بين المواجهة والتخلّي

مع كلّ بداية أسبوع جديد أجلس لكتابة المهام التي يجب إتمامها سواء كانت شخصية أو مرتبطة بالعمل. أفكّر في الصراع الذي أخوضه وأنا أدون هذه المهام وابدأ بالتسويف وهي في رأسي قبل أن أضعها على الورق. التأرجح بين التخلي عن الأمر تمامًا أو التأجيل أو إجبار نفسي على إتمامها على مضض مع كثير من الثقل والتردد. المصادفة الطريفة أني مررت بتدوينة لـ ليو باباوتا تتحدث عن نفس الفكرة، وتعطي بارقة أمل باقتراح ما يمكن فعله في هذه الأحوال. هذه التدوينة نسخة مترجمة عن الموضوع -مع الكثير من الاختصارات. ليو يقترح علينا التفكير في خيارات أخرى غير التأجيل الكامل والإجبار على العمل.

ومن بين هذه الخيارات:

  • اختيار الراحة والابتعاد عن المهمّة ومن ثمّ العودة إليها عندما نكون أكثر انتعاشًا.
  • إيجاد الأسباب التي تلهمنا للعمل على المهمة والتمسك بها حتى عندما نشعر بالتعب أو الضجر. مثل تذكّر الهدف الأكبر والرؤية العامة لنا. أو البحث عن الأثر الذي يتركه هذا العمل على حياتنا وحياة الآخرين. باختصار إيجاد قيمة أصيلة نضعها نصب أعيينا كلما شعرنا بالتراخي.
  • طلب الدعم والمساعدة من الآخرين. لا تخجل من طلب المساعدة بكل أشكالها. كيف يمكن للآخرين مساعدتنا في هذه المهمة؟ أو حتى تشجيعنا وجعلها أكثر متعة.
  • ابتكار منهج إبداعي يساعدك في تنفيذ المهامّ ويشجعك على احترام جهودك.

وهكذا يوجز لنا ليو الموضوع ويشجعنا على التفكير في الأمر من زاوية مختلفة وكلما اتسعت الخيارات كلما أظهرنا لأنفسنا الاهتمام والرعاية اللازمة.

ويتحدث أيضًا عن نزعتنا الفطرية لاختيار أحد الخيارين الأولى: الامتناع والتجاهل التامّ أو العمل بإجبار. ونحنُ في هذه الحالة لا نتخذ قرارًا خاطئًا باختيار أحدهما، لكن التصرف بنفس الطريقة كلّ مرة سيمنحنا نفس دائمًا نفس النتائج: فالتجنب يجعلك عالقًا ويوقظ بداخلك الأحكام الذاتية القاسية، وإجبار نفسك على العمل يجعل تشعر بالعبء، والإرهاق، والتعب، والهمود. إن معرفتنا الذاتية بهذه النزعة تهيئنا للتفكير في تجربة أمرٍ مختلف. وستشجعنا في اختيار رعاية الذات عبر التأكد من العمل دون إرهاق، وإنعاش أيامنا بطريقة نحبّها. وبدلًا من إجبار نفسك للعمل على مهمّة للانتهاء منها وتجاوزها جرّب واحدة من الخيارات أعلاه.

وأنا اقرأ التدوينة وأنقلها هنا تذكرت مهمة أجلتها ثلاثة أشهر! وبعد أن انتهيت منها خلال ساعة أو أقل بقليل ضحكت كثيرًا من نفسي. هذا الانزعاج والتأجيل والتجاهل كان سينتهي بشكل مختلف لو أني قررت يومًا ربطها بنشاط ممتع مثل مشاهدة فيديو على يوتوب أو الاستماع لكتاب صوتي أو التحدث مع صديقة على الهاتف. بالضبط الأمر بهذه البساطة، وشعوري بعد الإنجاز مذهل.

كانت لدي خزانة بأربعة أرفف كبيرة ملأتها بأنواع متعددة من القرطاسية والأقلام والألوان وبدأت بحشر كل شيء صغير من هدايا ولُعب وتذكارات، وزجاجة ماء منذ ديسمبر الماضي! كل يوم أدخل الغرفة التي أصبحت مكتبة ونادي رياضي لتستقبلني الرفوف وفوضاها وزجاجة الماء. أسافر وأعود لأكدس المزيد وأؤجل ويزداد غضبي من نفسي وكسلي.

نهار السبت الماضي بدأت بالعمل بالإضافة لإعادة تنظيم أرشيف يومياتي للسنوات الماضية وتخزين الدفاتر في مكان جيد. أفرغت الرفوف وتركتها شبه فارغة في مواضع، بينما ملأت الجزء الآخر منها بالكتب التي أقرؤها حاليًا، وأدوات الرسم، وبعض الأغراض اليومية والأقلام.

وأقيس على هذه المهمة غيرها من القائمة التي أسميتها «أبدية» على أمل العودة إليها قريبًا. سيكون منتصف نهار السبت لأشهر قادمة موعدي. أختار نشاط ممتع، وأحاصر مهمة مؤجلة وهكذا. حتى تنتهي كلها بسلام.

