كنت لوقت طويل مصابة بحساسية تجاه الأدلة الإرشادية للقراءة. كيف تقرأ؟ متى تقرأ؟ ماذا تقرأ؟ والأهم من هذا كله فكرة طقوس القراءة. ربما لأنني اعتدت القراءة لأسباب كثيرة من بينها: التعلم، والترفيه، والاكتشاف، والسلوى. ولم أقبل بوضع أيّ من هذه التوجهات في إطار محدد وخطوات معينة.
لكنني مؤخرًا مررت بمقالة للكاتب ريان هوليداي الذي وجدت في متابعته واكتشاف كتبه متعة عظيمة! وجدت فيه أيضا شخص عبقري في تصوير الأفكار وتنظيمها بالكتابة. هذه المقدمة التي بدأت بها لأشارككم ١٠ استراتيجيات اقترحها هوليداي لنصبح قراء (وأشخاص) أفضل. لم تكن مثل الطقوس المقترحة التي أنفر منها أو المقترحات المستحيلة التي تقيدني بسلسلة كتب أو مؤلفين. هذه الاستراتيجيات (أو الأفكار) ستجعل من القراءة رفيقتكم في كلّ وقت، وإذا كان لديكم أيّ شك في أثر القراءة على الحياة، ربما هذه فرصة جديدة للتحقق بأنفسكم.
بلا إطالة، هذا ملخص استراتيجيات ريان هوليداي التي ترجمتها عن الإنجليزية.
١-توقف عن قراءة الكتب التي لا تستمتع بها
يشارك هوليداي هذه الفكرة الهامة ويذكرنا بأننا نتوقف عن تناول الطعام الذي لا يعجبنا، ونتوقف عن مشاهدة برنامج تلفزيوني إذا كان ممل، وفي نفس السياق نلغي متابعة الأشخاص الذين لا يقدمون ما يفيدنا. لماذا نفعل ذلك مع الكتب التي لا تعجبنا؟
ويذهب أيضا لمشاركة قاعدة مثيرة للاهتمام تقول: اطرح عمرك من ١٠٠ لتحصل على عدد الصفحات التي يمكنك قراءتها وإذا لم تأسرك، انتقل إلى كتابٍ آخر. الطريف في الأمر أن تقدمنا في العمر يعني أننا سنستبعد الكثير من الكتب التي لا تنجح بكسب اهتمامنا بعد عدد صفحات أقل.
٢-اقرأ كجاسوس
أول مرة أتعرف على هذا التعبير! لكن قصد هوليداي من إضافته أن نتعمد القراءة وننغمس في تفكير واستراتيجيات الذين نختلف معهم. حيث إن فرص التعلم متاحة ويمكننا من خلال هذا التوجه تعزيز دفاعاتنا تجاه من يخالفنا الرأي.
٣-احتفظ بكنّاشة
أو كشكول، أو دفتر ملاحظات، أو كتاب اقتباسات! سمّه ما شئت لكنه سيكون مكانك المفضل سواء كنت ترغب في العودة لما قرأته وتعلمته أو لتحسين كتابتك ودعمها بالمراجع والصور والمقتطفات الأدبية. يرى هوليداي أن الاحتفاظ بكناشة جعلته كاتبًا أفضل وشخصًا أكثر حكمة.
بالنسبة لي، احتفظ بدفتر مشابه منذ سنوات وكلما ملأت أحدها أرشفته وبدأت آخر. أسميه «دفتر كلّ شيء» وهو كذلك. لا يشبه مذكراتي اليومية أو مذكرة مهامّ العمل لأنها تحمل طابع محدد وواضح: يومياتي، أحداث موسمية، مهام عمل متكررة، وملاحظات اجتماعات.
دفتر كلّ شيء يحتوي على اقتباسات، وأسماء أماكن وأشخاص، أفكار ومقترحات من متابعين لتدوينات أو حلقات بودكاست، وأحيانًا مشاعر مرتبطة بنصوص أو مشاهدات. أودّ تصنيف وترتيب هذه الكناشات بشكل أفضل مستقبلا فهي الآن بحر من الكلمات والعبارات المتقاطعة.
٤-أعد قراءة الكلاسيكيات
قرأنا الكثير من الكلاسيكيات في عمر مبكر، سواء بشكل مباشر أو ملخصات لها، أو رواها لنا شخص يكبرنا، وفي حالتي شاهدت كثير من الاقتباسات لأعمال عظيمة على شكل فيلم رسوم متحركة أو مسلسل تلفزيوني. السؤال المهمّ الذي يطرحه هوليداي: هل تذكرها بشكل جيد؟ هل قراءتك لها آنذاك مثل اليوم؟
لا يمكننا الاعتماد على تلك التجربة، أو قراءة هذه الأعمال العظيمة مرة واحدة. لأن العالم يتغير بشكل مستمر ونحن نتغير ورؤيتنا لتلك الأعمال كذلك. يقترح هوليداي عليك قراءة الكلاسيكيات في كلّ مرحلة من عمرك. ويستشهد بقول هيراقليطس: «إنّك لا تعبر النهر مرتين». ولهذا السبب ينبغي أن نعود مرارًا وتكرارًا إلى الكتب العظيمة.
