١٧ سبتمبر – أن نكون مرئيين

قرأت في نشرة بريدية اليوم عن أسلوب الروائية الأمريكية لورين غروف في تأليف الكتب. تنتهي من المسودة الأولى بالكامل وتضعها في خزنة بعيدة ولا تعود لقراءتها أبدًا، ثمّ تبدأ في الكتابة مجددًا من الذاكرة! لا أتخيل نفسي أقدم على مغامرة من هذا النوع، وأظنّ أن فكرة البدء من جديد ستكون كافية لإنهاء المشروع في تلك اللحظة. لا أعرف السبب الحقيقي لأنني لم أبحث أبعد من هذه السطور التي مررت بها، لكن ربما كانت تبحث عن الجدّة أو النظر للموضوع من زاوية أخرى. تريد كتابة قصة مختلفة بمشاعر جديدة؟

مضى هذا الأسبوع ببطء شديد، كان دفع الأيام فيه أشبه بدفع صخرة باتجاه قمة جبل وفي كلّ مرة أوشكت على التدحرج إلى الوراء. وصلت الخميس بمشاريع تطهى على مهل، وجلسة مطوّلة مع مرشدتي التي ذكرتني بهيفا قبل ثلاث سنوات من اليوم، كيف كانت تتصرف في مواقف مشابهة؟ وكيف انزوت بعيدًا على الهامش مع رغبة شديدة في الاختفاء!

تقول بأنني اليوم قررت بإصرار أن أكون مرئية.  

هذه الأيام غادرت منطقة بقيت فيها طويلًا لا أعلم متى حصلت اللحظة المناسبة لكني واعية جدًا فالأمر بشكل عام مرتبط برغبتك وحماسك في التغيير.

يشبه الأمر المخاطرة- أو على الأقل هذا ما شعرت به في البداية. أن تضع نفسك في دوائر جديدة في مواقف ومشاعر ومساحات أكبر وأكثر تعقيدًا من احتمالك. ثم بدأت التساؤلات بالظهور، هل الأمر مرتبط فقط بالحضور في المكان ومحاولة التواصل أم أنه يتطلب عملًا أعمق؟ هذه الحالة مرتبطة بسنوات وسنوات منذ بداية تشكل الشخصية في الطفولة.

ومن هنا بدأت رحلة التعلم التي مررت، تعلم أخذ مكاني الحقيقي في دائرتي الشخصية وفي علاقاتي وحياتي المهنية. وتعلّمت أيضا أن أشير للأسباب وأعالجها ومنها كان خوفي الدائم من الرفض والخيبة وربما سقف توقعاتي المرتفع جدًا.

وفي جانب العمل الداخلي أو النفسي تعلمت أيضًا تقنيات في الحديث والتواصل البصري والوجود في مساحات جديدة. كيف أعرف بنفسي؟ ما هي الكلمات المعدودة التي أبدأ بها الكلام مع الآخرين، وكيف أدخل في حوار جانبيّ عندما تكون الفرصة سانحة.

هذا التعلم يعني العودة لنفسي القديمة، فالقصة الطريفة أنني كنت طفلة تشتعل بالفضول والحماس وعلى حدود المشاغبة في أحيان كثيرة، لدرجة أن معارف والديّ كانوا يعلقون بأن مراهقة متعبة تنتظرهم. مع الوقت والممارسة تعلّمت أن كثير من الناس حولي يشعرون بالتردد والخجل وتشغلهم تساؤلات عن الضوء المسلط عليهم وهل يرغبون به أم لا؟

وفي غمرة تعلمي واكتشافي كانت أيامي بمثابة أرجوحة تتحرك بين رغبتي في الظهور والحصول على مساحتي المستحقة، وبين رغبتي المعاكسة في الهروب والبقاء في زاوية هادئة وخفية. وبين المكانين أرى حجر العثرة الذي يؤخرني عن إطلاق قدراتي وشخصيتي الكامنة.

