مراجعة كتاب: Manage your day-to-day

9781477800676_p0_v1_s260x420

“اصنع روتينك، جد نقاط تركيزك، واشحذ تفكيرك الإبداعي”

الكتاب نُشر من قبل موقع 99U وحررته وأعدته Jocelyn Glei . الكتاب مهدى للمبدعين ويحتوي على أدوات وأفكار مجربة ومفيدة لدعم الإنتاجية والعمل. قرأته في الفترة بين نوفمبر 2013 ومارس 2014. أعرف ذلك الآن من علامات التوقف في قارئي الإلكتروني. أما النسخة الورقية من الكتاب فحجمها مناسب للحمل والقراءة وإبقاءها قريبة منكم كمرجع مفيد. الخبر السيء هو أن الكتاب لم يترجم للعربية بعد. وربما هذا هو السبب في تأخر كتابة مراجعتي له. كنت أرتب لترجمة النقاط الرئيسية في فصوله ثم نشرها ليستفيد منها من سيقرأ الكتاب أو سيقرأ عنه.

يقع الكتاب في أربعة فصول وفصل خامس ختامي. في كل منها مفاتيح مهمة للمبدعين تساعدهم على الاحتفاظ بطاقتهم وإنتاجهم وسط عالم مشتت الانتباه. كلّ فصل من فصول الكتاب يعرض المفاتيح بشكل ممتع ومبسط مع التمثيل لها بقصص وإرشادات مجربة من المختصين. الهدف من ذلك؟ استعراض الصعوبات التي قد يواجهها المبدع/صاحب الفكرة/مدير المشاريع وحتى الموظف العادي والطالب في إدارة حياته اليومية وتقديم أفضل ما لديه.

الفصل الأول: صناعة روتين جيد

مشكلة الروتين تكمن في عدم انتباهنا لما نقوم به. عندما ننغمس كليا في الروتين يتوقف إحساسنا بالتفاصيل ونتحول إلى ما يشبه الآلة. هذا الاقتباس لفت انتباهي في الكتاب.

“لبناء روتين أفضل، أخرج من روتينك الحالي. ارتفع قليلاً وأدرس تفاصيلك اليومية بمعزل عنها. ستستعيد طاقتك الإبداعية عندما تعرف ما يهمّ حقاً”

أول نصيحة أعجبتني بخصوص تغيير روتين العمل اليومي هي: البدء بالعمل الإبداعي أولا وترك العمل القائم على ردود الفعل –reactive- أو الأوامر لاحقاً. ويوضح الكتاب أكثر لهذا النوع من العمل بأنه: ذلك العمل الذي يرتبط بالاتصالات والمراسلات والمواعيد وغيرها. المبدع يحتاج لتخصيص جزء كبير من يومه بلا اتصالات ليركز على العملية الإبداعية.

متابعة قراءة مراجعة كتاب: Manage your day-to-day

ثلاثة أيام مع غابو: اليوم الثاني \ الثالث.

vcm_s_kf_repr_722x721

الثلاثاء، 9 أبريل 1996م

التاسعة صباحاً

أضاع غابو آلته الكاتبة الأولى قبل خمسين عاما من اليوم. الآلة التي كتب عليها قصته “الإذعان الثالث” وهي أول قصة نشرت له. كان طالب قانون تعيس، يسكن في نزل للشباب بأجر زهيد في بوغوتا. كان يشتاق لحرارة ساحل الكاريبي ونادراً ما كان يذهب لمحاضراته. القانون تخصصّ لم ينجح في جذب انتباهه كما كانت عائلته تتوقع. خلال وقت الغداء، في التاسع من أبريل 1948م وبينما كان غابو يستعد للجلوس وتناول طعامه وصله خبر اطلاق النار على الناشط السياسي والمرشح الرئاسي خورخي غايتان. كان غايتان المرشح الذي هز التركيبة السياسية التقليدية لكولومبيا. يخبرنا غابو باللحظة التي وصل فيها إلى الشارع ليجد الناس وقد تلوثت مناديلهم بدمائه. احترقت شوارع بوغوتا وضاعت آلته الكاتبة في الأحداث. شُلّت كولومبيا وتعطلت الجامعات. وبعد عدة أشهر في قرطاجنة وعندما كان غابو بعمر التاسعة عشرة بدأ حياته الصحفية بكتابة الافتتاحيات.

“كنت أمشي في أحد الأيام وقابلت زافالا، محرر جريدة الاونيفرسال جالسا أمام آلته الكاتبة خارج الميدان ثم قال لي: أعرفك، أنت الشاب الذي يكتب القصص القصيرة في الاسبكتادور، لماذا لا تجلس معي هنا وتساعدني في هذه الافتتاحية؟

كتبتُ شيئاً ثم أخرج قلمه الرصاص وشطب الكثير من الأجزاء. كتبت مرة ثانية ولم يشطب سوى بعض المقاطع. في اليوم الثالث من هذه المهمة أصبحت أكتب بلا تعديل. لقد أصبحت صحفياً”

لم يجلس غابو بجانبي اليوم. ولم يرتدي قميص الغوايابيرا الأبيض. لكنه يرتدي اليوم قميصاً فيروزياً بأكمام قصيرة. ما زال حذاؤه أبيض. تواصلنا بعيد لكنني ما زلت معلقة بقصصه.

“بدأتُ أكتب لكسب المال بعمر الثالثة والأربعين” يخبرنا غابو ويتابع “اشتريت منزلي الأول بكويرنافاكا المكسيكية في 1970م، بعد نشر قصتي الأولى بخمسة وعشرين عاماً. كانت حساباتي كالتالي: إذا أردت أخذ الأولاد للسينما عليّ كتابة اثني عشر صفحة، وإذا أردت أخذ الأولاد إلى السينما ثم تناول البوظة سأحتاج إلى كتابة عشرين صفحة.

