الخميس أخيرًا!

 

أيقظني المنبّه، وفي الأيام التي استيقظ على صوته أعرف أني بحاجة للمزيد من النوم. عادة استيقظ قبل المنبه بعدة دقائق وأحيانًا بنصف ساعة. أحب هذه اللحظات التي كأن يومي يتمدد معها. أنا والمنبّه في سباق. بقيت لساعة متأخرة ليلة البارحة بسبب وجبة تناولتها وانزعاج طفيف في معدتي. فكّرت في شيء يساعدني على البقاء يقظه لأرى مفعول الدواء. بحثت في قائمة المسلسلات وتذكرت مسلسل The Gilded Age  الذي لم أكمله. فضولي يقول أكملي وبحثت عنه وبدأت الموسم الثاني منه. لم يكن ذهني قادرًا على تفكيك الكلمات فاستبعدت السهر على القراءة، أو الكتابة.

نهضت بصعوبة وذكّرت نفسي أنه الخميس، وفي طريقي للعمل سأمرّ بمقهى مفضل يحضرون فيه قهوة باردة بالحليب كما أحبّها.

هذا اليوم مليء بالهدايا اللطيفة، إفطار مجاني في الكافتيريا بعد أن وضعت في طبقي الخبز المحمص واللبنة والخضروات قال الموظف: هابي ثيرزداي! قلت له نعم هو كذلك، ومددت هاتفي للدفع. وقال: لا الإفطار مجاني! جميل جدًا. حتى الغداء كان مجاني اليوم ولا أعلم ما السبب.

الخميس يشبه نفسه اليوم. خفيف ومنظم والكلّ يشعر بالخفة. وأنا؟ انتظر نهاية الأسبوع بحماس لتجربة عدة الرسم التي وصلت في البريد. كراسات بأحجام مختلفة وأقلام تلوين وتخطيط. بالإضافة للقراءة بنهم واستمرار كان الرسم سمة ملازمة لطفولتي ومراهقتي. أذكر الفترة التي توقفت فيها عن الرسم تمامًا: سنة الجامعة الأولى. وفقدت كل مهاراتي البسيطة والمعقدة. الآن أنوي التعلم من جديد. السبب في استعادة هذه الهواية: اختبار قدرتي ومرونتي على تلقي المعلومات المختلفة والاحتفاظ بها، ومن جهة أخرى تنويع المشاريع الإبداعية في وقت فراغي.

حاولت ذات مرّة العودة للرسم بعد نصيحة قرأتها لهنري ميلر يقترح فيها تجربة منفذ إبداعي آخر عندما ترهقك الحبسة. لا تستطيع الكتابة؟ جرّب الرسم. لا تستطيع الرسم؟ جرب التصوير، وهكذا. بدأت برسومات طفولية مضحكة تسجل تفاصيل أيامي وتوقفت. الصورة في التدوينة هذه واحدة من رسومات ميلر، ربّما كان يعاني من حبسة كتابية دفعته ليكتب بالألوان.

وأنا أفكر في موضوع الحبسة تذكرت تدوينة قديمة تحدثت فيها عن تجربة كاتب في التدوين اليومي (أو الكتابة عمومًا). بحثت بالعبارة المفتاحية ووصلت إليها:

