شاهدت قبل عدة أيام فيلم وثائقي بعنوان “Best Kept Secret” فيلم مؤثر جداً. يتبع الفيلم قصة فصل دراسي في مدرسة جون ف. كينيدي الثانوية في نيوارك نيوجيرسي. الفصل هذا خاصّ جداً فطلابه من ذوي الاحتياجات الخاصة ويدرسون في مدرسة حكومية عامة. مدرستهم جانيت مينو تحاول جاهدة تجهيزهم للنقلة القادمة إلى الحياة الحقيقية، حيث سيكونون بحاجة لكل مهارة يمكنهم إتقانها للعيش والدفاع عن أنفسهم وفهم محيطهم. يسجّل الوثائقي مدة 18 شهراً باتجاه تخرجهم، ويركز على عدة شخصيات في الفصل وكيف تقدم لهم الحكومة الأمريكية والقطاع الخاصّ المساعدة والاهتمام. جانيت تريد توفير فرص عمل وتدريب للطلاب كي لا ينتهي بهم الأمر في مصحّ بلا حول ولا قوة، أو محبوسين في منازلهم مع عائلات بالكاد تطعم نفسها. ليست هذه المرة الأولى التي تخرج المدرسة دفعة خاصة، وفي الوثائقي ستجدون جانيت تلتقي بطلابها القدامى الذين انطلقوا للحياة وكيف كان تعليمها واهتمامها فعالاً معهم.
التصنيف: وثائقيات
6 رمضان: كبسولات فنيّة
(أ)
شاهدت مؤخرا عدة حلقات من سلسلة وثائقي فنية مميزة. تقع السلسلة في 26 حلقة مدة كل منها لا تزيد عن 30 دقيقة وتختصر حياة رسام عظيم. هذه السلسلة مناسبة جداً للذين يبحثون عن معلومات مكثفة ومتعة بصرية ولا يملكون وقت طويل لمشاهدة الوثائقيات التي تتجاوز الساعة والساعتين. جمعت روابط لتحميل بواسطة التورنت هنا.
للأسف لم أجد لها أثر على يوتوب للمشاهدة المباشرة ولكن إذا حصل ووجدتموه أتمنى أن تتركوا إشارة له في التعليقات مع الشكر.
(ب)
قرأت قبل عدة أيام عن دراسة تربط بين الضغوط وضعف الخصوبة لدى المرأة. الدراسة بيّنت أنّ ارتفاع هرمون alpha-amylase –وهو هرمون مرتبط بالجهاز العصبي- في دم المرأة يخفض من احتمالية الحمل لديها بنسبة 29% . وتأتي الدراسة بتفاصيل أخرى لكنها لا تجد سبب واضح لارتباط هذا الهرمون بضعف الأخصاب. نتائج الدراسة لم تكن حاسمة أو واضحة لكنها درست الموضوع عن قرب مع شريحة بحث واسعة والتفاصيل للدراسة تجدونها هنا.
فكرت بعيداً عن الدراسة والإحصائيات العلمية نظرت للموضوع بشكل آخر. جسم المرأة يتهيأ لاستقبال المولود وهذه الضغوط والتوتر قد تكون إشارة بيولوجية بأنها ليست مستعدة لذلك! موضوع استغرق مني وقت غير بسيط في التأمل.
1 رمضان: لماذا Clippings؟
(أ)
مرحباً بكم!
بالأمس تحدثت عن سلسلة تدوينات بلا موضوع محدد خلال شهر رمضان المبارك. والبداية الطبيعية مع اسم المدونة. مع أنني اذكر بأنّ التدوينة الأولى تحت هذا العنوان الجديد وضحت الفكرة لكنني سأعيد الحديث عنها: قصاصات أو Clippings بالإنجليزية هي مجموعة الصور أو النصوص أو الملفات التي سأدرجها هنا. بالعادة يطلق هذا المصطلح على الألبومات أو الدفاتر الخاصة بالشخص والتي يجمع فيها قصاصات ورقية لأمور تهمه ويحبها. أتوقع أن هواتفنا المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا أصبحت دفتر قصاصات جديد ومطوّر. محركات البحث أيضاً ساعدت ولم تعد هناك حاجة للاحتفاظ بصورة أو نصّ، متى ما أردتم الحصول عليه كلمات البحث سترشدكم. في السابق كنت أجمع قصاصات للأشياء التي أريد اقتناءها أو الأماكن التي أحلم بزيارتها، واحتفظ بالصورة أو القصاصة في وسط كتاب أو دفتر خاص وأمزقها عندما أحصل عليها. طقس غريب ومحبب!