ما بحثت عنه في فترة التعلم والاكتشاف هذه هو حالة تتطابق فيها شخصيتي الحقيقية التي تظهر عندما أصبح في دائرة من الأشخاص الذين أودّهم وأشعر بالارتياح بينهم سواء كانت تلك الدائرة من الأصدقاء أو الزملاء في العمل. هذه الشخصية الحقيقية الصاخبة التي تتحدث بصوتها ولا تختصر ولا تختبئ وراء أي ستارة تظهر لها. هذه هي الشخصية الأحبّ التي تظهر أيضًا في الكتابة بلا تردد. لكنها تتراجع قليلًا عندما يصبح النصّ المكتوب حوارًا بحضرة الآخرين.

هذه لحظة للحديث عن جانب خفيّ وحساس ولحظة إظهار للضعف البشري الذي نتشاركه جميعًا مع اختلاف السياقات والقصص. أن تكون مرئيًا يعني أن تكون محبوبًا يحتفى بك وتسعك المساحة التي تستحق أن تشغلها في هذه الحياة وهو حقّ نمتلكه منذ لحظة ولادتنا.

لا أدري لم اخترت الحديث عن الموضوع اليوم. قد يكون شعوري بالفخر والسعادة وكأني حصلت على نجمة وما زال التعلم مستمرًا. وقد تكون فرصة لفتح نقاش معكم والعودة لاحقًا بتفاصيل حول التمارين والتحديات الشخصية التي وضعت نفسي وسطها.

شاركوني في التعليقات لو مررتم بقصة مشابهة وكيف تعبرون هذا التحدّي اليوم؟

Picture by Tang Yau Hoong

.

.

.

٩ سبتمبر

قرأت بداية الأسبوع عن حبّ اليابانيين لإصلاح الأشياء ومحاولاتهم في إطالة عمر مقتنياتهم والامتناع عن شراء الجديد عندما يكون إصلاح القديم ممكنًا. هذه الثقافة الاستهلاكية المضادة التي تقف في وجه سرعة التخلي والاستبدال مثيرة للاهتمام.

تسمى هذه الممارسة كينتسوجي Kintsugi وحرفيا تعني: الإصلاح بالذهب. لنتخيل أنّ كوبًا من الخزف تعرض لبعض الخدوش، أو الكسر لكنه بشكل عام ما زال مناسب للاستخدام. لإصلاحه ستملأ الشقوق بالذهب. يمكنكم البحث أكثر عن تاريخ هذه الممارسة باستخدام اسمها. ما يهمني هنا أن الإصلاح والمحافظة على الأشياء لأطول فترة ممكنة والصبر على صدوعها لا يعدّ مجديًا في كل السيناريوهات.

وبعد هذه المقدمة وبعض الاستطرادات، أريد أن أشارك فكرة أرشدني إليها تأملي الطويل ومحاولاتي الحثيثة في إصلاح الكثير من المشاريع الميتة والعلاقات والأمور العالقة كما يجتهد ياباني في تطعيم الخزف بالذهب بلا جدوى!  هناك لحظة توقّف تعرف فيها حدود محاولاتك وطاقتك. هناك لحظة لن تسعفك فيها خلطات الذهب ومهاراتك الفنية للإصلاح ويكون الذكاء، كل الذكاء في التوقف وتقبل التخلي.

كانت الفكرة من النشرة البريدية التي تطرقت لفنّ إصلاح الأشياء هو تحفيزنا على العمل بصبر مع أجسادنا عند بدء نظام غذائي جديد أو تجربة تمارين مختلفة. وبدلًا من تمريرها في علاجات أو خطط غذائية متطرفة، نختار الطريق الأهدأ الذي يظهر لها مزيد من الحبّ والتقبل – هذا موضوع مهمّ أود الحديث عنه في تدويناتي الأسبوعية مستقبلًا.

بشكل عام كان أسبوعي الماضي لطيفًا جدًا، قضيت أيامه في العمل ومواصلة قراءة كتاب جديد اكتسح ساعات الصباح، وانتهى بحضور حفل زفاف شقيقة صديقتنا. كانت أمسية لطيفة وممتعة بالرغم من تأخر موعد نومي وشرب كمية كافيين تكفي لشهر!

