لِتهدأ نفسي

في مثل هذه الأيام وقبل عشر سنوات تحديدًا كنت احتفل ببداية جديدة في حياتي. بداية بعد عاصفة طويلة توقعت ألا تكون هذه نهايتها. انتقلت حينها للرياض لبدء دراسة الماجستير. والكثير منكم يعرف كيف انتهت تلك المرحلة المدهشة. لم أحصل على الدرجة، لكن حياتي كلّها تغيرت وقد يكون لدي الوقت الجيد لحكاية التفاصيل الطويلة لتلك الأيام.

سبقت هذه النقلة فوضى عارمة في حياتي، لم يكن أمامي أيّ طريق. كل شيء معتم ويطبق على قلبي ضجر عظيم. فكرت في الانتقال للرياض للعمل لكنّ الفكرة لم تنل استحسان والدي، خصوصًا وأني حينها كنت أعمل بشكل مستقل ولأربعة سنوات! حاولت من جديد ولكن ماذا لو انتقلت للرياض للدراسة؟ جهزت نفسي للتقدم وحملت أوراقي وسافرت. كان قبولي مستحيلا باعتقاد الكثيرين خصوصًا وأنّ المتقدمات لبرنامج الماجستير بالآلاف سنويًا، وفي تخصص تقنيات التعليم بالتحديد كان العدد في ذلك العام ٢٥٠ متقدمة. اجتزت الاختبار الأولي مع أكثر من خمسين متقدمة وكانت الشكوك لدي ولدى عائلتي عظيمة، هل سيتم قبول طالبة من الجبيل ويتركون طالبات الرياض؟ مرّ الصيف على مهله وقد وضعت كلّ شيء على حالة الانتظار. لم ابحث عن عمل. غرقت في النوم والقراءة. وصلت لمرحلة المقابلة الشخصية وكانت مقابلة هاتفية سريعة. بعد شهر تقريبًا ظهرت النتائج وقُبلت مع ١٦ طالبة في التخصص. أصبح حلم الهروب من حبسة رتابة الحياة حقيقة. حتى لو كان سيأتي مصحوبًا بالانتقال لمدينة جديدة، حياة اجتماعية جديدة، دراسة وعمل في نفس الوقت.

لماذا أحكي لكم هذه القصة؟

ربما هي محاولة مني لفهم ما أمرّ به من جديد بعد عشر سنوات. لكنني الآن في الرياض، أعمل واحمل مسؤوليات أكبر من رغبتي بالهرب والانتقال. أهرب للنوم، للقراءة، للجلوس بصمت، للطبخ. هذا ما يمكنني فعله الآن. ينتهي يوم العمل وأترك كل شيء ورائي وأعود للمنزل. أطفئ قلقي ما استطعت. وأتذكر أنّ هذه هي الحياة التي انتظرتها طويلًا، وأنّ الحياة ليست نزهة ممتعة على مدار الساعة، وأن شعور الجلوس على كرسي غرفتي في الخامسة والنصف والنفس الطويل وكوب القهوة مع العائلة علاج يومي.

أقرأ في يوميات ٢٠٠٨، في المدونة هنا وفي المذكرات المكتوبة بخطّ يدي، اتصفح الصور، اتحدث مع من عايشوا تلك الأيام. هذه هي الطريقة المثلى لعلاج ما أشعر به.

* * *

بعيدًا عن فوضى الروح الموسمية أقضي أيامي بين العمل الإبداعي والإداري، الاستجمام اليومي، الاهتمام بصحّتي والهدوء والتخفف، الكثير منه.

اقرأ كتاب الطباخ – دوره في حضارة الإنسانمن تأليف بلقيس شرارة. كتاب ضخم وممتع ولم انتهي من ربعه حتى الآن. لكنني وجدت نفسي أدون الملاحظات وأقضي الساعات بعد كل عدة فقرات لاكتشف التاريخ والصور. السرد ممتع على الرغم من أنّ الكتاب يأتي كدراسة مليئة بالمصطلحات والتواريخ والهوامش. وأعرف من الآن أنني سأعود كثيرًا له.

