يناير كان

رأيت في الحلم ليلة البارحة أني أفتش في رفوف المطبخ عن شوكولاتة Lion Bar ووجدت الكثير من اللفافات الفارغة والجديدة. بدأت يومي وأنا أفكر في الشوكولاتة وسبب ظهورها في حلمي. وهذه معلومة لا أدري إذا شاركتها معكم من قبل أو لا: أحبّ التفكير في أحلامي وتحليلها وأذهب لأبعد من ذلك وأسأل غوغل عنها كلّ صباح.

يناير كان شهر طيب بمقياس الحياة الحالية. كان فيه عمل كثير ومرح، وفرح، ورحلة قصيرة لجدة جمعتني بالأصحاب والموج والغروب. شحنت نفسي واستمتعت بقليل من العزلة بعيدًا عن المنزل الصاخب. تقول لي مرشدتي: تقفزين قفزات غزال طويلة وخفيفة! والسبب في هذا الوصف أنها لاحظت التغيرات التي مررت بها خلال السنة التي قضيناها سوية. أتممت مهامّ ممتعة وصعبة في نفس الوقت، قرأت عدة كتب أوصت بها لاكتشف موضوع جديد أو فكرة ناقشناها واحتاج لتفكيكها أكثر. أحبّ العمل الذاتي هذا، وسعيدة أنني في الوقت المناسب من الحياة قررت الالتفات لنفسي وعلاجها. خلال السنة الماضية مررت بعدة مواقف شديدة ما كنت لأتجاوزها بخفّة ووعي لولا أن مددت يدي لطلب المساعدة. لدي الكثير لقوله عن هذه الرحلة لكنني انتظر لحظة مناسبة ومكان أفضل للحديث عنها. بالعودة للأمس وأحلامي الغريبة اشتريت لوح الشوكولاتة المنشود وكنت أفكّر في روعة تحقيق الحلم بهذه السرعة! تخيلت إن الأحلام التي نراها تتحقق بسهولة زيارة السوبرماركت، وذهبت أبعد لأفكر: ربما كانت المشكلة أننا لا نفكك هذه الأحلام لأجزاء أصغر وأكثر قابلية للتحقيق. عدت للائحة طويلة من الأحلام وبدأت بتفكيكها إلى أصغر مكوناتها، وصولا إلى النية. وربما يجب ألا أقول إن النية مكوّن صغير فأثر البدء بالنية في النفس والحياة حولنا كبير لو تأملناه.

أعددت بالأمس شوربة الطماطم وسندويتشات الجبنة المشوية وجلست مع اخوتي للعشاء، هذه اللحظات التي نسرقها من أيام مجنونة لا نعرف رأسها من قدميها. خلال يناير قدمت الورشة الأولى (من الـ١٢ المخطط لها في هذا العام بإذن الله)، وبعد أسبوعين تقريبا أقدم ورشة فبراير. الشهر الأول كان عن تدوين اليوميات وهو وقت مناسب للبدء بهذا المشروع. سأنشر خلال الأيام القادمة نسخة ملخصة من الورشة صالحة للقراءة. أما شهر فبراير الحالي سيكون عن التدوين، البدء بالتدوين تحديدا من خلال ورشة مدتها أربع ساعات مناسبة لمن يرغبون ببدء التدوين من الصفر. كيف تبدأ مدونتك من الفكرة والاستراتيجية وصولًا لاختيار المنصة الرقمية المناسبة. يمكنكم التسجيل في الورشة من خلال المتجر الإلكتروني على هذا الرابط.

