استعادة ضبط المصنع

Circa 1987

.

أحبّ هذه الصورة جدًا لأسباب كثيرة أهمّها أنها سبقت تحوّل عظيم في حياتي. هذه آخر صورة محفوظة قبل أن تضطرب علاقتي مع الأكل، ومع جسدي. ثلاثون عامًا مضت والأكل هاجسي الأكبر، بين حبّ وكراهية. نتفق بشدة حتى تصبح ذكريات أيامي المهمة مرتبطة بالأطباق التي تناولتنا حينها، ونختلف لأنقطع أيام عن تناول أي شيء له حجم وأبعاد.

أذكر جيدًا متى بدأت محاولات عائلتي الحثيثة في السيطرة على الوحش الذي استيقظ بداخلي، أرى الآن بصورة واضحة نفسي ووالدتي في مطبخ بيتنا الصغير وهي تمدّ لي حبة دواء على شكل تفاحة، تقول بأنها ستساعدني في التحكم بشهيتي. كنت حينها في الثامنة. وكانت طفولتي مثل حلم سعيد، العائلة كلّها تدللني، محاطة بوالدين محبّين وأخوات لطيفات ننسج كلّ يوم قصة سعيدة برفقتنا. تتوقعون بأنني لم أجرب التأمل واستذكار كل لحظات ذلك العمر لإيجاد ثغرة؟ شيء كارثي أيقظ شراهتي؟ لم أجد أيّ شيء! لم أحرم من الأكل، وتذوقت كل ما يمكنني تذوقه. حتى محاولات عائلتي في البحث عن حلّ كانت هادئة جدًا، لم تقفل أبواب المطبخ ولم يخفى أي طبق.

لا يوجد فعل بدون نتائج، تبعت هذه الشراهة زيادة مضطردة في وزني، تنبهت لها عندما اختلفت ملابسي عن أخواتي، في البدء كنا نرتدي جميعًا نفس القصات ونفس الفساتين، تدريجيًا بدأت رقعة القماش تتسع، بدأت والدتي تموّه هذا النمو المجنون بياقات واسعة، أكمام طويلة. تحول الفستان إلى تنورة وقميص، واحتفظت بسعادتي الصغيرة: على الأقل قماش التنورة نفس قماش فساتين أخواتي. بحلول العاشرة ظهرت الورطة الكبيرة، تبحث والدتي عن ملابس في محلات الأطفال ولا تجد، وملابس السيدات لا تناسب شكل جسمي المختلّ الأبعاد!

تحوّل اهتمام عائلتي بالكامل لسلوكي الغذائي، الموضوع يخرج عن السيطرة وليس مرحلة شراهة بسيطة. اليوم وأنا أفكر، أظنني دون قصد أثرت رعب أختي منى (الصغرى آنذاك) من الأكل، في الصباح نصارع لتتناول الفطور وعندما تفعل رغمًا عنها، تخرج كلّ شيء في طابور الصباح. ربما كانت تشعر بالهلع مما يفعله الأكل بأختها الكبرى؟ والديّ على طرفيّ المائدة يجبرانها على الأكل ويحاولان اقناعها بشتى الطرق، بينما يشيران لي بالتوقف. هذا المشهد الذي كلما تذكرته أثار بي مشاعر مختلطة، أودّ أن أبكي لأنني أعتقد أن حلقة ما كانت ستنقذ الموقف.

بدخول المرحلة المتوسطة بدأت ألاحظ الفرق بشدة، الطالبات بمراييلهن وقصاتها الجميلة، أجسادهنّ المنتظمة، وشكلي المربّع وطولي الذي سبق الجميع. هذا التحول دفعني للبس العباءة باكرًا قبل أقراني، يظهر بأنني أكبر عمرًا والحقيقة أني ما زلت أحب اللعب في الخارج والركض وهذا الشيء يخنقني.

