معكم من العام ١٩٨٥

هناك نوع من الضيق لا يمكن لأحد اقتسامه معك، يبقى بداخلك حتى تقرّر في لحظةٍ ما القضاء عليه وتفكيكه وتجاوزه. وأحيانًاوهذا كابوسي الحاليتحمله معك لمسافات طويلة. مرت الثلاثة أشهر الماضية وأنا أشعر بثقل مثبت في كاحلي، معنوي وفي أيام كثيرة جسدي. اجلس لدقائق في الصباح في محاولة لإقناع نفسي: هيّا خطوة واحدة إلى الأمام ويمر كلّ شيء. كوني شجاعة!

لكنني أعلم، أن الأمر لا يتطلب شجاعة فقط، أحيانًا تحتاج دفعة لتذكيرك: لماذا أعيش؟ ماذا أفعل هنا؟ وكيف أتقدم للأمام؟

هناك نوع من الضيق لا يمكنك الحديث عنه مع أحد، ولا حتى لوحة المفاتيح.

أكتب هذه الصفحة، ولا أدري هل ستكون تدوينة أم سأضمها للمجلد الإلكتروني الذي امتلأ برسائل افتراضية اكتبها من شهور لشخص واحد، ولا أرسلها. أكتبها إلكترونيًا لأن إمكانية حذفها بالكامل مريحة.

لا أظن بأنه سيقرأها، غير صالحة للقراءة والرؤية، تشبه الأفعوانية التي أمر بها هذه الأيام. فيها نكات سمجة، وقصص مرعبة، واعترافات غريبة في حالة ذعر. مثل غابة أغصان شائكة. وإن وعدتك بالعبور إلى حديقة جميلة، قد تخرج منها بإصابة قاتلة.

قبل أسبوعين كنت في الطائرة عائدة من رحلة جميلة بشكل عام. أطبق عليّ ذلك الضيق الذي لا يمكنني شرحه واجتمع مع تعب السفر، والوقوف والكلام لساعات طويلة، والخوف من المطبات التي لم تحدث بعد. على غلاف مجلة الطائرة قرأت العبارة معكم من العام ١٩٨٥موانهمرت الدموع من عيني بلا توقف، كيف يمكنني شرح ما يحدث لصديقتي التي تحاول تبديد خوفي الجديد من الطائرة بكل ما يمكنها من قوة. تفتح الصور في هاتفها، وتشارك خطط مشاريع مستقبلية ولا اسمع شيء لأن صوت ارتطام أفكاري أعلى.

معكم من العام ١٩٨٥مأفكر في موضي، هذه هي سنة ميلادها، وهي معي من ذلك العام، حاضرة مهما كانت الظروف. تذكرت حلقة من النمر الوردي Pink Panther، وهو يثني شريحة سوداء كبيرة (أظنها حاجز مظلم أو كرتون) ويثنيها حتى تصبح بحجم مربع صغير ويبتلعها ثم تنفجر بداخله وتعود لحجمها الطبيعي. لا أدري لماذا تذكرت هذه الحلقة أو الفاصل وللأسف لم أجد لها نسخة في يوتوب لأشاركها معكم. أعوّل على هذا الاستطراد لشرح فكرتي السابقة. كيف يقتسم إخوتي الضيق معي، يمسكون قلبي ويغسلونه، ينفضونه مثل سجادة ليعود منتعشًا. لكنّ طاقاتهم الجبارة تقف دائما عند حاجز أخير، عند الضيق الذي لا يمكن اقتسامه مع أحد.

* * *

الأسبوع الماضي رافقت موضي إلى عيادة طب العيون لتجري عملية ليزر، كنت أحاول اخفاء توتري وكأنني أنا التي ستجري العملية. حاولت الضحك والمزاح لكن وحش القلق كان أقوى مني. جلسنا سوية في غرفة الانتظار وجاءت الممرضة لتجهزها. بدأت بقطرة التخدير، ثم نظفت المنطقة وألبستها الملابس الخاصة بالعمليات.

موضي ترتدي النظارة من عمر الثامنة إذا لم تخني الذاكرة. فكرة أنها تستيقظ وتبدأ يومها بدون نظارة مستحيلة، فبصرها بدونها مشوش جدًا. ارتديت النظارة في عمر متأخر نسبيًا (٢١ سنة) واليوم تزعجني فكرة ارتداء العدسات مثلا. أذهب لبعض المناسبات ولا ارتديها وألعب لعبة التخمين مع الناس. في مرات اقتربت من فتاة وابتسمت وناديت عليها بصوت عالٍ، لاكتشف لاحقًا بأنها لا تعرفني وأفزعتها.

