استعادة الحياة بهدوء ولطف

نجحت في استعادة ترتيب حياتي خلال الشهر الماضي والأمر بدأ باستبعاد كلّ المشاريع والخطط الجانبية سواء كانت ممتعة أو مدمرة لطاقتي ومشاعري. لم تعد فكرة الفضول والاكتشاف تشغلني بقدر راحة البال وهذه تجربة شخصية مهمّة احتجت لحسم أمري بالمرور بها واكتشافها.

تشير ساعتي الرقمية إلى أنني احتاج حوالي ألف سعرة حرارية لتحقيق تحدّي شهر أغسطس. كل شهر تهديني تحدي جديد ولكنني تجاهلت الأنشطة البدنية تمامًا لثلاثين يومًا وحتى هذا الرقم الذي حققته كان مفاجأة! يوليو كان شهر ركض واجهاد بدني ومعنوي. ولكن، أتطلع اليوم بحماس للأشهر المتبقية من السنة وأنوي استثمارها بانتباه واهتمام شديد.

اشتاق كثيرًا لكتابة التدوينات ويبدأ الأسبوع بحماسي لفكرة معينة وما أن اقطع شوط في العمل اليومي والتزاماتي الشخصية والاجتماعية تتبخر فكرة التدوين تمامًا. أحبّ هذا الانشغال الصحي وأقول صحي لأنني انتبه له من وقت لآخر. أكون متصالحة مع نفسي ومستمتعة تمامًا بقراءة كتب جديدة أو الانخراط في أنشطة منوعة أو مسلسل ممتع لا أرغب بتفويت الجلوس ومشاهدته. أغسطس كان شهر حاسم لتحديد ما أريده من نفسي والحياة عمومًا.

كيف تتعامل مع حياتك المبعثرة؟

كانت تدوينة على مدونة Zen Habits إحدى الأدلة الارشادية التي قادتني للحل المنظم لتجاوز الفوضى المؤقتة التي مررت بها. يقترح ليو باباوتا تقنيات لمساعدتك في تجاوز الفوضى، وإذا كنت سأترجم ما جاء في التدوينة بشكل مختصر ستكون النقاط كالتالي:

  • ضع قائمة طويلة لكل ما تحتاج عمله في الفترة القادمة وفكر فيها كعملية تفريغ لما في رأسك. ابحث في كل مجالات حياتك وضعه في هذه القائمة بلا فرز أو ترتيب فقط اكتب بلا تردد أو تفكير مطوّل. بعد الانتهاء من هذه القائمة الطويلة قم بتوزيعها على مجالات حياتك أو حتى بحسب أهميتها. قد يكون من الجيد تخفيف القائمة بتنفيذ أي مهام سريعة في جلسة واحدة.
  • استخدم القائمة الطويلة لبناء قائمة قصيرة وتقسيم المهام إلى مجموعات من ٣-٥ عناصر ويمكنك التعامل معها وإتمامها في يوم. ستشعر بالسعادة والتحفيز في نهاية اليوم بعد أن تخففت منها. يمكنك أيضا تكرار العملية بالعودة للقائمة الطويلة وتركيزها في مجموعات أصغر حتى تنتهي منها تمامًا.
  • خصص وقت معين من اليوم أو الأسبوع للتعامل مع المهامّ في مجموعة واحدة (مثلا أنا جمعت زيارات الطبيب أو الفحوصات مع بعضها، من ثم المعاملات الحكومية مع بعض، والزيارات العائلية السريعة في مدينة واحدة، تنظيف الخزائن في غرفة واحدة.. وهكذا) كل مرة اعطي الاهتمام لأمر محدد أو مجموعة من الأمور المتناسبة وفي نهاية أسبوع واحد أتممت كلّ ما أجلته لشهور طويلة.
  • استخدم النقطة السابقة لتخصيص وقت محدد لكل مجال من مجالات حياتك واعتمده دائما. مثلا يوم السبت المساء لتحضير وجبات العمل للأسبوع المقبل، ويوم الخميس المساء لإجراء الاتصالات بالعائلة الممتدة أو الأصدقاء، وصباح الخميس لتفريغ صندوق البريد الالكتروني والردّ على الرسائل. ضع هذه المواعيد بشكل واضح كمنبّه في الهاتف أو دونه في تقويمك الشخصي.
  • اطلب المساعدة في المجالات التي تحتاجها. بالنسبة لي أحب ترتيب خزانتي والتخلص من الملابس القديمة أو تجديدها بصحبة أخواتي ليعطينني آراء إضافية حول ما احتفظ به وما استبعده.
  • بسّط المهام. إذا تعقدت الأمور فكّر كيف يمكنك تبسيطها أو تسهيل التعامل معها. ويندرج تحت هذا التبسيط التخفف من الالتزامات الصعبة التي وضعتها على نفسك. في حالتي مثلا وددت الالتزام بنشاط رياضي يومي في وقت ثابت وهذا لم يحصل لأن وقتي شُغل بأشياء أخرى وكان الحلّ هو ممارسة الرياضة في الوقت المناسب من اليوم متى ما كان متاحًا ومحاولة التحرك بشكل مستمر إذا لم يكن التمرين خيار متاح.
  • التزم بعمل شيء واحد في وقت واحد واهتم بإكماله. الشعور بالفوضى والتشتت يأتي من القفز بين الأشياء والمهامّ. لقد شعرت بذلك بشدة ومن هنا جاءت فكرة استبعاد أي التزامات عمل إضافية كما كتبت في بداية التدوينة. يقترح ليو باباوتا أيضا الهدوء والابطاء في المسير حتى تنتهي من المهمة وتنتقل لما يليها.
  • احصل على وقت مستقطع للراحة والتنظيم الشخصي والتخلص من القلق والإرهاق وتجديد الطاقة.
  • تنتهي هذه التوصيات باقتراح تجربة كل فكرة على حدة ورؤية أثرها على حياتك وهذا أفضل من محاولة تنفيذها دفعة واحدة.

