أمريكا بالسيارة.

americabycar-5

“لا يمكن فصل السفر بالسيارة عن التجربة الأمريكية.” حدثت نفسي في رحلتي الماضية.

لا، لم تكن قراءتي لكتاب جاك كيرواك “على الطريق” السبب الرئيسي، على الرغم من أنني أجلتها حتى انطلقت في رحلتي البرية الأولى هناك. إنما كانت الصورة التي رسمتها في مخيلتي عشرات الأفلام السينمائية والقصص والكثير من أغنيات الفلكلور الأمريكية. هكذا يجب أن تكون طريقة تعرّفك على هذه القارة. بالسيارة ولساعات ممتدة وأيام. لم تكن رحلتي طويلة كما توقعت، وانتظر الرحلة التي وعدت بها نفسي وأخوتي بقطع القارة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. لكن، كنت محظوظة كفاية بقطع الطريق الذي مرّ به المستعمرون الإنجليز الأوائل. بين شاطئ فرجينيا وبنسلفانيا كانت رحلة السبع ساعات بمثابة الحلم. لم استطع أن أغفو لأكثر من ساعة –ربما حدث ذلك فجأة وبلا تخطيط وللحظات- رأيت غابات ممتدة، أنهار، خليج ضخم وشاطئ محيط بدا وكأنه خالٍ من البشر. طرق معبدة، طريق شبه معبدة وطرق فرعية تقودكم للمزارع والحقول. خيول وأبقار، نسور تحوم فوق الطريق السريع بحثاً عن جيفة حيوان دهس للتوّ. سيارات وبشر ولوحات. استعدت فكرة راودتني قبل السفر، فكرة لمجموعة صور. وبدأت بالتقاط صور للطريق، من جهات السيارة المختلفة ونوافذها ومراياها. صور مهزوزة وصور جيدة حتى امتلأت ذاكرة الهاتف. بعد عدة أسابيع فكرت بنشر بعض منها بالإضافة إلى مجموعة التقطتها في نيوجيرسي ونيويورك. لم أجد هاشتاغ أنسب من #americabycar لنشر الصور من خلاله في انستغرام. وفي هذا الهاشتاغ وجدت عدة صور التقطت قبلي وكانت كلها تقريباً في معرض للمصور لي فريدلاند الذي قدم مجموعة مصورة لأمريكا من داخل السيارة. واصلت إدراج صوري في الهاشتاغ وتبعني أفراد العائلة –كما ستلاحظون من الصور المدرجة تحته- . الفروق كثيرة بين صوري وصور لي فريدلاند. بداية من الألوان ومرورا بالمناظر وانتهاء بالاحترافية التي يملكها المصور المخضرم. سأحاول في هذه التدوينة التحدث عن مجموعة “America By Car” للمصور لي فريدلاندر.

America-By-Car-332x338

لي فريدلاندر مصوّر أمريكي التقط مجموعة من الصور الأحادية –باللونين الأبيض والأسود- من داخل سياراته المستأجرة –تويوتا وشيفروليه كما اتضح لاحقا- ولمدة خمسة عشر عاماً. التقط صوراً لأمريكا برفقة أجهزة السيارة وإطارات النوافذ والمرايا الجانبية. التقط 192 صورة وصنّفها إلى مجموعات، لا جغرافيا إنما بحسب الموضوع: أنصاب تذكارية، كنائس، منازل، مصانع، محلات بيع البوظة، تماثيل سانتا كلوز بلاستيكية، ومعالم على الطريق. لي فريدلاندر استلهم مشروعه المصوّر من أعمال غاري وينوغراند وروبرت فرانك التي صوّرت الحياة الأمريكية الحقيقية. إنما اختلفت طريقة العرض، فالمصور هنا لا يغادر سيارته إلا مرة واحدة ليصور بورتريه شخصي ويطل برأسه من نافذة الراكب. تنوعت الصور ومحتوياتها. تارة نرى النافذة الأمامية على اتساعها، وتارة يظهر المقود والراديو، وعدادات السرعة والوقود، وفي أحيان أخرى يلتقط الصور عبر النافذة الخلفية التي تشبه شاشة سينمائية. أما المرايا الجانبية فقد تطفلت عليها السماء بغيومها أو المنازل وأحيانا المصور وكاميرته. صور بسيطة واضحة وأخرى معقدة مليئة بالطبقات والتفاصيل. ويمكن نسبة هذا التأثر إلى والكر إيفانز ويوجين آتغيت.

lee-friedlander-montana-3-091310-lg

يُظهر فريدلاندر أيضا ولعاً باللوحات الإرشادية على اختلافها وأخطاءها المتعددة وحروفها المتساقطة.