عندما كنت في باريس لم التزم بجدول كتابة معيّن، كتبت غالبا في الليل. وفي النهار كنت أقلق بشأن طعامي. الآن أعرف أنه من الأفضل الكتابة خلال النهار، على جهاز كمبيوتر، وبمعدة ممتلئة وفي برودة جهاز التكييف”

gabo_y_fidel

الواحدة بعد الظهر

لم يكن بالإمكان مقاومة ذلك. أعني بدء الحديث عن فيدل كاسترو. كنا –أو بدقة أكبر كنت انتظر ذلك- ننتظر اللحظة المناسبة. أراد غابو الحديث عن الأخلاقيات الصحفية: هل يقرأ الصحفي مستنداً مهمل يحمل إمكانيات خبطة صحفية؟ كان سؤاله فرصة مناسبة. وأجبته.

“لقد حدث معي موقف مشابه. في العام 1991م كنت في الاحتفالية الأولى لمؤتمر الدول الايبرو-أمريكية في غوادالاهارا. قيل لكاسترو أنّ عليه تحديد كلمته بسبع دقائق، هو وغيره من الرؤساء. انتظر الجميع على أحرّ من الجمر موعد كلمته، فهو معروف بكلماته المرتجلة الطويلة – في اليوم التالي لانتصار ثورة 1959م القى في الجموع كلمة امتدت لسبع ساعات – لكنّ كاسترو التزم بالوقت، وتحدث لسبع دقائق بالضبط. بينما تحدث رئيس جمهورية الدومينيكان لخمسة وأربعين دقيقة. خلال الاستراحة تدافع الصحفيون وأنا معهم حول فيدل كاسترو. كان أكبر من الحياة نفسها بحضوره اللامع. زيّه العسكري حائل اللون وياقته مهترئة. سار للخارج والحشد يتبعه. بدت عليه علامات السعادة والإعجاب، لقد أحبّ ذلك بالتأكيد.

مدّت له سيدة صورة بالأبيض والأسود مطالبه بتوقيعه. وسأله شخص آخر “هل كان التحدث لسبع دقائق صعباً؟” “لقد خُدِعت!” قال كاسترو “قيل لي أنني إن واصلت الحديث لمدة أطول فإن أجراس غوادالاهارا ستُقرع”.

لاحظتُ ورقة صغيرة مجعدة إلى جانب كراسة صفراء حيث كان فيدل كاسترو جالساً. عندما غادر الحشد وراءه، عدت إلى مكانه والتقطت الورقة وفتحتها لأجد عبارة كُتبت بخطه الصغير والمتراكم ” كم كانت مدة حديثي؟” وعلى الكراسة الصفراء كتب كاسترو قائمة بأسماء الرؤساء ومدة حديث كلّ منهم بالثانية. تركت الورقة ورائي وندمت على ذلك للأبد”

قال غابو “كنت سألتقطها بالتأكيد! صدقيني لو كان يعتقد بأنها مهمة لن يتركها وراءه. كنتُ سأحتفظ بها كتذكار”

وكما تمنيت بدأ غابو بالحديث عن كاسترو. تحدث عن كوبا بصراحة، باهتمام وشغف. تحدث كطالب جامعي علق على جداره صورة تشي غيفارا. لكنّه عندما تحدث عن كاسترو لم يتحدث عنه بسوء، ولم يفش شيئاً. قال إنه يتحدث عنه بعاطفة ولا يصدر عليه أحكاماً. وأخبرنا بأنه من أحبّ الأشخاص إليه في العالم أجمع.

“إنه دكتاتور” علق أحد الحاضرين.

“أن تكون لديك انتخابات ليست الطريقة الوحيدة للديمقراطية” علّق غابو.

لكن الصحفي الأمريكي في المجموعة تابع استفزازه لغابو فاضطرّ للإجابة. تحول صوته للصرامة وقال له “هذه ليست مقابلة صحفية. إذا أردتُ التعبير عن رأيي في كاسترو سأكتب ذلك بنفسي وصدّقني سأفعل ذلك بشكل أفضل”.

يبدو أن شعر بالذنب بعد انفعاله. وصف لنا غابو تقريراً كتبه عن فيدل كاسترو “أعطيته إياه ليقرأ. كان تقريراً ناقداً. تحدثت فيه عن وضع حرية الصحافة الكوبية. لكنه لم يعلق على ذلك. ما أثار انزعاجه حقاً حديثي عن تناوله لثمانية عشر ملعقة بوظة بعد وجبة غداء في أحد الأيام. هل تناولت هذه الكمية فعلا؟ سألني بصورة متكررة.”

العشاء

تناول العشاء معنا في “لا فيترولا” أكثر مطاعم قرطاجنة كوزموبوليتانية. ديكور المكان كولونيالي إنجليزي أكثر منه إسبانياً. مجموعة من العازفين الكوبيين يعزفون أغنيات تقليدية بملابسهم البيضاء. في ذلك المكان يجتمع أفراد الطبقة العليا في كولومبيا ويتناولون طعامهم في العطلات. قد يمر الرئيس الكولومبي لتناول شراب. وممثلي المسلسلات التلفزيونية الشعبية، تجار المخدرات، ويحظى أبناء كولومبيا الأرستقراطيون بمواعيدهم الغرامية الأولى. يأتي بعض المترفين المحليين إلى المكان أيضاً. لائحة الطعام هنا تشبه التي تقدم في مطعم نيويوركيّ. صلصة السلطة أعدت بخل البلسميك وجبن الموزاريلا هنا طازج والنبيذ كذلك. هذا جيد بالنسبة لكولومبيا. جلسنا للانتظار في غرفة صغيرة. نحتسي شراب البنش –عصير فاكهة وبهارات يضاف له شراب كحولي عادة – وصل غابو مرتدياً بزة كاملة Jumpsuit بلون أزرق داكن، اقفل سحابها من سرته وحتى صدره. كاريبي في النهار، أما في الليل فيبدو وكأنه قفز من البوم موسيقي للديسكو أو الفنك Funk.