الاهتمام بالطبخ والمطبخ ليس بجديد، منذ عدة سنوات وأنا أجد في المطبخ مساحة لنفض الهموم والقلق. أحبّ الطبخ لأنه كما وصفته المدونة الأمريكية ديب بيريلمان التي كتبت مقالًا طويلًا عن الطهي في المنزل وجاء فيه هذا المقطع الذي يمثّلني:

«أحبّ الطريقة التي تخفف بها وصفة طبخ من ضغط يوم طويل مليء باتخاذ القرارات. أحب الطريقة التي أطبق بها وصفة وجبة يحبها الجميع، هذا الحدث قادر على تغيير يومي.

تجهيز وجبة شهية حتى وإن لم تتوقع ذلك من نفسك؛ الطريقة الأسرع لتشعر بالانتصار. أحب الوقوف بجانب الفرن، أكيل اللعنات لكاتب الوصفة الذي يقترح كرملة البصل لعشر دقائق، أنهمك تمامًا. لستُ مشغولة برسائل الهاتف الجماعية، أو لحظة غاضبة على تويتر. إني أحصل على فترة قصيرة من الراحة والتزود بالوقود. هذا الشيء، هذا التركيز، هذا الهدف والمكافأة اللذيذة والنادرة التي التهمها كلما سمحت لي الفرصة

إلى جانب القراءة أتابع/تابعت عدة مسلسلات في آن: Ozark ، Bodyguard، Succession.

واستمع لراديو نيويورك الكلاسيكي وقائمة موسيقى طويلة لإيلا فيتزجيرالد، سيمون وجارنفكل، وبوب ديلون.

أحبّ سبتمبر، ويذكرني بعطلاتي السنوية التي بدأتها منذ سنوات، هذا العام مختلف لأن الصيف مرّ وسبتمبر وأنا في المدينة أركض.

أذهب في عطلة جديدة قريبًا مليئة بالمغامرات، وأنوي تجربة مشروع ممتع هذه المرّة وسأروي لكم تفاصيله لاحقًا بإذن الله.

* * *

أكتب مجموعة مقالات حول العمل المستقل، الإنتاجية، العمل الإبداعي والعمل بشكل عام في مدونة تسعة أعشار، بدأت قبل ثلاثة أسابيع وأتمنى متابعة هذا المشروع الممتع.

أيضًا بذكر العمل المستقل تذكرت اللقاء الثالث والأخير لهذا العام للمستقلات، سيقام اللقاء في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة فرع خريص للسيدات. وسيكون محور حديثنا إيجاد التوازن وحلّ المشكلاتسأشارككم رابط التسجيل ما إن يتم اعتماده من المكتبة، والحضور مجاني بالطبع.

* * *

تحدثت عن الطهي والوصفات أعلاه وتذكرت أننا في المنزل استبعدنا تتبيلة السلطة الجاهزة تمامًا، وخلال الأربعة أشهر الماضية اعتمدنا تتبيلة زيت الزيتون والبلسمك والليمون والثوم الطازج. تتغير السلطات والمحتويات وهذه التتبيلة الطازجة والنظيفة هي المفضلة. لم نكن نشتاق لأي تتبيلة أخرى. لقد اكتشفت أن الثلاجة تخلو من الصلصات الخاصة بالسلطة حين توقفت قبل أسبوع في ممر الصلصات العضوية وأعجبت بواحدة لسلطة السيزر واشتريتها. لقد وفرنا عشرات الريالات وقللنا من استهلاك السعرات دون أن نشعر وتلذذنا بالخضروات والتتبيلة البسيطة لأطول فترة.