تصالحت مع الموضوع مجبرة، لحظات السعادة الوحيدة كانت في الشتاء عندما استبدل العباءة بالبالطو بحثًا عن الدفء، وفي الصيف عندما نذهب لجدتي وتصبح المزرعة عالمي الممتد، هناك أرتدي ما يحلو لي وألجأ لصحبتي التي لا تذكرني باختلاف مظهري: أبناء خالتي.

كنت أهرب من أي مناسبة اجتماعية وأظن أن ذلك الترتيب مريح، لي ولوالدتي التي لم تتوقف عن دعمي بالماكينة وأمتار الأقمشة. كنت أبقى بعيدًا عن حفلات الزفاف والتجمعات. ألعب الكرة وأشاهد الكرتون ساعات وساعات، كيف لم تنقذني تلك الأنشطة من نفسي؟ في نهاية اليوم كنا نتحلق أمي وأخواتي وعائلتنا الممتدة أمام الصحون، وتطلب مني والدتي الاقتراب منها عندما نأكل. لتنبهني عن لحظة التوقف.

أذكر أنني سئمت هذا الترتيب، ونقلت مكاني بعيدًا منها حتى لا أشعر بلكزاتها وحتى لا تلتقي نظراتنا فأدعي بأنني لم أرَ ولم أفهم.

في تلك الفترة وهذه القصة تضحكنا اليومبدأت مشاركتي السنوية في مسابقة الرسم الخاصة بشركة والدي، وكانت الثيمة لتلك السنة “الغذاء السليم” مشاركتي الفائزة التي نُشرت في التقويم الشهري صورة فتاة تشبهني جدًا، ظفائرها البنية، وعينيها التي تلتمع عند مشاهدة الموائد. وتحتها تعليق – كتبته والدتي لسوء خطّي– : لو أنني اكتفيت بالقليل لما أصبح وزني ثقيل.

مضحك جدًا!

متابعة قراءة استعادة ضبط المصنع

الرحلة جميلة لأنكِ معي

.

الحياة مميزة ومختلفة كلّ يوم لأنها بجواري، بوصلة قلبي والكف التي تربّت على كتفي. إذا كان هناك قاموس كوني فيه مفردة هجينة بين الأخت والصديقة ستكون موضي الصورة التي تشرح هذه العلاقة. جمهوري الأول وحقل تجارب طاقاتي الإبداعية، تعود شراكتنا للثمانينات ومسلسلاتي الارتجالية كانت تجد منها كل الاهتمام والتركيز، والدموع!

موضي إنسانه عظيمة جدًا، متواضعة جدًا، ومبدعة تعمل بصمت مثل مجموعة من الاقزام السحرية – موضي تحبّ هذه القصة – وحتى أشرحها باختصار قصة الاسكافي الذي يذهب للنوم مساءً ويستيقظ الاقزام يعملون في متجره ويصنعون العجائب. يستيقظ صباحًا ويفاجأ بجهودهم دون أن يعلم من يقف وراءها. هذه هي الطريقة التي تعمل بها وتنتج، دون الحاجة لفرقة تشجيع أو أضواء متوهجة مسلّطة عليها.

إذا كنت سأغبط أحد على قدرته المذهلة على الابتكار وصبره الذي لا يُقاس، ستكون موضي بالتأكيد. الحياة بالنسبة لها مغامرة حقيقية، يجب أن تعيشها بانتباه واهتمام وكل دقيقة تمر بها يجب أن تقع في مكانها الصحيح. موضي هي الجيش الكامل وراء مدونتها التي أحبها كثيرًا، وتعمل من خلالها كلّ يوم لبناء ذائقة مختلفة ولإثراء المحتوى العربي في مجال الموضة والأزياء ونمط الحياة بشكل عام. لأنها هادئة جدًا والطريق إلى بيتها غير مضاء بالنيون والموسيقى الصاخبة، كتبت رسالة التهنئة الطويلة هذه لتشاركوني الاحتفاء بها.

