كل شيء ولا شيء.
أهلا!
نسيت كيف أبدأ تدوينة جديدة، لكن أهلًا تبدو مناسبة ومطمئنة لي لبدء الحديث. حوالي ستة أشهر مرّت على آخر مرة كتبت فيها هنا. هذه هي الفترة الأطول التي أتوقف فيها عن التدوين في قصاصات، لكنّها كانت الأجمل بالنسبة لي. كانت الرغبة في الحصول على الوقت المستقطع واضحة لديّ. شعرت بها في كل مرة دفعت نفسي للكتابة والمشاركة دفعًا. شيء آخر لطيف في هذه التجربة: لم أعلنها ولم أكتب مودعة. وهذا خفف عني أيضا ضغط الفكرة: متى تكتبين مجددًا؟ وما هي فكرة التدوينة الأولى بعد الانقطاع؟ هل من خطة تدوينية؟ سلسلة مثلا؟ إعادة هيكلة للمدونة؟ إعادة تصميم الهوية؟ أسئلة كثيرة لم تكن ببالي. مرت الأسابيع ومن ثمّ الشهور ولم انتبه للعداد الذهني. تلاشى أي أثر للكتابة في المدونة من مرآتي وركزت على الطريق أمامي. أصبحت أنظر للأشياء بعين مختلفة، عندما أقرأ وفي ذهني تدوين الفوائد لنفسي أفعلها بشكل مختلف، أدون كلمات متفرقة، مشاعر أو اقتباسات تعكس شعوري اللحظي حينها وليس ما أودّ قوله وشرحه في تدوينة بعد أسبوع من الآن. لكن حتى لا استرسل في مديح التوقف عن الكتابة أرى أنّه من الضروري الحديث عن اشتياقي لها في نفس الوقت. قضيت الشهور الماضية في الكتابة الشخصية، تدوين اليوميات، والكتابة العلاجية كما أحبّ تسميتها. كتبت في مشاريع مستقلة، وعملت بوظيفة جزئية مع شركة أحبّها. كل ذلك ساعدني على البقاء قريبة من الكتابة، حتى لو تعمدت الابتعاد عنها.
كيف قضيت الوقت بين ديسمبر ويونيو؟
تعويض اللحظات الفائتة
بعد أن استقرت حياتنا بعودة اخوتي للرياض حرصت على تعويض لحظاتنا الفائتة. في رمضان الماضي مثلًا غمرتنا لحظة الاكتشاف: هذه المرة الأولى التي نصوم فيها الشهر معًا بعد عشر سنوات. لم يكن الأمر سهلا في البدء، وأعني بذلك ضبط جدولنا معًا. لدى كلّ منا عمله واهتماماته ودوائره الاجتماعية. والأهم من ذلك تعلمنا إعادة رسم علاقتنا من جديد وكأننا نلتقي بصديق من الطفولة أو قريب مسافر. استدعت مع اكتمال العائلة أمسيات الطهي والذهاب للسينما واستكشاف المدينة.
البحث عن عمل من جديد!
قررت مع بداية العام استكشاف حياتي المهنية وتطوير مساري إن استطعت. كانت تجربة مربكة فقد مضى وقت طويل على تحديث سيرتي الذاتية وصارعت قليلا لإبقائها كما هي بلا تفاصيل أو تعديل. احتجت ليوم كامل من تتبع مهاراتي وإعادة الصياغة وكانت النسخة المحدثة منعشة. بدأت بعدها رحلة التواصل مع الأصدقاء ودائرة معارفي وحتى دائرتي المهنية السابقة. شاركتهم وضعي الوظيفي الحالي، والصعوبات والتطلعات، وما أريد أن أعمل عليه، وطبيعة الجهات التي أودّ الوصول إليها. اكتشفت قوائم الوظائف في مواقع التوظيف وقدمت على كل وظيفة شعرت بأنها تتطابق ومهاراتي. ثلاثة أشهر من البحث والاكتشاف المتواصل بلا تفاعل حقيقي، أو تفاعل ناقص من جهات تجري مقابلة رسمية وتأخذ وثائقي ولا تكلف نفسها بتقديم اعتذار صريح أو رفض.
هذه التجربة وإن لم تكن نهايتها تغيير وظيفتي أو الانتقال لمكان جديد إلا أنها أنعشت معلوماتي حول سوق العمل الحالي بعد سنتين من التوقف عن البحث. تعرفت على المهارات التي تنقصني، والتفاصيل التي يمكنني التخلي عنها في وظيفة مقابل اكتشاف مجال جديد، وأيضا وهذا الأهم: قيمتي الحقيقية والمنافع التي استحقها وهذا يأتي مع المفاوضات والتواصل.
ورشة إعادة اختراع
قدّمت خلال الفترة الماضية ورشة استمتعت كثيرًا ببنائها وسعدت بالحضور والأفكار التي خرجنا بها بعد عدة ساعات. الفكرة الأساسية كانت: إعادة بناء الهوية الشخصية. وجاء وقت تقديمها في فترة مهمة من حياتي. كنت أجمع تجارب التحولات السابقة وأنظر بحماس للقادم وأشاركه مع الحضور لنعمل عليه سوية.
