تنانير تفصيل ..وأشياء أخرى.

via Tumblr

أبحث دائماً عن أفضل مدخل للتدوينة الجديدة. كلّ مرة أقول هذه أفضل، أو تلك. لكن الرضا العميق لديّ لا يتحقق. وأعرف تحفز القراءة الذي يسكنني كلما قرأت عنوان مقالة جديدة أو حتى بداية كتاب. لا أريد مقدمات! أريد المحتوى وأريده الآن.

إبريل شهر مناسب لبدء التخطيط للصيف، والتخطيط للصيف لا يعني السفر فقط! خططوا صيفكم كما تريدون ولكل ما ترغبون بفعله. هذا العام أذهب في رحلة استجمام ومغامرة قصيرة الفرق بينها وبين رحلة العام الماضي لأمريكا أنّ الدعم المادي لها والتخطيط سيكون شخصي بامتياز، عندما ترغب بشدة في السفر وتخبرك أسرتك وبصراحة: لا يمكننا تحمّل التكاليف وعليك إيجاد طريقة لجمع المال.

الخطوة الأولى لتحقيق ذلك أولاً: إيجاد عمل! وبما أنني مشغولة بكتابة بحثي وأعمال أخرى أتنقل بين المدن لأجلها ولا استقر، فإنني أبحث عن عمل مرن، عمل يقدم لي مصدر دخل جيّد ويمكنني القفز من العربة وهي تسير وكلما أردت ذلك دون خسارة الكثير ودون التسبب بالمشاكل للمؤسسة. كانت فكرة العمل مع والدتي أعظم فكرة مضيت فيها منذ سنوات، بيئة عمل سعيدة وبرّ والدين، وإجازات اضطرارية والعمل عن بعد.

لا أريد الحديث الآن عن تجربة العمل –تدوينة مستقبلية وكثير من التسويف- لكن سأقول: بعد الراتب يأتي التوفير، والتوفير المقصود لا أعني به طبعاً التقتير الشديد وانتظار الصيف والحرمان حتى ذلك الحين، كلّ شيء رائع بالاعتدال. احتسب قيمة المصروفات الأساسية التي لا تستطيع الانتظار واقتسمها مع أختي: اشتراك قنوات التلفزيون، قهوتنا المفضلة، مشتريات السوبرماركت التي لا تدخل في ميزانية العائلة، رحلات التسوق الصغيرة، زيارات الصديقات وهدايا المواليد وأعياد الميلاد وغيرها. أما المشتريات المجنونة والتي بلا سبب تنتظر، تنتظر طويلاً.

من الأشياء التي قمت بتجربتها تغيير أماكن اقتناء الملابس، شراء أدوات تجميل بجودة عالية وسعر أقلّ، التوقف عن الأكل خارج المنزل والطبخ أكثر، تفصيل الملابس بدلا من شراءها-مثلا- أحبّ ارتداء التنانير الملونة وكلما وجدت قصة أحبّها أو لون مفضل تفاجئني الأسعار السعر عادة يبدأ من 250 ريال إذا كان نوع القماش ممتاز. الفكرة الحلّ: اقتنيت مجموعة أقمشة قطنية بجودة عالية – كلّفت حوالي 200 ريال – وأخذتها لخياط نسائي انجز العمل على خمسة منها بـ 400 ريال، بحسبة سريعة لو كنت سأقتني تنانير مماثلة سأصرف 1000 ريال أو أكثر، لكن التفصيل وبمقاس وفكرة مناسبة لم يكلف أكثر من 600 ريال. وهذا مثال بسيط. توقفت عن شراء الكتب بعد صراع عنيف مع نفسي! أصبحت أذهب لمجمعات التسوق للفرجة وأقاوم ويبدأ الحساب الذهني ليصبح كلّ شيء أمامي قابل للانتظار.

بذكر السفر والتخطيط، هناك شيء آخر أقوم به، في نهاية الأسبوع ابحث عن مواقع سياحية واقرأ آراء الزوار وتقييمهم لكلّ شيء وأدوّن، القائمة كبيرة جداً وقد لا تكفي للرحلة المنتظرة لكنّني وقبل السفر بقليل سأقوم بفلترتها بحسب الأهمية. هذا موقع رائع يساعدكم في التخطيط وصنع رحلة افتراضية قبل سفركم الفعلي، يسجل لكم المواقع والاهتمامات ويحسب لكم يومياً المسافات بين الأماكن والوقت اللازم لزيارتها وساعات عملها. هناك أيضاً فرصة الاطلاع على خطط الآخرين والحصول على أفكار إضافية لكم.

غير السفر يمكن التخطيط لتعلّم شيء جديد، أي شيء خلال إجازة الصيف. شيء تأجلونه من سنوات أو شهور. شيء لم يتوفر لكم تعلمه قبل هذه السنة وبسبب العمل أو الدراسة سيكون الصيف الوقت المناسب لفعل ذلك. في الانتظار ابحثوا عن مصادر تعلم، أو أماكن تعلم وابحثوا عن التكاليف والمعلم الأفضل. يمكن التخطيط لهواية جديدة مثلاً، أو نشاط عائلي. وكلّ هذه الاهداف ضمن خططي وأسعى لتنفيذها إن استطعت.

بالنسبة لي الصيف والنهار الطويل يرتبط بالقراءة، مضى وقت طويل على انهاء الكتب بحماس وسرعة. آنا كاريننا تحدق بي في زاوية المدونة كل مرة أزورها. لم انتهي من الاستماع للكتاب مع أنه ممتع وتولستوي لا غبار عليه. لكنّ المزاج السماعي لا يساعدني كثيراً. استمعت لكتب وبرامج أخرى، قرأت كتب الكترونية واغرق في مذكرات تشايكوفسكي على مهل. كتاب جديد اقرأ فيه الآن ببطء: قطط همنغواي. كتاب بتفاصيل حميمة وهادئة. ستتعرفون من خلاله على همنغواي وذكرني بتدوينة كتبتها عن قططه ذات الأصابع الستة. لكنني أفشل في التخلص من شعوري بالذنب مهما حاولت، أقول الشهية القرائية موجودة وهذا الأهم. للصيف كنت كل سنة أصنع قائمة قراءة، ربما لأنني مشغولة خلال العام الدراسي وأتوقف عن كل شيء مع الإجازة، والآن لا مجال فالعمل على مدار السنة. لكن سأشارككم بنصائح سريعة لصنع قائمة قراءة للصيف:

– راجعوا قوائم سابقة. كتب كنتم تريدون قراءتها أو توصيات أصدقاء تنتظر، زوروا مفضلة متصفح الإنترنت أو مفضلة تويتر أو قائمة To Read الخاصة بكم في موقع Goodreads. ستجدون عناوين واقتباسات تنعش ذاكرتكم بعيداً عن الانشغالات اليومية. ويمكن أنّ الكتب التي كانت تشعركم بالذنب لهجرها ستكون مناسبة.