كولاج – أغسطس

Les mains de Lella – Photo by Boubat

.

.

عن الصداقات العابرة للأجيال

على الطاولة الجانبية لسريري بقايا زهور خزامى مجفّفة وجدتها هذا الصباح خلال ترتيب الصباح واستقبال الأسبوع الجديد. كانت هذه الزهور ما تبقى من زينة الشعر التي وضعتها في حفلة ميلاد صديقة نهاية الأسبوع الماضي. عبرت صديقتي بوابة الثلاثين بحماس وحبور. إذا استعدت صورة تلك الليلة الرئيسية أتذكر رفقة صديقتي الملونة بالأعمار. سيدات وفتيات تتراوح أعمارهم بين بداية العشرينات والأربعينات. الصورة كانت نظرة على حياة هذه الصديقة الاجتماعية واختياراتها للصديقات ونظرة على حياتي الشخصية كذلك. خلال الست سنوات الماضية ومنذ انتقالي لمدينة الرياض عرفت بشكل دقيق معنى أن تحيط نفسك بأصدقاء من كل الأعمار، أن تكوّن «صداقات عابرة للأجيال» إذا صحّ التعبير. ربما بدأ الأمر بدافع الحاجة أو الفضول أو كليهما. لدي اليوم صديقات من كلّ الأعمار وندور في مساحات واحدة وتجمعنا نفس الاهتمامات إلا أن لكل عقد جمالياته وسماته التي أتذكرها عبر مواليده. الطريف في الأمر أن الموضوع تكرر على ذهني قبل حفلة صديقتي هذه وفي أكثر من سياق. قبل أسبوع تقريبا التقيت بصديقة تجمعني بها معرفة افتراضية للإفطار وسألتها خلال حديثنا عن سنة ميلادها لاكتشف أنني أكبرها بعشرة أعوام. هل كنت سأتنبه لهذا الفرق لو لم نناقش مواضيع مرتبطة بفترة زمنية عشتها أو عاشتها؟ أفلام الكرتون التي كانت تشاهدها مثلا، أو الأماكن التي قضت فيها أوقات اللعب. وبعد هذا الإفطار والحفلة التي حضرتها قرأت مقالة نُشرت في أبريل الماضي عن أهمية الصداقات بين الأجيال والأعمار المختلفة.