ما هي تتبيلة سلطتكم البسيطة؟ أحبّ تجربة شيء جديد

* * *

أتعلم خبرة جديدة مرتبطة بصناعة المحتوى، والتعلم يشبه المشي لأول مرة أو تذوق الأشياء ورؤية الأعاجيب! أقضي ساعات في القراءة يوميًا، ومشاهدة مقاطع الفيديو على يوتوب. مضى وقت طويل على آخر مرة تعلمت فيها شيء من الصفر. تراكم المعرفة والخبرات أمر عظيم وقد نغفل عنه أحيانًا. كيف تتعلمون مهارة جديدة؟ شاركوني في التعليقات.

.

.

.

كتاب الإبداع | الأسبوع ١١

مرحبا بكم في أسبوع جديد من كتاب الإبداع لإريك مايزل.

اختتم مايزل تمارين الأسبوع الماضي برؤية عميقة ودراسة للنفس. وهذا الأسبوع يأخذنا لموقع جديد من التأمل والتحليل. هذا الأسبوع سندرس العالم من حولنا.

لكن ستسألون أنفسكم ما الذي سنعود به من وقفات التأمل والتحليل هذه؟ ما أثرها على مشروعنا الإبداعي؟

إذا كنتم ترسمون مثلا ومشروعكم الإبداعي مرتبط بالطبيعة؛ هذا مفهوم. لكن ماذا لو كان مشروعكم الإبداعي مرتبط باستشارات الأعمال، أو دراسة الرياضيات؟ أو تصميم المواقع؟ كيف ستساعدكم دراسة العشب والزهور؟

نحنُ بطبيعتنا نعيش لحبّ الشمس والمساحات المفتوحة، والهواء النقي. لكننا اعتدنا أيضًا العيش داخل المنازل المسورة والمكاتب والمساحات الضيقة وهذا ينسينا شكل الحياة الأجمل.

من الصعب علينا البقاء بذهن حاضر وحيّ تجاه الطبيعة والأشياء بينما نغرق في آلاف المهام وأمام الشاشات تفقد أبصارنا قدرتها على تمييز الجمال والانتباه له.

ومع هذا، مازلنا نستطيع العمل والابتكار ودفع مشاريعنا الإبداعية إلى الأمام. حتى لو انتهى بنا الأمر داخل علبة مخلل – على حد تعبير مايزلسنتمكن من إنجاز الأفكار والعمل.

لكن ما هي هذه الأفكار التي سنخرج بها إذا لم نألف صور الطبيعة المذهلة. نورس يغطس في عمق الماء، أو حبات الرمل المتنوعة، أو سماء الغروب خلف شجرة عتيقة. لا عجب أن موسيقى موزارت زارته خلال رحلات عربته في الغابة.

هناك سبب آخر عظيم ومهمّ لندرس شفرة من العشب.

نحنُ نقفز لصورة الأشياء الكاملة. نأخذها بإطار واسع دون أن نمنح عقلنا فرصة تفكيكها لأجزاء أصغر. لذلك يقترح مايزل تمارين الأسبوع كالتالي:

أ)

ادرس شفرة من العشب.

عندما قرأت التمرين فكرت في أماكن العشب وأنا محكومة بالعيش في منزل بلا حديقة، أو الجلوس في مكتب بناية اسمنتيه ضخمة.

زر أقرب حديقة في مدينتك وأمسك بشفرة عشب واحدة، أو ورقة شجر، أو غصن يابس إن لم تجد سواه. وإذا لم تستطع إيجاد هذا كلّه، تأمل عروق الخشب في طاولة مكتبك أو قطرات الماء التي تكثفت على زجاج كوبك. اغمر نفسك في اللحظة وتأمل وفكك الجزئيات.

في اليوم التالي، ركز على عملك الإبداعي. إذا كنت كاتب ركز على الكلمات، ركز على كلمة. كيف تستخدمها؟ اكتبها مرات ومرات، اكتبها بخط كبير وصغير وزخرفها وتأمل معناها. أما إذا كنت ترسم فركز على ضربات الفرشة والألوان. لاحظ سقوط الضوء في الصور التي تلتقطها من حولك. فكر في تفصيل دقيق واشغل ذهنك بالعمل عليه. اتركه قليلًا أو لعدة ساعات وعد إليه مجددًا.