بانتظار العملية بدأت ملامحي تتداخل أمام بصر موضي المشوش، وصرحت بأنّني أصبحت أشبه سمكة. طلبت منها تحديد أي نوع من السمك، يهمني معرفة ذلك. قالت: سمكة بذقن عريض. مخيفة جدًا الآن ولا يمكنني النظر إليك.

ساعديني! لجأت لمحرك البحث وكتبت Fish with big chin في نفس الوقت طلبت منها مزيد من التوضيحات، لتخبرني بأن هذه السمكة في وقتٍ ما من حياتها تغير جنسها من أنثى إلى ذكر ومع هذا التغيير تتغير ملامحها ويكبر حجم فكها ووجهها. عدت لتحديث جملة البحث: Fish with big chin that changes gender. وظهرت سمكة الكوبوداي Kobudai. الأكيد أنّ ملامحي مفزعة الآن، وطلبت منها أن تغمض عينيها لتستريح.

تقضي موضي أيامها في نظارة شمسية داكنة، وغرفة معتمة تمامًا. أحمل لها الطعام والقهوة ونشاهد التلفزيون بالصوت، لأتركها في نهاية اليوم تستمع لكتاب صوتي حتى تغفو. أحب فكرة إن موضي ستقرأ هذه التدوينة بعنين جديدة إن شاء الله.

اللحظة التي ستترك فيها النظارات إلى الأبد قريبة.

* * *

أشياء جيدة في الأسبوعين الماضية:

.

.

 

رائحة صابون بعيدة

خلال يوم عمل مُنهك نظرت لانعكاسي في المرآة الصغيرة على مكتبي. وانتبهت للقميص الذي ارتديته ذلك اليوم. أحبّ هذا القميص كثيرًا، وانتظر بحماس عودته من الغسيل لارتديه مجددًا. أذكر بوضوح اليوم الذي اشتريته فيه، كنت في سفر وحقيبتي كلها مستعدة للخريف، لكن درجات الحرارة في نيويورك فاجأتني.

خلال أقل من ساعة وجدت نفسي في غرفة القياس لإحدى المحلات وفي يدي قميص مخفض (أذكر إن قيمته لم تتجاوز الخمسين ريال) اشتريته وتركت طبقات الملابس الأخرى في كيس المحل وخرجت للاحتفال بالحياة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي اضطر فيها لشراء قطعة ملابس لحالة طارئة.

في سنة أخرى اشتريت حذاء لأن قدمي قررت التوقف عن العمل. وصار الحذاء صديقي لأربعة سنوات تالية!

هناك مظلات الأمطار المفاجئة.

وفساتين السهرة المفاجأة التي تأتي لتحلّ مشكلة ضيق الملابس (والملابس في الحقيقة لا تضيق بل نحن الذين ننتفش).

هناك حقائب السفر التي تسافر ولا تعود معنا لأنّها ببساطة أصغر من أن تكفي لجنون التسوق الطارئ.

والكتب التي يلحّ بعض الأصدقاء بتوصياتهم لاقتنائها وهي لا تشبهنا.

والقائمة تطول.

أما القاسم المشترك بينها كلّها هو الحبّ الذي يأتي طارئًا ويستمرّ حتى تلفظ هذه المشتريات آخر أنفساها. تصبح أهم من تلك التي خططنا لها.

عندي فضول لمعرفة قصصكم حول هذا النوع من المقتنيات.

* * *

في ليلة أرق ليست بعيدة ذهب تفكيري لجمادات المنزل.

الحقيقة أن الفكرة بدأت عندما لمحت بطاقة مغسلة الملابس على لحافي وكُتب عليها (القدس)، والقدس هو الحيّ الأخير الذي سكناه في مدينة الجبيل قبل انتقالنا للرياض. صحيح أن مغسلة الجبر هي المغسلة الأقرب لبيتنا الآن لكن ملصقاتها تحمل اسم الحيّ الذي نسكنه. من أين جاء هذا اللحاف؟ وكيف لم يستخدم خلال السنوات الأربعة الماضية على الرغم من تخففنا وتقليل اللحف؟

فكرت فيه أكثر، كيف كان يختبئ في الرف واللحف تذهب وتعود، تُغسل في الرياض وتعود لتجلس بجانبه. يقولون لك رائحة صابون بعيدة وغريبة من أين أنت؟ وهو يستجوبهم عن الحياة في الخارج. كم عدد ساكني المنزل الآن؟ وهذا الشعر الأبيض الذي يلتصق بكم، هل ما زالت القطة المزعجة هنا؟

هذه الأفكار ممتعة.