لماذا غيرت عنوان مدونتي؟ لم يكن الموضوع باختياري – كان العنوان farfalla.ws- انتهت الاستضافة مع الشركة السابقة وخسرت العنوان لأنه مرتبط بها. كانت لدي فترة بسيطة لأقرر واستعيد بيانات الموقع واخترت الاسم الجديد الذي لحسن حظي كان متوفراً.
تدوينة اليوم مثال على القصاصات التي اجمعها وانشرها وتمنح المدونة التوجه الخاص بها: مدونة غير متخصصة فيها من كل شيء شيء.
(ب)
شاهدت قبل عدة أيام وثائقي رائع عن المرأة والفنّ من إنتاج بي بي سي “The Story of Women and Art” وتقديم البروفيسورة أماندا فيكري المؤرخة والكاتبة البريطانية. الوثائقي يقع في ثلاثة أجزاء يتناول الأول منها الرسم والرسامات اللاتي سجلن أنفسهن في التاريخ كمبادرات ومقاومات للضغوط والعقبات التي جاءت مع عملهن في مجال استبعدهن آنذاك. والحلقة الثانية من الوثائقي تتحدث عن الحرف اليدوية التي أتقنتها النساء في عصور أوروبا الوسطى وما تلاها وكيف استطعن الحصول على الاعتراف العالمي بأنّها جزء لا ينفصل من الفن الإنساني. والحلقة الثالثة تلتفت للفنّ في الأزياء وحياكة الملابس والديكور المنزلي وكل النماذج الرائعة من صنع أيادي النساء. السلسلة وجبة شهية وملونة لمن يحبّ الفنّ. وقمت بتحميله بواسطة التورنت من موقع EZTV لو أردتم الحصول عليه. وهنا مراجعة تختصر الوثائقي.
(ج)
استيقظت اليوم على خبر جميل ومبهج.
صدر الكتاب الأول لمشروع تكوين للكتابة الابداعية بعنوان “لماذا نكتب؟” لميريديث ماران وأنا سعيدة جداً لأنني ساهمت بما استطعت في ترجمة محتواه، أنا وعدد من الزملاء والزميلات من الوطن العربي. سعيدة لتكوين المشروع الرائع وشاكرة للكاتبة والروائية بثينة العيسى على دعوتها للمشاركة وإتاحتها لهذه الفرصة الممتعة. تفاصيل الخبر في جريدة آراء الإلكترونية هنا.
الغرب: قصة إبادة.
شاهدت مؤخراً وثائقي ضخم يحكي قصة الغرب الأمريكي. لا أستطيع الجزم بالنسبة الحقيقية لمعرفتي حول تاريخ تلك المنطقة والتحولات التي شهدتها، سأقول على سبيل التقريب 20% مقابل ما تعلمته وتعرفت عليه بعد مشاهدة هذا الوثائقي. حاول منتجو العمل تناول الحكاية بصورة موضوعية، وأقول أنّ القصة الحقيقية أكثر فظاعة مما سترونه. نحنُ نعرف جيداً وحشية الرجل الأبيض تجاه الأراضي الجديدة التي وصلها، وكيف تأسست الحضارات الحديثة والدول العظمى على عظام الشعوب الأصلية المطحونة. ستشاهدون أكثر من ذلك.
وثائقي “الغرب” لكين بيرنز وستيفن إيفز عُرض للمرة الأولى في سبتمبر 1996م ، عُرض بشكل متسلسل مجموعة من الوسائط المتعددة – صور وروايات وتسجيلات أرشيفية – بالإضافة إلى كنز من المعلومات والروابط على الموقع الرسمي له (هنا).
قُسّمت أجزاء الوثائقي إلى ثمانية حلقات مقسمة على فترات زمنية، تتفاوت القصص فيها وينتقل الراوي بينها بحسب تطور الأحداث.
الجزء الأول: الشعب (حتى عام 1806م)
يستعرض التركيبة السكانية لأمريكا والمناطق الغربية خاصة قبل وصول المهاجرين. يستعرض المستوطنات والمستعمرات المنتشرة على شواطئ المحيطين الأطلسي والهادي. وهناك تفاصيل عن أساطير ورؤى السكان الأصليين.
الجزء الثاني: إمبراطورية على الطرق (1806-1848م)
انطلاق الرحلات إلى الغرب واقتحام المجهول. في هذا الجزء قصص المستكشفين والمغامرين الذين مهدوا لضمّ المناطق الغربية للولايات المتحدة الأمريكية. في نفس الحلقة استعراض للمناطق الجغرافية وصعوبة طبيعتها. والحديث عن جماعة المورمن الأولى واستقرارهم في ما يعرف اليوم بولاية يوتا.