٥-اقرأ القصص والروايات
أعتقد بأننا شهدنا الكثير من النقاشات حول جدوى قراءة الروايات والقصص مقابل التصنيفات الأخرى. لستُ أنوي تحليل هذه النقاشات أو إعادتها أو إطلاق شرارتها في هذه التدوينة.
يتحدث هوليداي في هذا السياق عن الخطأ الذي يقع فيه القراء عند استبعادهم قراءة القصص والروايات Fiction وتفاخرهم بذلك. والتبرير الذي يقدمه هؤلاء بحسب قوله إنهم مشغولون جدًا وليس لديهم وقت للفن أو الخيال. ويقول إن القصص والروايات هذه مثلها مثل كل الفنون الرائعة، مليئة بالإضاءات التي يمكنها أن تغير حياتك. ويمكنها أيضا أن تعلمك أكثر من الكتب الواقعية حيث إن هناك أبحاثًا علمية ربطت بين قراءة الأدب وتقليل التوتر، وصقل المهارات الاجتماعية، وحسن التعاطف مع الآخرين.
٦-أطلب توصيات الكتب من أحبّتك
اعتاد هوليداي خلال سنوات مراهقته في كلّ مرة يتلقي بشخص ناجح أو مهمّ ويعجب به أن يسأله: ما هو الكتاب الذي غيّر حياتك؟ إذا غيّر كتاب ما حياة شخص -مهما كان موضوعه أو أسلوبه- فمن المحتمل أنه يستحق الانتباه. وإذا كنت سأذهب لأبعد من اقتراح هوليداي وعندما نستنفذ كل التوصيات في دائرتنا المقربة، أحبّ اكتشاف المؤلفات التي يضعها الكتاب والفنانون عمومًا حول مكتباتهم والكتب التي مروا بها هذه نقطة انطلاق أخرى.
٧-ابحث عن الحكمة لا الحقائق
يرى هوليداي أننا لا نقرأ فقط للعثور على أجزاء عشوائية من المعلومات بلا جدوى. نحن نقرأ للوصول إلى الحكمة الحقيقية التي يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية.
٨- لا تعتمد على تجربتك الشخصية في التعلم
يقول الجندي والفيلسوف الجنرال جيمس ماتيس: «إذا لم تكن قد قرأت مئات الكتب، فأنت أميّ وظيفيًا». يخصص هوليداي هذه الفكرة لتوضيح أهميّة الاستفادة من المعرفة التراكمية. إذا كنت حصلت على أموال مستثمر لبدء مشروع جديد لا تهدرها بتجاهلك أخطاء وتجارب رواد الأعمال الآخرين. هو يقول بوضوح: اختصر الطريق واستبعد الأخطاء المتكررة بقراءة تجارب الآخرين. ابحث في التاريخ، والأدب، والمذكرات وأدرس هذه الحكايات وتعلم منها حتى لا تكون مقصرًا.
٩- الكيف مقدمًا على الكمّ
قد تكون هذه هي فقرتي المفضلة! يشير هوليداي إلى الأشخاص الذين يدخلون في سباقات مستمرة بقراءة الكثير من الكتب دون الالتفات لمحتواها. لست مضطرًا لقراءة مئات الكتب، بل إن القراء الذين يضعون لأنفسهم أهداف للقراءة مرتبطة بالعدد ولا يتمكنون من تحقيقها يصابون بالإحباط ويتوقفون عن القراءة تمامًا. اقرأ بانتباه، اقرأ بعمق وبشكل متكرر وليكن هدفك الحصول على الجودة لا العدد.
١٠-تجاوز حبستك القرائية (أو أي حبسة أخرى)
يقول هوليداي أن الطريق للحكمة ليس مستقيما والرحلة طويلة وغير مباشرة وعاصفة ومليئة بالمنعطفات. قد تكون عالقا في منعطف أو حفرة ما على هذا الطريق. يسميه الركود، وأسميه حبسة! قد نمرّ في فترات إرهاق أو احتراق وظيفي أو أن إحدى مشاغل الحياة اعترضت طريقنا ونحن منغمسين تمامًا في تجاوزها.
يقترح هوليداي فكرة جيدة للخروج من هذا الركود وهو العودة لقراءة شيء مؤثر ومحبب. بدلا من التقاط كتاب جديد وعشوائي أو إجبار أنفسنا على القراءة في موضوع لا نحبه. نعود لكتاب لامس حياتنا وأثر فيها. كيف يمكننا قراءته بشكل مختلف اليوم؟ ماذا عن النصوص التي ظللناها والاقتباسات؟ قد يكون هذا الكتاب رواية مفضلة أو قصص قصيرة. لهذا الوقوف أثر طيب، الأثر الذي ذكرني به هوليداي وأعود له دائمًا: إنّ هذه اللحظات تشبه فتات الخبز الذي يربطنا بأنفسنا ويعيدنا إليها.
أحبب قراءة هذه الأفكار كثيرًا وأحببت ترجمتها بتصرف طبعًا.
أتمنى أن تجدوا فيها شرارة تعيدكم للصفحات أو تدفعكم للقراءة بشكل مختلف.
أتطلع للتعرف على استراتيجياتكم المشابهة، وإذا كنتم قد طبقتكم الأفكار أعلاه من قبل، كيف كانت النتيجة؟
الكولاج: جاكلين دي باركر
.
.
.