هل ترى ما أرى؟

قرأت يوم أمس تدوينة لسيث غودن يتحدث فيها عن موضوع يشغلني حاليًا. صدفة مروري بمدونته في تلك الساعة وقراءة المنشور تركتني في تأمل طويل. أغبطه على قدرته والتزامه بالتدوين اليومي منذ سنوات! وهذا موضوع آخر قد أكتب عنه وأناقشه طويلًا. فكرة سيث التي تكلّم عندها في التدوينة تركّز على التغيير الشخصي، وحقيقة أن التغيير هو الثابت الوحيد في حياتنا. أنا اليوم لستُ أنا قبل أسبوعين (لديّ اثباتات كثيرة حول هذا الأمر) ولستُ أنا قبل عشرة أعوام. ومهما زادت محاولاتي وبحثي للعودة هناك، لن أتمكن من ذلك. يستخدم نهر المسيسيبي كمثال على فكرته. الماء في النهر لم يكن هنا منذ عشرة أعوام. حتى حدود النهر تغيّرت، وضفافه. الأسماك والكائنات التي تعيش بداخله انتقلت وفنت.

ما هو إذًا “نهر المسيسيبي”؟ هو مجرد تسمية، أو علامة، أو وعاء. وعندما يفعل النهر شيئًا غير متوقع نعلق على ذلك. الناس يشبهون النهر، ماذا لو كنت معروفًا بأفضل -أو أسوأ- ما فيك وحسب؟ أنت لست نفس الشخص الآن، اليوم، وفي هذه اللحظة. وهناك احتمال كبير ألا تكون كذلك غدًا. ولكن هذا هو التصنيف الذي اختير لك. يرى سيث أننا عندما نتحدث عن شخص، أو جهة أو حتى عن أنفسنا نفعل ذلك وكأنّ كل من هؤلاء له صفة الثبات. حقائق غير متغيرة. لكننا في الحقيقة مثل الأنهار. والتصنيفات تفقد أهميتها في وقتٍ ما، لذلك يتعين علينا تغييرها. وعندما نتمسك برأينا ونرفض الاعتراف بحقيقة التغيير نصبح كمن يحكم قبضتيه على شيء يمنعه من الانشغال بسواه. الانشغال بما هو أفضل.

.

.

الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

بدأت فكرة هذه التدوينة من منشور على تويتر. شارك الكاتب ديكي بوش دليلًا مختصرًا ليمكننا من مراجعة السنة واكتشاف دروسها وتقييمها من جميع النواحي. وفي اللحظة التي قرأت تفاصيل الدليل قررت ترجمته باختصار ومشاركته في مدونتي قبل نهاية العام. سيكون تمرينًا ممتعًا لي ولكم، وكما يقترح الكاتب الذي أعدْ الدليل يمكننا تحويل إجابات هذه المراجعة إلى محتوى نشاركه مع الآخرين إذا أحببنا.

هذه التدوينة ليست حصرية لنهاية العام الميلادي، يمكن الاستفادة منها بشكل مستمر لمراجعة ربع السنة، ومنتصفها ولتحفيزنا لطرق جديدة لتدوين يومياتنا ومتابعة تقدمنا في الحياة.

وجد بوش كل نهاية سنة مدفوعًا للتفكير وطرح الأسئلة حول الأمور التالية:

  • الأشياء التي قام بها بشكل جيد (المكاسب والإنجازات).
  • الأشياء التي لم يقم بها أو تعثر في إنجازها (الأخطاء والصعوبات).
  • الأحداث الهامة واللحظات التي لا تنسى خلال العام والتي بدورها شكّلت شخصيته.
  • الدروس والمستهدفات التي يود وضعها في مقدمة قائمته للعام المقبل.
  • تحليل 80/20 (ما الذي حقق أفضل النتائج وما الذي تسبب بتعثره؟).
  • ما يريد أخذه إلى العام القادم وما سيتركه وراءه.

يقترح بوش اتباع الخطوات التالية لكنّه أيضًا يشجعنا لاتباع طرق مختلفة كاستبعاد بعض الخطوات، أو استخدامها كإلهام لبناء خطة عمل العام القادم. وأضيف على ذلك: قد تكون هذه المراجعة ممتعة كفعالية جماعية مع الأهل والأصدقاء.