خلال الأشهر الماضية اعتمدت وحدة قياس للأيام والوقت، هذه الوحدة تركز على اللحظات التي اجتزت فيها حاجز خوف وهمي وضعته لنفسي، أو قفزة بعيدة عن منطقة الراحة. وما أكثرها من حسن حظي! قررت قبل أسبوعين العودة للتمرين في نادٍ رياضي خارج المنزل، وكان القرار صعب لكنّه ضروري لأنني بحاجة لأجهزة إضافية ومساحات وغرفتي ومساحة التمرين لا توفرها. اخترت فكرة ذكية بالاشتراك بعدد الزيارات وليس بالاشتراكات الكاملة المكلفة خصوصا وأن علامات الحجر تلوح في الأفق. كان تخمين صحيح فبعد إتمام عملية الاشتراك بأسبوع أُعلن عن إيقاف الحضور للأندية الرياضية لعشرة أيام -قابلة للتمديد. في اليوم الأول لحضوري قالت لي موظفة الاستقبال أنها سعيدة باشتراكي وترغب في إرشادي لغرفة أخذ القياسات وكتلة الجسم وما إلى ذلك. ابتسمت ورددت بلطف: لا أريد ذلك. تفاجأت وضحكت وقالت: تخافين من النتيجة؟ وأكدت لها: أنا أرى النتائج بوضوح في المرآة ولا أرغب في الوزن أو قياس الكتلة والعضلات والماء. وحاولت محاولة أخيرة معي بقول: لن تدفعي شيئًا مقابل الخدمة فهي من ضمن اشتراكك، وأجبت بحزم محاولة ألا أفقد ابتسامتي: لا شكرًا، ممتنة لتوضيحك كافة تفاصيل الاشتراك لكن لا احتاج أخذ وزني الآن أو بعد ستة أسابيع أو سنة.

 لم أرد أخذ المزيد من وقتها لشرح قصتي عندما تخلصت من الميزان تمامًا وتخلصت معه من مشاعر التوتر ومراقبة صعود وهبوط الأرقام. أصبحت علاقتي بجسدي أهدأ، ضاقت الملابس؟ انتبهي هذا يعني بأنك زدت من الأكل وقللت الحركة ولنعد الآن لوضعية الإصلاح. يكفي أن ارتدي ملابسي في الصباح، أو ألحظ اضطرابا في لياقتي لاعتمد إحدى طرق العلاج المجربة. الاسراف في الأكل والاسراف في الجلوس تتناقض وفكرة الأكل الحدسي والحركة اليومية وهذه الأفكار هي التي حققت أفضل النتائج في حياتي. قرأت في يناير أيضا بشهية مفتوحة ومتعة، قرأت “مستر غوين” لأليساندرو باريكو. الرواية التي يقرر بطلها التوقف عن الكتابة والتوجه للبورتريه ولكن بمفهومه الخاصّ. كانت رواية ذكية وممتعة وبرأيي أي تفاصيل إضافية عنها ستحرقها. وما إن انتهيت من روايته هذه مددت يدي لرواية أخرى له وهي “حرير” التي يعمل بطلها في مهنة مدهشة: تجارة دود القز وتهريبه من أقصى الأرض. أحببت الشاعرية والغموض والمساحات التي يتركها الكاتب لخيالي. ومن المؤكد أنني سأبحث عن بقية مؤلفاته خلال الفترة القادمة.

كيف كان يناير لكم؟ ما هي الاكتشافات الشخصية التي قادكم إليها؟ كتب قرأتموها؟ مشاهدات؟ أحب قراءة تعليقاتكم كلها -مع أن الوقت لا يسمح لي دائمًا بالرد عليها لكنها تسعدني وتلهمني جدًا.

.

.

.

٢٠٢٠ – دروس مستفادة

اعتدت كتابة تدوينة ختامية للسنة، كل سنة تقريبًا. هذه المّرة تأخرت -قليلا- وأحبّ هذا التأخير الذي يذكرني بأنني تحررت من الالتزامات غير المنطقية التي أضعها على نفسي أحيانا. وماذا لو نشرت تدوينة ختام ٢٠٢٠ في فبراير مثلا؟ وهكذا. لو كنت سأوجز الأحداث الرائعة التي ساعدتني على عبور هذا السنة الاستثنائية، لن يكفي لها المكان. وأظن أن التدوينات السابقة هنا وأرشيف الأيام سيظهر الحكايات وقد كُتبت قريبة من اللحظة، صافية وعفوية.

ولكن، لأنني أحبّ النظر للأمس من مكان مرتفع وتأمل ما حدث سأوجز الدروس التي تعلمتها في التالي.