زوروا المجلة واشعروها بالحبّ

theitmag.com

كلّ سنة وأنتي طيبة موضي الحبيبة، تجعلين الـ ٣٢ مميزة ومختلفة جدًا

.

.

.

كيف تفاجئ نفسك؟

 

Painting by Amanda Blake

.

خلال ساعات العمل اليوم حذفت مفضلة مواقعي التي جمعتها من ٢٠٠٧م تقريبًا. عشر سنوات من الروابط المتنقلة التي تتوالد وتمتدّ إلى ما لا نهاية. اكتشفت بأنني أخزنها بلا فائدة! بعضها لا يقود لأي موقع ويعطيني رسالة أن هذه المدونة لم تعد موجودة أو هذا الموقع لا يعمل. وبعضها آخر مدخلاته تعود لثلاث وأربع سنوات مضت. لماذا الحفظ إذًا؟ تذكرت شعار السنة: التخفف. وتذكرت بأنها فرصة لمفاجأة نفسي. حذفت الروابط وخرجت لزميلاتي في المكتب وأخبرتهنّ بالمغامرة، ضحكن وسألنني هل ندمت؟ قليلًا. لكن مع وجود مواقع مثل Pocket وبنترست وغيرها أصبحت أحفظ ما احتاجه مباشرة وأراه أمامي وبعد القراءة أو الانتهاء من المعلومة أحذفها من القائمة وهكذا.

قبل يومين طرحت سؤال في حسابي على انستقرام: متى آخر مرة فاجأتوا أنفسكم؟ وتنوعت الإجابات وكشفت عن فهم مختلف للسؤال. هناك من ذهب للمفاجآت المادية مثل شراء شيء أو الذهاب لمكان، والبعض الآخر فهم السؤال بشكل معنوي: تغلب على مشاعر معينة،أو استعادة الثقة في موهبة ما.

كيف نفاجئ أنفسنا؟

الموضوع ببساطة هي الاستسلام للفضول، كسر الروتين، وتجربة شيء خارج عن ما تألفونه وتعتادون عليه. قد يكون الموضوع داخلي مرتبط بالمشاعر كالتخلص من القلق تجاه أمر ما، أو خارجي ببساطة سلوك طريق مختلف إلى العمل.

فكّرت بيني وبين نفسي ووجدت أنّ إجابتي على السؤال الذي طرحته على المتابعين ستكون كالتالي:

  • جرّبت ارتداء ملابس مختلفة بألوان جديدة علي. استبعدت بنطلونات الجينز التي بحوزتي واحتفظت بواحد فقط ارتديه عدة مرات في الشهر.و اتجهت لخيارات طبيعية ومريحة أكثر واختصرت خزانتي إلى ٣٠٪

  • تمر فترات طويلة لا استمع فيها للأغاني، موسيقى كلاسيكية أو كتب صوتية فقط. مدهش التفكير بصحبة الموسيقى وغياب الكلمات. يأخذني لأماكن جديدة

  • خلال السنة الماضية بدأت بتجربة تناول الأطعمة المطهوة بطرق مختلفة، دخلت منطقة كانت خطرة ومستحيلة بالنسبة لي: منطقة اللحوم النيئة أو المطهوة قليلًا. القائمة بدأت من الأسماك ووصلت للحوم. الفكرة كانت مرعبة في البدء، تناولت اللقمة الأولى مغمضة العينين وبدأت القصة المدهشة من هناك. هذه السنة جرّبت لحم الغزال والبطّ المقرمش والاخطبوط! أيضًا أصبحت المشروبات التي تحمل الزنجبيل في قلبها مشروباتي المفضلة. والتوابل الآسيوية الحارة والفلفل ركن أساسي في الأطباق التي أعدها وأطلبها. فيما مضى كانت قضمة واحدة كفيلة بإشعال معدتي وتوعكي لأيام، تناولت التوابل والفلفل تدريجيا وعلى فترات حتى عدّلت طاقة احتمالي

