من عمر مبكر، لم أكن أفهم تسمية هذه التقنية وأنها تستخدم فعليًا للتشافي الروحي والجسدي. كنت أقضي ليالي الأرق الطويلة في تخيل حياة المدرسة المتوسطة، والثانوية، والجامعية لاحقًا. كيف سيبدو الطريق عندما أتخرج؟ هل سيكون لي عمل؟ هل سأرى العالم يومًا ما؟ هل سأزور المدن التي قرأت عنها وتتبعت أثرها على الأطلس؟ كان أيامي ثقيلة جدًا ولا يخفف ثقلها إلا تمددي على الفراش نهاية اليوم ورسم الحياة وتلوينها كما أشاء. لم أكن أعرف التخيل الإيجابي، أو إعادة تصور الحياة وغيرها من المصطلحات. كنت أعرف أنّ هذه اللعبة تضعني في مزاج أفضل لمواجهة الحياة. وتدفعني للابتسام والضحك والاستمتاع بحياتي برغم كلّ شيء. كان يدفعني إيمان عميق نضج مع السنوات بأن الله قادر على تحقيق كل هذه التصورات والخيالات ولم أشكك بذلك لحظة واحدة. عندما كنت أحاول وصف ما أفعله لا أجد له تشبيه أفضل من: إني أشاهد فيلم حياتي! واستغرق بالتفكير وبناء التفاصيل حتى اهدأ تمامًا ويصبح كل ما يزعجني أشبه بذكرى بعيدة. استيقظ في اليوم التالي وانطلق من جديد، لكنني الآن أخفّ وأقوى وانظر للصعوبات بعين الحبّ والاهتمام والتقبل. إنها منطقة عبور بالتأكيد! ثمّ بدأت القراءة في كتب العلاج الذاتي والتشافي من تراكمات الحياة، وغيرها من كتب التطوير التي لا تبيعك وهمًا إنما تعطيك خطة ومهارات تتبعها فتجد في نفسك التغيير الذي ترغب.

عرفت أنّ لعبتي تلك أنقذتني، وما زالت تنقذني!

كتابة هذه التدوينة يتزامن مع مروري الشخصي بعنق زجاجة جديد، لا أفهم تفاصيله ولا أقاوم الغرق في فوضاه -أحيانا. لكنّه فرصة لاختبار قوة لعبة التخيل الإيجابي والتركيز عليها ودعمها بالكتابة اليومية، والبحث، والبناء. في هذا المكان أعرف بأنني اتحمل المسؤولية الكاملة تجاه نفسي وشفائها. وكلما ركزت طاقتي على تفكيك الجو السيء وتوجهت لتصور إيجابي حوله أصبحت دوافعي ورغباتي وتصميمي على اجتياز هذا الوقت أعلى. التخيل الإيجابي يساعدك في اكتشاف جوانب مختلفة من المواقف التي تمرّ بها. وسيأتي الوقت الذي تضع يدك فيه على أساس المشكلة. أو المواقف والتصرفات التي تشعرك بالضيق. كيف؟ بتخيل مسار آخر للموقف، وتحويل الأذى إلى السلام والهدوء. كيف سيكون اليوم أفضل؟ كيف أكون شخص أفضل؟ التخيل الإيجابي سيخلصك من ملل الأمسيات والارتباطات الاجتماعية إذا فكرت في سيناريو مختلف لها. سيخلصك من ثقل مهامّ العمل البسيطة التي تتكاسل عن إتمامها لتكتشف أنّ الأمر لا يستغرق أكثر من ربع ساعة! وإذا لم يكن التخيل لعبتك المفضلة ستحتاج للكثير من التدريب. سيكون الأمر أشبه بتمرين العضلات مرة بعد أخرى حتى تصبح حركتك أكثر سلاسة. ستكون الصورة واضحة كما لو كنت تضبط تركيز عدسة الكاميرا. والأهم من هذا كلّه ألا تشعر بالخجل، أو التردد، أو اليأس.  الموضوع كلّه قائم على الخيال، ولا أحد يشاهد فيلمك سواك.

