تعيش بعض المشاريع في رأسي لسنوات. اكتفي منها بفكرة أو صورة عابرة شبه مكتملة أو ناقصة أحيانًا. في محاولة جادة لفهم ما أمرّ به فكرت في الأسباب التي أوصلتني هنا. وحتى أكون شفافة وصادقة معكم، الأمر بدأ يتطور ويمتد لكلّ جوانب حياتي. لن أفكر في المشاريع الإبداعية أو المهنيّة التي بدأت وقتلت منها الكثير! لكن الأمر اشتدّ علي عندما أحاط بي في حياتي الشخصية. لا أعلم هل هذا تسويف وحسب؟ أو يأس؟ كسل؟ فوضى؟ – مع إن الفوضى بالنسبة لي رفيقة محببة! كتبت هذه التدوينة في ثلاثة أجزاء رئيسية: تأمل شخصي، ثم حلول لطيفة مجرّبة، وأخيرًا مشاركة لمقتطفات من تدوينة جميلة قرأتها في نفس السياق للمدون ليو بابوتا.
عندما تأملت أسبابي خلصت إلى خارطة معقّدة من المشاعر والتفاصيل والعقبات غير المرئية. وأجملتها في التالي:
الخوف والتردد: كلّ جديد يشعرني بإنزعاج غريب، حتّى الأشياء التي أحبها. يزعجني التغيير المفاجئ والخطوات السريعة التي لا أعرف نتائجها.
توقع الفشل قبل البدء: أحيانًا أضع سيناريو نهائي مخيّب للآمال وإن لم يحدث فعلا. أرى فكرة تتلاشى، أو ردود فعل باردة تجاه تواصل دافئ، حماسي ينطفئ بعد الرفض. الفكرة هنا أني أوفر على نفسي ألم التجربة. يحدث هذا في المشاريع الإبداعية أكثر من أي شيء آخر ربّما لأن قدرتي في تصوّر الشكل النهائي لها محدودة بتقدمي الفعلي في العمل. ربما لهذا السبب بقي كتابي حبيس المستندات لأكثر من ست سنوات، وأيّ صراع أمرّ به حاليًا لأفي بوعدي لنفسي بإطلاقه قبل نهاية العام الحالي.
اعتياد منطقة الراحة: روتيني مألوف ومتكرر وواضح، والخروج منه يحتاج طاقّة هائلة. كل مشروع جديد يعني التزام وقلق وأشياء كثيرة قد لا احتملها كلّ مرة.
الغرق في البحث والاستطلاع: أقرأ عن المواضيع المختلفة، كيف تفعل كذا وكذا؟ كيف تجرب؟ أين تتجه؟ كيف يمكنني تقديم شيء مختلف هذه المرّة؟ يفقد الأمر بريقه تدريجيًا بكثرة التحليل والإعداد وهذا ظلم لنفسي ولما أنوي فعله.
يسهل عليّ تجاهل أمر لم أبدأه: الموضوع سهل إذا لم يكن هناك من خطوات فعلية، لا شيء يطالبني بالمتابعة. لا خيبة وخذلان! يمكنني دفن الفكرة بهدوء في زاوية مظلمة من ذهني، أكتب الأفكار، وأحفظها وأغلق الملف وكأنّ وجودها في مستند الملاحظات يكفي.
الانشغال بالتفاصيل ونسيان الصورة الكاملة: يشبه ذلك محاولة بناء بيت لكنني لا أبدأ لأنني مشغولة باختيار ألوان الستائر قبل وضع الأساسات.
قائمة الأولويات: طالما لم يكن المشروع أو الفكرة حاجة ملحة فالبداية لن تلوح في الأفق. حتى في غمرة حماسي يتلاشى الاهتمام أمام الأولويات الأخرى التي تملأ جدولي.
الاحتراق: أمر بفترات احتراق تطول وتقصر بحسب مسبباتها. في هذه الفترة بالذات رأسي مزدحم وقلبي متعب، لا أبحث عن التزام جديد حتى وإن كان في ظاهره جميلًا وممتعًا.
نوع التحفيز: عندما تعرف نفسك بشكل أفضل تتعرف أيضًا على طرق تحفيزك ودوافعك. ومع الوقت عرفت أنّ محفزي داخلي. لا يحركني تشجيع الآخرين بسهولة ولا الحماس الجماعي. أحيانًا أعجب بفكرة أو مشروع، لكن لا أشعر بأي غيرة إيجابية أو دافع للمنافسة. لا أخاف فوات الفرص وأنتظر دائمًا صوتي الداخلي وإن تأخر.
أحببت تأمل أسبابي والوقت الذي قضيته في اكتشافها. هكذا قطعت شوطًا في تصحيح وجهتي والوصول الثابت والمتزن.