– اختاروا كتب تناسب الوقت. الصيف يتخلله أوقات انشغال وأوقات فراغ (شهر رمضان مثلاً مناسب جداً للقراءة) قسموا الكتب على الصيف بحسب حجمها ونوعها. كتب للرحلات البرية، كتب للرحلات الجوية الطويلة، كتب للانتظار في المحطات. والقائمة تطول.

– ماذا أقرأ؟ حسناً هذا لمن لديه كمية كتب هائلة ويبدأ بالغرق فيها تدريجياً. أو سيقتني كتب للصيف مبنية على كتب قرأها سابقاً. أحبّ هذا الموقع وأتوقع أنكم تعرفونه What to read next? موقع تضعون فيه كتاب انتهيتم منه ويختار لكم كتب أخرى لتتبعه، أو هذا الموقع Your next read وفيه شبكة اجتماعية تابعة ومراجعات ويرتبط بـ Goodreads وأيضاً تبحثون فيه عن قراءتكم التالية باستخدام عنوان كتاب انتهيتم منه.

أحاول جاهدة ألا أفقد تسلسل أفكاري وأنا أدوّن الآن.

شاهدت وثائقيات كثيرة خلال الفترة الماضية وأعدكم بأنني سأكتب عنها بإذن الله، هناك بعض التدوينات التاريخية والأدبية، وقراءات في كتب وصور وترجمات. كان رأسي يدور من يناير الماضي وقد أتمكن من تثبيته أخيراً. في حلقة البودكاست السابعة والتي أنشرها يوم السبت القادم سأتحدث عن الفنادق، بعض الأفكار المرتبطة بالفنادق والسكن فيها واختيارها بمناسبة التخطيط للصيف، هذا استطلاع رأي سيسعدني مشاركتكم فيه. سريع وخفيف ونتائجه سأطلعكم عليها يوم السبت.

“a portrait of my children, once a week, every week, in 2014.”

أحبّ المشاريع السنوية على الرغم من أنني فشلت في بعضها، لكنّني أتابعها بحماس وأشجع من يقوم بها في أي مجال. مررت صباح اليوم بهذه المدونة اللطيفة والمنوعة. صاحبة المدونة اختارت مشروع صور (52 أسبوع) للسنة الحالية، ستكون الصور التي تلتقطها مجموعة بورتريهات لأسرتها –أطفالها بشكل خاصّ- وبدأت فعليا تسجيل هذه الصور ونشرها في المدونة، كمية الحبّ والسعادة فيها لفت انتباهي، في إحدى الصور التقطت صورة لبطنها وهي تحمل صورة لأشعة السونار الخاصة بالجنين في بطنها وأعلنت: “اليوم أخبرنا الطبيب بأنها بنت.” لم أتابع المدونة من بدء التجربة وجئت لأتعرف عليها بعد حين، أتصور اهتمام المتابعين من البداية ودهشتهم معها وفرحهم بالخبر السعيد. يمكنكم أيضاً متابعتها هنا.

بذكر المواليد والأطفال قرأت اليوم عن دراسة تجعل القلب يرقص، تتحدث عن رائحة المواليد الخاصة وتأثيرها على الأم والنساء عموماً. الباحثون راقبوا ثلاثين سيدة طُلب من كل واحدة منهنّ “شمّ” بيجامة طفل مولود. نصف السيدات أمهات فعلياً ونصفهنّ الآخر بلا أطفال. لكن في الحالتين وجد الباحثون أنّ رائحة المولود أثرت في دائرة المكافأة Reward System في الدماغ وهي الخلايا التي تخلق السعادة ومشاعر السرور. كأن السيدات تعاطين الكوكاين أو الشوكولا! لا يعرف الباحثين ما يجعل رائحة الأطفال تؤثر بهنّ بهذه الطريقة لكنّهم يعتقدون بأنّها مكونة من 250 عنصر كيميائي. يقول أحد الباحثين المشاركين في الدراسة بأنّ الرائحة تؤثر في الجميع لكنّها تؤثر في أمّ المولود بشكل مختلف. تخلق هذه الرائحة رابطة مشاعر بين الأمّ والطفل وهذه الرائحة تدفعها للاهتمام به.

لا تقرأ هذا الكتاب

grossmannovel

المرّة الأولى التي عرفت فيها قوة الترجمة والنقل كانت منذ سنوات بعيدة. كان أقاربي الصغار يسألون عن معنى كلمة أو عبارة في مشهد فيلم بلا ترجمة، وكنتُ ارتجل إذا لم أجد المعنى أو أحرّفه قليلاً حسب ما تقتضيه الفئة العمرية. الترجمة تأخذ أشكالا كثيرة في حياتي ولا ترتبط بنقل كلمة من معنى إلى آخر. هناك الصور، والمشاعر، والحكايات والقدرة على نقلها وتحويلها وإشباعها بالتفاصيل المناسبة.

علمتني والدتي القراءة بعمر الثالثة، بذلت جهداً جيداً لكنّها نسيت العملية الدقيقة التي نجحت بها. الترجمة بدأت مع القراءة – على الأقل بالنسبة لي- كان الأطفال في الروضة يقرأون القصص المصورة ويتجاوزون النصّ المكتوب لأنه لا يُفهم ولا يعني لهم شيئاً. في وقت قراءة القصة تجلس المعلمة في زاوية المكان وتترك لي القصة بصورها وكلماتها، أقرأ بلا تردد، كان الأمر بمثابة معجزة وربّما لعنة! لأنني لم أتوقف من ذلك الوقت عن قراءة كل شيء الورق، الصور، اللوحات، الرموز، الوجوه والسماء.