السفر مع خيالي ساعدني في تبديد وقت التوتر والقلق، أصبحت أفضل الانشغال مع فكرة جيدة أكثر من قلقي من الأشياء التي لم تحدث. وإذا خيّرت نفسي بين التفكير بمستقبل مجهول سيء وآخر مشرق أعرف دائمًا أين سأذهب. لقد أصبحت أكثر ثقة بنفسي، وأكثر رفقًا وتفهمًا عندما رأيت التصور الأفضل عنها. إنها تستطيع، إنها قوية، إنها ذكية وقادرة. وهذا الصوت يرتفع ليخفت أي صوت آخر يعمل على التحطيم ووضح العقبات وكلها بداخلي للأسف.

هذه التدوينة هي دعوة مفتوحة للجميع ببدء التخيل، بتجربته على الأقل، ولا تستعجلوا النتائج : )

Photo by Oscar Helgstrand

.

.

وداعًا عدوي اللدود

في الجلسة السابقة مع مرشدتي طلبت منّي أن أكسر ميزاني!

نعم قالتها بهدوء وحزم: أريد منك أن تكسري ميزانك وأن تتوقفي عن وزن نفسك للأبد. الأمر أشبه بفجيعة. شخصيًا ومنذ عمر مبكر جدًا وما إن تنبهت بأنني مختلفة، وأنّ الميزان وحده سيحدد عودتي لقائمة البشر الاعتياديين. الرقم على الميزان يُكتب في يومياتي قبل التاريخ أحيانًا. الرقم على الميزان يحدد ما إذا كنت سأحظى بيوم سعيد، أو غائم. الرقم على الميزان يحدد احتفالي بنهاية العام، أو يوم ميلادي كل سنة. الرقم على الميزان يشبه صاعق صغير حول عنقي، كلما تأرجح صاعدًا تمكن منّي الإحباط. والآن تأتي مرشدتي وتقترح كسره. تذكرت احتفالي باقتناء ميزان رقمي دقيق بعد ميزان ايكيا الرخيص الذي احتفظت به لسنوات، تذكرت كل أجهزة الميزان الرائعة/الرادعة في فنادق إجازاتي. والآن تقول لي توقفي عن هذا. كيف سأعرف ما حققته من نجاح؟ أو عندما أترك لنفسي حرية الكسل والاحتفال بالأكل لأيام متتالية. تناقشنا قليلًا ويبدو أنها نجحت في إقناعي.

الميزان ضروري مثلا لتحديد ما إذا كان الملاكم في فئة معينة، هل أنت ذبابة؟ ديك؟ ريشة؟ خفيف؟ ثقيل؟

الميزان ضروري لتحديد ما إذا كان الرضّع والأطفال يكبرون بوزن صحي مناسب لأعمارهم.

الميزان ضروري لضبط وصفات الطهي وكميات المقادير.

الميزان ضروري لشراء الخضروات والأجبان واللحوم، كيف سنقيّم سعرها إذا؟

لكنّ وزن نفسي يوميًا لم يأتِ بخير دائمًا، حتى عندما اشتريت مقاسًا أصغر، حتى عندما لاحظ الجميع بأنني خسرت وزنًا. لا لا أصدق هذا فالميزان يقول عكس ذلك. احتجت أن ابحث أكثر، وأفهم ما سبب التأرجح، السوائل؟ العضلات؟ المزاج؟ كثافة الدمّ؟ لقد حاولت كثيرًا التخلص من الميزان لكن الخطة لم تنجح. أذكر عندما قمت بتجربة نظام Whole 30 –هنا تدوينة عنه– امتنعت تمامًا عن الوزن لمدة شهر. كان التحدي عظيم لكنّ مطورة البرنامج أشارت لهذه النقطة بالتحديد. تقول لي مرشدتي توقفي عن وزن نفسك، والآن أتممت أسبوعين بلا وزن. أشعر بأنني أخفّ معنويًا، وأجمل، وهذا ينعكس على علاقتي بالمرآة وخزانتي. أخرجت يوم الجمعة الماضي قميص من الكتان اقتنيته قبل ثلاثة أعوام ولم يكن مقاسه جيد على الاطلاق! أذكر عندما ارتديته للمرة الأولى وكنت أشبه شخصية فكاهية وأي حركة ستطلق الأزرار في كل اتجاه. ارتديت القميص من جديد، وكان رائع كأنه فُصّل للتو من أجلي، احتفيت بنفسي ولم أقاوم أخذ دورة كاملة أمام المرآة للتحقق منه.