«قرأت مقالة ملهمة للكاتب جيمي تود روبين الذي كتب يومياً بلا انقطاع لـ 373 يوماً، يسرد في المقالة تفاصيل تجربته وكيف استطاع المحافظة على هذه الدافعية والحماس، بكلمات أخرى: كيف صنع له روتين كتابي. وكان من بين ما ذكره هو تخطيطه المسبق ليومه وإذا كان يعلم بانشغاله خلال يوم ما، فإنه يجلس للكتابة في الصباح الباكر ولو لعدة دقائق، وهذا يساعد على تدفق حبره كل يوم. ملاحظة أخرى ذكرها أيضاً، إذا انحرف يومه عن مساره وتغيرت خططه، يحدث نفسه: عشر دقائق فقط! ويجلس للكتابة خلالها، فهو يكتب عادة 250 كلمة خلال هذه المدة، وعندما يكتب ينجز صفحة واحدة، صفحة واحدة لا يمكن تجاهلها فهي إضافة لما كتبه في اليوم السابق. النقطة الثالثة والأخيرة والتي تهمني بشكل أكبر، عندما يتعرض لحبسة الكاتب. صحيح تستطيع المحافظة على روتين كتابة يومي لكن ماذا يحدث إذا لم تجد ما تكتبه لمواصلة العمل على موضوعك؟ يشبه جيمي الموضوع بإخفاء الأوراق النقدية في جيوب محفظتك أو في مكان آخر لتفاجأ عندما تجدها وتستفيد منها عند الحاجة. عندما يصاب بالحبسة في موضوع معين، يعود لمواضيع أخرى وقصص خبئها لحين يجد الوقت لكتابتها، ويبحث فيها ويكتب. في نهاية اليوم سيكون منتجاً ويستعيد حماسته للكتابة من جديد.»

بعيدًا عن الحبسة، انتظرت هذا المساء طويلًا، سأتوقف عن الكتابة الآن وأتابع وثائقي جديد عن اليزابيث تايلور Elizabeth Taylor: The Lost Tapes.

.

.

.

السبت – ١٣ نوفمبر

وجدت على مكتبي صباح اليوم عدة أوراق من دفتر ملاحظات تحمل عنوان فندق زرته الشهر الماضي. كتبت في رأسها حصيلة أكتوبر كانت لتكون بذرة تدوينة أنشرها قبل أسبوعين ولم يحدث ذلك. حبسة الكتابة -والتعبير- تزورني مجددًا يبدو أنها مثل عدوى سنوية تأتي في موسم ثابت. صديقتي تقول ربما هذه المشاعر التي يسمونها ب birthday blues أو الحزن المصاحب لأعياد الميلاد. لم أشعر أبدا بالحزن في ذكرى يوم ميلادي حتى في تلك المرات التي حلّ فيها وأنا وحيدة وبعيدة.

هناك شعور بالتباطؤ وأنا اتجه لنهاية العام ما الذي يمكنني فعله في الأيام القليلة القادمة قبل أن تبدأ السنة الجديدة؟ إعادة تهيئة؟ كتابة قائمة أهداف مختلفة؟ أو الجلوس والانتظار؟ قدمت طلب إجازة للتخفف من الأيام الكثيرة التي جمعتها خلال عام الجائحة والتي لا يمكنني ترحيلها للمرة الثانية. تزامنت الاجازة مع بدء دورة للكتابة عن الفنّ أقامتها دار سوذبيز للمزادات بالتعاون مع معهد مسك للفنون في الرياض. كانت خمسة أيام منهكة وممتعة في نفس الوقت تعلمت فيها مزيج من المهارات الجديدة والقديمة لكن أكثر ما أسعدني هو التعرف على مجموعة من المتحمسين للكتابة والفنّ معًا. البعض جمعتني بهم منصات التواصل الاجتماعي أو ورش عمل قدمتها سابقا أو علاقات مهنية مشتركة.

انتهت الدورة يوم الخميس الماضي وحملت معي منا قصص جديدة ونظرة مختلفة. أما الكتابة التي خاصمتني لأسابيع تدفقت تحت ضغط التمرين والمشاركة. عرفتُ أنها نافذتي الوحيدة عندما أقفل كل نوافذ التواصل والاكتشاف وستكون دائمًا الهدية التي أشكر الله عليها كلّ حين.