مهنيًا

  • مع الانتقال بين المجالات الوظيفية أظهرت تواضعي وإن كانت خبرتي ممتدة نسبيًا. تعلمت من كل شخص زاملته في مشروع أو مهمّة، وكنت دائمًا مستعدة لقول “لا أعرف”.
  • التزمت بالعمل خلال ساعات النهار واستثمرتها بشكل أفضل، وهذا ساعدني في العمل عن بعد لأن كل شيء كان عائمًا، وكان من السهل جدًا الاستسلام لفكرة العمل طول الوقت.
  • طلبت فواصل للراحة عندما احتجتها، لأن الاجهاد يقابله كثرة الأخطاء ولا يخدم أحدًا.

شخصيًا

  • كانت السنة الماضية سنة طلب المساعدة من الآخرين. تجاوزت فكرة أنا قوية، أنا التي تساعد، ويجب أن تتجاهل متابعها الشخصية والانتباه للآخرين.
  • إصلاح الجانب الروحي من حياتي وتعهّده بالرعاية والاهتمام انعكس على كلّ شيء. والعواصف والعقبات التي مررت بها كانت لتكون أصعب لو لم أكن في حالة روحية جيدة. كانت سنة تهذيب الإيمان بجدارة.
  • الاستعانة بمرشد أو شخص حكيم تثق برأيه وتجربته في الحياة سينقذك! في ٢٠٢٠ بحثت عن مرشدة، وتحدثت مع أقارب وصديقات أثق بهم ويجيدون الاستماع لي ومتابعة تقدمي في أمر ما. يكفي أن يكون هذا الانسان مستعد وقريب ويتواصل معك بلا أحكام مسبقة.
  • العودة للمباهج القدمة وأثر ذلك في أيامي وأنعشها. كانت مباهجي المستعادة: القراءة، ومشاهدة المسلسلات العربية القديمة، وألعاب الكلمات، والكثير من الطبخ.

العلاقات مع الآخرين

  • توقفت عن الضغط على نفسي في العلاقات المتعبة. وراقبت تأثري بالآخرين والجلوس معهم والاستماع إليهم وكيف يتحول مسار يومي بعد ذلك.
  • أصبحت حاسمة فيما يخص حدودي الشخصية دون الانتقاص من الآخرين أو أذيتهم.
  • هناك علاقات تستحق إعادة الإحياء والتواصل. وقد يشبه العودة إليها تعلّم المشي من جديد، لكن ذلك صحي ومشوق.
  • حتى أقدم العلاقات تحتاج الإصلاح والتحسين. وأقصد بذلك علاقتنا بإخوتنا وعائلتنا المقربة والأصدقاء القدامى. حتى لو كانت ظاهريًا رائعة ولا ينقصها شيء، قد يفاجئنا ما يمكن أن يفعله الامتنان والشكر وتجديد المودة.

ماليًا

كانت سنة تقليل التسوق العشوائي. ربما التوتر العام من وضع الاقتصاد العالمي، والجائحة، والمستقبل المجهول. بدأت التوفير المجدول ربما لأول مرة في حياتي! وأعطيت نفسي هدية شهرية بمبلغ لا أتجاوزه واختار حينها إذا كنت أريد مشتريات استهلاكية، أو تجربة ممتعة أو توفيرها لوقتٍ لاحق. رأيت الأثر بشكل فوري بعد سنوات من الاستهلاك المجنون والوصول لنهاية الشهر على حافة الرصيد.

وأنتم؟ ما هي الدروس التي خرجتم بها من السنة الماضية؟ شاركوني في التعليقات : )

.

.

رسائل من مكاني الجيّد

خلال العقود الثلاثة الماضية، جرّبت مع نفسي الكثير من التقنيات التي ساعدتني على تجاوز المصاعب بكلّ أشكالها ومسبباتها. ولم أجد أفضل وأنسب لي من التخيل Visualization. لقد كان التخيل مرساة أيامي الصعبة، والطريق الذي أسلكه بهدوء لانتشال نفسي من أي عنق زجاجة أو منعطف خطر. كان وما زال أشبه برسائل من مكاني الجيّد الذي ينتظرني بعد عبور العاصفة.