هل كسرت الميزان؟ لا، ليس ملكي وحدي. لكنني أخرجته من مساحتي والآن هو مشكلة شخص آخر في المنزل.

Photo via Shorpy

.

.

.

المنزل الثائر

هل تنبهتم من قبل لأجهزتكم القديمة وكيف تبدأ أعطالها بصورة غرائبية قبل شراء جهاز جديد؟ عندما تعيدون شحن الجهاز أكثر من مرة في أقل من عدة ساعات. ويبدأ بحذف الصور والملفات عشوائيًا وبلا إذن منكم. كنت دائمًا ألحظ هذه الحالة، ولا أدري حتى اليوم هل هي تحدث بسبب نيتي في الشراء وانتباهي للسلبيات والمشاكل التي صبرت عليها قبل تلك اللحظة. أو أن جهازي يثور ويغضب ويبدي امتعاضه بطريقته الخاصة.

خلال الأسبوع الماضي تمددت عتبة الدرج الأخيرة في بيتنا، ربما استطالت قليلًا للأمام أو مالت للجهة اليمنى. الأكيد أننا أصبحنا نتعثر أكثر. ونجونا كلنا والحمد لله من انزلاق وشيك. العتبة الرخامية لم تتغير ولم نجر عليها أي تعديلات خلال سنوات سكننا الثلاثة. تعثر والدي الجمعة الماضية والتوى كاحله وهو الآن في الجبيرة في الدور العلوي. وأنا أفكّر هل بيتنا يثور؟ النوافذ غاضبة، ففي أقل من أربعة أيام خدشت كفي اليسرى، وتسببت بجرح غائر، ومقابض الأبواب تتحرك من مكانها لتلتقط قمصاننا وتعيدنا خطوة للوراء.

هل أبالغ في انتباهي؟

ونحنُ نتناول وجبة العشاء منتصف الأسبوع، رنّ جرس المنزل مزلزلًا الصالة! هذه المرة الأولى التي نسمع فيها نغمته منذ العام ٢٠١٦. سكننا المنزل، وسعدنا بتقنية فتح الأبواب بالأزرار الكهربائية، واستقبلنا خبر وصول ضيوفنا بصوته، لا برسائل قصيرة على الجوال: نحن في الخارج، افتحوا الباب، هل أنتم هنا؟ جرس بيتنا يرنّ منذ منتصف الأسبوع في أوقات مختلفة من اليوم، في الثالثة صباحًا، وبعد الظهر، وفجأة قبل صلاة الفجر. هل من زائر؟ لا طبعًا. الجرسّ يرن بأثر رجعي، يستعيد كلّ الرّنات الفائتة. لم احتمل صوته الذي يخترق أحلامي في منتصف الليل وآخره، وعزمت البارحة على انتزاعه من الجدار حتى وإن تسببت بعطل كهربائي شامل. أمام الصندوق الإلكتروني للجرس استجمعت قوتي العضلية وانتباهي وجربت ضغط بضعة أزرار لم تساعدني. في زاوية الصندوق زر صغير جدًا يقفل ويفتح، ما إن حركته لليمين حتى انطفئت الشاشة تمامًا. أطلق الجرس صرخة أخيرة مقتطعة قبل أن استوعب أن هذا الزر يوقفه للأبد. عدت للنوم ولم أفكر. لكن الصباح جاء باستنتاج مهمّ: بيتنا يثور لأننا بدأنا البحث عن مسكن جديد، لقد سئمنا المساحات المؤجرة. وأتمنى بصدق أن تبدأ السنة الجديدة بخبر طيّب حول هذا الموضوع.

Photo by Jan Antonin Kolar

.

.

.