ماذا عن أوراق الملاحظات التي حملتها معي؟ كتبت فيها نقاط سريعة وتأملات أنشرها هنا بلا تنقيح:

  • الجمعة ٨ أكتوبر، الميلاد والحفلة وحضور فيلم جيمس بوند الجديد وطقم الملابس المريح الذي اقتنيته ليذكرني باليوم. طلبت من أخواتي الكعكة التي أريدها بالتحديد: كعكة ميلاد تشبه كعكات السوبرماركت التي كان والديّ يشتريانها في الثمانينات احتفالًا بنا. أردت احتفالية بسيطة وغرقت في باقات الورود والأمنيات الطيبة والهدايا غير المتوقعة!
  • زرت مكة المكرمة وأديت العمرة في الأسبوع الثالث من أكتوبر. كانت هذه الرحلة برفقة والدتي التي شاركتني الانفصال عن كلّ شيء والتوقف وغسل أرواحنا. سأحتفظ بذكرى هذه الليالي حتى أعود إليها مجددًا. ولن أنسى اللحظة التي وضعت فيها جبيني على سجاد المسجد لتغمرني رائحة الورد وتمدني بالسكينة التي احتجتها لسنوات. قرأ الامام في صلاة المغرب حتى وصل «لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها» ووقعت في قلبي تمامًا.
  • نهاية الشهر زرت المنطقة الشرقية لحضور افتتاح موسم تنوين الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء». وصلتني دعوة الحضور بصفتي مدونة وحضرت مع مجموعة من العاملين في المجال الإعلامي. يمكنني ملاحظة الاختلاف بين المدارس التي ننتمي إليها. أنا جئت من مدرسة التدوين -إذا كان هناك شيء بهذا الاسم- وأشارك تجاربي وقصصي الشخصية في قالب مختلف جدًا عن الصحف والمجلات وقنوات التلفزيون والراديو. تعرفت على زميلات جدد وتبادلنا الأحاديث الممتعة خلال ساعات تنقلنا وحضورنا المؤتمر. كانت الرحلة هذه فرصة للقاء الأصدقاء بعد غياب امتد لسنة أو أكثر.

قراءات: انهيت قراءة رواية عمر طاهر «كحل وحبهان» ممتعة ولذيذة جدًا! وقرأت كتاب آخر عن أدب الرواية والكتابة غير الواقعية fiction بشكل عام للمؤلفة Alice McDermott بعنوان: What About the Baby? الكتاب يستعرض تقنيات متنوعة ويطرح أمثلة للتأمل والتحليل.

مشاهدات: وثائقي «دماء على نهر السين – بين فرنسا والجزائر» يحكي قصة أحداث مجزرة باريس عام 1961 التي نفذتها الشرطة الفرنسية ضد مئات المدنيين الجزائريين العزل.

.

.

.

الاثنين – ٦ سبتمبر

توقفت الكهرباء عن العمل لحوالي الساعة وفي نفس اللحظة التي غمرني الهدوء فيها تذكرت أنني أجلس على مكتبي لأكثر من ثلاث ساعات الآن واحتاج لفاصل راحة. توجهت للمكتبة واخترت كتاب لجوليا كاميرونThe Listening Path الذي بنته على كتابها الأشهر The Artist’s Way ويركز بشكل كبير على الاستماع. بدأت بقراءة المقدمة وخلال ٤٥ دقيقة فصلت نفسي تمامًا من مكتبي ومهامّي. عادت الكهرباء للعمل وعادت معها شبكة الانترنت وجهازي وتوقفت عن هذا الفاصل المنعش لأتابع مهامي.

كلّ يوم أعمل فيه من المنزل تسعدني هذه الفكرة، فكرة الفاصل الذي اقتنصه من اليوم لاكتشاف فيديو قصير أو قراءة فصل من كتاب أو اجراء مكالمة أو الرد على بريد. لم يكن هذا سهلا حتى قررت ذات يوم الجلوس لكتابة قائمة بالأشياء التي أحبّ تضمينها في يومي متى ما كان الوقت مناسبًا ولم أحدد الوقت كي اسمح بجمع أكبر عدد من الأنشطة.