لحذائه المسائي نفس تصميم الذي يرتديه في النهار إلا أنه رمادي في هذه المرة. طلب الويسكي. ثم صحبنا لغرفة خاصة عند المدخل. جلس بيني وبين آندريا.

اللائحة ثابتة “كوسة مقلية يتبعها اختيارك بين الربيان المطهو في صلصة جوز الهند، أو السمك الأحمر المطهو في الكريمة”

“هذا ثقيل علي” قال غابو متبرماً.

اقترب المضيف منه وسأله “يمكنني تقديم السمك الأحمر مشوياً وبلا صلصة أو مع الباستا.”

“أي نوع من الباستا؟” سأل غابو

“كيف تريدها؟” رد المضيف.

“بسيطة” قال غابو.

“ما رأيك بالباستا في المرق؟” سأل المضيف.

“رائع، أريد هذه”

ثم طلبتُ نفس الطبق، كنت محمومة طوال اليوم.

“اثنان من هذه” قال له غابو.

عندما قُدّم لنا النبيذ لم يشرب معنا، وواصل شرب الويسكي.

المطعم يمتلئ. طاولتنا في الواجهة والكلّ ينتبه لغابو. طلب إقفال الباب، وطلبتُ ذلك من النادل.

مراسل من نيوزويك يجلس بجانبي، جاء من بيونس آيريس ليقابل غابو. أتحدث معه قليلاً لكن ما أريده حقاً هو الحديث مع غابو وعدم اقتسامه مع زملائي. التفتّ إليه وتحدثنا في مواضيع شتّى. يريد أن يعرف لماذا وأين أسكن في نيويورك؟ أخبره بأنني أعيش في قرية غرينتش وأسأله هل يحبّ نيويورك؟ ويجيب: جداً. إنما ليس في الشتاء لأنه يحب المشي في شوارعها أكثر من أيّ شيء آخر. قلت له بأنني سأصحبه إلى قرية غرينتش ووعدني بالاتّصال. تحدثنا عن كوبا، وبارانكيا، وبيل كلينتون، مجلة النيويوركر ومجلات الأحد. يخبرني بالتفصيل عن قصة يريد كتابتها عن قميص حريري أصفر يرتديه عندما يشعر بالحبّ. كأسه فارغ فيشرب من كأسي. ويقول “أحب صحبة النساء. أعرفهم أكثر من معرفتي بالرجال. أشعر بالراحة حولهم. كبرتُ محاطاً بالنساء”

tumblr_m48kx6eRoS1qhby6so1_1280

الأربعاء، 10 أبريل 1996م

التاسعة والنصف صباحاً

غابو يجلس على رأس الطاولة من جديد، يقرأ في أوراق يبدو أنّها مسودة لشيء ما. ينتظر وصول الجميع. يعرف أنّ الطلاب خرجوا للتنزه بعد العشاء. ينظر بدهشة لآخر الواصلين، ربما بشيء من الحنين. آثار النعاس بادية على الجميع. لم نستحمّ. نقاوم صداعاً رهيباً. بينما يبدو غابو نظيفاً ولامعاً في لباسه الأبيض.

أجلس وانتظر رأيه وتعليقه على ما كتبته. الوقت يمرّ. بقيت ساعة على انتهاء الورشة. ينظر إليّ أخيرا ويقول “لسيلفانا ذائقة موسيقية جيدة. إنها مثلي تحبّ فان موريسن” كانت مقالتي عن الصعوبات التي يتعرض لها موسيقيو الروك الشباب في كوبا حيث يغيب الدعم الحكومي لفنّهم. قال غابو بأنني كتبت مقالة جيدة، ولم يكن بحاجة إلى تعديلها. لكنه اعترض على بعض التشبيهات التي استخدمتها واعترض على الحديث بشكل متكرر عن مشكلات اجتماعية وثقافية في كوبا قد تحدث في أيّ مكان في العالم. هل كنت سأكتب عنها لو لم تكن في كوبا؟ وبعد نقاشنا يعود غابو إلى كرسيه. قدماي لا تلمسان الأرض. أشعر بأنني ريميديوس الجميلة، إنني ارتفع في الهواء.

لدى غابو تعليق أخير “أراكم الآن، في خوفكم، في تصرفاتكم الخرقاء وتساؤلاتكم وأتذكر نفسي عندما كنت في عمركم. أخبركم عن تجاربي وأحظى بفرصة رؤية نفسي. لقد مضت خمسون عاماً على بدايتي بالكتابة في كلّ يوم من حياتي. إذا لم تحب عملك، اتركه. لا يقتلك شيء أكثر من عمل لا تحبّه. وإذا كنت تحبّ عملك فلديك طول العمر والسعادة الأكيدة”.

اصطففنا في طابور باتجاهه، نحمل نسخاً من كتبه. “مئة عام من العزلة” و “قصة موت معلن” و “ليس لدى الكولونيل من يكاتبه” وغيرها. نطلب منه توقيعها ويفعل ذلك ثمّ يصافحنا جميعاً. اطلب من روبن رؤية ما كتبه له غابو على نسخة “خريف البطريرك” خاصته وأقرأ “من بطريرك ورشة العمل” أما سيزار فيطلب منه توقيع الكتاب لطفله الجديد ويكتب له “إلى رودريغو، في بدايته”.