عن تدوين اليوميات

بدأت كتابة يومياتي بعمر العاشرة تقريبًا. لم أكن واعية لفكرة تسجيل اليوميات بشكل كامل، ربما شاهدت شخصية محببة تفعلها -كانت جودي أبوت ربما- لكن السبب الرئيسي هو رغبتي في الحصول على المذكرة السنوية التي تصل والدي من الشركة ولا تتأخر كل سنة. غلافها الجلدي الرائع، حواف الصفحات الذهبية، شريط المؤشر الحريري الأنيق، والصفحات الأولى طبعًا: تحويل المقاييس، مفاتيح الاتصال الدولي التي لم استخدمها إلا بعد ٢٠ سنة لاحقة. بدأت الكتابة وكانت أكثر شيء أكرهه في ذلك العمر. خطي سيء وإملائي كذلك. كنت أحب القراءة أكثر وكانت كتابة اليوميات فرصة لتمرين يدي. كتبت لنفسي، وللأصدقاء، خيالاتي وكوابيسي وأحلامي. لم تأخذ كتابة اليوميات شكلها المناسب إلا بعد عمر ١٥ تقريبًا. احتفظ اليوم بمذكرة من ١٩٩٧، السنة التي شهدت احتكاكي الأول بالموت والفقد، كتبت عن كل شيء حدث في الرحلة التي سبقت وفاة جدتي لأبي. حتى سرعة سيارتنا التي لم تزد عن ٨٠ كيلو على طريق الدمام-الرياض بسبب عطل غريب وخشية والدي أن تتعطل تمامًا.

كانت رغبتي بتدوين اليوميات متغيرة بحسب أحداث حياتي، أذكر مثلا أن الصف الثالث الثانوي كان وسيبقى غائمًا لأنني اخترت أن انشغل بالدراسة ومتاعبها وألا أدون عنها. نصيبي من الذكريات في تلك السنة بطاقات الميلاد، وتواقيع الصديقات في توديع المرحلة قبل أن تفترق طرقنا. ولا يمكن أن أسمي هذه يوميات لأن الآخرين ساهموا في كتابتها معي. في فترة أخرى كان التدوين مرتبط بالحميات الغذائية المختلفة التي أتبعها آنذاك، ومعها احتاج لتدوين وجباتي بالتفصيل لمراقبة طعامي ووزني. توقفت عن فعل ذلك تمامًا تجنبا للضغوط والإحباط. عدت في الجامعة للتدوين إنما إلكترونيًا. وقتها اكتشفت برامج معالجة الكلمات، والبريد الإلكتروني، وأصدقاء المراسلة، ولاحقًا المنتديات. يمكنني القول إن يومياتي منذ دخلت خدمة الانترنت بيتنا تفرقت وتوزعت في حافظات الذاكرة المختلفة. لكن حتى بوصولي لعمر العشرين لم تكن عملية التدوين لأي أسباب سوى تسجيل الذكريات. لم اكتشف سحر أثرها العلاجي، والمحفز، والداعم للخطط وأهداف الحياة إلا لاحقًا. ربما كان عمر الثلاثين هو المنعطف الذي غيّر كلّ شيء. حتى شراء المذكرات السنوية صار لحظة احتفال. لم أعد انتظر المذكرات المجانية المطبوعة بأسماء الشركات وخرائط الشحن وناقلات النفط. أصبحت اختار المذكرة بلون يكون لون السنة القادمة ويحدد مشاعري نحوها.

تدوين اليوميات كان في مرّات كثيرة وسيلة لتثبيت أحداث معينة، حوارات، مواقف. كنت أعود إلى ما كتبته لأثبت وجهة نظري، أو علاقتي بحدثٍ ما. بعد فترة من الكتابة لهذه الأسباب بدأت أشعر بالضجر، واكتشفت بأن أغلب الصفحات تميل إلى السوداوية وللأسف “افتعال الدراما”. تدريجيًا نضجت تجربتي، ومعها تعددت المذكرات التي استخدمها، هناك تدوين يوميات للمستقبل وفيه المواعيد والمشاريع والأهداف القريبة والبعيدة حتى لا أنساها، وحتى أضع نفسي تحت تقييم إلى حدّ ما. تقييم لا يشكل ضغط كبير لكن بالصورة الشاملة للسنة مثلا: أريد تعلم مهارات جديدة، قراءة كتب في موضوع معين، السفر، لقاء الأصدقاء والعائلة في مناسبات مختلفة. هذا التدوين بالنسبة لي ملموس وواضح. المذكرة الثانية لا تخضع لتقييم أو ضبط مواعيد، تلك التي تبقى بجانب رأسي وأفرغ بها مشاعري نهاية اليوم. أكتب فيها عن التساؤلات التي تعبرني، الأحلام الغريبة، وأدوّن فيها إجابات للأسئلة التي تشاركها معي المرشدة -وهذا بدأ في ٢٠٢٠- لنعود إليها وقت الجلسة. قرار فصل المذكرات هذا ساعدني في الاسترسال بالكتابة الشخصية، لستُ أخشى ترك مذكرتي على مكتبي مثلا، أو في مكان العمل لتكون عرضة للتلصص. تلك في غرفتي في المنزل والأخرى تذهب معي في كل مكان.