مع تعلم القراءة بدأ تعلم لغة ثانية –الإنجليزية- كانت الفكرة الطريفة في تعلم هذه اللغة هي محاولة والديّ إيجاد مساحة للحديث بعيداً عن فهمنا. وكلما كبر أحدنا انظم للفريق وأجاد لغته بدوره. ومع مرور السنوات وتمرين لغتنا بمشاهدة برامج تلفزيون للأطفال والكبار وأفلام بلا ترجمة وقراءات أصبحت عضلة اللغة الإنجليزية متينة. أكثرنا حظاً أختي الصغرى التي جاءت في عصر الإنترنت وبيت تستخدم فيه اللغة بموازاة اللغة الأم ولا تنقص من قيمتها. أصبحنا بحاجة لمساحة سرية جديدة: الإسبانية ربما؟

سأسّرع الوقت حفاظاً على تسلسل أفكاري ولأنني أعرف أن الاستطراد جينة وراثية. بدأت التدوين في 2005م تقريباً، تنقلت بين عدة شركات استضافة ومدونات، كتبت بالتزامن مع مدونتي في منتديات الكترونية ومجلات وصحف محلية ودولية. لم يتساءل أحد عن المعلومات التي ابني عليها مقالة؟ من أين جاءت الأفكار الفريدة والجديدة وقصص لأراضٍ لم تطأ بعد؟ كنتُ أترجم الأشياء الرائعة التي أجدها وأعلم بأنّ الكثير لا يجيدون اللغة الإنجليزية فأنقلها لهم بطريقة مختصرة ومحببة. كلّ تدوينة كانت بمثابة بحث صغير وجمع للمصادر وتلخيص وترجمة. أكثر من 80% من محتوى تدويناتي هنا والمعلومات التي انشرها على حساباتي في الشبكات الاجتماعية: محتوى مترجم عن الإنجليزية. ومع أنني أشير إلى مصادري واعرض مواقع ومجلات ووثائقيات بلغتها الأصلية لمن يريد تجاوز حديثي والوصول للمصدر مباشرة إلا أن الكثير من المتابعين يجهل عملية الترجمة والنقل التي تحدث.

قبل شهر تقريباً صدرت رواية “كلّ شيء يمضي” للروسي فاسيلي غروسمان. ترجمتُ الرواية وصدرت عن دار أثر للنشر، كانت الفكرة مثل مغامرة مجنونة ترددت فيها كثيراً. لكنني كنت أقول لنفسي: أنتِ تترجمين بشكل يومي دون أن تشعري بذلك! حتى عندما أشاهد برنامج تلفزيوني واتصل بصديقة وأخبرها بتفاصيله، هذه التفاصيل ترجمة. استمرّت حالة الإقناع الداخلي بالإضافة للتشجيع الخارجي حتى قررت البدء بالعمل. لم أعرف فاسيلي غروسمان أبداً من قبل ولم يعبر اسمه ذاكرتي. لكن القراءة الأولية عنه وفي كتابه أثارت بي الحماسة. الرواية تستعرض الحياة السوفييتية تحت الحكم الشيوعي، شخصياتها قليلة مقارنة بروايات أخرى قرأتها. إيفان غريغوريفيتش معتقل لثلاثين عاماً يخرج ويعود لحياته. لم تكن العودة سهلة، وفيض الذكريات يزيدها صعوبة. الرواية تلقي الضوء على ستالين ولينين وعلى حصار ستالينغراد الشهير، تتحدث بتفصيل مرعب عن المجاعة الأوكرانية التي حصدت الملايين وشلّت غذاء أوروبا – كانت أوكرانيا آنذاك تلقّب بسلة خبز أوروبا- . لم تكن الترجمة سهلة، كانت الفكرة التي تحاصرني تقول: فكري في شخص لا يعرف الاتحاد السوفييتي، ولا الشيوعية، وليست لديه أي فكرة عن كثير من الأحداث التي نقلتها. وجدت في الهامش فكرة جيدة لكن حاولت كثيراً تجاوز الهوامش التي تشرح أكثر من اللازم، في ذهني دائما ماركيز وهو يتبرّم من المترجم الذي يعتقد بأنه يعرف كل شيء حتى أنه يفسر ما كتبه الروائي وكأنه له!

عزلت نفسي بعيدا عن أي عمل روائي آخر ما استطعت، وتابعت الأخبار المحلية الروسية، وبحثت عن قصاصات تاريخية تدخلني في حياة فاسيلي بشكل أفضل. ظننت أنني أعرف الكثير في التاريخ، لكن ما وجدته في صفحات الرواية والإشارات فيها اذهلني. استمعت للموسيقى الشعبية الأوكرانية –والروسية- في الخلفية، قد يبدو هذا التفصيل مبالغاً فيه لكنّني أحببته. استخدمت أقلام رصاص بلاكوينغ التي تحدثت عنها في تدوينة سابقة هنا، وكتبت الترجمة في دفتر مقسم بصفحات ملوّنة وكنت أقيس تقدمي في العمل بتغير لون الصفحات، فصل بعد آخر وأتوقف قليلا لطباعة ما كتبته. لماذا لم تكن الترجمة مباشرة على الكمبيوتر؟ لأنني لا أجيد البدء بالعمل الكترونيا ولأن الطباعة تتيح لي فرصة التعديل ووضع مفردة مناسبة مكان أخرى.

كانت والدتي تطلّ من حين لآخر وأنا منهمكة في العمل فأطرح عليها سؤالاً وتجيب بسرعة وتأكيد لتصبح المفردة التي بحثت عنها لساعات في يدي! أذكر أنني علقت بشكل مأساوي في تعريف لحذاء لتأتي وتقول “حذاء بعنق” ببساطة حذاء بعنق مناسبة جدا وكانت بالفعل الكلمة التي بحثت عنها وفشلت. أذكر أنّ قطتي لزمت المكان الذي عملت فيه ولم تتركه حتى ليلة الترجمة الأخيرة، مضت عدة أشهر مثل حلم وأنا أردد أسماء الشخصيات بيني وبين نفسي وأعرف بأنني لن أنساها. قد تكون هذه الرواية رواية عادية جداً، أو مذهلة. إنها مثل الروايات التي تجلس على الرفّ حتى تقرؤوا عنها في توصية صديق تثقون به. أو تمرّ في حديث أدبي على شاشة التلفزيون فتبحثون عنها في محرك البحث وتلتقطون أطرافها. لو لم أترجم “كل شيء يمضي” لما تعرفت أسرتي على أهوال مجاعة أوكرانيا، لقد شاهدوا ذلك في وجهي وأنا أكتب عن الجوع وطبقي ممتلئ. لما تعرفت صديقتي على فاسيلي غروسمان وبحثت عن كتبه الأخرى لتسبقني بالقراءة. ولما تباشر الجميع بالكتاب ووضعوه على رأس قوائم تسوقهم في معرض الكتاب.