كانت المفاجأة عندما أدركت أن الوقت الذي احتاجه لكثير من هذه الأشياء لا يتجاوز الساعة. اليوم مثلا مع انقطاع الكهرباء قرأت قليلا في كتاب لطيف، وفي يوم آخر استغل الوقت الذي اتركه بين المهام لقراءة مقال معلّق في المفضلة أو تصفح انستقرام قليلا.

ليلة البارحة كانت صعبة جدًا.

استيقظت صباح الأحد على وعكة هضمية شديدة اختبرت معها صبري. قضيت ساعات النهار نصف واعية لا اقوى على تناول شيء وأحاول عقد هدنة مع معدتي برشفات الماء. لم اعتذر عن مهام العمل ربما لأنني ظننت أن العمل ممكنًا. فوتت اختبار مهمّ والآن سأعيد جدولته. يوم أمس كان في بعد آخر هذا ما شعرت به لحظة وضعت رأسي على الوسادة قبل العاشرة مساءً. خفيفة بمعدة خاوية تمامًا ورأس خالٍ من الأحلام.  

لكثرة ما اصطدم مع معدتي الحساسة جدا على مدى السنوات الماضية أصبحت أعرف البروتوكول الصحيح لعلاجها. مرة يكون الأمر مجرد التهاب خفيف سببه القلق، ومرة أخرى يغضب قولوني العصبي ويعلن الاضراب، ومرات أخرى اتناول طعامًا سيئًا في مكان ظننت أنه يقدم الأجود من كلّ شيء.

الحلّ السريع في حمية BRAT وعناصرها (الموز والأرز الأبيض المسلوق، وصلصة التفاح والخبز) وأضفت لها الزبادي قليل الدسم.

عندما أعمل من المنزل احتاج إلى خلفية صوتية، واختار عادة برامج وثائقية لا تتطلب الكثير من التركيز وكبديل عن نشرات الاخبار التي ادمنت سابقًا صوتها. إذا كنت أعمل على ملفات أو بحث باللغة الإنجليزية اختار مشاهدة أو الاستماع إلى برامج عربية، والعكس عندما يكون العمل على مستندات عربية. يعمل دماغي بطريقة غريبة! وعندما يكون العمل على مراجعة ملفات باللغتين كمقارنة ترجمة أو تصويبها استمع للموسيقى الكلاسيكية حتى لا تشتتني أي من اللغتين.

الأيام الماضية صحبتني سلسلة «محطات موسيقية» من الجزيرة الوثائقية، واكتشفت معها أصوات وألوان موسيقية عربية مختلفة.

وبما أنني بدأت الحديث عن الوثائقيات بدأت مساء البارحة مشاهدة السلسلة الوثائقية The Boleyns: A Scandalous Family من انتاج BBC. الذي يعرفني جيدًا يعرف ولعي الشديد بقصة آن بولين والاحداث التاريخية التي تلت زواجها من هنري الثامن، وصعودها ونهايتها المفجعة.

افرغت خزانتي نهاية الأسبوع الماضي، أتوقع مجموع ما اخرجته يصل إلى ٧٥٪ من حجمها السابق. كانت عدة ساعات مليئة بالأسئلة والغضب: لماذا اشتريت هذه القطع؟ ما الذي كان يدور في بالي؟ من يعيد لي كل هذه المبالغ؟ كنت اضحك قليلًا وبعد لحظات يغمرني التأثر والقنوط. ما هي القصات المناسبة لي؟ ما هي الألوان والنقوش؟ كانت اختي موضي تعطيني التلميحات وتشير عليّ بأن أبقي هذه القطعة أو اتخلص منها. هذا الأمر كان مريح بالنسبة لي، أن اتخفف من مسؤولية التخلص من ملابسي عندما أفكر في قطعة منسية. الفكرة التي تسليني دائمًا خيارات التبرع بهذه الملابس وأنها ستجد بيت جديد ومحبّ.