  • زرت للمرة الثانية ولكن هذه المرة مع والدتي وأخواتي مطعم إيطالي بقائمة طعام متنوعة.
  • استعدت خلال الأسابيع الماضية موعد استيقاظي المبكّر جدًا مقارنة بالآخر الذي اعتمدته مع وظيفتي الجديدة. وبالمصادفة مررت بهذه المقالة الجديدة عن التحول لكائن صباحي – حتى وإن لم يكن ذلك في إعداداتك الشخصية.
  • شاهدت هذا الأسبوع مسلسل The Suspect مع أختي دفعة واحدة. مجنون كلمة واحدة كافية لوصف أحداثه غير المتوقعة، وسيجعلكم تشكّون في كل شخصية من شخصياته!
  • جرّبت مزج بودرة البروتين بالفانيلا مع الزبادي اليوناني لأرفع من كمية البروتين اليومية في وجباتي. إضافة لذيذة ومشبعة جدًا.

.

.

.

٢ سبتمبر

انتهى أغسطس أطول وأغرب شهر في هذه السنة! لكنه مع غرابته كان ممتع وجميل ومختلف. إذا تذكرت شهر أغسطس أتذكر كيف كانت مشاعري تجاهه. كان ذروة الصيف الطويل الممل وغياب الأصحاب، اقضي ساعات النهار في قراءة الكتب وأعداد المجلات الثقافية وفي المساء في اكتشاف كل الأفلام والمسلسلات التي فاتني مشاهدتها في عمر أصغر. هذا الانزعاج كان يخففه اقتراب سبتمبر والحماس لبدء الدراسة وإيجاد هدف أركض باتجاهه.

أفكار متفرقة من أسبوعي

  • هذا الشهر كان فيه أحداث أكدت لي من جديد الفكرة التي اعتمدتها في حياتي: عندما أريد شيء بشدة، لا أؤجله ولا اخجل من طلبه بوضوح.
  • تذكرت العام الماضي هذا الوقت، بدأت وظيفة جديدة بحماس وخلال فترة التجربة -قبل حتى إتمامها- اكتشفت أنّ بقائي في المكان مستحيل وإذا واصلت العمل لتفادي التعليق الذي يتكرر علي: أنتِ تغيرين الوظائف كما تغيرين ملابسك، كنت سأفقد عقلي وصحتي. تركت الوظيفة وحصلت على متنفس قصير قبل الانتقال لوظيفة جديدة. أشارف على إكمال عامي الأول في المكان وكلّ لحظة وتفصيل صغير يذكرني بضرورة الامتنان لما أمرّ به. لأول مرة منذ سنوات أشعر بالسكينة والهدوء التامّ في مكان عمل.
  • أحبّ هذه الوصفة كثيرًا واستخدمتها اليوم في تجهيز وجبات الأسبوع القادم.
  • اكتشفت فرع جديد لسوبرماركت التميمي بعيد قليلًا عن منزلي لكنه أقرب لمكان العمل. خيارات البضائع أكبر وخاصة الخضروات، والفواكه، والأجبان المحلية، والمستوردة. سأزوره صباحًا لتفادي ازدحام الدائري الشمالي.
  • قرأت هذا الاقتباس في نشرة جيمس كلير الأسبوعية «ستُحجب عنك السعادة دائمًا إذا كنت تعتقد أنها في مكانٍ آخر.» والمقصود هو سعي البشر وراء السعادة البعيدة التي قد لا تتحقق. العيش في مكان آخر، أو لقاء أشخاص مختلفين. ولكن السرّ يكمن في النظر حولك والبحث عن السعادة القريبة.
  • هذا الموقع الممتع يظهر لكم اقتباس أدبيّ بحسب الوقت! جربت البقاء في الصفحة وقراءة كل الاقتباسات خلال خمس دقائق. الاقتباسات حفزت فضولي تجاه الأعمال التي تنتمي لها
  • وفي نشرته البريدية الأسبوعية أيضًا كتب جيمس كلير عن منهجه في الكتابة، شعرت بالتوافق مع ما كتبه. هذه أيضًا فكرتي عندما أكتب، أو أشارك فكرة، أو أقدم ورشة عمل. ترجمت المقطع لأشاركه معكم:

«منهجي هو التمكين، وليس التوصية. لستُ مهتمًا بإرشادك إلى العادات التي يجب عليك تبنيها أو الخيارات التي يجب عليك اتباعها. أنت أعلم مني بما ينسجم مع حياتك وظروفك. وبدلا من توجيهك أو تقديم توصياتي أريد تجهيزك وتمكينك بالأفكار والاستراتيجيات لتتمكن من تحديد خياراتك الخاصة، وفعل الأشياء التي تريد القيام بها. سأعطيك المطرقة وأنت تقرر أين تدقّ المسمار.»