ب)

يحدثنا مايزل قبل التمرين الثاني عن أحد عملائه. يشكو من كثرة المشاريع التي يرغب بإنجازها لكنّه يتخلى عنها كلها ولا يفعل شيئا. يقول له: حسنًا دعنا نتفحص هذه المشاريع. يخبرنا مايزل أن كثير من عملائه يصابون بالتوتر أو الاندهاش عندما يطلب منهم تحليل مشاريعهم. الحقيقة أن التحليل والنظر بتمعّن يخيفهم ولا شيء آخر. لذلك يوصينا بتمرينٍ ثانٍ لتشجيع قدراتنا التحليلية:

تخيل أنك ستكتب رواية مغامرات يجد فيها البطل نفسه واقعًا في مصاعب كثيرة. الآن فكر في الأدوات على مكتبك، كيف يمكنك إنقاذه باستخدامها. قلم حبر جافّ، علبة فيتامينات، مجموعة أوراق لاصقة أو دبابيس.. الخ

كيف يمكن لهذه الأدوات إنقاذه؟ ستتجلى هنا قدرتك على التفكير والتحليل والربط.

في اليوم التالي اعمل على تحليل لوحة، أو فيلم، أو قطعة موسيقية، أو حتى مهمة داخل مهام عملك. اختر شيئا وأعمل بجدّ على دراسته وفهمه.

في اليوم الثالث، فكر في مشروعك الإبداعي. ما الذي يمكنك تحليله فيه؟ كيف يمكنك توظيف تفكيرك الناقد وانتباهك الجديد بعد هذه التمارين؟

هل أصبحت التفاصيل أقرب؟

* سلسلة كتاب الإبداع مستمرة وبشكل أسبوعي. ويمكنكم متابعتها من خلال مدونتي أو مدونة عصرونية

.

.

.

كتاب الإبداع | الأسبوع التاسع

الأسبوع التاسع من كتاب الإبداع يقول لك: استيقظ من نومك الحالم!

يركز هذا الأسبوع على الوعي، الوعي التام والتركيز على مهاراتك وتفكيرك الناقد. لنتخيل للحظة حياتنا اليومية وكثير مما نقوم به ونعيشه بلا تركيز ويقظه تامّة. يمكن اعتبار كل هذا نومًا حالمًا أو روتين متتابع نقوم به بلا وعي.

يقظتنا الكاملة تحدث في جزء يسير من الوقت، واعتقد أن كثير منكم يتفق مع الكتاب في هذا.

يروي إريك مايزل في هذا الفصل قصة حدثت معه:

كنت في الثانية والعشرين من عمري وأدرس في جامعة أوريغون. واقتنيت حينها مجموعة من العملات المعدنية الأجنبية. لا أعرف لماذا؟ فقد كنت حينها لا أملك الكثير من المال بالإضافة إلى كراهيتي الشديدة لجمع الأشياء. أزعجني شراؤها لاحقًا. وبعد سنة من ذلك الوقت وبينما كنت أعيش في مدينة بوسطن؛ قررت بيعها وذهبت بها لمتجر العملات المعدنية. كان البائع مشغولا وباغتني أحد الأشخاص ليعرض علي شراءها بسعر جيد. كانت المشكلة الوحيدة أن هذا الشخص لا يملك النقود. وعرض عليّ اقتراحه متسائلًا: هل تذهب معي لبنكي لأدفع لك قيمتها؟ أجبته بالموافقة. كان تصرفًا غبيًا مني.

في الطريق إلى البنك أغرقني بالقصص وحدثني عن مهنته، كان جامع قرود أمضى وقته في أمريكا الجنوبية. والآن يقطن بوسطن ليتمكن من إيصال القرود إلى المعامل التي تحتاجها.

عندما وصلنا إلى البنك، كان مقفلًا. وهنا قدم اقتراحًا آخر. عرض عليّ أخذ العملات المعدنية على أن تبقى ساعة يده معي كرهن حتى يدفع لي النقد في اليوم التالي. وافقت من جديد، وكانت فكرة غبيّة.