ما يحزنني فعلاً، والآن سأخبركم بالهدف الذي كتبت بسببه هذه التدوينة: أن الكثير ممن ابتاعوا الكتاب أخبروني بطريقة أو بأخرى أنّ الهدف من شراءه ترجمتي له، واحتفوا به بشكل كبير أثار حسد مدونتي وكتاباتي السابقة وتغريداتي. كنت وسأبقى مترجمة بطريقة ما لكنني لا أحبّ ارتباط تجربتي بكتاب. فالاحتفاء والحرص الذي وجده الكتاب مرعب، خصوصاً عندما يقتنيه البعض بعيداً عن محتواه، عن القصة التي يرويها. قد تصدمكم الأحداث وقد تكون الرواية ثقيلة على قلوبكم، أو مملة فتتركوها. أنا لا أحبّ اقتناء الكتب قبل معرفة محتواها ولو بشكل مختصر. لذلك، أرجو أن تقرؤوا عن فاسيلي غروسمان، وعن التاريخ الذي عاشه. شاهدوا وثائقياً عن ذلك، أو برنامج اخباري. إذا وجدتم في أنفسكم الاستعداد والاهتمام لقراءة “كل شيء يمضي” افعلوها بلا ترددّ.

حتى ذلك الحين نصيحتي لكم ستبقى: لا تقرأ هذا الكتاب، حتى تعرف ما بداخله!

كنت هناك: مكتبة مايكل سايدنبرغ السرية

 

كتبت التغريدة أعلاه في مارس 2013م، كانت أقرب إلى الأمنية مع إنني كنت أعلم حينها برحلتي المقبلة إلى نيويورك. توقفت عن التفكير في مكتبة مايكل سايدنبرغ في اللحظة التي نشرت فيها تلك التغريدة. ومضت الشهور سريعاً وصولاً إلى أغسطس، سافرت في نهايته تقريباً وتواصلت بالبريد الإلكتروني مع مايكل بخصوص زيارة مكتبته ولم أجد رد. أُحبطت قليلاً لكنني لم أتوقف عن البحث والمحاولة. ولكن، قبل أن استرسل في الحديث عن مايكل ومكتبته سأخبركم قليلاً عنها. مايكل سايدنبرغ كاتب وبائع كتب نيويوركي شهير، بدأ هذه المهنة في سبعينات القرن الماضي، ولكن ومع مرور الوقت وتراجع مبيعات الكتب وارتفاع الإيجارات النيويوركية قرر مايكل نقل مكتبته لشقته الخاصة، وبيع الكتب المستعملة والجديدة فيها بلا تصريح وبلا ملاحقة ضريبية! مكتبة خاصة تشبه حانات بيع الكحول وقت الحظر في بداية القرن العشرين Speakeasy وهذا ما ستفعله عزيزي الزائر. ستحاول البحث عن مايكل والتواصل معه ثم الوصول لمكتبته. ولكن مايكل لا يجيب على رسائلي، وشككت بأنّ البريد الإلكتروني الذي أرسلت عليه التماساتي وشرح لقصتي وأنني سآتي من خلف المحيط لنيويورك وأنّ مكتبته أكثر مكان سأحرص على زيارته. بلا ردّ. فكرت من جديد ووجدت أن التواصل مع رئيسة تحرير المجلة الإلكترونية التي يكتب بها سيقودني إليه، وكان ذلك ما حصل وكتبت لرايتشل روزنفيلت وأرفقت رسالتي السابقة لمايكل بها، لم تمض عدة ساعات حتى وجدت الردّ المبهج منها. قالت لي أنها تواصلت مع مايكل ليقرأ رسالتي ويعود إليّ، وفي حالة لم يحدث ذلك ستعود هي لتخبرني بالتفاصيل. أتذكر جيداً أين وصلني الرد الأول من مايكل – بعد عدة أيام طبعاً- كنت على شاطئ المحيط أتأمل النوارس والأطلسي العظيم. رحب مايكل بزيارتي وزودني برقم هاتفه الذي يقول في الفيلم التسجيلي القصير أنه متوفر للجميع في حالة بحثوا عنه في الدليل، ولكن من يستخدم دليل الهاتف اليوم؟.

بدأت بالتفكير في رحلتي، وانتظر تواجدي في نيويورك على أحرّ من الجمر. وجاء سبتمبر سريعاً كما تمنيت. بعثت برسالة قصيرة لمايكل استفسر عن عنوانه في منهاتن. سكنت في رحلتي الأولى في بروكلين في منطقة بعيدة عن شمال شرق منهاتن حيث يسكن واحتجت لمعرفة الوقت للخروج والعودة لأن غروب الشمس كان بمثابة ساعة سندريلا وإعلان للعودة. لم يزودني بعنوانه وعلق: عندما تتواجدين في منهاتن وقبل وصول بحوالي 30 دقيقة سأبلغك بمكان السكن. سرية أكثر من هذا؟ شعرت بالرعب قليلاً وضحكت أختي من جنوننا واقتحامنا لهذه المغامرة. ماذا لو كان مايكل شخصاً مختلاً يستخدم الكتب لاستدراج القرّاء لكهفه لقتلهم والتهامهم؟ لم نكثر من هذه الأفكار الدرامية.

تحمسنا للوصول وخلال الوقت المتفق اتصلت به وبعث بعنوان الشقة 7. حملت معي مبلغ نقدي جيد –أو هكذا اعتقدت- ووصلنا للمبنى. حاولت أختي إثارة رعبي للمرة الأخيرة. على باب المبنى وبجانب كل جرس للشقق يظهر اسم الساكنين. لكن الشقة 7 لم تحمل اسماً. وهذا شيء آخر يعطينا إشارة للعودة.