قضيت ساعات الأرق حتى غفوت وأنا أفكر في جمادات المنزل الأخرى. ملاعق غرفة الطعام الأنيقة التي ينتهي بها الحال إلى درج المطبخ بالخطأ، وتقابل الملاعق الضائعة والتي تعلوها الخدوش، وتسألهم عن عذابات الحياة اليومية، ويسألونها عن الضيوف، عن السيدات المتأنقات وأطباق الحلوى!

توقفت الأفكار عند أرائك الصالة التي ستسقط قريبًا لا محالة، والسجادة متعددة الألوان (كانت فكرة صائبة) وطاولة الطعام التي سأروي لكم قصتها الكاملة يومًا ما.

* * *

شهر مارس كان ممتع، مجنون، مليء بالاكتشافات، ولحظات الراحة المسروقة.

وعلى غرار تدوينات صديقتي الرائعة مها البشر سأسرد مباهج مارس أدناه:

طاحونة قهوة من Dēlonghi اقتنيتها بتوصية من مها

عيد ميلاد موضي للمرة الأولى ونحن الأخوات سوية منذ ٢٠١١م

رواية أغنية هادئة – ليلى سليماني

مطعم هندي (Bombay Bungalow) في دبي

مطعم ياباني (Akiba Dori) في دبي

سلطة شهية لأيام العمل

١٢ حساب على انستقرام لتحفيز الإبداع

كتاب الحياة السرية للألوان وحلقة بودكاست لقاء مع مؤلفته كاسيا سانتكلير

وثائقي من أربعة أجزاء عن هنري الثامن (لا أملّ من قصص هذا الملك)

العودة لاستخدام عطر قديم (سامسارا) من غيرلان (اطلق العطر للمرة الأولى عام ١٩٨٩)

الإنتاجية هي إدارة الانتباه

ماذا تفعل إذا أصابك الملل من روتينك؟

.

.

.

في انتظار الرّبيع

«كلما طالت فترة التخطيط دون اتخاذ إجراء، كلما امتدت مساحة الشكّ الذي يشغلك ويمنعك من التنفيذ»

مررت بالاقتباس أعلاه قبل عدة أيام وقضيت وقت طويل في تأمله. هذا الاقتباس يشرح الكثير عن حياتي حاليا. في كلّ شيء أعمل عليه أقضي وقت للتخطيط والاستعداد ثم يتسلل الشك إلى نفسي واتراجع عن الانطلاق كلما ازدادت هذه المساحة وأثرت على تفكيري.

يمر ببالي اسئلة مثل: هل هذه الفكرة جيدة فعلا؟ هل سأتمكن من المتابعة والتنفيذ؟ وفي حالات كثيرة أبدأ بتخيّل نجاحها أو فشلها فينتهي بي الأمر محبطة وأنا لم انطلق.

أتممت شهري الأول في وظيفتي الجديدة، مرّت الأيام بين التعلم والتوتر والاكتشاف. وتزامنت هذه البداية مع زيارة منى (أختي) للسعودية في إجازة هي الأطول من سنوات. أشعر وكأنني في فقاعة مؤقتة وجميلة. نقضي أيامنا بين ساعات العمل في النهار والخروج مساء لاكتشاف المدينة وتعريفها بالتغيرات المتسارعة التي نمرّ بها.

الفترة الماضية أيضا شهدت أعلى نسبة قراءات في الروتين الإبداعي، والكتابة، واستعادة الإلهام (إذا كان هناك شيء حقيقي اسمه إلهام).

في نفس السياق تقريباقرأت عن ٧ تغييرات في روتينك اليومي قد تساعد في شحن طاقتك الإبداعية

  • تحرّك، فالجلوس لفترات طويلة قد يحجب طاقتك ويشعرك بالكسل.

  • ابدأ العمل على مشاريع صغيرة، أضف مشاريع مصغرة لحياتك اليومية والتي قد لا يستغرق العمل عليها أكثر من ٢٠ دقيقة. غالبا كتابة سريعة أو مسودات الرسم Sketch والتي قد ينتج منها لاحقًا مشروع كبير أو فكرة أفضل.

  • قسّم مهام العمل إلى مقاس أصغر وقابل للإدارة والمتابعة.