tumblr_m762cnuxs91qzn0deo1_500

السيارات كما نعلم تعزل البشر عن بعضهم، هذا ما حاول فريدلاندر تذكيرنا به في كل صورة من صور المجموعة. أيضاً، كانت هناك مسافة بين صور فريدلاند وحاضر الحياة الاجتماعية والسياسية الأمريكية. تعلقت عدسته بآثار الحرب الأهلية ونصبها التذكارية وخجلت عن توثيق المعالم المعاصرة –إلا في حالة واحدة ظهر فيها ملصق سيارة يدعم حملة أوباما وبايدن الانتخابية- وهذا أيضا شيء لاحظته وأنا أتصفح المجموعة للمرة الأولى، ربما ما يعتبره البعض عيباً في الصور وجدته شيء مميز وجيد، كأنها من حقبة ماضية، خارج الزمان وإن بدت في أماكن معروفة ومسجلة. ومع أنّه لم يعبر بنيو أورلينز وديترويت وهي مناطق منكوبة في أمريكا، إلا أنه عبر “حزام الصدأ“، مرّ بمصانع أكرون أوهايو، ومنازل كليفلاند التي تشابهت وتلك التي صورتها لوحات تشارلز بورتشفيلد التي غطت فترة الكساد العظيم. السيارة مرة أخرى حالت بينه وبين التعاطف مع ما يراه. لم اقتن الكتاب بعد، لكنني شاهدت صوره موزعة في كثير من المواقع وقرأت عدد من التقارير التي كُتبت عنها ومن هذه المقالات ترجمت مقتطفات هذه التدوينة، هنا مقالة وهنا واحدة أخرى

عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

nyc

وصلتني عدة أسئلة في حساب Ask بخصوص قضاء عطلة في مدينة نيويورك، التكلفة ونصائح أخرى عن التنقل وأفضل الخطط للاستمتاع بالمدينة. كنت أفكر في تدوينات منفصلة لكنني الآن وجدت الوقت مناسب للتدوين عن خطة عشرة أيام في نيويورك من تجربة واختيارات شخصية.

أودّ الإشارة إلى أنّ تكاليف الرحلة والخطة لا تشمل تذاكر الطائرة لأنني زرت المدينة مرة بالباص ومرة أخرى بالسيارة حيث أنّ مكان سكني المؤقت في الولايات المتحدة الأمريكية كان يبعد حوالي ساعتين عنها. لكن كخيار مقترح للرحلة هناك شركتي طيران مفضلة للعائلة: الخطوط القطرية، الخطوط التركية. خط الرحلة ممتاز والخدمات المقدمة تتناسب والسعر الذي تدفعونه. والآن إلى النقاط الرئيسية.

  1. اختيار السكن: جربت نوعين من السكن في نيويورك. الأول في شقق يؤجرها أصحابها من خلال موقع Airbnb.com الفكرة في هذا النوع من المساكن أنكم ستسكنون في منزل لأشخاص، بأثاثهم ومتعلقاتهم الشخصية، سيتركون المنزل خلال فترة بقاءكم فيه وستدفعون لهم الإيجار المنخفض بشكل ملحوظ بدون ضرائب أو قيمة مضاعفة، حتى المواقف الخاصة بسياراتهم –إن وجدت- ستستفيدون منها في حال امتلكتم سيارة. تحتاجون للبحث بكلمات مفتاحية ومراجعة كل التفاصيل الخاصة بالشقة بعيدا عن المفاجآت. وقد وُفقت باختيار شقّتين مناسبتين، في كل منها مطبخ مجهّز، وأثاث جيد وخدمة إنترنت وغيرها من الأساسيات التي يحتاجها المسافر. اختلف المضيفون ففي الأولى لم تترك المضيفة أي أطعمة أو مشروبات للاستخدام، فقط تجهيزات. في الشقة الثانية كانت العائلة تسكن بالطابق السفلي وجُهزت الثلاجة في الشقة بالماء والمشروبات والخزانة بالأطعمة الأساسية والمعلبات، لم أحتج للتسوق إلى بعد عدة أيام. تأكدوا أيضا في حالة حجز هذا النوع من السكن من وجود المصاعد والأبواب المحمية والحراسة – لو احتجتم ذلك- ففي الشقة الأولى احتجت لحمل حقائبي لثلاثة أدوار وكدت افقد وعيي بسبب حرارة أغسطس! بالنسبة لقيمة السكن بهذه الطريقة خلال عشرة أيام: حوالي 1300 دولار أمريكي. مبلغ كامل بلا زيادات! أضفت عليها حوالي 200 دولار في شراء أطعمة وخضروات لتوفير مبالغ الأكل في الخارج، خصوصاً مع وجود الضرائب المرتفعة ورغبتي في تناول طعام أتأكد من محتوياته الحلال.