SeidenbergA-edit
Warby Parker Blog

لم أتردد في ضغط الزرّ وبلا سؤال فُتحت البوابة أمامنا، صعدنا كما شرح لي ووصلنا للشقة، كان مايكل أمام الباب ومشهد الكتب التي وصلت حتى الباب سبب لي الدوار واختلطت بداخلي المشاعر. احتجت لعدة دقائق حتى استعدت توازني واعتذرت منه لأكثر من مرّة، دمعت عيناي وخذلتني بشكل لم أتوقعه. أنا هنا، أنا في مكتبة مايكل سايدنبرغ السرية بعد عدة أشهر من الانتظار والحلم. تبادلنا الاحاديث الخفيفة في البداية، التعارف وقصة رحلتي واهتماماتي. حدثته عن مهرجان بروكلين للكتب والذي لن استطيع حضوره للأسف لتعارضه مع موعد بدء دراسة أخوتي وعودتنا لبنسلفانيا. ضحك مايكل وعلّق: هكذا أفضل. أبدى امتعاضه من هذه المهرجانات “الصورية” والتي لا تخدم الكتاب والقراء على عكس ما تعلن. واعترف لكم، شعرت بالراحة واختفى شعور الحسرة الذي عشته لأيام بسبب ضياع الفرصة. بدأنا باستكشاف الرفوف وحاول مايكل جاهداً مقاومة التوصية بأحدها. تكلمنا كثيراً وعن كلّ شيء، من الكتابة للكتب للسياسة والربيع العربي والثورات العالمية والماركسية – يبدو أنّ مايكل شيوعي متخفّي تفضحه كتبه- والإخوان المسلمين! تحدثنا أيضا عن تجسس الحكومات وضحكت منى من تشاركنا للخوف الطفولي الذي أثبت حقيقته اليوم “في أجهزة التلفزيون زُرعت شرائح للتجسس علينا”. تحدثنا لثلاث ساعات متواصلة، لم انتبه معها لحرارة منهاتن الخانقة، ولا لغروب الشمس. وجدت كلّ كتب الحياة الممكنة، حتى لم استطع شراء أيّ منها بسبب الحيرة. مايكل يؤكد أنني لم أكن احتاج لشراء الكتب وأنّ زيارتي للمكان ولقائي به كافٍ. وجدت منى غرفة صغيرة في الشقة تكدست فيها كتب الفنون والرسم والتصوير، حملت بعضها معها وقررنا التبضع. في غرفة أخرى، طبعات أولى لدور نشر عالمية، بنغوين وراندوم هاوس وكتب أخرى لنيويورك رفيو أوف بوكس. رؤية الكتب ذكرتني بالترجمة التي كنت أعمل عليها آنذاك. ترجمة رواية “كل شيء يمضي” للكاتب الروسي فاسيلي غروسمان. أخبرت مايكل بالكتاب واتبعت جملتي بـ إنه كاتب روسي إذا كنت تعرفه. أعرفه؟! علق مايكل بدهشة وأبدى إعجابه بمشروعي الهائل! إنه كاتب عظيم. وأنت تصنعين شيئا مذهلاً، ترجمة رواية للمرة الأولى بلغتك الأمّ. اعترف بأنّ مشاعري تغيرت 180 درجة بعد تعليقه، كنت أعلم بأنني أصنع شيئا مدهشا واستمتع بذلك. لكنّ، تغيرت نظرتي للموضوع بعد أن استمتعت للملاحظة الخارجية. خارج عقلي، خارج رؤيتي ومشاعري الخاصة.

secret1
Via The New School Free Press

اخترت كتب عن همنغواي، وكتاب عن جون شتاينبك. وعرض عليّ مايكل رواية للكاتب النيويوركي جوناثان ليثم. قال لي هل رأيتِ هذا الكاتب المشهور؟ لقد كان يعمل في مكتبتي وهو صغير. والآن ينشر رواياته ويقدم نصائحه للكتاب. الرواية التي اقترح علي شراءها هي “Chronic City” لماذا هذه بالذات؟ يقول لأنها الشخصية الرئيسية فيها مقتبسه عنه، حتى الكلب ذي الثلاثة أرجل فيها، كلبه هو. تبنى مايكل الكلب منذ زمن، وذات مرة قابلته سيدة في الشارع وأخبرته بأنّ كلبه يشبه كلباً قرأت عنه في رواية لجوناثان ليثم وحدثته عنها. ضحك مايكل من هذه الصدفة وأخبرها بأنّ الكلب الذي يرافقه هو بطل تلك الرواية وأن البطل مقتبس عن حياته، يقول أنها ابتسمت ومضت، ربما لم تصدقه!

عندما انتهينا من التسوق وبعد تأمل النسخ القديمة التي حصلنا عليها وبعضها توقفت طباعته منذ عقود مضت. اقترحت على منى الذهاب لماكينة الصرف الآلي وسحب المزيد من المال لتفادي الإحراج. لكنها وبعد عودتها وحساب تكلفة ما حملناه صعقنا – قليلا – ثمّ سألنا مايكل عن المبلغ الذي نحمله وأخبرناه بأننا نحمل 140 دولاراً تقريباً، قال هاتوا ما معكم واكتفى به. شعرت برغبة عارمة في البكاء. بعض الكتب الفنية القديمة والنادرة التي أخذتها منى تصل قيمتها إلى أكثر من 100 دولار. هذا إذا استبعدنا قيمة كتبي. لم يكن مايكل يحاول استدراجنا لشراء المزيد من الكتب، ولا يبحث عن المكسب المادي الضخم، إنه يريد فقط دفع فواتير إيجار المكان – الذي لا يسكن فيه فبيته يبعد عدة شوارع- ويريد اللقاء بالمهتمين والشغوفين بالقراءة حول العالم.

secret2
The New School Free Press

في مكتبة سايدنبرغ اجتماعات أسبوعية يلتقي فيها أصدقاءه من الكتاب والفنانين. مكتبته مكان للقاء الشبان والشابات الذين يحلمون بتغيير العالم ونشر السلام. حدثني عن انطلاقة “Occupy Wall street” الحركة الاحتجاجية النيويوركية وأن أحد الذين اطلقوها كان يجلس على الكرسي الجلدي العتيق حيث جلست لأستريح وتحدى أصدقاءه – ومايكل – بنشر تغريدات تحشد الآلاف من البشر في ذلك المكان وفي وقت قصير. بعد هذا السرد التاريخي المميز عرض علينا البقاء ومشاركتهم الاجتماع الأسبوعي لكننا اضطررنا للمغادرة، وأخبرني بأنّ العناوين التي أريد شراءها في المستقبل سيجهزها ويمكن لمنى استلامها منه وإرسالها للسعودية.