  • حكاية قريبة أيضًا: استمعت لحلقة البودكاست (بودكاستي) كاملة بعد تسجيلها دون أشعر بالإنزعاج. من يعرفني جيدًا يعرف أنني لا أحب الاستماع لصوتي مسجلًا نعم قصة غريبةتدريجيًا بدأت اتصالح مع الفكرة

  • غيرت الممر الذي ابدأ به في التسوق من السوبرماركت، واكتشفت أني استبعد بعض المنتجات التي لا احتاجها بشدة وفي آخر مرة زرت السوبرماركت نجحت في تجنّب ممر الجبن الذي كان كعب آخيل بالنسبة لي

  • أيضا وجدت واحدة من الأفكار التي يمكن أن تفاجئ بها نفسك: التقدم لوظيفة كنت تعتقد بأن حصولك عليها مستحيل. أو أن الامكانيات التي لديك لا تتناسب معها. المفاجأة الحقيقية: أن تتقدم لها وتُقبل!

  • انهاء علاقة سامة أو التقليل من جلوسك مع أشخاص يتعبونك أو يؤذونك بشكل ملحوظ

  • اعطيت الآخرين فرصة في تدليلي ومساعدتي، وزعت مهامّ كثيرة في العمل كانت ترهقني وأنا أحاول اتمامها دون جدوى، فاجأت نفسي هذه المرّة بتقبل العمل ضمن الفريق وليس الانفراد بكل شيء

  • عندي مشكلة في بدء الأحاديث مع الغرباء، دائما هم يبادرون وأنا انطلق! وإذا لم تدفعني الحاجة أو الضرورة للكلام لن أفعل. في عطلتي الأخيرة جلست وقريباتي وإلى جوارنا مجموعة من السياح الذين يتكلمون لغة جديدة عليّ، كانت مزيج من اليونانية والايطالية والبولندية ولكنني لم أنجح في اكتشافها. بعد صراع طويل التفتت نحوهم وهم مغادرين وسألت: عذرًا لكن إلى أي البلاد تنتمون فقد احترنا في اللغة. وكانت الإجابة مرحبة: نحن من رومانيا. لا يعرف جيراننا كيف كان قلبي ينبض بسرعة وكيف ضغطت بشدة على نقطة في كفّي لأهدئ من روعي وأنا أطرح السؤال بسرعة. فاجأت نفسي وبادرت ببدء الحديث وإن كان قصيرًا

  • سافر إلى مكان جديد. قبل عدة أيام ألغيت حجزي لوجهة كنت أنوي زيارتها في إبريل القادم، واستعدت قيمة التذكرة. كانت مفاجأة قوية على نفسي، لكن فكرة تغيير الوجهة والانتظار لمغامرة أكبر شجعتني على إلغاء الخطة

  • جربوا استعادة موهبة مدفونة. إحدى المتابعات تكلمت عن عودتها للرسم بعد انقطاع، وأنا أفكر في مهارات هزمتني مثل الخياطة التي قد أفاجئ نفسي مستقبلًا وأتقن شيئا منها

  • وأخيرا تذكرت واحدة من التغييرات المفاجئة التي احتفت بها عائلتي: توتّر ما قبل المناسبات. كنت دراما حقيقية في كل مرة ننوي الذهاب لحفلة كبيرة سواء كانت زواج أو اجتماع عائلي! من الاستعداد لارتداء الملابس للخروج، توتر عارم وأحيانًا يستفحل الوضع ويصل للبكاء وانعدام الثقة في مظهري. حدث شيء ما في إحدى المساءات وأصبح الاستعداد للخروج مصحوبًا بالضحك والأغاني والانتهاء قبل الجميع

هذه التدوينة ولدت كمحاولة منّي لمقاومة قيلولة سيئة بعد المغرب، والآن الساعة بعد التاسعة بقليل وأي مؤشرات على النعاس تلاشت بالكامل. شاركوني قصصكم ومحاولاتكم الناجحة والفاشلةفي مفاجأة أنفسكم.