تلخص المقالة في محاورها الرئيسية الأفكار التالية:

  • منافع رفقة كل فئة وأهميتها لنمونا النفسي والاجتماعي. وتشير لدراسة أمريكية درست شريحة من الأفراد لتجد أن ما لا يقل عن ثلث الأمريكيين يرتبطون بأصدقاء أكبر أو أصغر منهم بـ ١٥ سنة.
  • مع التغيرات في المجتمع وانتقال الأفراد بين المدن والمناطق للعمل أو الدراسة تمتد العائلة وتتسع رقعة وجودها على البلاد ويصبح الأفراد في مناطقهم الجديدة مرتبطين بأشخاص من أجيال مختلفة (شخصيا هذه الفكرة ذكرتني بتعرفنا على من يكبروننا بسنوات عديدة لملء شعور الارتباط مع كيان أبوي أو أمومي أو حتى علاقة مشابهة بعلاقتنا مع الأجداد والجدات)
  • الصداقات بين الأجيال تكسر الصور النمطية وتقربنا ممن يصغرنا أو يكبرنا وصناعة فرص لكلا الطرفين للنمو ورؤية الحياة من منظور مختلف.
  • التخفف من المقارنات. الصورة هنا أعمّ وأشمل ولا تقف عند حدّ الانغماس في المقارنة المتعبة. صداقة شخص أكبر منا مثلا يعطي نظرة مستقبلية عندما أمرّ بوقت صعب: هذا الشخص تجاوز مصاعب حياته ويعيش ويزدهر ولا يقف عند عثرة واحدة وأنا استحق منح نفسي هذه التجربة.
  • صداقة الأكبر سنًّا تضعنا بالقرب من أشخاص تغيرت قائمة الأولويات في حياتهم. بدلا من الركض المستمر لتحقيق المكاسب المادية والنجاح والشهرة يركزون أكثر على الرضا والهدوء والاستقرار.
  • صداقة الأفراد الأصغر سنا ومنحهم الدعم والنصح يشعرنا بمعنى وجودنا.
  • صداقة من هم أصغر منا يدفعنا لتجربة ما هو خارج اعتيادنا.

المقالة تؤكد على فكرة مهمة: ألا نبقى منغلقين على الخيارات الافتراضية لصداقات مقاعد الدراسة. يمكننا دائمًا الانضمام لمجموعة عمرية مختلفة لاكتشاف صورة جديدة عن الحياة وعن أنفسنا. أحبّ سماع قصصكم الخاصة في الصداقات العابرة للأجيال، شاركوني في التعليقات.

.

.

الصورة من Unsplash

القوّة الخفيّة لتغيير هويّتك

مررت قبل عدة أيام بتدوينة شيّقة للكاتب ليو باباوتا ناقش فيها موضوع تغيير الهويّة (أو الشخصيّة) Identity. أحببت طريقة عرضه للموضوع وها أنا أنقلها لكم مترجمة بتصرفوأعيد نشرها في مدونتي.

القوة الخفية لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

لقد كان تغيير هويتي أحد أهم التحولات التي طرأت على حياتي. لم يحدث ذلك في يومٍ وليلة بالتأكيد، لكنني نجحت في تحقيقه عبر عدة جوانب من حياتي. على سبيل المثال:

  • كنتُ مدخنًا وأقلعت عن التدخين. ومنذ أن أقلعت، لم أعد أفكّر بالتدخين عندما أكون مضغوطًا أو متوترًا.
  • توقفت عن أكل اللحوم واعتمدت النظام النباتي (ولاحقًا النظام النباتي الصرف). لقد تلاشى اللحم من قائمة طعامي، ولم أعد أفكر به.
  • كنت أعدّ نفسي عداء ماراثونات. لاحقًا، أصبحت شخص يتمرّن بانتظام للمحافظة على صحته ولياقته. وذلك يعني ألا أتوقف عن التمرين وإن اختل جدولي قليلًا.
  • أصبحت متأملًا. ولاحقا، طالب لمذهب الزن. وذلك يعني أنني وإن توقفت عن ممارسة التأمل لوقتٍ طويل، سأعود إليه دائمًا.
  • أصبحتُ كاتبًا. نعم، كنت أكتب في السابق لكن ليس بشكل يومي.
  • أصبحت متخففًا Minimalist. أتاح لي هذا التغيير التحرّر من الفوضى والاستمتاع بالحياة بماديات أقل.

