اليوم سأجرب فكرة جديدة.
فكرة التعليق على النصائح التي أمرّ بها واكتبها في مدونتي للآخرين. بعد أن وصلتني عدة أسئلة – في مواضيع مختلفة– عن رأيي الغائب فيما أطرحه هنا. بدأت أشعر أن المكان تحول إلى ماكينة روتينية بلا روح. مهما بدت فكرة جمع المحتوى ونشره ممتعه لكم إلا أنّ من كتبوا لي في مساحة الرسائل كانت لديهم فكرة ممتازة. أعادوا لي ذكريات المدونة في بداياتها. الكثير من المشاعر الشخصية والحكايات والقليل من المواضيع العامة والنصائح.
في التدوينة السابقة حدثتكم عن مشكلتي مع الكتابة، أنا لا أكتب كما كنت، وهذا الأمر يزعجني.
قرأت في مقالة ممتعة عدة نصائح عن صنع روتين الكتابة وتشجيع الابداع، و و و و. نصائح مثالية جداً، وتبدو للوهلة الأولى ناجحة لو قررتم منحها فرصة. لكنني فعلت، وطبقت بعض النصائح مرات ومرات، ولم يحدث شيء.
تقترح النصيحة أفضل وقت للكتابة بناء على عدة أسباب، وعليك عندما تتقرر الكتابة في ذلك الوقت أن تصنع الروتين، وتجبر نفسك، ولا تتبرم وتكتب، تكتب بلا توقف.
في البدء الكتابة صباحاً جيدة لعدة أسباب:
١– لديك الارادة القوية في الصباح.
الارادة مورد يحترق بسرعة خلال اليوم وعليك الاستفادة منه فور نهوضك لأنه سيتناقص حتى موعد نومك ليلاً. لكنني جربت! إرادتي في الصباح موجهة للنهوض، لصنع افطاري وإعداد وجبة الغداء التي سأحملها معي للعمل، إرادتي موجهة للابتسام، وقراءة بعض المقالات وترتيب فوضى اليوم في ذهني. لم تنجح النصيحة، حتى عندما حاولت تطبيقها في نهاية الأسبوع، نهاية الأسبوع أسوأ بالنسبة لي فأنا أكتب كل يوم في عملي وتأتي نهاية الاسبوع فرصة للهروب من سيل الكلمات التي العب بها مثل مهرج في سيرك!
٢– السبب الثاني للكتابة في الصباح، أننا أكثر إبداعاً.
فالنشاط الابداعي يبلغ أوجه خلال نومك وفور استيقاظك منه.
من جديد أعرف أنني أكثر ابداعا في الصباح، ابتكر افطاراً من علب الاجبان التي تشارف على الانتهاء، أو حواف الخبز اللذيذ، وأختار البن الذي أريد شربه. بقية طاقتي الابداعية موجهة بالكامل للعمل، للثرثرة في المكتب ومحاولة ايجاد طريقة أفضل لقراءة كتبي الحزينة. في نهاية اليوم، استنفذ آخر حبر الابداع على صفحة مذكراتي أو برسالة قصيرة على هاتف صديقة.
٣– غالباً، نكتب ونحن في مزاج جيد.
لو افترضنا أنّ المزاج في الصباح طازج، سيكون كل شيء جيد، الكتابة ويومك بأكمله. ليس على كل حال، وشخصياً أكتب بغزارة عندما أكون محبطة أو حزينة! وكرهت أن أحدد لنفسي هذه الحالة، فالكتابة في يومياتي سهلة وممتعة كل ليلة، وقد استبعدت منها كلّ ما سيحزنني قراءته بعد حين. إذا لماذا عندما أجلس لمدونتي لا شيء يحدث؟ لماذا مستند خصصته لكتابي يحرر كل أسبوع من العام ٢٠١٠م ؟ ليس لدي إجابة. إنها حالة مذهلة وخاصة جداً أن تكتب كلما كان مزاجك جيد، أن تجد الوقت وأنت في مزاج جيد لتكتب. عندما أحصل على هذه اللحظات انغمس فيها تماماً لا أريد أن أغمض عيني، وأنتم تريدون مني أن أكتب؟
عندما أعود لمذكرتي بعد عطلة مدهشة أو نهاية أسبوع غنية بالمنجزات والمشاهدات والقراءات يصبح ما أدونه بمثابة القبض على رائحة من وردة سحرية بعيدة. لا شيء في الحقيقة، لا يمكنني الكتابة.
٤– صنع عادة كتابية يساعد.
