الحلقة 24: مارك توين

The-Cheshire-Cat-with-Mark-Twain.

في الفترة ما بين 1870و1880م انتقلت عائلة توين كل صيف إلى مزرعة كواري في نيويورك. على مسافة 200 ميل غرب هارتفورد كونيكتيكت حيث منزل العائلة. وجد توين في تلك الصيفيات أكثر فترات حياته الكتابية غزارة، خصوصاً ما بعد 1874م عندما بنى أصحاب المزرعة غرفة كتابة صغيرة وهادئة على أرض الملكية، في ذلك الصيف تحديداً بدأ بكتابة مغامرات توم سوير. كان روتينه بسيطاً: كان يذهب للعمل صباحاً بعد فطور غنيّ ومغذي ليكتب حتى وقت العشاء في الخامسة مساءا. لم يكن أحد من أفراد عائلته يجرؤ على طرق باب غرفته، وكانوا ينفخون في بوق لمناداته عند الضرورة. وفي الأيام الحارة كان يترك باب الغرفة مفتوحاً ويثبت أوراقه بالطوب ويكتب بلا توقف حتى عند الأعاصير، مرتدياً ملابس خفيفة مصنوعة من الكتّان. بعد العشاء يقرأ توين ما كتبه خلال اليوم على أفراد عائلته. كان يحب الحصول على جمهور ودائما يكسب موافقتهم.

لا يعمل مارك توين أيام الآحاد ويقضيها مع أسرته ويقرأ ويستمتع بأحلام اليقظة في بقعة ظليلة من المزرعة. كان يدخن السيجار باستمرار سواء كان يكتب أو لا. يتذكر صديقه وليام دين عادات تدخينه المخيفة : “كان المنزل بحاجة للتهوية باستمرار، لماذا؟ لأن توين كان يدخن من الفطور حتى موعد النوم”. يذكر أصدقاءه أيضاً أنه كان يعاني من الأرق.


الحلقة 23: إرنست همنغواي

hemingway

خلال حياته كبالغ داوم همنغواي على الاستيقاظ باكراً، بين الخامسة والنصف والسادسة صباحاً. مع طلوع النهار ينهض وإن كانت ليلته الماضية صاخبة وغارقة في الكحول. يقول عنه ابنه غريغوري بأن مناعته قوية ضد الأعراض الجانبية للشرب المفرط. “يظهر والدي بشكل رائع دائماً، وكأنّه نام نوم الطفل في غرفة معزولة وبغطاء عينين أسود”. في لقاء أجري معه في باريس ريفيو العام 1958م شرح همنغواي بالتفصيل عن أهمية تلك الصباحات:

“عندما أعمل على قصة أو كتاب أبدا كلّ صباح ما إن يطلع الضوء. لا أحد يقاطعك والمكتب بارد وتدفئه بالكتابة. أكتب بلا توقف، أتوقف عندما أعرف ما سيحدث لاحقاً. أكتب حتى تعرف أنك ما زلت تملك المزيد من عصير الكتابة. أنك ما زلت تعرف ما سيحدث في التالي عندما تتابع الكتابة. لا شيء يمكنه أن يؤذيك، لا شيء سيحدث، لا شيء له معنى حتى يأتي اليوم التالي وتتابع ما كنت تفعله من قبل. ما يصعب تجاوزه حقاً هو الانتظار لليوم التالي.”

بعكس الأسطورة الشهيرة المتداولة عن همنغواي بأنه لا يبدأ الكتابة إلا بعد تجهيز 20 قلم رصاص من قياس 2. ينفي هذه الإشاعة بقوله “لم يسبق أن امتلكت 20 قلم رصاص في وقت واحد.” كان همنغواي يكتب واقفاً، مقابل خزانة كتب بارتفاع صدره على آلة كاتبة. قبل استخدام الآلة وكمسودة أولى يكتب على ورق خفيف بخفّة قشر البصل وبقلم الرصاص. عندما يعمل بشكل جيّد يبعد لوح الكتابة وينتقل للآلة الكاتبة. كان أيضاً يتابع عدد الكلمات التي يكتبها يومياً “كي لا يخدع نفسه” على حد قوله. عندما يتوقف الهامه الكتابيّ، يترك العمل على الروايات والقصص ويتجه للردّ على رسائل البريد. هذا يخلّصه من مسؤولية الكتابة، أو كما يسميها مسؤوليته عن الكتابة السيئة.

الحلقة 22: جاكسون بولوك

pollock_5

في نوفمبر 1945م انتقل بولوك وزوجته –الرسامة كذلك- لي كراسنر من مدينة نيويورك إلى قرية صيادين صغيرة شرق لونغ آيلند اسمها “سبرينغز”. كراسنر تمنّت أن يكون هذا الانتقال خارج المدينة معيناً لزوجها على ترك إدمانه على الكحول. تحققت أمنيتها. بولوك شرب بلا أصدقاء الحانة واحتفالاتهم الصاخبة لذلك كان معدّل الشرب أقل بشكل ملحوظ. عاد جاكسون للرسم من جديد وكانت تلك السنوات القليلة في سبرينغز أكثر سنوات حياته سعادة وإنتاجاً. خلال تلك الفترة طوّر تقنيته الشهيرة في الرّسم بالتنقيط. في كثير من الأيام ينام بولوك حتى الظهيرة. “لديّ عادة الشارع الثامن القديمة في النوم طوال النهار والعمل طوال الليل.” يقول لأحد المراسلين في 1950م. كانت لي تستيقظ قبله بساعات، تنظف البيت، تعمل في الحديقة وقد تعمل قليلاً على رسوماتها الخاصة. تنزع “لي” كبل الهاتف من مدخله بالجدار كي لا يزعج جاكسون ويستيقظ قبل موعده.