.

.

.

أهلًا بالربيع؟

.

.

قائمة قصيرة

جهاز التكييف في غرفتي يعمل على درجة حرارة ٢٣ مئوية ومروحة متوسطة

المنزل يعبق برائحة التفاح والقرفة

والدتي في عطلة اليوم بعد أسابيع من الركض والعمل وقررت أن تخبز لنا فطائر التفاح

حصة تقرأ كتاب فنتازيا ألّفته جمان معلوف

لولو غارقة في النوم بعد أن تحققت من وصولي أخيرًا

أفرغت حقائبي بعد رحلة قصيرة إلى دبي

مزيج من العمل والاستجمام

احتفالية الإبداع

كنت في دبي الأسبوع الماضي لحضور فعاليات مهرجان دبي لينكس والثيمة هذه السنة لغة الإبداع“. كنت هناك لتمثيل شركة تاكت حيث أعمل ولأحمل معي الحكايات الملهمة وأمررها لفريقنا. مهرجان دبي لينكس يقام في دبي منذ عدة سنوات ويحتفل بالإعلام الإبداعي، التسويق والمطبوعات والأفلام والتصاميم والفنّ. أبرز فعاليات هذا المهرجان الأحاديث الذي يشارك بها نخبة من المبدعين من شتى بقاع الأرض. بالإضافة لذلك توجد به فرصة عظيمة للقاء بصنّاع الإبداع على اختلاف تخصصاتهم. تحتاجون لكثير من الحركة والكثير من التركيز. حملت معي بطاقات عمل، وابتسامة وحماس وتنقلت بين مسارح المهرجان لأقبض على العدوى، عدوى الإبداع طبعًا. في نهاية المهرجان تمّ الاحتفال بالأعمال الفنية والإعلانات والأفلام المتميزة وتوزيع الجوائز في حفل ضخم. قضيت لثلاثة أيام الفترة بين ١٠ صباحًا و٦ مساء في الاستماع للأحاديث والتعارف والبحث عن الالهام. وكنت أعود لغرفة الفندق كمن يعود من يوم دراسي دسم!

لمَ لا؟

حاولت في هذه الرحلة وبنصيحة من أختي موضيالتجاوب مع كلّ شيء، وقول نعم للتجارب البسيطة وكسر الروتين. تزامن وجودنا في المدينة الملونة مع قريباتي لها، وهكذا عشت تجربة السفر معهنّ للمرة الأولى. يقولون بأنك تعرف الانسان جيدًا عندما تسافر معه. أفكّر الآن في الصور النمطية التي حطمناها سويّة والأفكار المسبقة التي حملها كل طرف تجاه الآخر. تجربة السفر مع شخص يصغرك بالعمر أيضًا موضع تأمل واهتمام لدي. جربتها مع أختي في الصيف الماضي والآن جربتها مع قريباتي ولم تكن سيئة أبدًا! تكتشف أن هناك حياة أخرى، متع أخرى، ونظرة جديدة على الحياة.

من اختيارات المطاعم، للأفلام في السينما ولمواعيد النوم والخروج نهارًا. غيرت كلّ شيء لاستمتع ولم أندم.

الراحة قبل الانكسار

شيء جديد جرّبته في العطلة القصيرة التوقف كثيرًا للراحة. في رحلات سابقة أخرج صباحًا ولا أعود لمسكني إلا في موعد النوم، طاقتي مستهلكة وذهني مجهد وعضلاتي محطّمة بشكل كامل. أكرر ذلك كل يوم ولا أتوقف حتى أركب الطائرة في رحلة العودة. والنتيجة؟ آثار انسحابية طويلة. هذه المرة استمعت جيدًا لجسدي وذهني وتذكرت أن الرحلة يليها العودة للعمل، هل أريد انتكاسة صحية بعد عودتي؟ أو كسل شديد؟ طبعًا لا!