لم أحضر معي كتاباً ليوقعه. انتظرت بجانب الباب. نظر إليّ مبتسماً ابتسامته العابثة نفسها التي رأيتها أول مرة. قال لي “وأنتِ سيلفانا، ألستِ حزينة على نهاية الورشة؟ ألن تبكي؟” 

* لقراءة النصّ الأصلي لهذه المقالة تجدونها في كتاب “Latin American Writers At Home”

ثلاثة أيام مع غابو: اليوم الأول

gabriel-garcia-marquez-613x335

ماركيز مهموم بسبب ما آلت إليه الصحافة في أمريكا اللاتينية. كان ماركيز نفسه صحفياً ومراسلاً. في مارس 1995م بدأ مؤسسته الصحفية لخلق صحافة لاتينية أفضل. يسميها ماركيز “مدرسة بلا جدران” وتهدف إلى إحياء الصحافة عن طريق ورش العمل المتنقلة والتدريب الصحفي في المنطقة. حماس ماركيز تولد من مشاكل الصحافة المعاصرة، أصبح المراسل الصحفي يبحث عن الأخبار العاجلة التي تصنع الضجة والأضواء مع إغفال الإبداع وأخلاقيات العمل. أعمالهم تعتمد على الوثائق السرية المسربة وتغرق في الأخطاء النحوية وتفتقر للعمق. “لا تحركهم الأسس للقصة الأفضل، تلك التي تروى بطريقة جيدة وليست التي تنشر أولا” قال ذلك في خطاب تعميده للمؤسسة. ماركيز انتقد طرق الجامعات ورؤساء التحرير في التعامل مع المهنة الأفضل في العالم –بالنسبة له-. إنّه يعتبر الصحافة المطبوعة شكلا من أشكال الأدب، ويطلب تبعا لذلك أن تركز الصحف على تدريب العنصر البشري فيها قبل استخدام التقنيات الحديثة.

مؤسسة ماركيز مدعومة من قبل اليونسكو ومقرها بارانكيا الكولومبية وينظم من خلالها العشرات –وربما المئات- من الورش التدريبية ويحضرها المئات من المشاركين من شتى بلدان العالم وتتنوع مواضيع الورش بين أساسيات كتابة التقرير الصحفي- الريبورتاج- ورواية الأخبار وتقنياتها وعرضها في التلفزيون والراديو والصحف. كما تناقش الورش أخلاقيات الصحافة وحريتها والعمل في المناطق الخطرة. بالإضافة إلى التحديات التي تصنعها التقنيات الحديثة للمهنة.

تُدرّس هذه الورش من قبل متخصصين وتستهدف الشباب تحت عمر الثلاثين بخبرة لا تقلّ عن ثلاث سنوات في مهنة الصحافة. ومع أن مقرها في كولومبيا إلا أن ورش التدريب الخاصة بالمؤسسة تقام في الخارج. في الأكوادور، فنزويلا، المكسيك، وإسبانيا. ورشة التدريب المركزية في المؤسسة هي تلك التي يدرسها ماركيز بنفسه والصحفية الكولومبية المستقلة سيلفانا باترنوسترو بادرت بالتسجيل فيها وقُبلت للمشاركة في ورشته الخامسة.

هذه التدوينة تلقي الضوء على مذكراتها من أبريل 1996م وحضورها لورشة الثلاثة أيام مع ماركيز. حاولت ترجمة أهم تفاصيل هذه المقالة واستبعدت بعض التفاصيل التي لا تخلّ بنقل الحكاية لكنها قد تكشف أحداث أعمال ماركيز لمن لم يقرأها بعد. أتمنى أن تجدوا فيها ما تحبّوه، اقرؤوا، استمتعوا وبالتأكيد انشروا.

“ثلاثة أيام مع غابو”

تقدمت للمشاركة وقُبلت. من شدة حماسي للحضور وصلت قبل الجميع إلى المركز الثقافي الإسباني بقرطاجنة وأنا التي تتأخر دائما عن كلّ شيء. المركز في منزل بطابقين وتصميم معماري رائع. هناك باحة داخلية ونافورة وتملكه الحكومة الإسبانية. المكان مناسب جدا لماركيز، فقرطاجنة مدينته، وكثير من الشخصيات التي كتب عنها سارت على طرقها الضيقة المرصوفة بالحصى. على بعد عدة أحياء من المركز يقع ميدان الكاتدرائية، هناك تنبّه فلورنتينو أريثا إلى فيرمينا داثا اليافعة. سيفيرا ماريا دي تودوس لوس إنجليس ابنة الثانية عشرة التي واصل شعرها النمو بعد وفاتها عاشت في دير سانتا كلارا القريب كذلك. منزل غابرييل غارسيا ماركيز قريب من الدير الذي أصبح فندقاً اليوم. يمكن لساكنيه اختلاس النظر إلى منزل الكاتب. ‘هذا مخجل’ قال لي أحد النزلاء ‘كنت أشاهده كل صباح وهو يتناول إفطاره، ثم أقفلت الستائر أخيرا’.

الاثنين، ابريل 8، 1996م

9 صباحاً

وحدي بين 12 صحفي نجلس حول طاولة خشبية بيضاوية. نجلس بهدوء مثل طلبة منضبطين في مدرسة يسوعية ننتظر بدء الدرس. يفتح غابرييل غارسيا ماركيز الباب ويدخل مرسلاً نظره عابثة باتجاهنا. كان يعرف التوتر الذي نشعر به الآن. غابو –كما يحب الكثير مناداته- يرتدي ملابس بيضاء اللون. هنا في منطقة الساحل الكاريبي بكولومبيا يرتدي الرجال اللون الأبيض عادة. كلّ شيء أبيض حتى الحذاء. يقول صباح الخير ونوشك أن ننهض وننحني ونردّ بصوت واحد ‘صباح الخير بروفيسور’. بقي من الكراسي الخالية اثنان. كلاهما مواجهان للنافذة وظهرهما للباب. اختار غابو الصحفي المكسيكي سيزار روميرو الجالس بجانبي وقال له: لقد شاهدت ما يكفي من أفلام رعاة البقر. لا أجلس وظهري للباب أبداً. بالإضافة إلى أن لي أعداء أكثر من أعدائك.

قال سيزار: دون غابرييل! طبعا. بينما توجه غابو لكرسيّه تذكرت ما قاله لي صديق كوبيّ. قال لي: ستحظين بوقت رائع. إنّه يوجه انتباهه للنساء أكثر من الرجال. فالنساء يمنحنه الحظّ. الحضور النسائي في الورشة ينحصر فيّ وأندريا فاريلا.