هناك العشرات من الأمثلة التي يمكنني مشاركتها معك. أنا أب، أطفاله يدرسون من المنزل، يستيقظ مبكرًا، قارئ، مدرّس، متحدث، رائد أعمال، شخص يدقق في مصروفاته باستمرار. كل تغيير صغير كان أو كبير أدخلته على حياتي وارتبطت به، غير هويتي بطريقة ما. وذلك أقوى مما يدركه معظم الأشخاص، ولكنّه قابل للتطبيق.

المنافع الخفيّة لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

سيتطلب ذلك بعض العمل منك، وستكون بحاجة لتغيير نظرتك إلى نفسك لكنّك ستلاحظ المنافع التالية، والتي لا تتضح لكثير من الأشخاص:

  • ستتوقف عن ممارسة (بعض) سلوكياتك التي اعتدت عليها في الماضي. ستقلع عن التدخين، ستمتنع عن أكل اللحوم، وأي شيء لا يرتبط بهويتك الحالية والشخص الذي أصبحته.
  • ستصبح السلوكيات الجديدة مسلّمات في حياتك. أنت تكتب كلّ يوم وبلا نقاش. إذا أصبحت رائد أعمال، فأنت تعمل وتنظم المشاريع، وهكذا.
  • ستتوقف عن مجادلة نفسك بخصوص فعل الأشياء، وهذا سيوفر طاقتك العقلية ويخلصك تدريجيًا من الصراعات اليومية.
  • ستتمكن من تغيير اعتقاداتك الراسخة التي تمسكت بها طويلًا. مثل: أنا لستُ جيدًا في هذا المجال، أو يستحيل عليّ فعل هذا والنجاح فيه. أيّ اعتقاد أو قناعة لا تخدمك اليوم، تخلّص منها.
  • ستتبنى عقلية التغيير. أي أنك لن تكون عالقًا في أساليبك القديمة، بل باستطاعتك النمو والتقدم وعيش احتمالاتك الجديدة.

هناك الكثير من المنافع بالتأكيد وسأترك لك اكتشافها بنفسك. أما الآن فلننتقل إلى الكيفية“.

كيف تغيّر هويّتك (أو شخصيتك)؟

للأسف لن يكون ذلك سهلًا، ولن يتمّ بضغطة زر في ليلة وضحاها! يمكنك تبنّي التغيير بطرق مختلفة، لكني سأشاركك ما وجدته مفيدًا:

  • لتكن نيّتك: التغيير بوعي. يمكننا تغيير هوياتنا بلا قصدٍ منا عندما نصطدم بشيء يدفعنا للتغيير. لكني وجدت أن فعل ذلك بوعي أفضل من التعثر الأعمى بشيء مذهل.
  • فكّر بالشخص الذي تريد أن تكونه. هل تريد أن تكون شخصًا يكتب كلّ يوم؟ شخص لا يأكل سوى الأطعمة النباتية؟ شخص يقتني القليل جدًا؟ اكتب عن نفسك وعرّف بها قياسًا على ذلك.
  • ابدأ بتبني السلوكيات. استخدم المنبهات والتذكير وكل ما يساعدك على اعتمادها. ولكن الأهمّ من ذلك، أن تبدأ بفعل الأشياء وكأن التغيير حدث بالفعل وأنت الآن في نسختك الجديدة. هل أنت عدّاء؟ أركض.
  • كن شخصيتك/هويّتك الجديدة. القيام بالممارسات والأنشطة شيء، واعتماد هويتك الجديدة ذهنيًا شيء آخر. افعلها كما لو كنت فعلا هذا الشخص. أنظر لنفسك كعدّاء، أو نباتي، أو كاتب محترف. أشعر وتصرف وفق ذلك.
  • عزز التغيير عبر تقدير الذات. خصص وقت كل يوم للتفكير فيما حققته وقدّر ذلك في نفسك. تأكد من أن التغيير يحدث وتذكر: نعم أنا أستطيع! فنحن نميل للتركيز على العقبات، ونتجاهل التركيز على التقدم الذي نحرزه.
  • عندما تتعثر، فكّر في نسختك الجديدة، كيف تتصرف في هذه الحالة؟ ولاحظ أنني قلت عندما تتعثروليس لو تعثرت” لأنك ستفعل لا محالة. لا تقم بالأشياء بشكل مثالي، ولا تستسلم، استمر. سيعود العداء للركض بعد انقطاع أسبوع بسبب السفر، أو الزوار، أو المرض والإصابة. لا تفكر في الانقطاع وكأنك خسرت هويّتك، ولكن تعامل معه كجزء منها.