hemingway11

لم استوعب تفاصيل ذلك المساء سريعاً. حتى الكتب التي حملتها لم أتصفحها حتى عدت إلى بنسلفانيا بعد عدة أيام. ووجدت في الكتاب الذي يختصر حياة همنغواي في صور وتعليقات وقصص مكثفة، فاصل كتاب أثار اهتمامي. يبدو فاصل الكتاب كبطاقة أعمال يقدمها مكان ما، اسم المكان Bookforum”” وعنوانه في برودواي، مقابل جامعة كولومبيا ويفتح أبوابه سبعة أيام في الأسبوع ليلا ونهاراً، ويبيع الكتب الأكاديمية، وكتب بأغلفة ورقية، وأغلفة متينة، وكتب مستعملة ومخفضة! كلّ هذا في مكان واحد! استغربت في الحقيقة من اسم المكان وخدماته ولماذا لم أجده في دليل مكتبات نيويورك وبحثي الذي قضيت فيه ساعات وساعات للتجهيز لتسوقي الورقي خلال تواجدي. لم يكن هناك عنوان لموقع الكتروني فخمنت أنّ المكان قديم، أو على الأقل هذا الفاصل. بحثت في غووغل عن المكتبة وموقعها ولم أجد أيّ شيء، في كل مرة كنت اكتب فيها العنوان المفصل يظهر لي مطعم سوشي “Vine Sushi” هذا عنوانه وهذه جامعة كولومبيا مقابلة له. كانت هناك مكتبة صحيح، ولكنّها أقفلت أبوابها في 1995م – قبل حوالي 20 عاماً- بسبب ديون متراكمة لم أجد هذه المعلومات بالتفصيل وكل ما وصلت إليه هذه المقالة التي نُشرت في 1998م في جريدة نيويورك تايمز ويأتي فيها إشارة للمكان الذي أصبح اليوم مطعماً للسوشي. هذه القصة الطريفة والغريبة تظهر علاقة البشر بالقراءة والكتب والطعام وتفاوت هذه الأولويات وتفاوت أهميتها مع مرور الوقت.

كنت قد وعدت مايكل سايدنبرغ بعدم الإفصاح عن مكان مكتبته، أو نشر موقعها على الإنترنت، ولم التقط صور للمكان لأنني ببساطة خجلت من رفع هاتفي واقتحام خصوصيته. وجدت لاحقاً الكثير من الصور التي نشرها الزوار وأصدقاءه وأرفقوها بكتابتهم عن المكان وندمت لأنني لم أفعل. ربما في رحلتي القادمة. قبل عدة أيام أرسلت رسالة الكترونية لمايكل أخبره عن نشر الترجمة ووعدته بإحضار نسخ من الكتاب المترجم للمكتبة في المرة القادمة. سيضع الرواية مع الكتب العالمية في مكتبته السرية، وقد يجد قارئ عربي نفسه هناك ذات يوم وسيسعدني اكتشافه لترجمتي. لم أجد ردّ على رسالتي حتى لحظة كتابة التدوينة. وقد استعين برايتشل من جديد!

كنزة حمراء.

redcardigan
By Amanda Blake

أعرف أنني أكثر صبراً الآن. كيف؟ لأنني لا اقتلع أوراق البقدونس من سيقانها بالسكين وبسرعة. أفكك الحزمة برفق واسحب السيقان واحدة تلو الأخرى برفق. ثم أقص الذي لا احتاجه منها. كانت هذه الحقيقة غائبة تماماً عنّي، الركض الدائم في رأسي لألحق بموعد لا أعرفه. وغير حكاية البقدونس الكثير من التصرفات التي لاحظت توقفي عنها مؤخراً. مقاومة الكرنفال في رأسي وعدم نقله للخارج آتت ثمارها كما توقعت. أتنفس، أعد حتى الثلاثة وأفكر: لماذا الركض على الدرج؟ لماذا اشد الملابس من علاقاتها؟ لماذا اصطدم بطاولة الطعام في طريقي للمطبخ وأُهشّم اصبع قدمي كلّ يوم؟ هل أنا في عجلة للحاق بشيء؟ لا طبعاً. استيقظ في وقت مناسب، واستعد في وقت مناسب، وأراقب الوقت إذا كان هناك شيء مُنتظر.

قبل بداية العام كتبت أربعة عشر هدفاً لأحاول تطبيقها، وذكرت بأنني سأذكر تجربتي في ذلك وأدوّن عنها كلما سنحت الفرصة. في هذه الحالة وللحدّ من العجلة والركض –بلا سبب- يمكن التفكير في هدفين: التنفس بشكل أفضل، وتجنّب الدراما! تحتاج هيفا التفكير بهدوء والتحرك بهدوء أكثر ويمكن بالتنفس علاج ذلك، كلما أصبح التنفس أبطأ كلما زاد تركيزي في المحيط حولي واللحظة المهمّة التي لا تتكرر.

خلال فبراير يرتدي الكثير من السيدات –والرجال أحيانا- اللون الأحمر دعماً لنشر الوعي بأمراض القلب. هناك يوم قوميّ أمريكي وبريطاني لذلك، ويقع كلاهما في شهر فبراير. بالأمس -7فبراير- كان يوم ارتداء الأحمر في أمريكا والذي يحلّ في أول جمعة من كلّ فبراير. وإذا فاتكم ارتداء كنزة حمراء أو شال للتعبير عن دعمكم للمبادرة. يمكنكم مشاركة البريطانيين في يومهم لارتداء الأحمر والذي يحلّ في 26 فبراير الجاري.

12109743

أقرأ منذ عدة أيام في “قصص تولستوي” بترجمة غائب طعمة فرمان والصادرة من دار المدى. وهكذا بقراءة الكتاب والاستماع لـ “آنا كاريننا” تبدأ رحلتي مع الأدب الروسي، وقد يكون هذا مشروعي القرائي لهذا العام إلى جانب قراءاتي الأخرى. القصص المنشورة في هذا الكتاب كُتبت بين (1828-1910م)، كتبها تولستوي على مدى نصف قرن وتشمل نماذج من مجمل إبداعه. أحبّ دائما البحث عن قصص الكتاب القصيرة، واعتقد شخصياً إنها الطريقة الأفضل للدخول لعالمه، لسببين: لأنه يكتبها على مسار حياته الأدبية وفيها تتضح شخصيته وهي تتبلور، والسبب الآخر كونها نماذج مصغرة لما يمكن للقارئ توقعه في الروايات أو الأعمال الأخرى.

الأسبوع الماضي أيضاً شاهدت هذا الفيديو الخفيف والممتع لغريتشن روبن –مؤلفة كتاب مشروع السعادة وكتب أخرى- تتحدث فيه عن اكتساب العادات وتغيير الحياة وارتباطها بالسعادة. تناقش موضوع مهمّ وقد لا ننتبه له، وهو اختلاف البشر وطبائعهم في تلقّي الأوامر وتغيير العادات وكيف يمكن لفهمنا الأعمق بهذه الاختلافات مساعدتنا في اكتساب العادات بسهولة وتغيير حياتنا.