في ظهيرة اليوم التالي، وقفت بانتظاره أمام المحل. عرفت بأنّه لن يأتي.

لقد أفقت حينها من صباي. شعرت بعيناي تفتح على اتساعها. وكلما وقفت لمدة أطول هناك، تعاظمت يقظتي. لقد استيقظت من نوم صبي حالم. الآن سأكبر وأعيش. في اليوم التالي بدأت كتابة روايتي الأولى.

كيف يمكننا الاستيقاظ من نومنا الحالم؟

أحيانا توقظنا صدمة، أو فقد. تفتح أعيننا على اتساعها فجأة. نتوقف لنجد بأننا نركض في سباق لا نعلم كيف ومتى بدأ. نريد تجربة أشياء جديدة. بوعي وانتباه أعمق. نريد أن نستبعد أوتوماتيكية الحياة وخياراتنا الافتراضية.

في الجزء الثاني من الأسبوع التاسع يطالبنا الكتاب بالتخلص من وعينا الذاتي. حسنًا أليست فكرة تناقض ما تحدثنا عنه في البدء؟ لا، طبعًا.

نتحدث هنا عن وعينا بمخاوفنا، بالعوائق التي قد تقف في طريقنا، بقلقنا. ننشغل بفكرة الأمان الذي نرغب بالمحافظة عليه ونجبن عن الانطلاق والتجربة ودخول مناطق إبداعية جديدة.

هذا الوعي الذي يجب أن نتحرر منه. هذا النوع من الوعي يقتل الابتكار ويزرع التردد في نفوسنا.

لن تكون مهمتنا سهلة لذلك يقترح مايزل في نهاية الفصل تمرين مريح نذكّر أنفسنا فيه كل مرة يغمرنا القلق:

أنا بخير

أنا على ما يرام

وهكذا سننجو.

.

.

* سلسلة كتاب الإبداع مستمرة وبشكل أسبوعي. ويمكنكم متابعتها من خلال مدونتي أو مدونة عصرونية

.

.

.

كتاب الإبداع | الأسبوع السابع

في الأسبوع السابع من كتاب الإبداع يعود إريك مايزل ليذكرنا بأن كتابه مختلف. إنه يتعامل معنا مباشرة، مع التحديات التي تواجهنا، مع مشاعرنا، مع أفكارنا قبل إبداعنا. لن نجد في الكتاب دروس وتقنيات للرسم، أو طرق مختصرة لكتابة رواية. ما يهمه هو أنت! يهمه الشخص الذي سيبدع ويبتكر بأي طريقة وفي أي مجال.

مهمّة كتاب الإبداع تتركز في مساعدتك على اكتشاف إمكاناتك الكامنة وتوظيفها.

في هذا الفصل تمرينات ستركز على التخلص من شياطينك، أو أفكارك السيئة وكل ما يكبّلك ويعرقل وصولك للإبداع.

التمرين ١٣: نظف ثلاجتك

الوهلة الأولى لقراءة هذا التمرين ضحكت. لكنني تذكرت السعادة والخفة التي تنتابني كلما نظفت الثلاجة أو أي مكان تغمره الفوضى. ماذا يحدث إذا لم تنظف ثلاجتك لفترة طويلة؟ تفسد الأطعمة وتتحول تدريجيًا لكومة من الرطوبة والعفن. بقايا أطعمة موزعة في علب على الرفوف، وكل مرة تتسوق تزداد الفوضى.

يمكن قول الأمر ذاته عن ذهنك. إذا لم تتخلص من الأفكار السيئة والاصوات التي تقرع بها ذاتك، لن يبق هناك مكان لأفكار جديدة. لن تبدع ولن تبتكر شيئا وبالتالي لن تتقدم.

خلال هذا التمرين ستجد نفسك في طقس تطهير. ستنقي روحك وذهنك من الشوائب:

كل صباح تعد نفسك بالتالي: لن أقرّعك ولن اتحدث معك بسوء.