مهرجان الورق

راسلتني صديقة تسألني عن زيارتي لمعرض الكتاب، وأجبتها بلا. لن أزور معرض الكتاب لسبب بسيط: لديّ حاجتي من الكتب وشعار هذا العام لا مزيد من الانفاق على أيّ سلعة أو منتج أو ورقة لن استفيد منها بشكل فوري. ضمن الخطة الطويلة التي أعددتها مثلا: لا اشتري أي قطعة ملابس قبل شهر إبريل، والشهر يقترب وأن ملتزمة بقراري وسعيدة لمجرد التفكير بأنني حتى عندما يأتي إبريل قد لا احتاج لشراء شيء.

خطة محكمة

تحدثت في ورشة العمل التي قدمتها في فبراير الماضي حول الكتابة كوظيفة مستقلة عن خطة للعمل تمتد لـ ٣ سنوات، كيف تخطط لحياة العمل المستقل مع الكتابة؟ وألخّص هنا ما قلته للفائدة.

السنة الأولىبناء الأساسات

  • التركيز على الكتابة ونشر أعمالكم

  • التمرن على الكتابة بكل أشكالها (مقالات، خواطر، إعلانات، ملفات تعريف..الخ)

  • عرض الأفكار والوصول لعملاء محتملين

  • القراءة الغزيرة والتعلم المجاني عبر الانترنت

  • دراسة السوق واحتياجاته

  • ترتيب جدول للعمل قبل الغرق في المشاريع والمسؤوليات

  • استبعاد التفكير في حجم المكاسب

السنة الثانيةزيادة الدخل

  • صناعة هدف سنوي لدخل الكتابة

  • بناء المزيد من العلاقات

  • استبعاد العملاء الذين يقدمون الدخل الأقل، ويحتاجون الجهد الأكبر

  • التواصل مع شبكة الكتاب المستقلين الذي يشاركونكم الطموح والمصاعب

  • توفير ٢٠٪ من إجمالي الدخل ليخدمكم في فترات انقطاع العمل

السنة الثالثةالتركيز على العلاقات

  • استبعاد ١٠٪ من العملاء كل سنة جديدة لفتح المجال لعملاء جدد وعلاقات أكبر وأقوى

  • حضور الفعاليات المرتبطة بمجال عملكم

  • إعادة ترتيب الموقع الشخصي، بناء هوية ملهمة وشعار ثابت، أين سيذهب بكم العمل؟ على هذا الأساس اعملوا

  • ما هي جهات العمل الحلم بالنسبة لكم؟ تواصلوا معها عبر الانترنت وابحثوا عن فرص لمشاريع مشتركة أو وظيفة بدوام كامل إذا أحببتم توديع العمل المستقل

.

.

.

عبور حذِر

.

.

قابلت صديقة على الغداء قبل أسبوعين تقريبًا، وفي معرض حديثنا تطرقت للفقد وقدرته العجيبة على صقل الإنسان. تصبح أقوى عندما تفقد عزيزًا وتغرق في الحزن وتملؤك فجوة عميقة ولا تعرف كيف تغمرها أو تمحوها. يحمل قلبك إعدادات سريّة تمكّنه من تجاوز أي حزن قادم. طاقة فولاذية على السخرية من الألم والنهوض من جديد. لكنك في نفس الوقت تتعلم ألا تنسى.

قبل ١٨ سنة تقريبًا فقدت أخي الذي كان آنذاك بعمر التاسعة، وسبب الوفاة؟ توقف مفاجئ في القلب. هكذا، في يوم من الأيام خرج من المنزل وأوراق واجباته مبعثرة على الأرض، ولم يعد.