وكما لاحظتم خلال هذا السرد، أنني تحولت تماما من التدوين الرقمي للتقليدي. حاولت اعتماد مذكرة الهاتف للتدوين اليومي لكن لم أجد فيها حميمية ومتعة الكتابة على الورق. في تطبيق الملاحظات ستجدون روابط لمواقع أود مشاركتها، لائحة تسوق من السوبرماركت، وصفات طبخ، كلمات أغنية مررت بها وأعجبتني، رسالة تدربت على كتابتها وترددت فيها قبل نسخها وإلصاقها في برامج المحادثة، أدعية، وأي شيء أودّ الوصول إليه سريعًا ومن أي مكان.

إذا كنت سأشارككم أجمل الأفكار التي مررت بها واعتمدتها في تدوين اليوميات ستكون كالتالي:لا تضع جهد كبير وقيود على نفسك في الكتابة، اكتب متى ما أحببت، كيفما أحببت.

– اختر وقت الكتابة المناسبة لك. هناك من يحب الكتابة الصباحية لأنها تصبح عامل مهدئ، تستقبل اليوم وقد نفضت عنك أي مشاعر أو التباس أو توتر قد يحول بينك وبين مواجهة اليوم والعمل. وهناك من يلجأ للكتابة في نهاية اليوم للتخفف. جربتها كلها لأسباب مختلفة وكانت مناسبة لي.

– استخدام الأسئلة كمحفز للتدوين سواء أسئلة شخصية من قبلك أو باستخدام المذكرات التي تحمل أسئلة وتلميحات للكتابة Writing prompts.

– جربت مفهوم صفحات الصباح الذي تعرفت عليه من خلال جوليا كاميرون، النقطة الوحيدة التي لم التزم بها هي أنها توصي بعدم العودة لفوضى الكتابة التي تتركها، وأنا في الحقيقة أعود لها لاكتشف الأفكار والمشاعر واستفيد منها مستقبلًا.

– كنت أقاوم الكتابة عن الأشخاص في اليوميات لكن استسلمت للفكرة وكانت ناجحة، الكتابة عن الآخرين في سياق علاقتنا بهم والمواقف التي نمر بها يساعدنا على اكتشاف جوانب في أنفسنا. من هم الأشخاص الذين يخرجون أفضل ما فيك؟ من هم الذين يقلبون حياتك رأسًا على عقب؟ كيف تستطيع النجاة والتغيير؟ وهكذا.

– قبل عدة سنوات اكتشفت مفهوم المراجعة الشهرية Monthly Review عبر مدونة Zen Habits، فكرته تعتمد على مراجعة الشهر في نهايته، بالإجابة على عدة أسئلة:

ما هو العمل الذي أنجزته؟

ما هي المشاريع التي تقدم العمل فيها؟

بالنسبة للتعلم الشخصي ما الذي حققته؟

ماذا حققت في مجال الصحة واللياقة؟

هل مررت بأحداث هامة تريد تذكرها؟

ما هي المفاجآت غير المتوقعة التي مررت بها؟

ماذا تعلمت هذا الشهر أو اكتشفت واحتاج تذكره؟

ما هي أهداف الشهر المقبل؟

كانت فكرة المراجعة هذه مريحة في حال شعرت بالإحباط أو ظننت بسبب قسوتي على نفسي أن الشهر كان بلا منجزات أو فائدة. الجلوس نهاية الشهر والإجابة على الأسئلة والتنقل بين المذكرات، والصور، والأحداث ممتع جدًا. وهو وسيلة للتطور وتحسين جودة حياتك.إذا كانت الصفحات المرقمة أو التي تحمل تواريخ للأيام والشهور تزعجك، اقترح اقتناء مذكرة بصفحات خالية منها. وهذا ما فعلته قبل عدة سنوات عندما اخترت تدوين اليوميات الشخصية في مذكرة بلا تواريخ محددة. تمرّ بعض الأيام ولا أشعر بأن لدي رغبة للكتابة أو طاقة وعندما أعود لها مجددًا لن تكون هناك صفحات خالية.

– كتابة اليوميات لا تعني كتابة نصوص طويلة، أو تحتاج قدرة خارقة للتعبير. في أحيان كثيرة أدون يومياتي على شكل قوائم مفضلة، أو قوائم أفكار، أو مشاعر مررت بها. كلام مختصر وواضح ومناسب للحظة.

– تدوين اليوميات مفيد لجوانب الحياة المختلفة، أعرف مثلا أشخاص يدونون يومياتهم المهنية، وهذا يساعدهم في تقييم أنفسهم والاستعداد للتقييم السنوي مثلا. أيضا يساعدهم ذلك في حالات التعلم، والدخول لمجال جديد عليهم.

هذه التدوينة قد تطول ويمتد الحديث فيها لأيام. حاولت الاختصار قدر الإمكان ومشاركتكم ما وجدته مفيدًا وممتعًا. أيضا يمكنكم الاطلاع على هذا الملف الذي شارك في كتابته متابعو المدونة. تركت التعليقات بدون معلومات شخصية للمحافظة على خصوصيتهم. اطلعوا على تجاربهم الشخصية التي قد تثير اهتمامكم وتحفزكم للبدء. أيضا يمكنكم زيارة الروابط أدناه للمزيد من الإلهام والفائدة:

What I Learned by Journaling for 30 Days

How I Journal and Take Notes | Brainstorming + Focusing + Reducing Anxiety | Tim Ferriss

The Art of Journaling: How to Start Journaling, Benefits of Journaling, and More

The 15-Minute Habit Worth Making Time For

The Life-Changing Habit of Journaling

Photo by Paico Oficial

.

.

.

رقبة متيبّسة وحفلة فائتة

شاركت في تويتر تغريدة حول تدوينة قادمة عن كتابة اليوميات. غمرتني الحماسة واستعديت لإنجازها ونشرها ومشاركة أكثر من ٥٠ تجربة لمتابعين اعتمدوا تدوينات اليوميات في حياتهم كطريقة للتفكير، أو الاستشفاء، أو للاحتفاظ بالذكريات لمدة أطول. هذه التدوينة أيضًا ستضم تجربة شخصية حول الموضوع، وبعض الأفكار وترجمات لمقتطفات من كتّاب ومبدعين حول تدوين اليوميات. ما حدث أنّ هذه التدوينة لم تنضج في الوقت الذي توقعته، وصادفت منعطف متعب خلال الأيام الماضية. استيقظت صباح الخميس ولم أستطع التحرك من فراشي، شعرت وأنني في كابوس مرعب والألم كله متركز في رقبتي وكتفي الأيسر. أعدت شريط الليلة الماضية والفجر، ولم أجد أي حادثة قد تتسبب بذلك. المتهم الوحيد هو وضعية نومي الغرائبية التي تحولني إلى فطيرة قرفة ملتوية دون الالتفات لثقل أطرافي والساعات الطويلة التي أقضيها هكذا. بعد محاولات للنهوض جلست على حافة السرير وطلبت المساعدة من أخي الذي أحمد الله أنه كان في المنزل أو كنت سأبقى في هذه الوضعية حتى المساء. مع كلّ حركة آتي بها كان الألم يزداد ويتضاعف، قضيت ساعتين بين تدليك وكمادات حارة وباردة على التوالي وبعدما استعدت جزء من المرونة غيرت منامتي ومشطت شعري وغسلت وجهي وأسناني. المضحك في الأمر أنني كنت أغرق في نوبة بكاء غير مبررة، وأضحك وأعود للبكاء من جديد. أكتافي مبللة من الدموع وكريم العضلات العضوي ورائحته التي تشبه الفواكه الفاسدة. لماذا كنتُ أبكي؟ رقبتي متيبسة، ولدي أعمال كثيرة، ومساء الجمعة حفلة عائلية بمناسبة زواج ابنة عمي. تجمعت كلها. ولكن الحقيقة أنني كنت أبكي بسبب هذا الضعف المفاجئ، وفكرة احتياجي لمن يحركني ويسندني بعد شرح مستفيض لأماكن الألم الأشد. لم أذهب للمستشفى فأنا صديقة العلاجات المنزلية وطبابة غووغل. كريم هنا، لفافة مشدودة هناك، وكمادة دافئة كفاية وتمّ الأمر.