تقول لي مرشدتي أن الثيمة الطاغية على حياتي حاليًا: التخفف وإعادة التأهيل. وأنا اتفق معها، ربما هو الاقتراب من ميلادي الموعد السنوي للتفكير في الحياة وكلّ شيء حولي؟ أو هو موسم الحصاد الذي أشعر به في خلاياي؟ كلها ممكنة ومناسبة لما أشعر به.

كيف كانت بداية أسبوعكم؟

.

.

أناناس

يحاول والدي منذ ثلاثة أيام إقناعي بتجربة ثمرة الأناناس التي اقتناها من أجلي. ولكنّني اتبع حدسي في الأكل لمدة، ويتكرر وقوفي في منتصف المطبخ، وفتح الثلاجة، والنظر للقطع اللامعة بعصيرها على شكل نصف دوائر مضلعة. أقفل الباب وأخرج فالمزاج يطلب شطيرة بيض وجبنة، أو مربى برتقال وجبنة، أو أفوكادو مهروس بالتوابل على خبزة محمصة. اليوم فقط قررت أنه وقت مناسب لتناول الأناناس، لاذعة، حلوة ومفاجأة. ومع قطعتين من الجبنة الدسمة كانت هي وجبة الغداء لليوم. يعبّر الآباء عن حبهم بطرق كثيرة وعن غضبهم وامتعاضهم وخيبتهم كذلك، وفي حالة والدي يفعلها بانتقاء الفواكه بيديه، أو زيارة المخبز المفضل، وحمل أكياس من الخبز الطازج، وشمع العسل، وآخر ابتكارات المحل من الزيتون والمربياتكيف تشكره على ذلك؟ تأكل وتأكل ثمّ تأكل. لقد كان شعوري بالذنب تجاه حماسه وتسوقه هو الدافع للأكل. وأحيان كثيرة لا أجوع ولا أرغب بتناول صنف معيّن، لكنني أثقل نفسي بالذنب، وأمد يدي، ملعقة من هنا وملعقة من هناك. وصوته يتردد: كلوا منه قبل أن يفسد! احتجت لوقت طويل حتى تخلصت من شعور الذنب المرتبط بالأكل، هذا الشعور بالتحديد مرتبط بمشاعر سيئة أخرى صنعت بيني وبين الغذاء رابطة غريبة ومضطربة.

كيف تحررت تدريجيًا؟

وجدت مكان جديد اسمه التغذية الحدسية (يمكنكم الاستماع لتجربتي معها في حلقة بودكسات قصاصات الأحدث) ومعه أصبحت أقوى في وضع الحدود حول ما أحبّ أكله وما استبعده. التغذية الحدسية تمنحك القوة للوقوف للحظات أمام الثلاجة، أو الطبق، أو حتى رفّ الأطعمة في السوبرماركت قبل الشراء. تفكر بوعي: هل احتاج هذا؟ هل شهيتي تجاهه قوية؟ وهل هو جيد وصحي على المدى البعيد أو سيسبب لي مشاكل وتحسس؟ الكثير من الأسئلة السريعة والأجوبة ضرورية قبل تمرير اللقمة الأولى إلى معدتك. تحررت تدريجيًا من عقدة تناول الطعام لمجرد أنه هنا، أو سيفسد، أو سينفدوالآن عندما يعلن والدي بعد رحلة تسوق أو زيارة لمطعم أو مخبز عن مجموعة من اللذائذ، أشكره فورًا، أساعده في ترتيبها، واسأله هل يرغب بتناول شيء منها؟ ثمّ أؤكد له بأنّ أحدًا من أفراد العائلة سيستلذ بها خلال اليوم. وأنني حاليًا لا احتاجها أو سأعد منها طبقًا لاحقًا. هكذا إذا تمّ الأمر بهذه البساطة والوضوح، لأنّ أحدًا لن يعرف ما الذي تفكر به أو تحسه حتى تعبّر عنه.