وأضاف كتقديم للدليل هذه الأفكار السريعة:

  • ليس المقصود إتمام المراجعة في جلسة واحدة. ويمكن العمل على كل خطوة لعدة ساعات حتى تحصل على الاهتمام الكامل.
  • يمكنك الدمج بين الخطوات أو الاستعانة بتفاصيلها لبناء نسخ إضافية من المراجعة لتغطي جوانب غير مذكورة هنا.
  • تذكّر أنكم في مهمة لجعل العام المقبل نسخة أفضل من العام الحالي.
متابعة قراءة الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

كيف تصبح مسوّف ذكي؟

قبل عدة سنوات وبينما كنت أعمل في وظيفة بشركة إبداعية؛ وجدت نفسي في لحظات كثيرة غارقة في المهام ولا أعلم من أين أبدأ. كنت أذهب لمديرتي في مكتبها لتبدأ بكتابة مهامي وتفكيكها واستبعاد غير العاجل أو المهم منها. كنت مذهولة من طريقتها في الترتيب وكيف تختصر ١٢ مهمة خلال دقائق إلى ٥ أو ٦! كانت تقترح تفويض مهمة لأفراد الفريق، أو تأجيلها بعد التفاهم مع العميل أو الغائها تمامًا. عرفت تفاصيل هذه التقنية لاحقًا بالممارسة والقراءة والتعلم الذاتي. قرأت عن تنظيم الوقت وإدارة المهام واستمعت وشاهدت وكتبت، لكنني مررت بتدوينة ممتعة حول الموضوع وقررت نقلها للعربية ومشاركتها بتصرف في المدونة.

لنتخيل السيناريو التالي:

  • لديك قائمة مهام طويلة دون تحديد أولوية.
  • تشعر باليأس وترغب في التوقف عن عمل كلّ شيء.
  • تبدأ العمل على مهام معينة وتقفز بينها دون إكمال.

إذا كانت السمات السابقة تنطبق عليك أنصحك بمتابعة القراءة والتفكير في طريقة مختلفة لمعالجة المهام المتراكمة. تركز الكاتبة على فكرة رئيسية في ترتيب قائمة المهام وهي: توضيح ما يجب استبعاده لا ما يجب فعله. أي أن تسوّف أو تؤجل بذكاء!

متابعة قراءة كيف تصبح مسوّف ذكي؟

ضع حدودك وانعم بالسّلام

خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت لي باستمرار وبشكل يومي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تشجع على وضع الحدود الشخصية واحترامها. بعضها كان لطيفًا وملهمًا والبعض الآخر مليء بالغضب والأوامر غير المنطقية لنا كبشر. نعيش في جماعات ونأنس بالآخرين ونحبهم. هذا التأرجح في عرض موضوع مهمّ وحساس يضمن لنا عيش الحياة بصورتها الأفضل دفع فضولي في اتجاهات مختلفة. مرة اتحدث مع الأهل والأصدقاء عن تعريفهم للحدود وكيف يفعلونها في حياتهم اليومية؟ ومرة بالقراءة والبحث عبر المصادر الرقمية ومشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للبودكاست. لا أعلم حقيقة ما الدافع وراء موجة التصحيح والتحول لعيش أطيب، هل كانت الجائحة التي دفعتنا للشعور بأننا نوشك على الانتهاء؟ هل كان الانفصال الاجباري عن الآخرين؟ هل دفعنا بطريقة ما لتحليل كل نواحي حياتنا واكتشفنا أن المسبب الرئيسي لكثير من مطباتها: نحنُ؟

لم أجد إجابة بعد، لكنني عثرت على كتاب لطيف واقرأ فيه على مهل منذ شهر أو يزيد. اسم الكتاب Set Boundaries, Find Peace للكاتبة نيدرا غلوفر تواب. قرأت عدة فصول منه باللغة الإنجليزية. ومع أن نسخة عربية صدرت خلال هذا العام إلا أنني لم اطلع بعد عليها أو جودة ترجمتها. تهدف الكاتبة عبر كتابها هذا إلى تعريفنا بالحدود الصحية، كيف نضعها؟ وكيف نحقق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة – إن وجد ذلك حقًا – وكيف نستمتع بعلاقات جيدة مع الآخرين.

الكتاب مقسم إلى قسمين رئيسيين:

الأول يساعدنا على فهم أهمية وضع الحدود الشخصية وأنواعها وتعريفها، والقسم الثاني مرتبط بالعمل الفعلي وكيفية وضعها.

يتبع كل قسم مجموعة من الفصول التي كُتبت بلغة خفيفة وواضحة ومؤثرة، وبعد كل قسم تمرين مخصص لمراجعة ما تعلمناه. أحببت طريقة الكاتبة في اعتمادها على إجابة الأسئلة كتابيًا وهذا في ظني يترك الأثر الأفضل على الانسان. أن ترى كل شيء مدونًا أمامك: اجاباتك الحقيقية والشفافة على الأسئلة الصعبة، واستعدادك للتغيير والتحسين. سأشارك معكم في الجزء التالي من التدوينة ما اقتبسته من الجزء الأول في الكتاب. أتوقع أن يثير حماسكم لاقتنائه أو اكتشاف الكاتبة عبر ما نشرته من مقالات وتوجيهات بهذا الخصوص.

لكن ماذا نقصد بالحدود؟

الحدود هي التوقعات والاحتياجات التي تساعدك على الشعور بالأمان والراحة في علاقاتك. تساعدك التوقعات في العلاقات على سبيل المثال على البقاء بصحة جيدة. تعلم متى تقول لا ومتى تقول نعم هو أيضًا جزء أساسي من الشعور بالراحة عند تفاعلك مع الآخرين.

متابعة قراءة ضع حدودك وانعم بالسّلام