والسؤال الآن: كيف أحيي مشروعًا أو فكرة ميّتة؟
يجب أن أشير لأمر مهمّ هنا، بعد معرفتي لأسبابي وتحديد أسلحة التسويف التي يهاجمني بها كلّ مرة لا يعني ذلك أنّ كلها تتلاشى وأنّ الحلول تنبثق بلا صعوبة. لا استيقظ يومًا بلا مخاوف أو ترددّ. يمتلئ قلبي بالحماسة تدريجيًا وتعلّمت مع الوقت لا يحتاج إلى قفزة خطيرة. خطوة واحدة تكفي لتغيير مشاعري تجاه فكرة ولتقريب الحلم قليلًا.
ما الذي أفعله؟
لا أبدأ بل أحضّر للبداية. أجهز الملف، أنشئ مجلد، اختار وجهة، اكتب ملاحظة، اشتري معدّات بسيطة. كل هذه الأشياء تحوّل المشروع من حيز الخيال إلى الحقيقة.
أضع الفكرة في مدى النظر. أترك ملاحظة أمام عيني، أو صورة ملهمة على خلفية هاتفي، وتذكيرات المنبهات الأسبوعية واليومية لتنفيذ خطوة صغيرة تجعلني لا أنسى أو أدفن الفكرة باكرًا. هذه المرحلة مهمّة جدًا لاكتشاف مشاعري الحقيقية تجاه المشروع، أعطيه هذه المرحلة التي تشبه تبرعم البذور.
احتفل بالنيّة لا النتيجة. أذكّر نفسي أن تأثير النيّة عظيم، وأنها تكفيني كبداية وتخفف من توتري وبناء السيناريوهات المربكة في رأسي. كل ما يأتي لاحقًا يبنى عليها وتصبح بوصلتي المفضلة.
اختار الوقت الأفضل. لا أبدأ مشروعًا جديدًا في فترة مرض أو إرهاق ولا في لحظة فورة مشاعر طاغية. تعلمت أن أكون حنونة مع نفسي متفهمة اختار لحظات الصفاء والرؤية الواضحة.
التخلّي في الوقت المناسب. حتى وإن نجحت في البدء ورأيت التوقف حلا، أفعلها. بلا توبيخ أو قسوة فالتوقف جزء من الرحلة وقد تكون العودة بعد التوقف أجمل وأكمل.
أعد نفسي بالشعور، لا بالإنجاز. لا أحدث نفسي بالإنجاز النهائي، بل أقول سأمنح نفسي مشاعر مختلفة وجديدة. هذا التفكير يسمح لي بالحضور والتركيز في كلّ لحظة دون أن أفسدها بالنظر للمستقبل وتوقعه.
هذه مجموعة من الخطوات التي كنت أختارها لمعالجة التسويف والتردد خصوصًا في المشاريع الشخصية. وبينما كنت اقرأ وأبحث عن حلّ لهذه المشكلة مررت بتدوينة غنيّة في مدونة Zen Habits للكاتب ليو بابوتا. أحببت تحديدًا جزئية التمرين على البقاء مع مهمّة واحدة/ مشروع واحد والتركيز عليه.
يقول ليو أنّ المطلوب هنا ليس أن «تقهر نفسك» بل أن تدرّبها بلطف. وطريقته في ذلك:
تخصيص وقت كلّ يوم للعمل على مهمة واحدة. وقت قصير جدًا حتى دقائق معدودة ستكون كافية. مهمة واحدة بلا تشتت أو وعود بالإتمام، فقط التواجد معها.
- اختر مهمة كنت تؤجلها واضبط مؤقتًا لخمس دقائق فقط.
- امنع نفسك من العمل على أيّ شيء آخر.
- لاحظ شعورك ورغبتك بالهروب من اللحظة الحالية.
- أشعر بها وتعرف عليها: هل هذا ملل؟ أو توتر؟ أو إحساس بعدم الكفاءة؟ راقب بفضول بلا قسوة.
- عد للمهّمة بلا إجبار.
مع التكرار، ستغير علاقتك بالتسويف، ويصبح لديك مهارة جديدة: أن تبقى في مهمّة رغم رغبتك في الهروب. وهذا إنجاز كبير! هذه مهارة واحدة ضمن المئات وربما الآلاف من المهارات التي لا تكتسب دفعة واحدة. نتمرن ونجرب ونعود ونتحرر من شكوكنا ومخاوفنا. نحتفل بالإبداع ونجد المعنى الحقيقي وراء رغبتنا في الأشياء وفعلها من الأساس.
ما أعرفه عن نفسي أنني لن أتمكن من تنفيذ كلّ مشروع رغبت به أو فكرت فيه. ولن أتجاوز كل العوائق في لحظة. ما أتمناه فعلا أن أكون قادرة على أخذ خطوة إلى الأمام والباقي سيأتي لاحقًا كما تأتي كلّ الأشياء الجميلة ببطء وصدق.
.
.