العودة إلى ٢٠٠٩

بعد التدوينة السابقة وحالة الإحباط وانعدام الحماس التي غمرتني، بدأت البحث في نفسي وعدت لمذكرات سابقة وأحوال مشابهة لم يكن البحث سهلًا بالتأكيدلكنني قرأت وقرأت. وكانت رحلة ممتعة بالرغم من اضطراري لقراءة الجيد والسيء من الذكريات. الشيء الذي رددته بيني وبين نفسي: ما هي الفترة التي أحببتها من حياتك؟ وإذا أمكن حصرها في سنة واحدة أو سنتين فأي أعوامك الماضية ستكون؟ الفكرة هي: أريد مراجعة تلك السنة، عاداتي، اهتماماتي، علاقاتي، استهلاكي، قراءاتي. كل شيء يمكنني البحث فيه وإعادة إنعاشه اليوم سيكون مفيدًا. ووقع الاختيار على الفترة بين (سبتمبر ٢٠٠٨ويناير ٢٠١٠) تلك الأشهر مرّت وكأنها حلم، أو رحلة ممتعة. كانت مغامرة اكتشاف للذات من النوع الممتاز. كنت أكثر اهتمامًا بنفسي من ناحية تنظيم الوقت والعمل. ومن جهة أخرى كنت مرحّبة أكثر بالعلاقات الجديدة، والتعارف، واكتشاف المدينة من وجهات نظر مختلفةاليوم ذهبت للسوق بعد انقطاع طويل، ليس بسبب كورونا بل بسبب انعدام الحاجة لزيارة مجمعات التسوق لغرض غير زيارة مطعم، أو حضور فيلم في السينما. منظر الكمامات على الوجوه، وحرارة الجوّ، والتوجّس من اقتراب أحدٍ منك. رواية رعب غرائبية. قررت شراء قطع ملابس جديدة من تخفيضات مغرية، وعدت لشراء عطر حياتي الأول بعد انقطاع حوالي ١٢ سنة اكتشفت خلالها الكثير من العطور المميزة، التي استيقظت صباح أحد الأيام الماضية ونفرت منها جميعها.

أعود لهيفا ٢٠٠٩، تقرأ كثيرًا، وتنصت، وتبادر بلا تردد.

مختارات لطيفة لمنتصف يوليو

  • جربت مطعم Treehouse في العاصمة يعتمد نظام Farm-to-table الذي أحبّه في كل مكان ولا أجد له شبيه بكثرة لدينا. 
  • استخدم منتجات R.E.N للبشرة وخصوصًا كريم النهار، أحبّ تركيبتها اللطيفة للبشرة الحساسة، ونظافتها مقارنة بالمنتجات الأخرى، أيضًا أحببت تسعيرة المنتجات المناسبة جدًا، وتوفره عبر موقع iherb.
  • شاهدت سلسلة وثائقية ممتعة An American Aristocrat’s Guide To Great Estates، هذه السلسة تتبع سيدة أمريكية أصبحت جزء من عائلة ارستقراطية إنجليزية وتدير قصر العائلة وحدائقه. جولي بدورها تزور أقدم وأعرق القصور والقلاع التي ما زالت تحت إدارة الأُسر الأرستقراطية الإنجليزية، وتتعلم منهم كيفية إدارة هذه الممتلكات وكيف تبقي على مجدها السابق.
  • زرت مقهى/مطعم Moonshell في الرياض، أحببت المكان جدًا، وتخصصه بالأطباق والمشروبات النباتية الصرفة جديد عليّ. خلال النهار اشتدت الحرارة في المكان وفكرت بأنني سأزوره المرة القادمة مساءً، أو عندما يصبح الطقس أفضل وأكثر اعتدالا.
  • ضبطت وصفة المحمّرة طبق المقبلات المفضل لديوأصبحت أعدها بكمية إضافية، وأحمل منها علب للأصدقاء.