مرة أخرى، هناك الكثير من الأفعال والممارسات التي يمكنك القيام بها. والكيفيةتوجد نفسها بمجرد أن تبدأ بعيش هويتك الجديدة.

تحذير: لا تكن صارمًا مع نفسك

يمكن لبناء هوية أو شخصية جديدة أن يضعك في مأزق الصرامة مع الذات والتشدد. لنرَ مثلا: عندما تصبح شخصًا يستيقظ باكرًا كل يوم قد يصاحب ذلك امتناعك عن السهر والفعاليات الاجتماعية، وقد يعني ذلك حرمان نفسك من الراحة والنوم لعدة ساعات أحيانا. هذه الصرامة قد تأتي بأشكال أخرى: إذا كنت ملتزم بنظام وأعمل بجدّ هذا يعني أنه لا يحقّ لي الحصول على الراحة، أو أن أكافئ نفسي.

أنت لا تريد تقييد نفسك بالكامل. صحيح أن الحدود والقوانين جيدة ومهمة، لكنّها تصبح ضارة عندما تمنعنا من فعل ما هو أفضل لأنفسنا. إني اشجعك على اعتماد هويّة مرنة، هوية تتغير بوعي عندما تدعو الحاجة لذلك.

أين تنطلق من هنا؟

أشجعك على اختيار جانب من جوانب شخصيتك والبدء به وتطبيق الخطوات أعلاه. ولا تحاول تغيير كلّ شيء دفعة واحدة.

لزيارة تدوينة ليو باباوتا

The Subtle Power of Changing Your Identity

.

.

.

ذاكرة غراب

إذا وقفت في منتصف غرفتي ونظرت باتجاه الحائط الأيمن سترى أثرًا يشبه غيمة داكنة. خط رمادي أطرافه ذائبة في الطلاء الفاتح. أعرف هذا الأثر لأنني حركت الخزائن مؤخرًا. اقترح أفراد العائلة تنظيف الأثر. وبينما أنا أفكر في كيفية إزالته دون التأثير على الطلاء، لمحت بقع صغيرة في مكان آخر من الغرفة.

على الحائط المجاور لطاولة الزينة وحيث تستريح فرش المكياج أرى بقعة بنية صغيرة، بقعة زهرية، ونقط رمادية متفاوتة في الحجم.

كالعادة لدي وفرة من الوقت للتأمل خصوصًا والمهامّ مكدسة وتنتظر. فكرت في الأثر الذي يتركه الآخرون علينا، في الأثر الذي تتركه قراءة كتاب، أو رحلة، أو مشاهدة فيلم.

الكلمات التي تستخدمها اليوم متى بدأت استخدامها؟ ضحكتك هل هي لك تمامًا؟ ذائقتك؟ وقبل أن استرسل في هذه الفكرة المعقدة أعدت نفسي لمكاني، وانشغالاتي العاجلة.

هذه التدوينة الأخيرة قبل عزلة رمضان التي انتظرتها بحماس! لديّ قائمة قراءة، وتعلّم، وكما أتمنى الكثير من الكتابة.

* * *

خلال الفترة الماضية كنت أفكر في العمل، في كتابة المحتوى تحديدًا. أشعر بالاستغراق في العمل لدى الآخرين. أشعر بأنّ طاقتي الإبداعية مسخرة تمامًا للكتابة للعملاء بالإضافة إلى مهامي الوظيفية الأخرى.

هذا العمل يستهلك طاقتي بالتأكيد، لكنّني أيضا وتدريجيا تبنيت أهدافهم، وتطلعاتهم. وهذا ليس بالأمر السيء طبعًا. هذه هي الطريقة المثلى لإظهار اهتمامك بالعملاء ومشاريعهم. لكن، وتحت لكن عشرة خطوط: ماذا لو كانت الكتابة وقود حياتك؟

تزامنت هذه التأملات مع مروري بمقالة في مدونة Copyblogger لخصت مشاعري، وجددت حماسي. كتبت كلير إمرسون ١٠ خطوات لتخرجني وإياكم من دوّامة التردد والتأجيل وإهمال المشاريع الشخصية مثل كلّ سنة.