الجزء الثالث: ذرّة من المستقبل (1848-1856م)
تروي الحلقة الثالثة تفاصيل حمّى الذهب في الغرب وقصص المدن التي بدأت بالنمو والاتساع تبعا لذلك. حكايات التجار والمنتفعين الأوائل والجشع الإنساني الذي تحمل وصمته أمريكا اليوم. ثم تتحدث الحلقة عن العمال المهاجرين واستغلالهم. وسط كل ذلك وفي كلّ حلقة من حلقات السلسلة ستجدون أنّ العمود الفقري لهذه الحكاية “الإبادة” التدريجية للسكان الأصليين – الهنود الحمر- وهم الأحقّ بثروات هذه الأرض والعيش فيها بسلام.
الجزء الرابع: موت يشعل الشغب (1856-1868م)
وسط فوضى الغرب والحملات التي اقتحمته، انطلقت شرارة الحرب الأهلية الأمريكية. معارك بين مؤيدي العبودية ومن يحارب لإسقاطها. في الحلقة أيضا حديث عن الفوضوية وهجماتها. هناك أيضا شهادة للكاتب مارك توين –صموئيل كليمنز- ومراسلاته الصحفية والشخصية. هناك جزء مهمّ ومؤثر في الحلقة بعنوان “من المتوحش؟” سؤال مهمّ لأمريكا يبحث عن إجابة حول المذابح التي سجلها التاريخ – وغفل عنها- ضد السكان الأصليين.
الجزء الخامس: أعظم المشاريع في ظل الرب (1868-1874م)
سكك الحديد التي ربطت بين الشرق والغرب وهجمات الهنود لاستعادة أراضيهم المنهوبة. وفيها حديث عن مشكلات المورمن ومحاصرة الحكومة لهم من أجل معتقداتهم الدينية. في الحلقة التفاته إلى حيوان الجاموس -البافلو الأمريكي- وحملات الصيد والقتل التي حولته إلى حيوان شبه منقرض خلال عدة سنوات. ثمّ الانتقال إلى رعاة البقر والطرق التي سلكوها مع قطعانهم تبعاً لانتعاش تجارة لحوم البقر. ختام الحلقة يعود بنا إلى مأساة الجاموس وكونها “جرح في القلب”. قلب الأرض وقلب السكان الأصليين الذين استهدفوا بطريقة غير مباشرة عندما أبيد الحيوان الذي اعتمدوا عليه في العيش والدفء والحماية.
الجزء السادس: توقف القتال إلى الأبد (1874-1877م)
نقلت القطارات الملايين من المهاجرين الجدد للبلاد وتوجه جزء كبير منهم إلى الغرب. لكن المقاومة التي أظهرها الكثير من السكان الأصليين باقية. يرفضون التغيير والخضوع والاندماج القسري. تُختم الحلقة بشهادة من الزعيم جوزيف –أحد زعماء الهنود- “الكلمات الطيبة لا تعيش طويلا، ولا تعيد قتلانا ولا وطننا الذي احتله البيض.. ” يتحدث بكل حرقة عن الاتفاقيات الواهية والوعود الكاذبة للسياسة الأمريكية.
الجزء السابع: جغرافية الأمل (1877-1887م)
أحكمت أمريكا قبضتها على الغرب في 1877م. الآن مقابل كل هندي أحمر أربعين رجل أبيض. نصف مليون مستوطن جديد وصلوا إلى الغرب في عام واحد. الهاربون من العبودية والأوروبيون المهاجرون وكلّ من يبحث عن بداية جديدة. السكان الأصليون وبضغط من الحكومة اجبروا على التخلي عن لباسهم ولغتهم وعبادتهم وحتى أسمائهم الأصلية. الصينيون الذين حفروا الجبال ومهدوا الطرق لسكة الحديد وأسسوا مدن الغرب غير مرحب بهم الآن. المكسيكيون-الأمريكيون غمرتهم الهجرات الضخمة وأخلّت بتوازن حياتهم الوادعة في كاليفورنيا وما حولها. سيتعلّم الأمريكيون بالطريقة الصعبة أن الغرب غير قابل للترويض.
الجزء الثامن: سماء واحدة فوقنا (1877-1914م)
حلقة تلخص كلّ شيء. تدق المسمار الأخير في نعش الطبيعة المخترقة والمخربة. في نعش الإبادة العظيمة للسكان الأصليين وتغيير الحياة في أمريكا للأبد. فيها قصص المناجم وأغنى أرض في العالم، ومذبحة Wounded Knee. فيها تحدي الإنسان لظروفه الصعبة ومقاومتها. هناك جانب طيب ومسالم لكلّ ما حدث، ربما لأننا الآن نعرف طاقات البشر وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل.