خلال اليوم وفي كل مرة تداهمك فكرة سيئة حول عملك الإبداعي وحول نفسك بشكل عام. تفحصها جيدًا، هل كانت موضوعية؟ هل كانت صادقة؟ وتعامل معها بما تجده مناسبًا. هذا الحوار الداخلي الهادئ له نتائج مذهلة وقد تصل مع نفسك إلى تسوية ما.

كل ليلة وقبل النوم تأمل أحداث يومك. راجع أدائك تجاه الأفكار. هل انتصرت مرّات؟ وخسرت مرة أو اثنتين؟ لا بأس، سيكون الغدّ أفضل.

التمرين ١٤: تخلص من التباهي!

نعم، هذه فكرة سيئة أخرى، شيطان بصوت مرتفع يدفعك للفخر والمبالغة في تقدير إمكانياتك. التباهي والفخر يقتلان الإبداع والابتكار. كيف يكون لديك مساحة لتبتكر إذا كان شغلك الشاغل الظهور بصورة مثالية بلا شائبة؟ كيف تبدع إذا كنت تعتقد بأنك فوق النقد – والرفض؟ كيف تبدع إذا كنت تعتقد أن ضحكة من القلب ستدمّر صورتك؟

يشاركنا مايزل أيضًا مجموعة من القصص التي وقع فيها فريسة للتباهي:

عندما كنت أعمل على أحد كتبي التي تتطلب بحث مستفيض شعرت بأنني لم أكن ملزمًا بذلك وكتبت مباشرة بمعرفتي البسيطة عن الموضوع.

لم أحضر أي مؤتمر للكتابة ما لم أكن أحد المتحدثين فيه. الكتاب الاعتياديون هم من يحضر المؤتمرات والعظماء لا يفعلون ذلك. هل نسيت بأنّها فرصة للقاء بزملاء المهنة وتعلم أحدث التقنيات وربما فرصة الالتقاء بناشرين؟

في مرّات كثيرة بعثت بنصوص روايات طبعتها على الآلة الكاتبة بصورة سيئة. لن يتمكن أحد من قراءتها. لكنني كنت أقول لنفسي: أن أعمالي رائعة كفاية لتدفع بالأشخاص إلى المحاولة والقراءة من نسختي السيئة. وذات مرة وصلتني رسالة من أحد الناشرين يقول فيها: أنت كاتب حقيقي. لكن لا يمكنني قراءة ما كتبته هنا، ولا أنوي المحاولة.

قراءة تمارين مايزل لهذا الأسبوع جعلتني أركز أكثر على نقطة التباهي، نقع كثيرًا فريسة له. لا أريد مشاهدة هذا الفيلم لأنّه مستهلك ويشاهده الكثيرون. لا أريد التسوق من هنا لأنّ الكل يفعل ذلك. لا أريد التعلم لا أريد المشاركة في فعاليات بنّاءة، ولا أريد دعم الأعمال المحلية لأنها أقل جودة من العالمية. هذه الرسائل الذهنية عبرت بي ذات مرة وربما حدث معكم ذلك.

التباهي يصطدم مع الفضول. التباهي يمنعك من اكتشاف آفاق جديدة. جرّب واقترب وارفض لاحقًا عندما لا تجد ما ينفعك أو يحسن من حياتك وأدائك.

*

*

*

سلسلة كتاب الإبداع مستمرة وبشكل أسبوعي. ويمكنكم متابعتها من خلال مدونتي أو مدونة عصرونية.

*

*

*

كتاب الإبداع | الأسبوع الخامس

مع الأسبوع الخامس من كتاب الإبداع يبدأ الجزء الثاني الذي يحمل العنوان كن إنسانافي هذا الجزء فترة تمتد بين الأسبوع الخامس والثامن.

