الحلقة الخامسة: بابلو بيكاسو

في العام 1911م انتقل بابلو بيكاسو من باتو لافوا – مجمّع من الاستديوهات بإيجار منخفض في مونمارت- إلى شقّة محترمة في كليشي بمونبارناس. وضعه الجديد توافق مع شهرته التي تنمو وأمنياته البعيدة بالتحول إلى برجوازي. يقول عنه جون ريتشاردسون كاتب سيرته الذاتية: “بعد الحرمان الذي وجده في طفولته والبساطة التي عاشها في أيامه الأولى بباريس، أراد بيكاسو العيش والعمل بلا قلق ماديّ، مثل رجل بسيط ولكن مع الكثير من المال”. احتل بيكاسو الاستديو الملحق بالشقة ومنع الجميع من الدخول إليه بلا إذن، وأحاط نفسه بأدوات الرّسم والألوان وأكداس القمامة. كانت الحيوانات الأليفة ترافقه من بينها كلب وثلاث قطط سيامية وقرد اسمه مونينا.

طوال حياته كان بيكاسو يستيقظ متأخراً وينام متأخراً، يقفل على نفسه الاستديو في الثانية بعد الظهر ولا يخرج قبل غروب الشمس. تقول عنه صديقته فرناند أنه لم يكن رفقة جيدة بعد نهاية يوم عمله، يخرج من الاستديو صامتاً ولا يتكلم كثيراً، قد تمرّ وجبة الطعام كاملة بلا كلمة واحدة. وقد يعزى مزاجه هذا للنظام الغذائي الذي كان يتبّعه لا يشرب سوى المياه المعدنية والحليب، ولا يأكل سوى الخضروات والسمك ومهلبية الأرز والعنب.

اقترحت عليه فرناند أن يخصص يوم الأحد للمنزل والعائلة، وهي فكرة استوحتها من غيرترود شتاين. هكذا تمكّن بيكاسو من تخصيص الوقت لزيارات الأصدقاء المعلّقة في ظهيرة واحدة. يقول ريتشاردسون أن بيكاسو كان يتأرجح بين الانعزال الاجتماعي وحبّ الصحبة ونادراً ما أصابه الملل بسبب الرسم.

يقول بيكاسو عن نفسه أنه لا يشعر بالدوار أو التعب بعد الوقوف لأربع ساعات أمام لوحة. لهذا السبب يعيش الرسامون طويلاً!

“عندما أعمل على لوحة اترك جسدي خارج الاستديو، كما يترك المسلمون أحذيتهم في الخارج قبل دخول المسجد”.

الحلقة الرابعة: هاروكي موراكامي


عندما يكتب هاروكي موراكامي رواية يستيقظ في الرابعة صباحاً ويعمل لخمس أو ستّ ساعات متواصلة. بعد الظهر يخرج للركض أو السباحة – أو كلاهما-، ينهي أعماله، يقرأ ويستمع للموسيقى. أما موعد نومه اليومي فيحلّ في التاسعة ليلاً. “التزم بهذا الروتين يومياً بلا تنويع” يقول موراكامي في لقاء مع باريس ريفيو 2004م “التكرار نفسه يصبح شيئاً مهماً، نمط علاجي، أعالج نفسي لأصل إلى حالة ذهنية أعمق”. يرى موراكامي أنّ الحفاظ على هذا الروتين الناجح لا يتطلّب جهداً ذهنيا وحسب، بل جهدا بدنيا كذلك. القوة الجسدية لدى موراكامي مهمّة كأهمية الحسّ الفنّي.

في العام 1981م، العام الذي كانت فيه بداية موراكامي الكتابية الفعلية بعد سنوات من إدارة نادي للجاز في طوكيو، لاحظ هاروكي أنّ نمط حياته يساهم في زيادة الوزن. موراكامي يقضي الساعات جالساً، يشرب الكحول، ويدخن حوالي 60 سيجارة يومياً. قرر حينها تغيير عاداته كلياً فانتقل مع زوجته إلى الضواحي واقلع عن التدخين وخفف من شرب الكحول. أما برنامجه الغذائي فتحول إلى نظام غنيّ بالخضروات والأسماك وحافظ على هذه التغييرات لحوالي ربع قرن!

الشيء السلبي الوحيد الذي وجده موراكامي في هذا النظام أنّه لا يسمح بحياة اجتماعية نشطة. “ينزعج الكثير من الناس عندما ارفض دعواتهم بشكل متكرر” كتب موراكامي في مقالة نُشرت في 2008م. لكنّه اكتشف علاقة ضرورية جداً مع قرّائه “سيرحب القراء بأي أسلوب حياة اختاره إذا كنت سأضمن لهم أنّ كلّ عمل اكتبه سيكون أفضل من السابق. أوليست هذه مهمتي الأولى كروائي؟”.