ليست هناك طريقة مثالية لمشاهدة الوثائقي، لا تشغلوا أنفسكم بكتابة الملاحظات أو تسجيل التواريخ والأسماء، الموقع الرسمي يحتوي على النصّ الخاص بالحلقات مع صور وروابط وأرشيف مذهل. الشيء الوحيد الذي يؤسفني فعلا أنه لم يترجم بعد – على الأقل على حد علمي- ولكنّه بطريقة عجائبية حرضني على قراءات ومشاهدات إضافية وربما زيارات لمتاحف تاريخية تبحث في الموضوع. الوثائقي موجود على يوتوب لكنني قمت بتحميله بالتورنت للمشاهدة بلا انتظار وانقطاعات. روابط الحلقات: ١،٢،٣،٤،٥،٦،٧،٨
سبق وشاهدت سلسلة أنتجها ستيفن سبيلبرغ عن الغرب “Into The West” درامية أكثر من كونها وثائقية لكنّها بنيت بالطبع على أسس حقيقية. كتبت عن السلسلة تدوينة هنا بعنوان “هل يشفى الجرح؟“. هناك أيضا بعض المسلسلات التي تمرّ على تلك الفترة وتذكر بها مثل “Hell On Wheels” الذي يتحدث عن إنشاء سكة حديد الباسيفيك. وفي رواية “ابنة الحظ” لإيزابيل آييندي صورة لسان فرانسيسكو الوليدة.
أين أذهب من هنا؟
سأقرأ كتاب هوارد زن “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية” و كتب منير العكش “أمريكا والإبادات الجماعية” و “أمريكا والإبادات الثقافية“. هناك أيضاً فيلم من إنتاج HBO بعنوان “Bury My Heart In Wounded Knee” وإذا زرت نيويورك أو واشنطن مستقبلاً ، هناك المتحف الوطني للهنود الأمريكيين. وقد أبحث عن وثائق ومشاهدات أخرى حول الفترة التاريخية وأشارككم بها يوما ما.
قصص ماركيز الضائعة وقهوة فيتنامية
قبل بداية العام الجديد ملأت قارئي الإلكتروني بمجموعة كبيرة –كبيرة جداً- من الكتب الإلكترونية، ابتعت بعضها والبعض الآخر حمّلته من مدونات وبواسطة التورنت، والمجال لا يتسع للحديث عن رأيي في الحصول على الكتب المقرصنة على الإنترنت، لكنني سأفعل على الأقل في هذه التدوينة. تحدثت قبل عدة أشهر مع مكتباتيّ نيويوركي عظيم وأسعدني أننا نلتقي على أرضية مشتركة في هذا الموضوع، ليس لأنني لا أملك رأياً، بل لكي أشعر براحة وتأييد. الفكرة تقول: بأنني صرفت خلال حياتي القرائية ما يكفي لتغطية جشع دور النشر في العالم، وأن حصولي على الكتب بطريقة مجانية لا يعني بأنني توقفت عن دفع المال لشراء الكتب. وهذا ينطبق بالتأكيد على الموسيقى والأفلام والبرامج الوثائقية التي نسلك كل الطرق الملتوية للوصول إليها. هل كان ذنبي بأنني ولدت في هذا النصف من الكرة الأرضية؟ وأن رفاقي في النصف الآخر سيتمكنون من مشاهدة وقراءة الكتب بدفع مبالغ رمزية لا تُذكر بينما أحرم من ذلك بسبب الامتناع عن الهدايا المجانية في الإنترنت؟ إنّها هداياهم لنا، يسجلون ويعيدون النسخ ويرسلون إلينا وردّ الهدايا يزعجني كثيراً.