.

.

٢٦ أغسطس

أنهيت مهام ليلة الأحد باكرًا اليوم وجلست للتفكير في التدوينة، بلا ضغط أو تأهب. أتذكر دائمًا مبدأ التخلص من الالتزامات وأذكر نفسي أن التدوينة الأسبوعية هذه ستكون تمرين كتابي جيّد في سباق المسافات الطويلة -إنجاز كتابي مثلا. كان الأسبوع قبل الأخير من أغسطس حافل بالعمل والزيارات والقصص. التقيت فيه عدة صديقات بعد عدة أشهر من الانقطاع وتبادلنا آخر الأخبار وتفاصيل الحياة التي لم نشاركها على منصات التواصل الاجتماعي.

وضعت من يدي كتاب حاولت جاهدة مواصلة القراءة فيه بلا جدوى! الرواية المكتوبة بطريقة مختلفة «خلية النحل» كاميلو خوسيه ثيلا فشلت في القبض على انتباهي. أحب الكاتب وأتابع المترجم وقرأت له عدة مرات. عندما يحبطني كتاب اتردد في اختياري التالي وأعود لقوائم مشترياتي القديمة وأنبش الرفوف. وفي المرتبة التالية: المقالات الطويلة التي تصلني في النشرات البريدية أو أحفظها في قائمة مفضلة لا نهائية. لديّ كتاب عن الخبز وآخر عن قطّ مفقود وثالث عن سلسلة جرائم في أوكلاهوما الأمريكية. سأنتظر بداية الأسبوع واتبع مزاجي أينما ذهب.

عدت لضبط موعد استيقاظي من النوم بعد فترة خمول ووجدت أن الحضور المبكر للمكتب وبدء العمل قبل ازدحام المكاتب المشتركة أفضل شيء اخترته لطاقتي وتركيزي.

قرأت خلال الأسبوع ضمن نشرة Brain Food فكرة مثيرة للاهتمام عن مفهوم التفوّق – أو ما يجعل بعض الأفراد متفوقين على غيرهم سابقين لهم. وأوجزت الفكرة تسعة أسباب لذلك أترجمها هنا:

  • الموهبة والذكاء. بعض الأشخاص أفضل وأكثر ذكاء بطبيعتهم.
  • العمل الجاد، فالبعض يعمل بجهد أكبر.
  • التفاوت في رؤية العالم بشكل مختلف. تجربة الأشياء المختلفة، قراءة كتب مختلفة، وتفسير المعلومات بشكل مختلف.
  • الانضباط والنظام. ويقصد به تصميم نظام للعمل والعيش والمواظبة عليه (التمرين اليومي مثلا).
  • اقتناص المواهب البعض لديه المهارة في توظيف أفضل الناس وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم.
  • الصبر. انعدام الصّبر يغير النتائج.
  • القدرة على تحمّل الألم. ما هو مقدار المخاطرة التي يمكنك تحملها؟ والأهم من هذا: هل يمكنك التعامل مع الخسائر؟
  • الطباع والحالة المزاجية والحفاظ على ثباتك عندما يفقد الآخرين عقولهم.

أشاهد حاليًا -ببطء- مسلسل Halt and Catch Fire.  المسلسل الدرامي الذي يقع في أربعة مواسم ويصوّر فترة ثورة الكمبيوتر الشخصي في الثمانينات وبداية شبكة الانترنت. أعادني المسلسل لأيام الدراسة ومقررات البرمجة البدائية. ولكن بصورة أكبر أثار بداخلي شغفًا خفيًا لبدء مشروع عظيم والسهر لتحقيقه. أحببت تطور الاحداث التدريجي وتعلقي بكل الشخصيات بلا استثناء وهذا نادر الحدوث! دائما لدي شخصية أو اثنتين مفضلة في سياق الأحداث. الكتابة رائعة ولدي استفهام كبير عن شكل نهاية المسلسل؟ لماذا لم يمتد لأبعد من أربعة مواسم؟ تبقى لي موسم ونصف تقريبًا وسأجد الإجابة.