الحلقة الثالثة: هنري ماتيس


“استمتع بكلّ شيء، لذلك لا أصاب بالضجر أبداً” هنري ماتيس متحدثاً مع أحد ضيوفه 1941م خلال جولة في محترفه بجنوب فرنسا. أخذ ماتيس ضيفه في جولة حول مكان عمله. أراه أقفاص الطيور الاستوائية ومحمية النباتات بثمار اليقطين الضخمة والتماثيل الصينية الصغيرة، ثمّ جلس يحدثه عن طقوسه اليومية.

“هل تفهم لمَ لا أشعر بالضجر أبداً؟ خلال خمسين عاماً لم أتوقف عن العمل ولو للحظة. من التاسعة صباحاً وحتى الظهر، أجلس للمرة الأولى لوجبة الغداء وأتبعها بقيلولة ثم أحمل فراشي الرّسم في الثانية مساءا من جديد وحتى الليل. لن تصدقني! أيام الآحاد أبحث عن عذر جديد لعارضاتي كي أقنعهنّ بالبقاء حتى انتهي من عملي، وأنها المرة الأخيرة التي أجبرهنّ فيها على البقاء. ثم ادفع لهنّ ضعف الأجرة المقررة وإذا وجدت فيهنّ المزيد من التململ وفقدان الصبر اعدهن بأنني سأمنحهن يوم عطلة خلال الأسبوع. “ولكن يا سيّد ماتيس” تقول إحداهنّ “لقد مضى على هذا الوعد شهور ولم نحصل أبداً على يوم العطلة المنتظر” يا للمسكينات! إنّهن لا يفهمن وعلى أية حال لن أضحي بيوم الأحد لأنهنّ يردن البقاء مع أحبائهنّ”

الحلقة الثانية: فريدريك شوبان


خلال علاقته بالروائية الفرنسية جورج ساند – كانت لوسيل دوبان تستخدم هذا الاسم الحركي-كان فريدريك شوبان يقضي غالبية الصيف في منزلها الريفي في “نوهانت” وسط فرنسا. كان يحبّ المدن ويصبح ضجراً مزاجياً في الريف، لكن قلة الانقطاعات والملهيات ساعدته في تأليفه الموسيقي هناك. في كثير من الأيام يستيقظ متأخراً ويتناول فطوره في الفراش، ثم ينصرف للتأليف. يتخلل وقته فاصل يقضيه في تعليم سولانج ابنة الروائية العزف على البيانو. عند السادسة مساءا يجتمع المنزل لتناول العشاء الذي يقدم عادة في الخارج، يتبعه الموسيقى والاحاديث والترفية. بعد كلّ ذلك يذهب شوبان للنوم وتذهب ساند لطاولة الكتابة. في المنزل الريفي كانت مسؤوليات شوبان معدودة إلا أنّ عملية التأليف لم تكن بالمهمة السهلة. كتبت ساند عن عاداته:

“كانت إبداعاته عفوية وعجائبية. يجدها بلا بحث أو تتبع، تزوره فجأة. كاملة ورفيعة يغنّيها في رأسه وهو سائر فيفقد صبره ليعود للبدء ويبدأ العمل المضني. كان عمله مجموعة من المحاولات والتجارب حتى يصل للثيمة التي سمعها في رأسه. يحلل كثيراً ويدقق ويبحث ويكتب مرّة بعد مرّة وفشله في الوصول للصيغة المثالية كان يقوده لليأس. يغلق باب غرفته لأيام، يبكي، يمشي، يكسر أقلامه، يكرر العزف مئات المرات، يكتب ويعدّل. ذات مرّة قضى ستة أسابيع على صفحة واحدة وكتبها أخيراً بنفس الصيغة التي بدأ بها.”

رمضان مبارك

رمضان مبارك يا أصدقاء!

انتظر هذا الشهر سنوياً لما فيه من خير عظيم، لأنه انتباهة نفسي واستعدادها، وأجد فيه البداية الحقيقية للسنة. متى حصل ذلك؟ لا أتذكر لكننه جميل. هذه السّنة سأعتزل الشبكات الاجتماعية في تجربة لم استطع مواصلتها من قبل، لكن لكي استطيع التركيز على المشاريع التي خططت لها يجب أن اعتزل الشبكات الاجتماعية التي تلتهم وقتي.


سأقرأ أكثر، سأشارك أختي الصغرى في مشاهدة فيلم كرتوني قديم وأحبه “صاحب الظل الطويل” وبالتزامن مع ذلك سنقرأ الرواية “Daddy Long Legs” للكاتبة جين وبستر والتي اقتبس الفيلم الكرتوني عنها، أتمنّى أن توقظ بها هذه الحكاية حبّ الكتابة والمغامرة والتفرّد! اقترح عليكم أيضاً اختيار كتب للصغار، أو مشاهدة مسلسل كرتوني مؤثر وذكي مع أخوتكم أو أقاربكم الصغار ستصنعون معهم تجربة لا تنسى وسترتبط بالشهر.

متابعة قراءة رمضان مبارك