أعود للكتب التي ملأت بها جهازي وكان من بينها كتاب “قصص ضائعة” لغابرييل غارسيا ماركيز، كتاب خفيف يقع في مئة صفحة تقريباً، كُتب على غلافه الخلفي:
“لستُ أدري إذا كانت توجد. ولا بد من وجودها، كتب تجمع مثل هذه القصص التي تتكرر في جميع أنحاء العالم، والتي يؤكد رواتها أنهم كانوا شهود عيان على وقائعها. وهذا يعني: إما أن الرواة يكذبون، وهو أمر محتمل، وإما أن تلك القصص تحدث فعلاً بشكل متشابه في أوساط ثقافية متباينة، وأزمنة مختلفة”
القصص التي يعنيها ماركيز ويبدأ بها كتابه الممتع جداً، هي الأساطير المحلية والقصص التي يرويها الناس والأصدقاء في مناسبات عدة وينسبونها لأشخاص مختلفين في دول مختلفة. ولكن، لا أحد يعرف أين بدأت بالفعل. قصص مثل سيدة تركب السيارة بصحبة مجموعة من الأشخاص، وبعد قطع مسافة من الطريق تختفي بعد تحذيرهم من منعطف خطر. قصة أخرى عن سيدة لا تتناول الطعام الكافي في منزلها وتثير ريبة زوجها الذي يكتشف بأنها تخرج لتناول الطعام في المقابر وتعيش على جثث الموتى. يروي ماركيز قصة غرائبية حدثت معه على الطريق من برشلونة إلى بيربينيان ومعه زوجته مرسيدس وطفلاه. كان يسير بسرعة مئة كيلومتر في الساعة حين راوده فجأة إلهام لا تفسير له يدعوه لتخفيف السرعة قبل أن يصل إلى المنعطف. وتجاوزته السيارات التي كانت وراءه ولا يمكنه نسيانها: شاحنة صغيرة بيضاء، وفولكس واجن حمراء، وفيات زرقاء. ما زال يذكر الشعر المجعد الأشقر للهولندية التي كانت تقود الشاحنة الصغيرة. وبعد أن تجاوزتهم السيارات الثلاث في نظام كامل، اختفت عن أعينهم في المنعطف، لكن ما لبثوا أن التقوا بها بعد لحظة، وقد اختلطت ببعضها في ركام من الخردة المدخنة مصطدمة بشاحنة ضخمة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس.
ماركيز حكّاء مدهش، وكلما سنحت لي الفرصة أعلن بثقة أنني أحبّ أعماله الواقعية –مقالات وسيرة وخطابات- أكثر من رواياته وقصصه، وأعود لأفكر: إنّه يبني الكثير من قصصه على حياته الواقعية وربما كان هذا المكوّن السحري السرّ في تعلق محبيه به.
يتحدث في قصصه الضائعة عن أمور شتّى ويستطرد – وأنا أحب الاستطراد- للتحدث عن التاريخ ومؤلفات وكتاب وسياسيين. أيضاً وردت تفاصيل مهمّة عن تبّني روايته “مئة عام من العزلة” سينمائياً وستجدون ذلك تحت العنوان “إحدى حماقات أنطوني كوين”. ويتحدث عن جائزة نوبل ونظرياته الشخصية حولها وحول ارتباطها بوفاة من يحصل عليها –طبعاً هنا يورد أسطورة شهيرة قد لا يؤمن بها بالضرورة-، لفت انتباهي هذا الجزء وكنت أفكر فيه وهل كان يتوقع حصوله عليها قبل كتابته؟
في عدة ساعات سيحملكم ماركيز على بساط الريح –أو الكونكورد- متنقلاً من قصة لأخرى، من الشيخوخة لهفوات البرامج التعليمية، لأخطار التدخين ويختم الكتاب بعنوان مدهش وقصة لافتة “الزوجات السعيدات ينتحرن في السادسة”. إنه رجل بألف وجه، وألف ذاكرة. القراءة له تنعش شهّيتي وتعيد ألوان الحياة ودفئها في روحي، صدقاً لم أجد كاتب يوازي مكانته في نفسي، مع أنني أبحث وافتح ذهني واستعدّ.
من جهة أخرى، شاهدت بالأمس وثائقي سيعجبكم –على افتراض إن كل توصياتي الوثائقية تعجبكم- وثائقي عن طريق القهوة. ولكن هذه المرّة يعرض الوثائقي قصة القهوة الفيتنامية بالتحديد. كنت دائما أفكر في أمريكا الجنوبية، أفريقيا، واليمن وإندونيسيا عندما أفكّر في القهوة. لكن فيتنام، لا. في الوثائقي يذهب سيمون ريف إلى فيتنام لتتبع القهوة من الشجرة إلى الكوب. يريد سيمون إيجاد أصل 500 مليون كوب قهوة أسبوعي في إنجلترا! في الوثائقي إحصائيات ومقابلات وحقائق جميلة ومحزنة.
مخرج ماركيزي
“أحبّ الحديث عن ابنيّ، لأنهما مثل أمهما: واثقان من نفسيهما وذكيان وجديان. وأحب الحديث عن قرحتي الاثني عشرية، التي لا تستكين إلا عندما أكتب، لأن الأصدقاء لم يوجدوا لمشاركة أحدنا حياته الطيبة فقط، وإنما للتخوزق معه كذلك”