اكتشفت قناة يوتوب مليئة بالفيديوهات الممتعة تقدّمها مطورة وصفات وطاهية بريطانية اسمها تيش وندرز. لديها أيضا كتب وصفات رقمية جاهزة للاقتناء. لكن اقترح عليكم أولا مشاهدة الفيديوهات والوصفات قبل الشراء. الوصفات مناسبة للطهي في المنزل والتقليل من الأكل خارجه. وأعطتني أفكار لذيذة لغداءات العمل.

.

.

استهلال

بدا صوت العنوان في رأسي مناسبًا. اعتدت كتابة التدوينة أولًا والعنوان لاحقًا قبل النشر. لكن مشاعري تجاه المكان والغياب الطويل عنه دفعني للتفكير بـ استهلال. العودة للبدء من جديد. موسم جديد في الحياة. والمصادفة الطريفة أنّ المدارس تبدأ غدًا في المملكة.

استعيد حماسي ليوم الدراسة الأول وجدّة الأشياء والأماكن. كلّ شيء حولي يهيئني لانطلاقة مختلفة.

قضيت عطلات صيفية طويلة في العقدين الأولى من حياتي وأقول طويلة لأننا نترك المنزل وننتقل إلى نجد حيث العائلة الممتدة. لا تترك والدتي المنزل في حالة من الفوضى، الغرف نظيفة ومرتبة بعد حزم الحقائب وثلاجة المطبخ خالية من أي أطعمة قد تفسد خلال الأسابيع التي نغيبها. الأرضيات نظيفة والتكييف على درجة موزونة تبقي المنزل في حالة مناسبة للوصول المرهق والنوم فورًا! كان لمنزلنا رائحة مميزة أظنها رائحة خلو المكان منّا؟ اللحظة التي يفتح فيها والدي الباب ونندفع راكضين وأقف للحظات لتأمل غزل السجاد المنتفش، الستائر الغافية، وسريري البارد.

مرّت السنوات وتغير شكل العطلة الصيفية تمامًا. لم أحظ بالكثير من الفواصل المنعشة منذ انتقلت للعيش في الرياض والتزمت بالعمل في وظائف بدوامٍ كامل بدلًا من العمل المستقل. تشتدّ حرارة الجو وأقضي أيامي في الركض بين المهام وتأمل المسافرين عبر منصات التواصل ومعارض الصور والفيديو المشاركة. صيف مختلف لهذا العام فقد حصلت على عطلتي المنتظرة وأقنعت أخواتي بزيارة اسكتلندا -أدنبره تحديدا- بعد خمس سنوات من زيارتي لها. وانجلترا بشهادة نشرات الطقس والسكّان شهدت يوليو الأبرد منذ العام ١٩٧٠م. كلّ هذا ساهم في رحلة مدهشة استمتعت بكلّ لحظاتها. لم يمتلئ الجدول بالخطط فقط ساعات طويلة من الأنشطة البطيئة، الطعام اللذيذ والكثير من الفنّ.

وكلّ مرة نسافر سوية نجلس للحديث في رحلة العودة عن الأشياء التي أحببناها واللحظات والتجارب التي علمتنا درس جديد أو جانب خفيّ في أنفسنا.

قائمتي العشوائية كانت:

  • زيارة معرض البورتريه الوطني في لندن بعد اغلاقه للصيانة ثلاث سنوات.
  • تصوير الرحلة على فيلم بدلا من كاميرا رقمية.
  • حضور مسرحية Phantom of the Opera  بعد مقاومة طويلة.
  • تجربة التسوق الرقمي لشراء الكتب من مكتبة Waterstones وزيارة الفرع القريب لاستلامها. هكذا استبعدت التسوق الفوضوي واخترت فقط ما احتاجه.
  • المحافظة على مسافة كافية بيني وبين الأقلام والدفاتر، قطعت وعد لنفسي ألا اشتري المزيد منها.
  • رحلة بالسيارة ليوم كامل في المرتفعات الأسكتلندية كانت خيار ممتاز للانغماس في الطبيعة.
  • النهارات الطويلة كانت هدية مضاعفة.