يطلب منك مايزل أن تسامح نفسك على جميع إخفاقاتك. ويبدأ بالحديث عن حياتنا وكيف أننا نكبر ونبدأ بحصد النجاحات والإخفاقات على حدّ سواء. يتم تجاهل الاخفاقات دائما وينسى بأنها جزء مهم في تركيبتنا كبشر، ومبدعين.

يحكي مايزل قصة مكالمة هاتفية بينه وبين كاتب نيويوركي. ناجح في كتابة الخطابات والنصوص الدعائية. لكنّه كان يشعر بالإحباط بسبب عدم تمكنه من كتابة رواية أحلامه. مثل كثير من الناس، كبُر وهو مغرم بنوع معين من الكتب وخُيّل له بأن تأليفها مستحيل. لكن مايزل يخبرنا بأنّ هذا الكاتب المحبط نشر روايتين. لقد فشل في بيع كتبه، وبصورة أدقّ فشل في كتابتها بشكل جيد.

بعد سماعه لقصّته هنأه على كتابة هذه الروايات. لقد نجح في إتمامها فعلًا. قال له مايزل: الآن ضع رواياتك الفاشلة وراءك. ماذا ستكتب بعد؟ تحدثا لساعة عن مسامحة نفسه والتخطيط لجولته التالية من الكتابة.

يقول مايزل: عندما نمتنع عن تجاوز اخفاقاتنا في الماضي، ننتهي إلى الخوف من الفشل الجديد. ننتهي إلى الخوف من العمل والإبداع. ويقترح تمرين عمليّ وعلاجي للتعامل مع ذلك.

تمرين ٩ – أ

ارسم على ورقة علامات بقلم رصاص، واكتب بجانبها إخفاقات من الماضي. فشلت في تعلم شيء؟ فشلت في انهاء كتاب؟ فشلت في علاقة؟ أو مشروع؟ اكتبها كلها. ثم ابدأ بمسحها. هذه العملية بمثابة توديع للفشل ومسامحة نفسك. بعد الانتهاء من التمرين أخبر نفسك: أسامح نفسي على كلّ هذا. أعنيها بكلّ صدق.

تمرين ٩ ب

في اليوم الأول ارسم رسمة بسيطة. إذا أحببتها هذا جيّد. وإذا كانت فاشلة سامح نفسك.

في اليوم التالي اكتب مقدمة لقصة قصيرة وكرر نفس العملية. سامح نفسك حتى لا يبق للفشل أي وجود.

أما اليوم الثالث، فكر في مشروع إبداعي ضخم. أعطه الوقت وبعد الانتهاء من التفكير، هل ما زلت تحبّه؟ عظيم! إذا لم يكن سوى فكرة فاشلة جديدة، سامح نفسك.

* * *

لكي نتمكن من الإبداع علينا أن نمنح أنفسنا العذر والسماح الكامل بالتجربة والفشل والنجاح. علينا أن نعيش ونستمتع بالرحلة نحو انتاج أي شيء. ألا نخاف أو نتردد أو نبقى محبوسين في المربع الأول. أن نتوقف عن منح العلامات الدائمة لأنفسنا: أنا متردد، أنا فاشل، أنا خائف .. وغيرها. هذه الوصمة التي تمنحها لنفسك بصمت ودون معرفة الآخرين تصبح قيد. تصبح كابوس يلازمك.

وأنا أقرأ الأسبوع الخامس استحضرت تدوينة كتبتها بعد تجربة حياتية عظيمة. ما زلت أجرب وأخفق واستمتع. ما زلت أعطي نفسي العذر والفرصة والمساحة لتكون كما تحبّ. توقفت عن الضغط بشدة. توقفت عن الجلوس في مربع واحد. كل ما أفعله الآن هو تتبع بوصلة روحي دون خوف. كيف سامحت نفسي؟ هي تدوينة كتبتها في ٢٠١٦م توجز الطريقة التي اخترت العيش بها اليوم وكلّ يوم.

.

.

*

سلسلة كتاب الإبداع مستمرة وبشكل أسبوعي. ويمكنكم متابعتها من خلال مدونتي أو مدونة عصرونية.

.

.

.