الفكرة الرابعة في الكتابة الصباحية، صنع عادة منها. ترجمت قبل سنتين سلسلة عن طقوس المبدعين واذهلتني فكرة استيقاظهم كل يوم في نفس الوقت، الوضع أشبه بمدرسة عسكرية، حتى وأنا أعلم أنني يجب أن أكون في مكتبي في ساعة محددة لا اتبع ذات الطقس كل يوم. أغير طريقي، أغير ملابسي وأغير مزاجي كل هذا في الصباح، لم أتمكن من صنع عادة ثابتة لأبسط الاشياء حولي، ويخيل لي أن الأمر سيتسبب بالفوضى. لذلك حتى أتقن هذه النصيحة تبقى الكتابة هدية عشوائية في أيامي.
تختم المقالة النصائح الصباحية بأفكار دكتاتورية سريعة، مثل اكتب كل يوم صباحا فقط ولا تكتب في أي وقت آخر من اليوم. اكتب ولا تدقق ولا تحرر وتفرغ للتحرير في نهاية يومك. وانفصل تماما عن التقنية والشبكات الاجتماعية وبريدك واجعل التحقق منها هدية استمرارك بالكتابة. وأنا اكتب هذا التعليق الآن شعرت بأنها نصيحة مغرية، فقط الآن، قرأتها للمرة الأولى وترجمتها على ورقة وكتبتها من جديد على لوحة المفاتيح وكأن كراهيتي للفكرة بدأت تتحول. “كافئ نفسك عندما تكتب”. سأحاول.
الجزء الثاني – الذي قد أميل له– يتحدث عن الكتابة في المساء ولماذا قد تكون فكرة مناسبة.
١– الكتابة في المساء بلا انقطاعات.
في أغلب الأحيان لن تجد أحدا يقاطعك بعد أن تختلي بنفسك، أستخدم خدعة تنظيف الاسنان والبيجاما، واعلان النوم، وأقرأ قليلاً، ثم أجيب على سؤال اليوم في مذكرة مخصصة لذلك، واكتب عن يومي. هدوء تامّ، لا انقطاعات، ولكن طاقتي شارفت على النفاد ولا كلمة إضافية تخرج بعد أن أضع نقطة على السطر.
٢– اليوم مليء بالالهام.
الكتابة مساء تعني أنك تلتقط حكايات يومك كله وتضعها في الكتابة أو على الاقل تلهمك. لو لم أكتب هذه التدوينة مساءً لما تحدثت عن منظر طالبة مدرسة تشتري البطيخ مع والدها على الطريق بزيها المدرسي، أيّ فرحة تشعر بها وقد صحبها والدها من المدرسة لبائع البطيخ؟ وفكرت ربما لا تحب البطيخ مثلي، الحمرة المذهلة اللامعة تحت الشمس والمذاق الذي يشبه الحلم! هاه لا تحب البطيخ؟ كيف ستكتب عن البطيخ وطالبة المدرسة إذاً. وهكذا أمرّ بأحداث كثيرة كل يوم، مهمة جدا للحديث لكن اذا لم يكن هناك وقت للجلوس لكتابتها ستتبخر بالتأكيد وتصبح أقل دهشة في اليوم التالي – على اعتبار أن البطيخ مدهش طبعا.
٣– لست في عجلة للقيام بشيء آخر.
عندما تكتب ليلاً، أنت تكتب بعد انتهاء يومك وأصبح الارتباط ذهنيا وعاطفياً أكبر مع الأشياء التي تحب القيام بها، وليس التي يتوجب عليك انجازها.
لكن قائمتي طويلة!
أريد أن أقرأ، أريد أن أتواصل مع صديقاتي، أريد أن أقرأ مرة أخرى. وأريد أن استرخي واحظى بنوم الأطفال. هل تشاهدون الكتابة في أيّ مما سبق؟ مع أنني أتبرم كثيراً لأنني لا أكتب إلا أنها لم تعد تجد مكاناً في جدولي اليومي –باستثناء تدوين اليوميات طبعا– والحل؟ عندما تصل القائمة السابقة إلى الاشباع والاكتفاء سيصبح للكتابة مكان.
أعتقد يا أصدقائي أنّ النصائح أعلاه جيدة، لكن المشكلة في طريقة التطبيق، والظروف المحيطة والاستعداد الشخصي. هل سأكرر تجربتها من جديد؟ لا أعلم، ربما إذا استعدت نظام حياتي وتقبلت جدولي اليومي وجملته بمزيد من التنظيم. حتى ذلك الحين لن أخصص وقتاً للكتابة، لا نهار ولا ليل، كلما شعرت بالحاجة إليها سأزورها.
والآن السؤال المهم لكم: كم مرة ذكرت كلمة كتابة في هذه التدوينة؟
.
.
.