يجلس غابو إلى يساري وأشعر بالتوتر. تبدأ يداي بالتعرق وأجففها في بنطالي. ثم أعقد ذراعيّ أمامي. يضع ساقاً فوق أخرى. أخفض بصري لأنظر باتجاه حذائه الأبيض وحافته المدببة والمصقولة بعناية. سوار ساعته أبيض كذلك. اركزّ على قميص “الغوايابيرا” المفضل لدى رجال أمريكا اللاتينية، يرتدونه خارج بناطيلهم ويستريح على أوراكهم بجيوبه الأربعة. وأحياناً تزينه التطريزات والزركشة.

لقد ارتبطت هذه القمصان في ذاكرتي بالأجداد والوزراء وملاك الأراضي. بالرجال الذين تفوح منهم رائحة الكولونيا والويسكي. أما قميص غابو فكان بلا زركشة أو تطريز، مصنوع من كتّان فاخر يمكنك الرؤية من خلاله. وبنطاله قطني مخطط. تناقض غير متوقع.

يضع على الطاولة حقيبة جلدية سوداء، نوع حقائب بدأ الرجال بحمله في السبعينات. يرتدي نظارته ويخرج قائمة أسماء المشاركين ومقالاتهم التي قدموها لينقدها وينقحها خلال الثلاثة أيام. لا يسمع صوت سوى هدير جهاز التكييف. لا أحد ينظر لغابو. لكننا جميعاً عشنا مواقف أكثر توترا وأشد وطأة من هذه اللحظات.

روبن من كالي سافر وحيدا إلى أورابا أكثر مناطق كولومبيا عنفاً حيث مهربي المخدرات ورجال العصابات. ويلسون داثا قضى عشرين يوما في مدين وسط تجار المخدرات والعاهرات وأعضاء العصابات. أما روميرو فقام بتغطية تمرد زاباتيستا في تشياباس المكسيكية. وإدغار تيليز حقق في علاقة الرئيس الكولومبي أرنستو سامبر باتحاد تجار المخدرات “الكارتل”. لكنّ ماركيز وبعد فوزه بجائزة نوبل للآداب أصبح أكثر شهرة من نجوم أمريكا اللاتينية. لا يحظى بجماهيرية مشابهة سوى لاعبي كرة القدم وملكات الجمال. يوقفه الناس في الشارع للحصول على توقيعه. حتى أولئك الذين لم يقرؤوا كتبه. يستشيره الرؤساء والوزراء والسياسيون وناشروا الصحف ورجال العصابات ويطلبون نصيحته. يكتبون إليه الرسائل ويرغبون به حولهم. أي شيء يقوله، أي شيء يتحدث عنه يصبح عنوانا رئيسيا في الصحف. العام الماضي خُطف أحد إخوة رئيس كولومبي سابق وطلب أفراد العصابة أن يتولى ماركيز رئاسة البلاد مقابل إطلاق سراح المخطوف. كتبوا في رسالة طلبهم “نوبل، انقذ وطن الآباء”.

نحنُ الكولومبيون نفخر بماركيز وكأنه فرد من أفراد العائلة. نجعل عظمته خاصتنا. غابو هو الابن الذي تستعرض به العائلة. اسمه يتردد في مسابقات الجمال مع البابا. عندما تُسأل ملكات الجمال عن الشخصية الملهمة في حياتهن كنّ يجبن: والدي، البابا، غابرييل غارسيا ماركيز. أي الشخصيات تردن لقاءها؟ غابرييل غارسيا ماركيز. ولو طرح السؤال نفسه على صحفيي كولومبيا ستكون لهم نفس الإجابة. نحنُ الصحفيون نقول: لقد كان غابو مراسلا صحفيا قبل أن يصبح روائياً، إنّه القدوة الأهم لنا.

يقرأ غابو الأسماء في القائمة ويضيف تعليقاً دافئا بعد كلّ اسم. روبن فالنسيا والبعض يسمونه “مايسترو” وأجد أن اللقب هذا رسمي جدا ومتكلف. كنتُ من جهة أخرى استخدم غابو في الحديث عنه، لكن ما إن أصبحت أمامه كان اللقب مباشرا جدا.

يُظهر ماركيز التودد لأندريا، لقد حضرت معه ورشة تدريب في السابق. يقول لها مازحا: “تقضين وقتا أكثر هنا، أكثر من الوقت الذي تقضينه في مكان عملك. سأطلب من مديرتك إرسال سريرك.” أندريا خجولة. وتودد ماركيز يؤثر بها فتحمرّ وجنتيها.

يُفتح الباب ويندفع شاب إلى الداخل مستعجلا بتنفس مضطرب. يرتدي قميصا ازرق يلتصق بجسده ويحمل تحت ذراعه جريدة. يدخل وتدخل معه حرارة وفوضى مركز قرطاجنة.

“متأسف” اعتذر وجلس سريعا بجوار سيزار روميرو.

“ومن أنت؟” سأله غابو.

“تاديو مارتينيز”

تاديو مضطرب وغابو يعرف ذلك.

“تاديو مارتينيز من جريدة قرطاجنة.” يقرأ غابو من القائمة. “والآن لنرى. زملاءك هنا قدموا من كاراكاس، بوغوتا، كالي، مدين، سان خوسيه، مكسيكو، نيويورك، وميامي. لكّنك جئت من زاوية الشارع وأنت آخر الواصلين”. شعرنا جميعاً بالسوء لأجله. هزّ غابو رأسه وابتسم.

