استيقظت صباح الأول من مايو وعلى غير العادة امسكت بهاتفي المحمول لتظهر على الشاشة رسالة نصية من صديق نيويوركي كانت الرسالة مقتضبة جدًا وكافية لأفهم ما حدث: «هذا يوم حزين». قضيت دقيقة كاملة وفكّرت هناك أمر واحد تعنيه الرسالة، فصديقنا المشترك توفي في صيف ٢٠١٩ وبقي صديقنا الآخر* بول أوستر يصارع المرض من فترة. قلت لنفسي: لقد رحل أوستر بالتأكيد. فتحت المتصفح وكتبت اسمه وإذا بالأخبار تتوالى.
استدل على معرفتي به وقراءاتي الأولى من خلال مقالة نشرت في الاقتصادية، ربما كانت بداية القصة نهاية العام ٢٠٠٨ وبداية ٢٠٠٩. التهمت كتبه الواحد بعد الآخر خلال عدة سنوات ومن بعدها لم يبقَ من أعماله شيء إلا وزرته بالعربية أو الإنجليزية. لكنني أحب سرده الواقعي كثيرًا، أكثر من رواياته وقصصه. رحلاته ونظام عمله ودائرة معارفه كلها كانت محلّ اهتمام. وكلما سافر أحد أفراد العائلة طلبت منه عنوانًا أو اثنين سواء من كتبه أو قراءاته. أذكر أن أول** كتاب صوتي سمعته كان لرسائله وجي. إم. كوتزي وكلّ منهما يقرأ رسائله بصوته. في الكتاب نفسه عرفت بأنه لا يستخدم البريد الإلكتروني ولا يملك حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي. وهي معلومة أكدتها زوجته سيري هوستفيدت في منشورها الأول بعد وفاته. أذكر أني كتبت شيئًا في تدوينة سابقة عن القوائم التي نبدأ بسردها في أذهاننا عند فقد أحدٍ نحبّه. وربما كانت هذه قائمتي!
الليلة السابقة لوفاة أوستر كنت اتحدث مع أختي عن شعور أجسادنا بالعمر وتأثيره عليها وتذكرت اقتباسًا في بداية «حكاية الشتاء» لأوستر، يصف شعور الأقدام على الأرض الباردة أو شيء من هذا القبيل. وقبل أسبوع من هذا اليوم كنت اقرأ بشكل عشوائي تدوينات قديمة أحبّها ومررت بتلك التي سجلت فيها مشاعري عند لقاءه في بروكلين!
حلمت كثيرًا بتلك اللحظة لدرجة أني قررت الذهاب لحيّه الذي يقطنه. حديقته العامة والشوارع التي تتخلل الحيّ كي نلتقي في صدفة مجنونة. لكنّ الأمنيات تتحقق بعد عشر سنوات بالتحديد من قراءتي الأولى. وقّع نسختي العربية من ثلاثية نيويورك والتقطنا صورة لطيفة سأحملها في ذاكرتي للأبد.
في أخبار أخرى انتهى شهر أبريل الذي ينافس في طوله شهر شوّال. كان شهرًا عاصفًا*** على جميع الأصعدة لكنّه جميل وممتع. استعدت فيه شهيتي للقراءة والاكتشاف ورتبت لعطلتي الصيفية القادمة وعدت للتدوين طبعًا.
كيف يبدو مايو من هنا؟
اشتركت في تطبيق أبجد للكتب الرقمية أخيرًا بعد عدة محاولات من الصديقات لإقناعي أن القراءة الرقمية مجدية وربما لأن مكتبتي لم تعد تحتمل المزيد من الكتب المطبوعة في الوقت الحالي. قد اتخفف من مجموعة كتب في نهاية السنة لكن حاليًا اخترت القراءة الرقمية وقيمة الاشتراك مذهلة مقارنة بما سأدفعه لشراء كتب ورقية جديدة.
استمتعت بقراءة مقالتين عن القراءة الجهرية ومتعتنا المفقودة عندما توقفنا عنها. أحبّ قراءة مقاطع من الكتب والمقالات أينما كنت أجلس بصحبة عائلتي أو الصديقات.
في كلّ شهر أجرّب إضافة عادة أو تغيير على نظامي الغذائي وفي مايو سأعود لنظام غذائي جربته قبل سبع سنوات وساعدني في اكتشاف الأطعمة التي تسبب لي الانزعاج في جهازي الهضمي ويظهر تأثيرها على جسدي بشكل عامّ. اسم النظام «Whole 30» وكتبت عنه في هذه التدوينة بالتفصيل. سأعيد التجربة لمايو استعدادًا للصيف في محاولة هي مزيج من تنظيف للنظام واكتشاف مذاقات مختلفة. الشيء الذي لن التزم به في هذه المرة هو استبعاد البقول والشوفان ومنتجات الحليب حيث إنها أساسية في نظامي الحالي.
نهاية الأسبوع قضيتها في قراءة الصفحات الأخيرة من رواية «الطباخ» لمارتين سوتر لا أستطيع القول بأنها رائعة جيدة وليست سيئة لكنّها ممتعة ومثيرة للفضول. يوم الجمعة ذهبت مع أخواتي لباليه بحيرة البجع – نعم أردت قول الجملة لأنها تشعرني بالسعادة. أن تذهب للأوبرا مساءً أو تحضر مسرحية أو باليه في مدينتك نوع من الترفيه الذي انتظرته.
أشاهد على يوتوب سلسلة ممتعة عن البيوت والقصور التاريخية في بريطانيا والتي ما زالت تدار من الأسر الارستقراطية التي أسستها وسكنتها أول مرة أو من أفراد العائلة الذين يتحدرون من تلك الأسر. تقدّم هذه السلسلة الفيكونتس جولي مونتغيو وهي سيدة أمريكية متزوجة من ارستقراطي بريطاني. كتبت عنها في تدوينة سابقة بعد مشاهدة سلسلة وثائقية مشابهة وها هي تعود من جديد عبر قناة متخصصة على يوتوب. الكثير من المتعة والاكتشاف وجمال المعمار والطبيعة ينتظركم!
*طلب مني صديق ذات مرّة أن أرشح له كتب لبول أوستر فهو لم يقرأ له من قبل ويرى أنني وهو أصدقاء مقربين. أخذت شهادته هذه على محمل الجدّ واعتمدتها. نحن أصدقاء!
**لدي شكوك حول صحة المعلومة هل كان هذا هو الكتاب الصوتي الأول؟ أو كتاب عن تيد هيوز وسيلفيا بلاث؟
***غمرتني المشاعر والأمطار خلال أبريل بشكل غير مسبوق.
.
.
.