.

.

.

 

١٢-١٩ أبريل

١

خلال الأسبوع الماضي شغلتني فكرة صغيرة. وامتدت منها تأملات طويلة واسئلة لمن حولي. هل تذكر أول نجّار عرفته في حياتك؟ أذكر إنه جدّ هايدي (الشيخ باللحية البيضاء في مسلسل الرسوم المتحركة). جدّ هايدي أول نجار عرفته في حياتي، تذكرت المشهد وهم يسكنون القرية عندما ينزلون من الجبل في موسم الثلوج والبرد. نشارة الخشب، والقطعة التي تحولت بين يديه إلى غزال، ومكعبات للعبومن تلك المشاهد انطلقت في رحلة عبر الذاكرة. أول مرة أعرف أن الجبنة تذوب مع الحرارة على رغيف الخبز، أول أصدقاء عرفتهم (هايدي وبيتر)، كيف هي فصول السنة؟ ما معنى انهيار ثلجي؟ السفر بالقطار، والخدم، جبال الألب، والعنزات الجبلية والنوافير. هذه الصور الأولى التي تلتقطها الذاكرة وتصبح مثل قالب نتوقع من خلاله الأشياء. أدعوكم في التفكير في الصور الأولى لحياتكم، وكيف أصبحت مرجعًا للأيام اللاحقة فيها.

٢

قضيت ساعات النهار والعمل خلال الأسبوع الماضي في غرفة الجلوس. نشاهد حلقات متتابعة من برامج الألغاز البوليسية وحلّ الجرائم المجهولة. استخدم كل مهارات التفكير والتحليل واتسابق مع المحققين للوصول لإجابة. غالبًا تحليلي صحيح، وفي بعض الأحيان تفاجئني سذاجتي في إغفال تفصيل مهمّ!

٣

خلال الأسبوع الماضي أنهيت رواية أربطةلدومينيكو ستارنونه. كانت قراءتها مثل الامساك بالشوك، لم استطع إفلاتها من يدي، وانتهت وأنا منهكة بخليط من المشاعر. الرواية كُتبت بمهارة والترجمة ممتازة.

٤

أشعر بالحماس وتتجدد الحياة بداخلي كلما شاهدت وثائقي يروي سيرة حياة لمبدع، أيّا كان المجال الذي يعمل به. والأسبوع الماضي شاهدت وثائقيات سلسلة American Masters أحدهما عن الرسام الأمريكي أندرو وايث، والآخر عن الكاتبة الأمريكية لويزا ماي إلكوت (مؤلفة رواية نساء صغيرات). أعرف عنهما القليل جدًا، والأعمال الأشهر قد تظلم مسيرة حياة كاملة. ما تنظر إليه هو بمثابة قمة جبل صغيرة في البحر، والباقي يغيب تحت السطح.

٥

تعرّفت على مبدأ السيسو الفنلندي Sisu ويساعدهم على مواجهة المصاعب! يمكنكم القراءة عنه أكثر هنا:

٦

جربت تلميحة قرأت أن اليونانيين يستخدمونها لشواء بطاطا مقرمشة وشهية. النتيجة رائعةبعد غسل البطاطا وتقطيعها لمكعبات كبيرة (بوصة تقريبًا) أقلبها في تتبيلة بمقادير متساوية من: زيت الزيتون، عصير الليمون، مرقة الدجاج، وملح وفلفل. ومن ثم الشواء في فرن ساخن (حرارته ٤٥٠ فهرنهايت) لمدة ٤٥ دقيقة. أظن أن السرّ في الليمون ومذاق المرقة، وأظنّ أنني سأتبع الطريقة دائمًا.

.

.

.

*اللوحة أعلاه للرسام الأمريكي اندرو وايث