العاشرة صباحا

بدأ غابو بالحديث عن كتابه “الجنرال في متاهته” يتحدث الكتاب عن سيمون بوليفار محرر أمريكا الجنوبية من الاستعمار الإسباني. البطل والمؤسس والأيقونة التاريخية. صورته تزين المكاتب والدوائر العامة. بزّته العسكرية المنشاة وحصانه الأبيض متأهبا لبدء المعركة. “لكن لم يتحدث أحد في سيرته عن غنائه وإصابته بالإمساك” قال غابو ثمّ أضاف “الناس في العالم ينقسمون إلى قسمين: قسم يتغوّط بشكل جيد، والقسم الآخر لا يستطيع ذلك. هذا يصنع فروقا شخصية كثيرة لكن المؤرخين يستبعدون أهميته” هكذا يبرر ماركيز انزعاجه من الصورة التي رُسمت لبطله ولهذا السبب كتب “الجنرال في متاهته” يقول أنه كتب الرواية بصيغة الريبورتاج. كل تفصيل، كل معلومة تأكد من صحتها بنفسه لأنها ومهما كانت بسيطة ستؤثر على العمل وتمنحه القوة. على سبيل المثال: تحدث في الرواية عن ليلة العاشر من مايو في 1830م وهي الليلة التي نام فيها بوليفار في غوادواس الكولومبية وأراد ماركيز التأكد من ذلك فاتصل بأكاديمية العلوم في مكسيكو للتحقق من اكتمال القمر. بالفعل كان القمر مكتملا في نفس التاريخ. القمر تفصيل مهمّ في الرواية –يقول ماركيز- إذا كان هناك تفصيل حقيقي واحد سيصدق القراء كل شيء.

تذكرت موضوعا صحفيا كتبه غابو عن موجة الجفاف التي ضربت كاراكاس وتحدث فيه عن رجل يحلق ذقنه بعصير المشمش. معلومة يمكن التحقق منها وإثبات صحتها طبعاً. لكننا نتذكر من جديد أننا أمام غابو نفسه الذي قيل أنّ ابتداعه الكبير منعه من أن يكون صحفياً جيدا. غابو هو الكاتب نفسه الذي قصّ في رواياته وبوجه صارم بلا انفعالات عن ريميديوس الجميلة التي ارتفعت بخفة إلى السماء وعن رائحة سانتياغو نصار التي عصفت بالمدينة بعد موته. وكأنه كان يقرأ عينيّ عندما قال “الاحداث الغرائبية في رواياتي كلها حقيقية، أولها نقطة بداية حقيقية وارتباط بالواقع. الحياة في حقيقتها أكثر إثارة مما يمكننا اختلاقه. اخبرنا بأن سيدة تنشر شراشفها البيضاء النظيفة وتمد ذراعيها باتجاه الشمس كانت الملهمة في كتابة قصة ريميديوس الجميلة. يقول بأنّ المرء يحتاج أن يكون صحفيا للانتقال بين المذهل والسحري.

الظهيرة

يوشك وقت الغداء على الوصول. بدأ غابو بالحديث في التاسعة صباحا ولم يتوقف. إنه يحكي القصص ويناقش ولا يكتفي بالتدريس. لأكثر من ثلاث ساعات جلسنا جميعاً، لم نتحدث إلا قليلاً. لم أتناول فطوري لكنني لا أشعر بالجوع. ماركيز لا يشرب القهوة لكننا نفعل، إنها الرفيق الأفضل لأحاديثه وقصصه.

“يولد القاص ولا يُصنع” يقول غابو “موهبة القصّ كالغناء تهبها الحياة لك ولا يمكن تعلّمها. التقنيات، ربّما يمكن تعلمها. لكي تعرف أن شخصا ما قاصّ جيد اطلب منه رواية آخر فيلم شاهده” ثم يؤكد “الأهم من هذا أن يمتلك الإنسان الشجاعة في البحث عن مهنة أخرى إن لم يكن يحسن القص”. الكتابة كما يصفها ماركيز هي فعل تنويم مغناطيسي. إذا نجح الكاتب في تنويم قارئه فإن أي عثرة في الكتابة ستوقظه من نومه وسيتوقف عن القراءة. إذا كانت الكتابة “تعرُج” سيهجرك القارئ. ينبغي على الكاتب ابقاء قارئه تحت التنويم بالانتباه لكل تفصيل، لكل كلمة ويستمر بذلك حتى يسمم قارئه بالمصداقية واللحن الثابت. يتوقف غابو قليلاً ويضع يديه على الورق “الآن سأقول لكم، لقد قرأت مقالاتكم كلّها وكنت متيقظا طوال الوقت”

تنهّدت، والبعض قهقه، والبعض الآخر تحرّك في مقعده مرتبكاً.

الواحدة مساء

“لنرى ما في جريدة اليوم!” مدّ غابو يده عبر الطاولة والتقط جريدة تاديو مارتينيز. “هل هناك قصة نذهب لتغطيتها؟” يهز غابو رأسه محبطاً. ثم يقول “مذهل، جريدة محلية ولا يوجد على صفحتها الأولى أي خبر عن قرطاجنة. اخبر رئيسك يا تاديو: الجريدة المحلية يجب أن تنشر أخبارا محلية على الصفحة الرئيسية.

“لا شيء مهم” تمتم ماركيز وقلب الصفحات ثم قال “وجدت شيئا، لنرى. فرن للبيع، غير مستخدم، لم يتم تركيبه بعد. يجب أن يباع. اتصل بغلوريا بيدويا على 660-1127 تحويلة 113. قد تكون هذه قصة جيدة. هل نتصل بها؟ أراهن أنّ هناك شيء ما. لماذا تريد هذه السيدة بيع فرن؟ لماذا لم يتم تركيبه؟ يتوقف وينتظر أن يظهر علينا الحماس. لكن يبدو أن أحدا لم يهتم لهذه السيدة وفرنها المفكك، خصوصاً وأنه بإمكاننا مواصلة الاستماع إليه. يرى غابو قصة في كلّ شيء وخلال الأيام الثلاثة القادمة اكتشفت أنّه ممتلئ بالحنين ويشتاق لعمله الصحفي. يقول “الصحافة ليست مهنة. الصحافة غُدّة”

تحدث ماركيز أيضاً عن تكرار الكاتب لنفسه وتجربة طرق جديدة في الكتابة للفرار من ذلك. وعن التأثر بكتابة الروائيين الذين نحبهم. “نحنُ الكتاب بحاجة للدفاع عن أنفسنا ضد الكتّاب الذين نحبهم. من السهل الوقوع في الفخ وتقليدهم”.