بدأت القصة من عمر مبكر، لم أكن أفهم تسمية هذه التقنية وأنها تستخدم فعليًا للتشافي الروحي والجسدي. كنت أقضي ليالي الأرق الطويلة في تخيل حياة المدرسة المتوسطة، والثانوية، والجامعية لاحقًا. كيف سيبدو الطريق عندما أتخرج؟ هل سيكون لي عمل؟ هل سأرى العالم يومًا ما؟ هل سأزور المدن التي قرأت عنها وتتبعت أثرها على الأطلس؟ كان أيامي ثقيلة جدًا ولا يخفف ثقلها إلا تمددي على الفراش نهاية اليوم ورسم الحياة وتلوينها كما أشاء. لم أكن أعرف التخيل الإيجابي، أو إعادة تصور الحياة وغيرها من المصطلحات. كنت أعرف أنّ هذه اللعبة تضعني في مزاج أفضل لمواجهة الحياة. وتدفعني للابتسام والضحك والاستمتاع بحياتي برغم كلّ شيء. كان يدفعني إيمان عميق نضج مع السنوات بأن الله قادر على تحقيق كل هذه التصورات والخيالات ولم أشكك بذلك لحظة واحدة. عندما كنت أحاول وصف ما أفعله لا أجد له تشبيه أفضل من: إني أشاهد فيلم حياتي! واستغرق بالتفكير وبناء التفاصيل حتى اهدأ تمامًا ويصبح كل ما يزعجني أشبه بذكرى بعيدة. استيقظ في اليوم التالي وانطلق من جديد، لكنني الآن أخفّ وأقوى وانظر للصعوبات بعين الحبّ والاهتمام والتقبل. إنها منطقة عبور بالتأكيد! ثمّ بدأت القراءة في كتب العلاج الذاتي والتشافي من تراكمات الحياة، وغيرها من كتب التطوير التي لا تبيعك وهمًا إنما تعطيك خطة ومهارات تتبعها فتجد في نفسك التغيير الذي ترغب.

عرفت أنّ لعبتي تلك أنقذتني، وما زالت تنقذني!

كتابة هذه التدوينة يتزامن مع مروري الشخصي بعنق زجاجة جديد، لا أفهم تفاصيله ولا أقاوم الغرق في فوضاه -أحيانا. لكنّه فرصة لاختبار قوة لعبة التخيل الإيجابي والتركيز عليها ودعمها بالكتابة اليومية، والبحث، والبناء. في هذا المكان أعرف بأنني اتحمل المسؤولية الكاملة تجاه نفسي وشفائها. وكلما ركزت طاقتي على تفكيك الجو السيء وتوجهت لتصور إيجابي حوله أصبحت دوافعي ورغباتي وتصميمي على اجتياز هذا الوقت أعلى. التخيل الإيجابي يساعدك في اكتشاف جوانب مختلفة من المواقف التي تمرّ بها. وسيأتي الوقت الذي تضع يدك فيه على أساس المشكلة. أو المواقف والتصرفات التي تشعرك بالضيق. كيف؟ بتخيل مسار آخر للموقف، وتحويل الأذى إلى السلام والهدوء. كيف سيكون اليوم أفضل؟ كيف أكون شخص أفضل؟ التخيل الإيجابي سيخلصك من ملل الأمسيات والارتباطات الاجتماعية إذا فكرت في سيناريو مختلف لها. سيخلصك من ثقل مهامّ العمل البسيطة التي تتكاسل عن إتمامها لتكتشف أنّ الأمر لا يستغرق أكثر من ربع ساعة! وإذا لم يكن التخيل لعبتك المفضلة ستحتاج للكثير من التدريب. سيكون الأمر أشبه بتمرين العضلات مرة بعد أخرى حتى تصبح حركتك أكثر سلاسة. ستكون الصورة واضحة كما لو كنت تضبط تركيز عدسة الكاميرا. والأهم من هذا كلّه ألا تشعر بالخجل، أو التردد، أو اليأس.  الموضوع كلّه قائم على الخيال، ولا أحد يشاهد فيلمك سواك.