    أما النوع الثاني من السكن فهو اختيار الفنادق، الفنادق في نيويورك لها ميزة ظاهرة ومنفرة في نفس الوقت ألا وهي: ضيق المساحة! لكن الخدمات والنظافة جيدة في الكثير منها. لا تعتقدوا بأنكم ستجدون فندق بمساحة كبيرة نسبياً خصوصا إذا كانت ميزانيتكم المخطط لها متوسطة. جربت السكن في فندق جديد في منهاتن تابع لسلسلة ماريوت. الفندق جيد ولكن ثمن الغرفة لأربعة ليال سيقارب قيمة السكن من خلال Airbnb.com وللعشرة أيام الكاملة. لماذا؟ لأن ضريبة السكن في نيويورك حوالي 6% ولأن السكن في منهاتن مرتفع مقارنة بالمناطق الأخرى. أشير كذلك إلى أنني لم اختر خدمة الإفطار وحاولت تجاوز كل الإضافات ومن بينها الإنترنت إذا كان مبلغ الاشتراك مرتفع. السعر التقريبي لفندق جيد في نيويورك يبلغ حوالي 250 دولار. الفنادق الأقل سعراً تكون في مناطق مزدحمة ملوثة سمعياً وبيئياً وقد لا تتمتع بمستوى أمان مناسب. متابعة قراءة عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

14 لـ 2014.

14for14

إذا طُلب منكم المشاركة في لعبة الاعترافات الشهيرة، لا تكونوا مبادرين! اتركوا اعترافكم لنهاية اللعبة. أعتقد أنّ هذه هي نصيحتي الأكثر أهمية للعام الجديد –نصيحتي التي لم يطلبها أحد- ويمكنكم تطبيقها على كلّ شيء يتطلب القفز أولاً. على صعيد آخر، قررت أخطط لسنتي وأكتب 14 تغيير مهمّ وسأحاول خلالها تطبيق كل ما جاء في القائمة. بالتدريج؟ بالتأكيد. سأحاول أيضاً –كالعادة- التدوين عن كل بند متى ما شعرت أنني قمت بتحقيقه. أو الكتابة عن المحاولة في تطبيقه. لم يكن إيماني عميق بكتابة الأهداف والتغييرات وأن حفظها في مكان بعيد أنسب وأنفع من نشرها ورؤيتها مكتوبة. قد تلهمكم، وربما لأنني أرغب في أن تكون هذه التدوينة حجة على نفسي.

بلا تفاصيل أكثر إليكم 14 لـ 2014.

  1. شرب المزيد من الشاي. هناك عالم كامل في ورقة الشاي، نكهات ودول وطرق تحضير لم التفت لها حتى الآن.
  2. نشر تويتات أقلّ  وتحويل التدوين المصغر هناك إلى تدوينات طويلة ومفصلة هنا.
  3. اقتناء حصالة، وملئها بالمال طبعاً.
  4. المحاولة أكثر، وتجاهل التراجع والتراخي عندما لا تنجح الأمور.
  5. كتابة رسالتين بخيط اليدّ وإرسالها للأصدقاء.
  6. تقديم المديح لمن يستحقه، مديح مباشر، مديح ملفوف بالشكر والامتنان.
  7. التقاط المزيد من الصور.
  8. التنفس بشكل أفضل.
  9. خياطة لحاف -أمنية قديمة ومشروع بدأ وتوقف منذ سنوات-.
  10. اتقان شيء، إجادته والتعرف على كافة جوانبه. صنع المربّى مثلاً.
  11. الكتابة كلّ يوم. كلّ يوم مثل هيفا بعمر العاشرة.
  12. التفكير العميق قبل الكلام.
  13. تجنب الدراما.
  14. قضاء وقت أقلّ على الإنترنت، وفعل الكثير بعيداً عن الكمبيوتر.

مقلاة لبيضة واحدة.