١أعطِ نفسك الإذن بالبدء قبل الاستعداد الكامل.

٢غير المنظور من يجب عليّإلى سوف أفعل ..”

٣أخرج أفكارك بسرعة من حيز التفكير إلى حيز التنفيذ من خلال تسهيل توليدها.

٤قسّم المشاريع إلى مراحل. ولا تفكر كم بقي للانتهاء؟ الهدف تصغير المشروع قدر الإمكان حيث تختم كل مرحلة كإنجاز وتحتفل به.

٥لا تبدأ بـلماذا؟“. إبدأ بـ لمَ لا؟

٦تخيل انتهاء المشروع. من أذكى الطرق لبناء خطة مشروع هي البدء بالمقلوب من النتيجة النهائية وتفكيكه حتى تصل للحظة الحالية.

٧ركز في الخطوة الأولى أولًاوتجاهل الباقي حتى يأتي وقته.

٨صنف المراحل والمهام وحدد أهميتها، هل يمكن تجاوزها؟ هل يمكنك تفويض المهمة؟ هل يمكن تأجيلها لمرحلة لاحقة؟

٩إذا كانت المشاريع التي تعمل عليها تتطلب البحث والتعلم، لا تتعلم كلّ شيء دفعة واحدة! تقترح كلير تأجيل التعلم حتى تصل للمهمة. بعبارة أخرى: ليكن التعلم مربوطًا بسرعتك الشخصية وموجها لاحتياجك. تذكرت في هذا السياق مهارات التصميم مثلا، أو برمجة المواقع. لا تفكر في تعقيد الأمور وأنت تحتاج مدونة بقوالب جاهزة وطريقة نشر بسيطة.

١٠التزم/ألزم نفسك بالعمل. ما الذي يجعلك مسؤولًا؟ هل تخبر أفراد عائلتك بمشروعك الحالي؟ أو تعمل مع مجموعة من الأصدقاء؟ هل يساعدك ربط المشروع بأهدافك الشخصية؟ لكلّ منّا مرساته، وما يلزمه بتنفيذ خططه.

الرابط بين هذه النصائح بحسب رأي كلير: الإدارة الذاتية والوعي. مشكلتي شخصيًِا الغرق خارج رأسي! وكل ما احتاجه في لحظات الفوضى الجلوس وسرد ما يشغلني على شكل نقاط، وتفكيك العقبات لتصبح قابلة للعلاج. وبالمقابل كلما طالت فترة التجاهل والتبّرم أبقى ساكنة في مكاني.

* * *

خلال الأسبوع الماضي استمعت لحلقة من بودكاست مفضل يقدمه Chase Jarvis، هذه المرة كان تشيس هو الضيف وقابلته ديبي ميلمان المصممة وصاحبة البودكاست الشهير Design Matter. الحلقة ممتعة وتناولت جوانب مختلفة من حياة تشيس ومشاريعه. لكن الجزء الذي أثار دهشتي واهتمامي حديثه عن ذاكرة الغربان! يمكن للغراب تذكر وجوه البشر لسنوات. يمكن للغربان أيضا تذكّر ما إذا كنت صديقا لها أو عدو. وأرشدنا تشيس لدراسة نفذها أحد معارفه ووثقها بحديث على تيد (تجدونه مترجمًا هنا)

* * *

ماذا سيحدث خلال الثلاثين يوم القادمة؟

تجربة كتابة يومية، قصة قصيرة في صفحة واحدة كلّ يوم. ليست لديّ فكرة عن نتيجة هذا المشروع، لكنه الطريقة الوحيدة لتمرين عضلة القصّ من جديد.

الاستماع لعشرات حلقات البودكاست المؤجلة.

قراءة سلسلة كيمياء الصلاة لـ د.أحمد خيري العمري مع العائلة.

نشر كبسولات تثقيفية متنوعة وخفيفة عبر حساب فنّ المحتوى على تويتر.

حمية غذائية نظيفة بلا أطعمة مصنّعة أو سكّر.

التهام كتب معرض الكتاب بحماس.