والآن عودة للموضوع المهمّ، التدوينة هذه ليست للحديث عن عطلتي، بل عن المشاعر التي تتبع العطلات من هذا النوع. العودة للموضوع الرئيسي في حياتي والمشاريع المؤجلة والروتين الذي غادرته لسبب أو آخر. منذ فتحت الباب وعبرت للسنة الحالية وأنا في حالة من الترتيب الدائم وإعادة التهيئة. بدأت بصحتي -وهذا موضوع سأكتب عنه قريبًا بإذن الله- وانتقلت لمساحتي التي أعيش بها بعد أن قررت ألا أؤجل أي شيء بسبب العيش في منزل مؤجر. وانتقلت من المساحة للدوائر الاجتماعية ومنها إلى العمل.

اشتاق كلّ يوم للكتابة والعمل الإبداعي وأبحث عنه في داخلي ولا أجده. استهلك الكثير من المعلومات والصور والمشاعر وأنا مستمتعة جدًا بالتأكيد، ولكن أين يذهب كلّ هذا؟ أريد أن اكتب تأملاتي الطويلة واستكشف الأثر في روحي. اقرأ كثيرًا هذه الأيام، وانتقل من كتاب لآخر بعد عدة صفحات من الملل والانزعاج. أحرك جسدي بشكل أفضل بعد أن تحررت من أثر الإصابات. وكلما صنعت شيئًا يستحق الاحتفاء اكتبه حتى لا أنسى.

وفي هذا الترتيب والبحث الدائم تعلمت تعديل توقعاتي وأولوياتي، وأصبحت تفاصيل محدودة لضمان أثر أكبر. ثمان ساعات من النوم؟ شرب الماء الكافي؟ البقاء في المنزل خلال نهاية الأسبوع مهما كان الخروج مغريًا؟ احتفظت بهذه القائمة القصيرة وأعدتها مرات ومرات فهي ضمان انضباط مزاجي وطاقتي الأفضل لأداء العمل والتواجد في دوائري الهامة.

تخففت كثيرًا، الأثاث والملابس والكتب وكثير من الأشياء التي عندما رأيتها بعد سنوات من الغياب استغربت لم أنفقت مالي فيها؟ وبذكر التخفف عطلت حسابي في تويتر بشكل نهائي الشهر الماضي -أو الذي قبل نسيت- لم أحفظ أرشيف ولم أفكر مرتين قبل تعطيله. لقد توقعت ذلك سابقًا واتخذت قرار عدم العودة إليه وعدت بعد مضي أشهر. هذه المرة خروج نهائي وسأكتفي بالكتابة في مدونتي والحضور المصوّر في التطبيق الأحبّ لدي Instagram.

حضرت الأسبوع الماضي دورة تدريبية في معهد مسك للفنون بعنوان «مقدمة في إدارة المشاريع الفنية». كانت الدورة لطيفة وخفيفة وجمعتني بشخصيات واهتمامات مختلفة. القصة ليست هنا، القصة في الأسئلة العميقة التي ظهرت أمامي خلال الأسبوع وأعادتني للنقطة الأولى: لماذا أكتب؟ ولماذا اشتاق واحتاج للإنتاج الإبداعي؟ السؤال الذي يجيبه حرصي الدائم على إبقاء هذه المدونة حاضرة. صيانتها وسداد رسوم الاستضافة والاطلاع على أرشيفها كلما أضعت بوصلتي. وفي كلّ مرة أقول بصوت مسموع حان الوقت للتوقف واختيار مشروع آخر أو الالتزام بالصمت وإيجاد هواية أخرى، أعود هنا. أرتّب المكان واتأمل رائحته الجديدة الخالية من الأثر، وأفكر في مشروع لطيف سيبقيني في حالة الحماس لنهاية العام. لكلّ أسبوع باقٍ في ٢٠٢٣ سأكتب تدوينة جديدة بلا تصنيف أو فكرة محددة. ما يمكنني التفكير فيه والكتابة عنه سيظهر وهكذا يستيقظ الحبر النائم وتعود الحياة هنا من جديد.

شكرًا لكم، لرسائلكم وتفقدكم وحماسكم للتدوينات التي لم تولد بعد.

.

.

.