قبل سفري للولايات المتحدة الأمريكية بعدة أيام كنت أعدّ فطوري في المطبخ ولاحظت أنّ المقلاة الصغيرة التي استخدمها لقلي البيض في حالة سيئة. الطبقة المانعة للالتصاق تآكلت وبدأت بالزوال، ونصائح السلامة تقول عندما يحدث ذلك تخلصوا منها فوراً. وفعلت، وغادرت. من الأفكار المضحكة التي زارتني قبل النوم وعندما أفكر في بيتنا وما هي أحوالهم؟ أفكر في المقلاة الصغيرة التي تخلصت منها قبل سفري ولم أبلغ أحد. أفكر في بحثهم عن المقلاة والانزعاج الذي قد يسببه غيابها. هل تعرفون ما يمكن أن يقودكم إليه بحثكم المستميت عن أي شيء لتقلقوا بشأنه؟ هذه القصة مثال عليها. والحقيقة أن المنزل بخير وأن أحداً لم يتذكر غياب هذه المقلاة – على حد علمي- .

في رحلتي الأولى للتسوق بعد عودتي لم تغب فكرة المقلاة عن ذهني، وقفت في ممر المقالي وأواني الطبخ لاختيار واحدة، عدة شركات وأعجبتني مقلاة من بايركس. حملتها بسعادة. الفطور أهمّ وجبة في اليوم وأنا بحاجة لجيش من المعدات والمقادير الصغيرة التي تساعدني في إعداده بكفاءة!

متابعة قراءة مقلاة لبيضة واحدة.

الفصل 31

Processed with VSCOcam with p4 preset

عدت قبل أيام من رحلة مذهلة في بلاد العم سام. تزامنت أيامها الأخيرة واحتفالي بعيدي الحادي والثلاثين. كان حلماً ممتداً حتى أنّ مخيلتي عجزت عن الحلم ليلاً. حققت كلّ ما رغبت بتحقيقه من هذا السفر، وأكثر. والقائمة التي وضعتها قبل حزم الحقائب انتهت سريعاً واكتشفت –على الرغم من ضيق الوقت- المزيد من الاهتمامات والوجهات السريعة. بينما كنت انتظر رحلة العودة كتبت سريعاً عدة نقاط، ماذا حدث؟ أين ذهبت؟ ماذا رأيت؟ غمرتني بهجة لم اشعر بها من قبل. كنت أقول طوال الرحلة لأخوتي –الذين سكنت معهم هناك- هذا السّفر أطلق بداخلي مشاعر ظننت أنني نسيتها.

غمرت نفسي بمياه المحيط، مشيت وحيدة في منهاتن وحتى منتصف الليل، عبرت الغابات الساكنة، راقبت السناجب وهي تجمع طعام الشتاء، حضرت حفلات موسيقية حيّة، استمعت لسمفونية بيتهوفن التاسعة، زرت مكتبة مايكل سايندبرغ السرية، شاهدت لوحات مونيه وديغا وإدوارد هوبر وسارجنت وماري كاسات وغيرهم. ركبت المترو، قرأت سيلفيا بلاث قبل رحلتي لحضور أسبوع الموضة النيويوركي، وعلى الطريق كيرواك بين شاطئ فرجينيا وبنسلفانيا، حضرت مهرجاناً فنياً وحفل توقيع لكاتب أحبه، وأخيراً سكنت في جناح ثيودوري في قرية وادعة.

التفاصيل التي لا تُصدّق إن قصصتها على نفسي قبل سنة من الآن، كلّ ذلك حصل بين أغسطس وأكتوبر. وكأنني وجدت صوتي الغائب، وجدت موضوعاً للكتابة، وجدت خيطاً سحرياً سينقذني من حبستي التي دامت طويلاً. عندما نويت السفر قررت التوقف عن التدوين، وقاومت كثيراً الحديث على الشبكات الاجتماعية عن تفاصيل أيامي هناك. عبّرت بالصور –الكثير منها- وأجد الآن أن كل ما فعلته كان صائباً. الاحتفاظ بتفاصيل الرحلة ونصائحها ودهشتها وعقباتها ورعبها لأكتبها في كتاب. هذه المرّة قلت لنفسي: سينجح الأمر. وإن لم ينجح؟ حسناً لستِ كاتبة كما تدّعين! وهذا مرعب.

أمام زجاج المكتب الصغير لموظف الهجرة في مطار واشنطن تحدثت عن نفسي في جملة مقتضبة “أنا كاتبة جئت للسياحة والبحث عن إلهام”. كانت اللحظة الأصدق منذ سنوات. وعاهدت نفسي حينها ألا أخذلها بالكسل والتسويف. هذه الذكريات الطازجة ستعرف بيتاً يحبّها ويحتضنها وستسعدون به قريباً.

بالنسبة للتدوين عن الرحلة، قد لا أدون عنها بشكل خاص لكن سأتحدث عن مواضيع أثارتها الأحداث حولي أو تنبهت لها وأنا هناك.

سعيدة بعودتي، سعيدة جداً.