السفر مع خيالي ساعدني في تبديد وقت التوتر والقلق، أصبحت أفضل الانشغال مع فكرة جيدة أكثر من قلقي من الأشياء التي لم تحدث. وإذا خيّرت نفسي بين التفكير بمستقبل مجهول سيء وآخر مشرق أعرف دائمًا أين سأذهب. لقد أصبحت أكثر ثقة بنفسي، وأكثر رفقًا وتفهمًا عندما رأيت التصور الأفضل عنها. إنها تستطيع، إنها قوية، إنها ذكية وقادرة. وهذا الصوت يرتفع ليخفت أي صوت آخر يعمل على التحطيم ووضح العقبات وكلها بداخلي للأسف.

هذه التدوينة هي دعوة مفتوحة للجميع ببدء التخيل، بتجربته على الأقل، ولا تستعجلوا النتائج : )

Photo by Oscar Helgstrand

.

.

وداعًا عدوي اللدود

في الجلسة السابقة مع مرشدتي طلبت منّي أن أكسر ميزاني!

نعم قالتها بهدوء وحزم: أريد منك أن تكسري ميزانك وأن تتوقفي عن وزن نفسك للأبد. الأمر أشبه بفجيعة. شخصيًا ومنذ عمر مبكر جدًا وما إن تنبهت بأنني مختلفة، وأنّ الميزان وحده سيحدد عودتي لقائمة البشر الاعتياديين. الرقم على الميزان يُكتب في يومياتي قبل التاريخ أحيانًا. الرقم على الميزان يحدد ما إذا كنت سأحظى بيوم سعيد، أو غائم. الرقم على الميزان يحدد احتفالي بنهاية العام، أو يوم ميلادي كل سنة. الرقم على الميزان يشبه صاعق صغير حول عنقي، كلما تأرجح صاعدًا تمكن منّي الإحباط. والآن تأتي مرشدتي وتقترح كسره. تذكرت احتفالي باقتناء ميزان رقمي دقيق بعد ميزان ايكيا الرخيص الذي احتفظت به لسنوات، تذكرت كل أجهزة الميزان الرائعة/الرادعة في فنادق إجازاتي. والآن تقول لي توقفي عن هذا. كيف سأعرف ما حققته من نجاح؟ أو عندما أترك لنفسي حرية الكسل والاحتفال بالأكل لأيام متتالية. تناقشنا قليلًا ويبدو أنها نجحت في إقناعي.

الميزان ضروري مثلا لتحديد ما إذا كان الملاكم في فئة معينة، هل أنت ذبابة؟ ديك؟ ريشة؟ خفيف؟ ثقيل؟

الميزان ضروري لتحديد ما إذا كان الرضّع والأطفال يكبرون بوزن صحي مناسب لأعمارهم.

الميزان ضروري لضبط وصفات الطهي وكميات المقادير.

الميزان ضروري لشراء الخضروات والأجبان واللحوم، كيف سنقيّم سعرها إذا؟

لكنّ وزن نفسي يوميًا لم يأتِ بخير دائمًا، حتى عندما اشتريت مقاسًا أصغر، حتى عندما لاحظ الجميع بأنني خسرت وزنًا. لا لا أصدق هذا فالميزان يقول عكس ذلك. احتجت أن ابحث أكثر، وأفهم ما سبب التأرجح، السوائل؟ العضلات؟ المزاج؟ كثافة الدمّ؟ لقد حاولت كثيرًا التخلص من الميزان لكن الخطة لم تنجح. أذكر عندما قمت بتجربة نظام Whole 30 –هنا تدوينة عنه– امتنعت تمامًا عن الوزن لمدة شهر. كان التحدي عظيم لكنّ مطورة البرنامج أشارت لهذه النقطة بالتحديد. تقول لي مرشدتي توقفي عن وزن نفسك، والآن أتممت أسبوعين بلا وزن. أشعر بأنني أخفّ معنويًا، وأجمل، وهذا ينعكس على علاقتي بالمرآة وخزانتي. أخرجت يوم الجمعة الماضي قميص من الكتان اقتنيته قبل ثلاثة أعوام ولم يكن مقاسه جيد على الاطلاق! أذكر عندما ارتديته للمرة الأولى وكنت أشبه شخصية فكاهية وأي حركة ستطلق الأزرار في كل اتجاه. ارتديت القميص من جديد، وكان رائع كأنه فُصّل للتو من أجلي، احتفيت بنفسي ولم أقاوم أخذ دورة كاملة أمام المرآة للتحقق منه.