شعرت بالألفة تجاه غابو. منذ اللحظة التي دخل فيها للمكان وبدأ الحديث. لقد قال في أكثر من مناسبة بأنه يعيد رواية القصص التي حكتها له جدته. الاستماع لغابو يذكّرني بجدّي. أشعر بأنني استمع إليه، فقط لو كان جدي يحسن الكتابة.

بعد الغداء

“سأقدم للكتّاب نصيحة: اكتبوا في بداية الرواية حكاية بسيطة، واختموها بنهاية مجلجلة. ثم املؤوا ما بينها بالوصف والاستعارات الأدبية. ضعوا سياجاً لقصتكم كما لو كنتم تمنعون قطيع ماشية من الفرار. وإذا لم تتمكنوا من ذلك ابدؤوا البحث واستمروا بذلك. قد يأخذكم البحث إلى أي مكان. أنتم بحاجة لإغلاق القصة وإنهاء حلقة المعلومات عند نقطة ما. التفاصيل هي مفتاح الرواية بدونها ستغرقون. حتى ثيربانتس أضاع حمارا. لذلك تفادوا إضاعة حميركم ما استطعتم.

أحد مشكلات الكتابة لديّ أنني أقلق أكثر من اللازم. لو كان بإمكانك الكتابة كما تتكلم ستحقق حلم الكاتب الأوحد. لكن ما إن تحاول ذلك ستجد صعوبة هائلة.

في المكسيك كنت أكتب والنافذة مفتوحة لأستمع للمطر والعصافير وأكتب عنها في النصّ الذي أعمل عليه. ليس بعد الآن. اقتصار القدرة على الكتابة في مكان محدد ووقت محدد ومساحة محددة هوس روائيين. الآن يمكنني الكتابة في أي مكان كما كنت أفعل وأنا صحفيّ. أوصل جهاز الحاسب المحمول PowerBook بالكهرباء في أيّ فندق وأكتب ثم أنقل ما كتبته على قرص مرن. كل فصل في ملف مستقل. أنا مدمن على الكتابة في شاشات لها شكل ورق الصفحات. لكنها لا تصنع بعد الآن. اشتريت منها ما استطعت شراءه، لديّ الآن إحدى عشر. أعتقد أن المرء بحاجة لشراء كل ما يجعل عمله أسهل. أجهزة الحاسب الآلي مذهلة. لقد بدأت كتابة ‘الحبّ في زمن الكوليرا’ على أحدها. تغير معدل الصفحات التي انجزها يوميا من واحدة إلى عشرة. وعدد الكتب التي أكتبها من واحد كل سبع سنوات إلى واحد كلّ ثلاثة. ولكنّ صعوبة الكتابة لا تتوقف عند ذلك. إن أسوأ لحظات الكتابة التي يعيشها الروائي –والصحفي- هي مواجهة الصفحة الخالية.

أكتب يوميا من الثامنة والنصف صباحا وحتى الثانية أو الثالثة بعد الظهر. وبسبب سنوات الجلوس الطويلة أعاني الآن من آلام الظهر لذلك العب التنس يومياً. وأحياناً، عندما انتهي من الكتابة القي بنفسي على الأرض.”

الساعة تقارب السابعة مساء. ينظر غابو في ساعته البيضاء ويقول “يا شباب، لن أتأخر عن التنس بسببكم” يقول ذلك وينهض ليغادر المكان.


عن أهمية الطقوس اليومية

ritualsdailyme

نحتفظ بطقوس يومية تساعدنا على عبور الحياة والبقاء بصحة ذهنية وجسدية، سواء كانت تلك الطقوس مرتبطة بنشاط بدني أو الجلوس لشرب كوب من القهوة في وقت معيّن يوميا. هذه الطقوس ستحسن من حياتنا والخبر الجيّد أن صنع الوقت لهذه الطقوس سهل وصنعها كذلك.

ما الذي نقصده بالطقوس اليومية؟

سأضرب لكم مثالاً شخصياً عن الموضوع، كل يوم بعد صلاة المغرب أشرب كوب قهوة المساء مع قطعة من الحلوى أو الفاكهة. أشرب هذه القهوة وحدي أو بصحبة العائلة متى ما أمكنني ذلك. لكل منّا كوبه المفضل. أشرب قهوتي سوداء تماماً بلا إضافات، بينما تشربها أختي منى قهوتها مع مظروف من السكّر البنّي وملعقتي حليب مجفف، أما والدي فيشربها مع الحليب الطازج وتغلب كمية الحليب على القهوة مع ملعقتي سكّر أبيض، ووالدتي تشربها مع الحليب الطازج أيضاً وتغلب كمية القهوة عليه مع السكر إذا لم تتناول الحلوى وبدونه إذا وجدت. قطعة الحلوى عادة تكون عادة كعكة الموز أو التمر وهذا باختصار طقس يومي فردي أو عائلي. كلّ منّا يحتفظ بطقس يومي مشابه يقوم به بوعي كامل بوقته وطبيعته ومن خلاله يخفف ضغوط الأيام أو يستمتع بها، وبالتأكيد يفتقده في غيابه ويبحث عن بدائل. عندما تسألون أنفسكم عن كيفية التخلص من الضغوط ستتحدثون عن أنشطة يومية مثل ممارسة الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة والأصحاب أو التسوق وتناول الطعام الذي تحبونه. المهمّ هنا هو البحث عن طقس صحي بلا آثار جانبية تزيد من ضغوطكم وفوضى حياتكم.

كيف تطوّرون طقوسكم اليومية أو تصنعون وقتاً لها؟

الأمر ليس بالصعوبة التي تتخيلونها، كلّ ما تحتاجون له إيجاد الأنشطة التي تناسبكم وستجدون الوقت المناسب لها.