جرد خزانتي ومكتبتي.

الاستعداد لعطلة الصيف.

.

.

.

ما هي خططكم للشهر؟ شاركوني إياها.

أحبّ رمضان.

أحبّ شعور الخفة والإنجاز والخروج بروح جديدة كل مرّة.

أتمنى لكم أيام مباركة ومنتجة وسعيدة.

وكل عامٍ وأنتم بخير.

.

.

.

في انتظار الرّبيع

«كلما طالت فترة التخطيط دون اتخاذ إجراء، كلما امتدت مساحة الشكّ الذي يشغلك ويمنعك من التنفيذ»

مررت بالاقتباس أعلاه قبل عدة أيام وقضيت وقت طويل في تأمله. هذا الاقتباس يشرح الكثير عن حياتي حاليا. في كلّ شيء أعمل عليه أقضي وقت للتخطيط والاستعداد ثم يتسلل الشك إلى نفسي واتراجع عن الانطلاق كلما ازدادت هذه المساحة وأثرت على تفكيري.

يمر ببالي اسئلة مثل: هل هذه الفكرة جيدة فعلا؟ هل سأتمكن من المتابعة والتنفيذ؟ وفي حالات كثيرة أبدأ بتخيّل نجاحها أو فشلها فينتهي بي الأمر محبطة وأنا لم انطلق.

أتممت شهري الأول في وظيفتي الجديدة، مرّت الأيام بين التعلم والتوتر والاكتشاف. وتزامنت هذه البداية مع زيارة منى (أختي) للسعودية في إجازة هي الأطول من سنوات. أشعر وكأنني في فقاعة مؤقتة وجميلة. نقضي أيامنا بين ساعات العمل في النهار والخروج مساء لاكتشاف المدينة وتعريفها بالتغيرات المتسارعة التي نمرّ بها.

الفترة الماضية أيضا شهدت أعلى نسبة قراءات في الروتين الإبداعي، والكتابة، واستعادة الإلهام (إذا كان هناك شيء حقيقي اسمه إلهام).

في نفس السياق تقريباقرأت عن ٧ تغييرات في روتينك اليومي قد تساعد في شحن طاقتك الإبداعية

  • تحرّك، فالجلوس لفترات طويلة قد يحجب طاقتك ويشعرك بالكسل.

  • ابدأ العمل على مشاريع صغيرة، أضف مشاريع مصغرة لحياتك اليومية والتي قد لا يستغرق العمل عليها أكثر من ٢٠ دقيقة. غالبا كتابة سريعة أو مسودات الرسم Sketch والتي قد ينتج منها لاحقًا مشروع كبير أو فكرة أفضل.

  • قسّم مهام العمل إلى مقاس أصغر وقابل للإدارة والمتابعة.

  • ابدأ يومك بشيء تحبّه. وركز إلى أي مدى تحبّ هذا الشيء وما هي المشاعر التي تحيط بك خلال العمل عليه. قد يكون هذا الشيء التنفس بعمق، أو صنع فطور شهي ومشبع، أو مكالمة شخص تحبه. بدء اليوم بهذه الطريقة يهدئ أعصابك ويضعك في حالة استعداد لما سيأتي في بقية اليوم.

  • احترم طعامك (هذه النصيحة الطريفة التي تأملتها طويلًا). بدلًا من تناوله سريعًا وبلا تفكير. قدّره. وفكّر في الطريقة التي صُنع بها وجُهّز. هذا التفكير في العملية الإبداعية وراء وجبة طعام يهذبك ويعوّدك على التحليل والنظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • تحدّث بوعي واهتمام واختر كلماتك بعناية. هذا التمرين سيصنع منك كاتبًا أفضل. وفكّر أيضا في أن المحادثات فرصة لممارسة الإبداع.


استقبل مارس بكثير من الحماس!

هناك ورش عمل ومشاركة في ندوة تثقيفية لطالبات الجامعة، رحلة قصيرة ربما، وحلقات جديدة من بودكاست قصاصات بعد أن أرتب وقتي بشكل أفضل. أتبع فتات الخبز الذي تركته ورائي لأعود إليه كلما اشتدت فوضى الأيام وأتمنى أن أنجح في ذلك.


في مفضلة الشهر الماضي:

 

.

.