هل كسرت الميزان؟ لا، ليس ملكي وحدي. لكنني أخرجته من مساحتي والآن هو مشكلة شخص آخر في المنزل.

Photo via Shorpy

.

.

.

المنزل الثائر

هل تنبهتم من قبل لأجهزتكم القديمة وكيف تبدأ أعطالها بصورة غرائبية قبل شراء جهاز جديد؟ عندما تعيدون شحن الجهاز أكثر من مرة في أقل من عدة ساعات. ويبدأ بحذف الصور والملفات عشوائيًا وبلا إذن منكم. كنت دائمًا ألحظ هذه الحالة، ولا أدري حتى اليوم هل هي تحدث بسبب نيتي في الشراء وانتباهي للسلبيات والمشاكل التي صبرت عليها قبل تلك اللحظة. أو أن جهازي يثور ويغضب ويبدي امتعاضه بطريقته الخاصة.

خلال الأسبوع الماضي تمددت عتبة الدرج الأخيرة في بيتنا، ربما استطالت قليلًا للأمام أو مالت للجهة اليمنى. الأكيد أننا أصبحنا نتعثر أكثر. ونجونا كلنا والحمد لله من انزلاق وشيك. العتبة الرخامية لم تتغير ولم نجر عليها أي تعديلات خلال سنوات سكننا الثلاثة. تعثر والدي الجمعة الماضية والتوى كاحله وهو الآن في الجبيرة في الدور العلوي. وأنا أفكّر هل بيتنا يثور؟ النوافذ غاضبة، ففي أقل من أربعة أيام خدشت كفي اليسرى، وتسببت بجرح غائر، ومقابض الأبواب تتحرك من مكانها لتلتقط قمصاننا وتعيدنا خطوة للوراء.

هل أبالغ في انتباهي؟

ونحنُ نتناول وجبة العشاء منتصف الأسبوع، رنّ جرس المنزل مزلزلًا الصالة! هذه المرة الأولى التي نسمع فيها نغمته منذ العام ٢٠١٦. سكننا المنزل، وسعدنا بتقنية فتح الأبواب بالأزرار الكهربائية، واستقبلنا خبر وصول ضيوفنا بصوته، لا برسائل قصيرة على الجوال: نحن في الخارج، افتحوا الباب، هل أنتم هنا؟ جرس بيتنا يرنّ منذ منتصف الأسبوع في أوقات مختلفة من اليوم، في الثالثة صباحًا، وبعد الظهر، وفجأة قبل صلاة الفجر. هل من زائر؟ لا طبعًا. الجرسّ يرن بأثر رجعي، يستعيد كلّ الرّنات الفائتة. لم احتمل صوته الذي يخترق أحلامي في منتصف الليل وآخره، وعزمت البارحة على انتزاعه من الجدار حتى وإن تسببت بعطل كهربائي شامل. أمام الصندوق الإلكتروني للجرس استجمعت قوتي العضلية وانتباهي وجربت ضغط بضعة أزرار لم تساعدني. في زاوية الصندوق زر صغير جدًا يقفل ويفتح، ما إن حركته لليمين حتى انطفئت الشاشة تمامًا. أطلق الجرس صرخة أخيرة مقتطعة قبل أن استوعب أن هذا الزر يوقفه للأبد. عدت للنوم ولم أفكر. لكن الصباح جاء باستنتاج مهمّ: بيتنا يثور لأننا بدأنا البحث عن مسكن جديد، لقد سئمنا المساحات المؤجرة. وأتمنى بصدق أن تبدأ السنة الجديدة بخبر طيّب حول هذا الموضوع.

Photo by Jan Antonin Kolar

.

.

.