ومع كل هذا كان الخميس يوم منتج. أنهيت رواية رائعة لإيزابيل آييندي واستمعت لحلقة بودكاست، وشاهدت مسلسل مفضل جديد، وأجريت مكالمات بسماعات لاسلكية. تبقت الكتابة التي حاولت أن اتفاداها واتفادى ضغط البحلقة في الشاشة لساعات. تلك الليلة قرأت إرشادات النوم مع هذا العرض المؤلم ووجدت أن وضعيتي المفضلة لا تصلح إطلاقًا، بل يحذر منها على وجه التحديد. وتبقت وضعية الكوابيس “النوم على الظهر” والأخرى وضعية الجنين التي لا أحب استبعاد الوسائد فيها. استلقيت على ظهري وحاولت الذهاب في الغفوة بمساعدة هدهدة صراخ أطفال الجيران، وحبتيّ مسكن، والتأرجح يمنة ويسرة لمحاكاة سرير الطفولة. غفوت سريعًا ولكن استيقظت وسيل الألم يحكم قبضته على رقبتي وكتفي وصرخت وبكيت بكاء مكتوم كي لا أوقظ المنزل. مرّت الساعات، الثانية عشرة والنصف، الواحدة و٤٥، الثانية والربع، أذان الفجر، مواء لولو، الثامنة صباحًا! لم أتمكن من إتمام دورة نوم كاملة.

من جديد حاولت النهوض من فراشي ولم أستطع. أعرف أن الحائط يقع في الجهة اليسرى من السرير تحركت ببطء واستدرت حتى واجهته ثم ثبتت أقدامي عليه واستخدمته للنهوض! استمتعت بنهار الجمعة الغائم، ومن جديد كمادات متنوعة، واستسلمت للصقات العلاجية التي أنقذت الموقف. احتجت بعدها للراحة وبعض تمارين التمطيط، وفكرت أن الخروج في الأجواء الباردة ليلًا لن يساعدني. وعلى مضض، بقيت في المنزل وفاتتني الحفلة. مساء الجمعة كان فرصة للبقاء مع نفسي، شاهدت التلفزيون وحرصت على البقاء بزاوية ٩٠ درجة لتخفيف الضغط على رقبتي. تمططت مع قطّتي. تناولت النودلز كعشاء وشاهدت فيلم مبني على رواية لإيان مكيوان أجلته طويلًا On Chesil Beach وغفوت في وقتي اليومي برقبة تحررت أخيرًا من الألم.  لا أدري حقيقة إذا كنت سأعود لوضعية نومي المفضلة، فما زلت في رعب الإصابة.

صباح اليوم خرجت لرؤية المدينة وهي تغتسل بالمطر، حضرت جلسة عصف ذهني وبحث ممتعة، ثم تناولت الغداء في مطعم جديد مع أختي وصديقتنا ربى واقتنيت شمعة جديدة برائحة الورد هدية للشتاء. تغيير الخطة هذا رائع وبكائي صباح الخميس غير مبررّ. في المرة القادمة التي أبكي بسبب احتياجي للمساعدة سأذكر نفسي بأهمية الشكر والامتنان لوجود من يقدّمها لي، وسأقبلها بحبّ.

اللوحة في الصورة للرسام Odilon Redon

.

.

.