قسّمت غريتشن الأشخاص إلى الأقسام التالية:

– المؤيد: وهو الذي يتفاعل بسرعة وجاهزية تجاه الأوامر التي توجه له، سواء كانت داخلية من نفسه أو خارجية من رؤسائه أو المجتمع أو أيّ شخص سواه. والأمر نفسه ينطبق على العادات.

– المستفهم: شخص يطرح الأسئلة ويشكك في كل الأوامر التي توجّه له، ويحتاج المزيد من التوضيحات حتى يصل للاقتناع بها أو إيجاد سبب منطقي لها.

– الثائر: يقاوم كلّ القوانين والأوامر. سواء كانت داخلية أو خارجية.

– المدفوع: يتجاوب مع الأوامر الخارجية ويجد مشقة في التجاوب مع الأوامر الداخلية التي تصدر من نفسه.

تذكر روبن أنّ الثوار يشكّلون أقل نسبة من البشر، ثم يزيد عنهم بقليل المؤيدون، ويقع الغالبية بين المستفهمين والمدفوعين. أيضاً لكل من هذه الأنواع هناك إيجابيات وسلبيات، ومعرفة أنفسكم ونقاط ضعفكم أو قوّتكم سيساعدكم في التوصل لأفضل الطرق التي تروضون فيها حياتكم للتغيير. فالمؤيد يجد دافعيته في الإنجاز التام لما يُطلب منه والعمل معه جيد لأنه يتبع القوانين ولا يحتاج لرقابة ومتابعة ويفعل ما يتوقع منه لكنّ ذلك أيضاً يدفعه لظهور أسوأ ما فيه وهو القلق الدائم والتوتر كي لا يفشل أو يخذل الآخرين وأولهم نفسه وتحدّه القوانين وتؤطره وتتعبه بيئات العمل التي لا قوانين بها. لا يريد المؤيّد أن يلام، ويستيقظ صباحا ليتساءل
“ماذا على جدولي اليوم؟ ماذا أفعل اليوم؟”،
لدى المؤيد فكرة ثابتة عن القوانين ويريد للجميع العمل بها. أما النوع الثاني “المستفهم” فيجد دافعيته في صوت المنطق. يحتاج أولا التحقق من وجود المنطق ليقرر بنفسه اتباع الأمر أو تجاهله. ولا يتبع القوانين التي تتعارض مع المنطق أو تميل للعشوائية. العمل معهم صحيّ للمنظمات فهذا يعني الدقة والتحقق من الأمور قبل القيام بها. لكنّ ذلك يجعلهم يخفقون في أمور أخرى تظهر سلبياتهم، المستفهم لا يتناول الدواء الموصوف له إذا لم يكن منطقياً ويجيب على تساؤلاتهم. يحتاج المستفهم للمزيد من المعلومات كذلك وهذا يعني تعطله عن إنجاز العمل. ويعترف كلّ منهم بأن هذا متعب على المدى البعيد. يستيقظ المستفهم ويسأل نفسه “ما الذي يحتاج للإنجاز اليوم؟”.
أما النوع الثالث “الثائر” فيجد دافعيته في رغبته الحالية. يقاوم الثائر السيطرة والتحكم سواء كان مصدرها خارجياً أو داخلياً. يحبّ أن يتخذ قراراته من شعوره بالحرية. يجد الثائر نفسه مدفوعاً لكثير من التصرفات بالحدس أو الرغبة فقط. وستجدون في حديثه إحساس بالتحدّي “سأريك..” “انظر كيف افعل ذلك..”. و عبارات مثل “سأفعل ذلك لأنني أحبك وليس لأنه يتحتم علي” وجمل على شاكلة “لا يمكنك إجباري على فعل ذلك” و “سأفعل ذلك لأنني أريده وليس لأنك طلبته مني”. أي شيء تطلبه من الثائر سيفعل عكسه، ويقاوم كلّ التحكم ولا يعطي نفسه أي قوانين. ميزة العمل مع الثائر تتمثل في الابتكار والعمل خارج الحيز المرئي، لديه حماسة واندماج في العمل والمشاريع. لكنّ مساوئ شخصيتهم تتمثل في مقاومتهم للقوانين وعكس الكلام وهم أيضاً متعبون من ذلك ولا يستطيعون الالتزام بعادات شخصية. الثائر يستيقظ صباحا ويتساءل “ماذا أريد أن أفعل اليوم؟”. أما النوع الرابع والأخير “المدفوع” ويجد دافعيته في الأوامر الخارجية والمسؤولية. سيجد صعوبة في الأوامر أو العادات الداخلية ويكره أن يخذل الآخرين أو كسر توقعاتهم. ستجدونه يتفاعل بشكل جيد مع مواعيد تسليم المهام النهائية، مع التدريب وجماعات العمل والمرشدين، ويحمل على عاتقه مسؤولية القدوة الجيدة. العمل معهم عظيم لأنهم يسمعون ويطيعون. أما مساوئ شخصيتهم فيشعرون بها في أنفسهم بسبب سعيهم الدائم لإرضاء الآخرين ينسون أنفسهم كثيراً. وهم الأكثر عرضة للاحتراق النفسي، وليس لديهم الدافع للبدء بمشاريع أو مهامّ تخصهم.

هذه هي النقاط الرئيسية التي احتوى عليها الفيديو، حاولت ترجمتها بأفضل شكل ممكن واختصارها لكم.

مخرج تولستويّ:

“أيعقل أن الناس يشعرون بالاكتظاظ في العيش في هذه الدنيا الرائعة، وتحت هذه النجوم التي لا تسبر؟ وهل يمكن حقاً أن يبقى في نفس الإنسان شعور الحقد والانتقام ونوازع القضاء على بني جنسه؟ يبدو لي أن كل ما في قلب الإنسان من شر لا بد سيختفي في تماسه بالطبيعة، بهذا التعبير الأعظم فصاحة عن الجمال والخير”

يوم للحصاد

By Amanda Blake
By Amanda Blake

قصّت مصففة الشعر ضفيرتي ولفتها في شبكة ومدتها لي. “خذيها يمكن تحتاجين لها حشوة تسريحة أو شيء” طبعاً لا أعلم أين تبدأ دهشتي وأين تنتهي. كانت مجازفة كبيرة، حتى هي التي تعرفني من عشرة أعوام تقريباً ترددت للحظات وهي تقرب المقص وتنظر في المرآة وتسألني من جديد وهي توازنه على رقبتي، هنا أكيد؟ أقول لها نعم وبسرعة قبل أن أغير رأيي. ضحكت عندما أصرت أن آخذ الضفيرة معي ولا ألقيها في سلة المهملات. تقول أنّ العاملات هنا يبعن الشعر الطويل للزبونات اللاتي يردن حشو شعرهنّ وزيادة كثافته. لم تكن تعرف خوفي المبطنّ من الشعر المقصوص، والشعر عموماً. أحاول دائما إخفاء ذلك بطرق طريفة ومبتكرة، أحاول إخفاء الدوار الذي أشعر به عندما تطلب أخواتي مني تضفير شعرهن أو تصفيفه. الشعر الوحيد الذي أمسّده بلا هلع، شعر قطتي.