حوالي الواحدة ظهراً، ينزل بولوك للطابق السفلي ويتناول فطوره اليوميّ المكون من القهوة والسجائر ثم يخرج للحظيرة التي حوّلها إلى استديو خاصّ. يبقى هناك حتى الخامسة أو السادسة مساءا ثمّ يخرج لشرب البيرة أو المشي مع زوجته على الشاطئ.

في الليل يتناولان العشاء، أو يجتمعان بالأصدقاء وزوجاتهم. تصفهم كراسنر بالرفقة الآمنة وذلك بسبب تأثيرهم الطيب على زوجها. بولوك يحبّ البقاء مستيقظاً حتى وقت متأخر ليلاً. ولكن في قرية صغيرة مثل سبرينغز بلا فعاليات ولا رفقة صاخبة، كان يشرب أقلّ وينام أكثر، 12 ساعة يومياً.

الحلقة 21: مارلين روبنسون

marilynne-robinson

“لستُ قادرة على الانضباط” تقول روبنسون. وتكمل “اكتب عندما تسيطر علي الرغبة في الكتابة بقوّة. عندما لا أشعر بذلك لا أكتب، لا أكتب مهما حاولت. حتى وإن أردت العمل على كتابة شيء من أجل الاستمرار فإنني انتهي إلى كره ما كتبته، وهذا يصيبني بالكآبة. لا أريد الانتظار حتى يحترق الورق ويصعد للخارج عبر المدخنة.”

روبنسون لا تستطيع المحافظة على روتين كتابيّ ثابت لكنها تستفيد من فترات الأرق وتسخّرها لصالحها. “استيقظ وذهني صافٍ تماماً، العالم صامت، استطيع القراءة والكتابة. يبدو ذلك كوقتٍ مسروق، كأنني حظيت بـــ28 ساعة في اليوم.”

الحلقة 20: أوليفر ساكس

OliverSacks_PhotobyAdamScourfield

أوليفر ساكس ولد في لندن ويستقر حالياً في نيويورك. أوليفر طبيب وأستاذ في علم الأعصاب وعلم النفس. وكاتب حققت كتبه شهرة ومبيعات ضخمة من بينها “الرجل الذي حسب زوجته قبّعة”. يصف ساكس روتينه اليومي هنا:

“استيقظ في الخامسة صباحاً لأنّ دورة نومي تتطلب ذلك. مرّتين أسبوعياً أزور المختص لإجراء التحاليل في السادسة صباحاً. أفعل ذلك منذ أربعين عاماً. ثمّ أخرج للسباحة لأبدأ يومي بنشاط ثمّ أتناول طبقاً من الشوفان وأول فنجان شاي لليوم ويتبعه الكثير من الفناجين من شاي وقهوة وشوكولاتة ساخنة. استخدم غلاية كهربائية، استخدمها لأنني انشغل بالكتابة عن الماء وانسى إطفاء الفرن.

احتاج إلى دقيقتين للوصول إلى مكتبي في بناية قريبة، وأردّ على رسائلي كتابياً. لا استخدم جهاز الحاسب أو البريد الإلكتروني، واكتب بقلم الحبر من ماركة “ووترمان” واستخدم الورق الأصفر المسطر الطويل. اكتب عادة وقوفاً أو استند قليلاً على كرسي لتجنب آلام الظهر.

آخذ فاصل قصير لتناول الغداء، امشي حول الحيّ، وأعزف على البيانو لدقائق ثم أتناول وجبتي الخفيفة المفضلة من السمك المالح والخبز الأسود. أقضي ما بعد الظهيرة في الكتابة وأحيانا أغفو على أريكتي وأدخل في حالة من الراحة وإذا كنت محظوظاً ستُشحن طاقتي للعمل من جديد.

أتناول عشاء خفيف مبكراً، تبولة عادة وسردين أو سوشي. استمع إلى الموسيقى –غالباً باخ- ثم اجلس لقراءاتي المفضلة: سير ذاتية، كتب تاريخ، مراسلات، وأحيانا روايات.

أكره التلفزيون ونادراً ما أشاهده. أذهب إلى سريري باكراً واترك بجانب رأسي دفتر لتسجيل أفكاري الطارئة وأحلامي التي احتاج إلى تحليلها وتفكيكها. هذا الروتين قابل للتغيير دائماً، خصوصاً عندما ادخل في حالة إبداعية. اكتب أحيانا لــ36 ساعة متواصلة.”