أذكر أنني لم أتعامل مع حزني كما أردت. لم يكن هناك وقت، منزل صغير وعائلة صغيرة اضطرت دفعة واحدة لاستقبال أفواج من البشر. لم نكن نعلم ما الذي يقدّم في مجلس العزاء؟ لم أكن أملك ملابس مناسبة، وأذكر بأنني في لحظة ما فكرت في ارتداء مريولي البني فهو الزي الأنسب. لحظة سمعت الخبر هويت على الأرض، لم أعرف ما الذي يعنيه إغماء أو دوار لكن الأرض أصبحت هشة تحت أقدامي. لقد رسمت له محور التناظر قبل ساعات وأنجز واجب الرياضيات. لكنهم خرجوا للنزهة فقط، ما أسوأ ما قد يحدث عندما تخرج للنزهة؟ كثير من الكلمات تجري في دمي وصوت والدي يركض من الدور السفلي ليجلس مقابلًا لنا هو ووالدتي ويطلب منا ألا نبكي. لم أبكي حينها وليتني فعلت. أذكر أنني حسدت الجميع على بكائهم، المعزّين والأقارب، كانت رئاتهم تتفجر بالبكاء وأنا اختنق. قضيت صباح يوم العزاء الأول في غسيل ملابسي الداخلية، نعم فتحت الدرج وغسلتها من جديد ونشرتها على منشفة فوق سجادة الغرفة. لم أجد تفسيرًا لما حدث، لكن شعوري بالخجل عندما قررت خالتي النوم في سريري لا يغادرني حتى اليوم.

مرت الأيام سريعًا واختفى الجميع، وحصلنا من جديد على الراحة والهدوء. لا أحد يتكلم عن حزنه ولا أحد يبكي. مذهولين وبقينا كذلك على مرّ السنوات.

تخلصت والدتي من ملابسه وصوره كلها، كنت أريد تلك اللحظة التي نمرر أيدينا على كل ما يخصّه ونبكي. بكاء صافي يغسل صدورنا. تخيلوا أنكم تحملون بداخلكم هذا الحزن العظيم لمجرد أنّكم لا تستطيعون التخلص منه! أي لعنة هذه.

لم نعترض على القضاء، لم نصرخ. لكن قليل من الدموع يا الله! لم أتحدث مع أفراد العائلة عن المشاعر الغريبة التي تسكنني، أشعر أننا جميعًا نمر بنفس المشكلة. خلف القشرة القوية وألوان السعادة ما زال هناك حزن بعيد.

قلت لنفسي كي أشفى يومًا ما: لا يمكن أن تمرّ الكارثة دون فائدة. من عمر ١٦ وصاعدًا لن أسلّم نفسي للألم مهما تمكن مني. وفي كلّ مرة اختنق أتذكر أن لا مأساة ستطغى على فقدان أخي، آخذ نفس طويل وأقفز للماء برأسي، ثم أطفو.

بقي سؤال لم أجد له إجابة ووجدتها قبل عدة أيام في فيديو عرض على التلفزيون. جلسنا صامتين أنا وأختي أمام شاشة التلفزيون، وبيلي بوب ثورنتون يتحدث عن وفاة أخيه بسبب مشكلة في القلب، ويروي قصتنا بلغة أخرى في مكان آخر من العالم. في الصمت الذي غمرنا تدفقت دموع دافئة، دموع صافية، دموع الوصول لإجابة. لم ننظر لبعض بكينا ومسحنا الدموع وأكملنا يومنا كالمعتاد.

يا لها من مصادفة أن تبحث عن إجابة وتجدها في فيديو من دقيقتين.

لماذا حافظنا – أنا وأسرتيعلى مسافة ثابتة بين الفرح والحزن ونعبر بينهما بحذر؟ إنّها سمة لمن يفقد إنسانًا بهذا القرب. كل شيء ممكن، وقريب ومفاجئ فتعلّم كيف تعيش بكامل وعيك.

.

.

.

.