  1. تابعوا مزاجكم وتعرفوا على نقاط الضعف لديكم. تعرفوا على الأشياء التي تزعجكم خلال حياتكم اليومية في المنزل أو العمل. لن تستطيعوا تغييرها كلها للأسف لكن ستستطيعون تغيير الطريقة التي تتعاملون فيها معها. قد تحتاجون لعدة أيام لمراقبة أنفسكم ومعرفة المواضع التي تفقدون فيها السيطرة، احتفظوا بمفكرة للكتابة، أو سجّلوا الملاحظات في تطبيقات الجوال المختلفة. ما إن تتوصلوا لإيجاد خارطتكم اليومية سيمكنكم فوراً تحديد مواضع الضغوط والراحة بالمقابل. اصنعوا قائمة بهذه الملاحظات وشعوركم نحوها استعدادا للخطوة التالية.
  2. حددوا الطقوس “الدخيلة” التي تريدون تبنّيها. هذه الطقوس تسمى “دخيلة” لأنكم ستقومون بإدخالها في حياتكم اليومية، ميزتها بأنها ستساعدكم في تحسين حياتكم وجعلها أسهل. يفيدكم تناول الفطور في المنزل قبل الذهاب للعمل أو الدراسة؟ هل قضاء وقت أطول في التأمل قبل النوم أفضل من الجلوس وتصفح الإنترنت؟ هل حمل قناني ماء في حقيبتكم يساعدكم في تذكر شرب الماء في أوقات معينة؟ وغيرها من الأسئلة ستساعدكم في إدخال أنشطة وطقوس يومية في حياتكم. وإذا لم يكن لديكم الخيال الكافي والحماس لإيجاد هذه الأفكار يمكن دائما تبنّي اقتراحات المختصين أو التعرف على طقوس المبدعين الناجحة. اختاروا أحد هذه الطقوس التي تجدون مرونة في تطبيقها ولن تتحول مع الوقت إلى التزام صعب التطبيق، وهكذا ستصبح جزء من روتينكم اليومي، والآن الخطوة التالية.
  3. اصنعوا منها عادة. عادة يومية تكافئون أنفسكم بها أو تستخدمونها لتصبحوا منتجين أكثر. سيتضح لكم الشعور الرائع الذي تتركه هذه التغييرات مع الوقت وعندما تعتادونها ابحثوا عن المزيد وطبقوا الخطوات السابقة وهكذا ستتغير حياتكم تدريجيا وتحمل خصوصيتكم وراحتكم المرجوّة.

يُفضّل أن تكون هذه الطقوس فردية لأنها ستعمل كوقت مستقطع لكم، وشيئا فشيئا ستتحسن صحتكم المزاجية. أحبّ أن أضيف أيضاً أنّ الابتعاد عن القيام بهذه الطقوس المحببة وقت الإرهاق والانزعاج جيد. فلا تجبروا أنفسكم على الكتابة أو الخروج من المنزل ومقابلة الأصدقاء أو حتى تناول الحلوى المفضلة لكم وأنتم منزعجون.

مخرج

Daily-Rituals-Book-1-300px

كتبت خلال شهر رمضان عن ثلاثين شخصية مبدعة في عالم الأدب والفنّ والعلوم، كتبت عن طقوسهم اليومية المختصرة. كل هذا المحتوى قمت بترجمته من كتاب رائع اختصّ بنفس الموضوع “
Daily Rituals: How Artists Work” يمكنكم اقتناءه وقراءته إذا أحببتم، كانت تجربة الترجمة ممتعة بالنسبة لي، طقس يوميّ خلال الشهر المبارك. وأيضاً إذا لاحظتم حاولت أن تكون صورة الشخصية بصحبة قطّ، لأنّ القطط كائنات محببة، على الأقل لدي شخصياً، كائنات ذكية وملهمة ورفيقة هادئة. شكراً لمتابعتكم وأتمنى أن تكون هذه التدوينة خاتمة جيدة لسلسلة الحلقات الثلاثين.

الحلقة 30: مايا انجيلو

Maya-Angelou

لم تتمكن انجيلو من العمل في منزلها أبداً. “أحاول دائما جعل منزلي جميلاً، وأنا لا أستطيع الكتابة في محيط جميل. ذلك يشغلني”. كنتيجة لذلك كانت تعمل دائماً في غرفة فندق أو نزل صغير، وكلما كانت تلك الأماكن مجهولة كلما كان ذلك أفضل. تصف مايا روتينها اليومي في لقاء أجري معها في 1983م:

“استيقظ عادة في الخامسة والنصف صباحاً، اصبح جاهزة لشرب قهوتي في السادسة وأفعل ذلك مع زوجي. يخرج بعدها لعمله في السادسة والنصف وأتبعه بالخروج. احتفظ بغرفة فندق صغيرة لأكتب فيها. هناك اترك قاموساً ونسخة من الإنجيل، وورق لعب وزجاجة شيري. أحاول الوصول هناك في السابعة صباحاً وابدأ العمل حتى الثانية بعد الظهر. إذا كان العمل متعثراً فإنني أتوقف عند الثانية عشر والنصف ظهراً، وإذا كان يسير بشكل جيد اكتب حتى أتوقف. المكان معزول ورائع! اكتب وأحرر ما اكتبه في نفس الوقت، ثم أعود للمنزل. آخذ حماماً، أعدّ العشاء واستقبل زوجي بعد عودته من العمل بلا مشاغل. نعيش حياة طبيعية، نحتسي شراباً ثم نتناول العشاء وبعد ذلك أقرأ له أحيانا ما كتبته في ذلك اليوم. لا يعلق، وأنا لا استدرج تعليقاته على أية حال لأنني لا اطلبها من أحد غير محرري. لكنني أجد أن الاستماع للتعليقات جيد. أحيانا استمع لخلل فيما كتبته وأسعى لتصحيحه في الصباح التالي.”