لكن ما الذي قد يدفعك لإعادة بناء هويتك الشخصية؟
تحتاج لإعادة البناء أو الاختراع كما يسميه البعض عندما تجد نفسك في مكان يشبه الحالات التالية:
- لم يعد بإمكانك تحديد التعرّف على نفسك وما هي رؤيتك المستقبلية وأين ستذهب خلال خمس سنوات مثلا.
- تعيش مرحلة جديدة من حياتك وتريد أن تُعرف بشكل مختلف.
- تركت وظيفة وتودّ إعادة بناء سيرتك المهنية ومهاراتك لتحصل على وظيفة جديدة.
- تحاول الحصول على ترقية أو تحسن من ظروفك المهنية.
- انتقلت لمدينة جديدة وترغب في بناء شبكة علاقات اجتماعية ومهنية متنوعة.
- تخرجت حديثا وتشعر أن هويتك المرتبطة بحياة الدراسة لا تناسب وجهتك التالية.
- تفكر في الانتقال من مجال مهني إلى آخر لا يتفق معه ولا يشارك مؤهلاتك الأكاديمية وترغب في إثبات نفسك هناك.
أفكر في زيارة محتوى الورشة مجددًا وتلخيصه ونشره هنا في المدونة، سأطلعكم على النتيجة بالتأكيد.
الآباء يكبرون أيضا
تعرض والدي لوعكة صحية خلال مارس الماضي، كان يعاني من أعراض خفيفة، ولكنه فعل ما يفعله الآباء دائمًا: تحامل على ألمه وأصرّ على أنها وعكات صغيرة عابرة. من تشخيص لآخر استسلم في نهاية الأمر وأقر بحاجته للإنقاذ. بقي لمدة أسبوعين تحت الملاحظة والفحوصات والاكتشافات. وخلال هذه الأيام التي طالت أكثر من احتمالي أدركت أمرًا أهرب منه كل يوم. هربت منه عندما بدأت علب الأدوية بالظهور، وأجهزة قياس الضغط، والاحترازات والتنبه للتغذية والنوم وأي علامات حيوية أخرى.
لكن الهروب الطويل لم يكن في صالحي عندما أدركت الحقيقة وهو يتكلم بهدوء: ما الذي تظنينه؟ أنا رجل في السبعين! هذه التغيرات متوقعة ويستقبلها هو بإيمان واستسلام يربكني أحيانًا. لكنني دائمًا أرجو أن يبقى بصورته الأولى وهو يحملني على كتفيه، أو يهددني بالخروج عند باب المنزل لتراه زميلات المدرسة بعد أن حلق رأسه وأرجوه ألا يفعل!
ترك والدي المستشفى بصحة أفضل وفي وقت مناسب لنحتفل بالشهر الكريم سوية. لقد كانت لحظة فاصلة لتعلمني درس جديد، أن استعد للزمن في نفسي، أن اتعامل معه كرحلة طويلة تتوقف عند معالم مختلفة وأقبله بتسليم كامل.
إجازة مستحقة
احتفلت بفاصل ممتع مع بداية شهر مايو الماضي. وذهبت في رحلة قصيرة إلى لندن مع أخواتي. الرحلة كانت خاصة لعدة أسباب أولها أن المرة الأخيرة التي سافرنا فيها سوية كانت في ٢٠١٦، لا رحلات داخلية أو خارجية. وكلما بدأنا تخطيط هذه الاجازة يحدث ما يؤجلها. والسبب الثاني أن حصة دخلت عامها العشرين قبل عدة أشهر. احتفال بانضمامها لدائرة الكبار! لدي الكثير لمشاركته حول هذه الرحلة لذلك أنوي التدوين عنها قريبًا.
قررت شيئين أساسيين لاستمتع بها: أريد أن أنام جيدًا لأعوض أرق الفترة الماضية، وأريد أن استمتع بالطعام بكل أصنافه. تركت التخطيط بالكامل لموضي التي بنت تقويمها الخاصّ وشاركته معي. شعور ترك القيادة للآخرين شعور لطيف ما زلت اتعلم قبوله والاستمتاع به. عدت من الاجازة التي امتدت لشهر (مع أيام العيد) منتعشة وسعيدة ومستعدة. شعرت بذلك بوضوح عندما عدت لمهامي التي لم تتغير، ولكن النظر إليها بعين جديدة يهوّن صعوباتها.
كانت فترة تنفس جميلة.
ستة أشهر من اكتشاف هوايات جديدة والتعرف على أصدقاء جدد وزيارة أماكن مختلفة.
تشافيت من إصابة ركبتي التي لازمتني منذ أبريل الماضي، اليوم اتحسس مكان الألم ولا أجده وهذا جيد!
شكرًا لكل الرسائل اللطيفة التي وصلتني، والسؤال المستمر عن قصاصات.
عدت لنفض الغبار عن بيتي الأحبّ وكلي حماس للقادم والقصص التي سأعود لمشاركتها معكم.
.
.
.