احتفظ بشعري الطويل لستة أعوام الآن، لم أقصه ليتجاوز كتفي ولم أفكر في التخلي عنه. أربّيه بحرص واعتني به ما استطعت. لم أكن هكذا، لكنّها رغبتي الدفينة في مراقبة شيء ينمو، ولأن خبرتي الزراعية معدومة كان شعري شجرتي –حرفياَ-. كنت قبل خروجي للصالون بساعات أتحدث عن اختفاء مشابك الشعر والربطات المطاطية التي اشتريها وتذهب لحفرة سوداء. كنت غاضبة قليلاً لأنها تضيع. لكن وبعد ساعات أصبحت الحاجة إليها معدومة. لم أستطع مقاومة المعاني الخفية التي حملها يومي القصير ورحلتي إلى الصالون. مزيّنة أخرى في الصالون تحبّ دائما التقاط المزيد من شعر حاجبي، أهددها بأنّها ستخسر اصبعا أو يداً إن هي بالغت في ذلك. تضحك وتعمل بحرص وتردد وتمدّ لي مرآتها الصغيرة –الخاصة- كما تقول. ممتاز! توقفي الآن. تقول المزيّنة لأختي أن وجهي لم يتغير منذ المرة الأولى التي شاهدتني فيها. وتضيف: ربّما لأنّها ليست جديّة. ضحكت أختي وقالت هيفا ليست جديّة؟

من الأشياء التي تزيد حماستي للتقدم في العمر، هي اقترابي من حلّ اللغز، لغز نفسي. إذا أمكن ذلك، مع أنني أشكّ. كل يوم اكتشف شيء جديد عن نفسي. شيء يفوق طاقتي، وفي استسلام لحظيّ أتعامل مع اكتشافاتي كما أتعامل مع اكتشافاتي عن الآخرين. وعندما أتحدث عن نفسي، لا أعني الجانب العقلي والنفسي. بل حتى الفسيولوجي، خلال أقل من سنة اختبرت طاقات كامنة وعجائب في جسدي لم أطلع عليها من قبل، لم أجرّبها بصورة أدقّ. والآن بعد ذلك اكتشفت بأنني أدلل نفسي وأبحث عن أكثر الطرق بساطة للتعامل معها. متجاهلة بذلك النتائج المذهلة التي تأتي من وضع نفسك تحت الضغط أحيانا.

أكملت الشهر الأول –تقريبا- في العمل مع والدتي، واستلمت راتبي الأوّل مع أنني لم انجز كل الخطة التي وضعتها للشهر الأول من العام. سأعود أيضا لتدريس اللغة العربية لصديقاتها وسأعطيهم نبذة عن ما يمكنهم توقعه من العيش في السعودية. البعض منهم يسأل عن دروس في الطهي المحلّي وأقول: ربما.

شاهدت خلال نهاية الأسبوع وثائقي من روسيا، روسيا وجهتي الذهنية في هذا العام. سأقرأ مؤلفات روسية، وسأطّلع على ما يمكنني اصطياده من وثائقيات وبرامج تاريخية وربما أعمال فنيّة من هناك. الوثائقي Russia on four wheels، وثائقي من جزئين يغطي الدولة –أقرب إلى قارة- من الشرق للغرب وبين الشمال والجنوب. يقطعها على سيارتين كلّ من أنيتا راني وجستن رولات بدءا من سوتشي –مقرّ الألعاب الشتوية لهذا العام- وباتجاه وجهيّ روسيا المختلفين. جستن إلى معالم روسيا القديمة – ما قبل سقوط الشيوعية- ، يزور المناطق الزراعية التي شهدت التحول للمزارع الجماعية. يزور سجون القولاق ومعتقلات الأشغال الشاقة. أما أنيتا فتأخذ الطريق لروسيا الجديدة، التي تحاول بحماس اللحاق بركب التطور العالمي، تزور مراكز التسوق الضخمة والمصانع الجديدة وبالتأكيد سانت بطرسبرغ نافذة روسيا الغربية على أوروبا. التفاصيل في الوثائقي كثيرة ومذهلة، وهنا تأتي مهارة BBC العظيمة في صنع كبسولات ثقافية وضغطها في صور وتعليقات مقتضبة لكنّها ستزودكم ببداية الخيط. ومن الوثائقي ستبحثون عن المزيد. هكذا كانت بي بي سي دائماً. يمكن مشاهدة الحلقة الأولى برابط مباشر هنا، والحلقة الثانية هنا.

مع جدولي المزدحم وحزني الخفيّ لأنني لا أقرأ كفاية، ولا أصل لنهاية الكتب التي أحبها بسبب العمل، أو السفر، أو ارتباط اجتماعي وغير ذلك. قررت العودة للكتب الصوتية بعد أن توقفت لفترة. هذه المرة أقرأ –سماعياً- رائعة تولستوي “آنا كاريننا” باللغة الإنجليزية. تمنيت لو أنها عربية لكن للأسف لم يكن هناك كتاب صوتي لها. الراوية تتحدث بلكنة إنجليزية صافية، تنطق الكلمات بحماس وعاطفة. أنهيت عدة فصول منها، وبحساب بسيط لمدة الكتاب وجدت أنّ المشي والاستماع لها لمدة ساعة يومياً، يعني الانتهاء قراءتها خلال شهر وستة أيام تقريباً. سأنتهي منها وانتقل للجريمة والعقاب، النسخة التي قرأتها في مراهقتي نسخة مختصرة إنجليزية، تلك التي تقدمها دور النشر للشباب للاطلاع على كلاسيكيات الأدب بلمحة.

أفكر في العصفور، في اللحظة القصيرة جداً التي تتوقف فيها أجنحته عن الرفرفة وتلتصق بجسمه. اللحظة الفاصلة هذه والعودة للحركة بعدها. لا يسقط، يحتفظ بتوازنه. تشبه إجازة قصيرة جداً ومنعشه.