  • ابدأ يومك بشيء تحبّه. وركز إلى أي مدى تحبّ هذا الشيء وما هي المشاعر التي تحيط بك خلال العمل عليه. قد يكون هذا الشيء التنفس بعمق، أو صنع فطور شهي ومشبع، أو مكالمة شخص تحبه. بدء اليوم بهذه الطريقة يهدئ أعصابك ويضعك في حالة استعداد لما سيأتي في بقية اليوم.

  • احترم طعامك (هذه النصيحة الطريفة التي تأملتها طويلًا). بدلًا من تناوله سريعًا وبلا تفكير. قدّره. وفكّر في الطريقة التي صُنع بها وجُهّز. هذا التفكير في العملية الإبداعية وراء وجبة طعام يهذبك ويعوّدك على التحليل والنظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • تحدّث بوعي واهتمام واختر كلماتك بعناية. هذا التمرين سيصنع منك كاتبًا أفضل. وفكّر أيضا في أن المحادثات فرصة لممارسة الإبداع.


استقبل مارس بكثير من الحماس!

هناك ورش عمل ومشاركة في ندوة تثقيفية لطالبات الجامعة، رحلة قصيرة ربما، وحلقات جديدة من بودكاست قصاصات بعد أن أرتب وقتي بشكل أفضل. أتبع فتات الخبز الذي تركته ورائي لأعود إليه كلما اشتدت فوضى الأيام وأتمنى أن أنجح في ذلك.


في مفضلة الشهر الماضي:

 

.

.

 

غُرف دافئة نحبّها

مضى وقت طويل على آخر مرّة كتبت فيها هنا (شهرين ويوم بالتحديد)

إنّها أطول مدة لا تزورني فيها حتى أفكار للتدوين، ولا رغبة في الكتابة، أو الجلوس لها.

اقرأ كثيرًا هذه الأيام، اقضي ساعتين يوميًا في قراءة المقالات والأخبار والقصاصات التي جمعتها لسنوات. كأنني أحاول استعادة شيء هرب منّي على حيِن غفلة. في نهاية التدوينة الماضية قلت لنفسي: أريد أن أهدأ. وهدأت. وسمحت للآخرين بمساعدتي، وتوصلت لهدنة مع القلق، وسرت أيام وأيام بلا خطة.

لديّ أصدقاء جدد، ووجهات جديدة تنتظر. وشركة وليدة أحاول كل يوم تجهيزها للخروج للعلن. ولستُ أتحدث عن سجل تجاري أو عقود أو وجود فيزيائي، انتهيت من كلّ هذا. لكن الموقع، والمحتوى الرقمي الذي ستتحدث من خلاله للعملاء والمتابعين، في مسودة منسية على جهازي.

لا بأس.

كان عليّ أن أجازف بتأخر العمل في سبيل التحرر من القلق، وتقييمي المنخفض لقدراتي الإبداعية.

حبسة كاتب من نوع خاصّ لأن الكتابة في هذه الحالة هي تسويق، ودعم لشركة لن تتحرك خطوة إلى الأمام ما لم يكن وجودها الإلكتروني محفزًا لعملائها.

* * *

خلال ساعات العمل اليومية نسرق بعض الدقائق للحديث عن أي شيء، عن كلّ شيء في الحياة. وذات مرّة وصلنا للحديث عن أسرتي، عن أخواتي وعن حياتنا معًا.

علقت إحدى الزميلات بأنّها تشعر بقوة علاقتنا (أنا وموضي ومنى). كأننا أسسنا تحالف قديم، وبقية الأخوة لا ينتمون له أو ينتمون له بنسبة مختلفة.

نعم، أجبتها.

لقد قضينا عدة سنوات سوية دون مقاطعة، تعرفنا على الحياة والأشياء، تعرفنا على أنفسنا معًا.

الفارق العمري بين منى (أصغرنا) والأخ التالي حوالي ٥ سنوات. والفرق بيني (الكبرى) وأخي الأصغر تسع سنوات، و٢٠ سنة تفصلني عن حصة (الاخت الصغرى).

قلت أنّ الأخوة الذين يأتون لاحقًا مثل غرف إضافية في منزل اكتمل بناؤه، غرف تختلف في لونها وأثاثها وموقعها من المنزل. لكنّنا نحبها بالقدر ذاته، نحب دفء الشمس فيها. نحبّ جدّتها وغرابتها ونحب أنفسنا ونحن نتعرف عليها ونحاول الاندماج.

أحبّ اخوتي بلا حدّ، السابق واللاحق منهم، أحبّهم وأود لو أنني أخبئهم في قلبي، من ألم الأرض، وصعوبة الأيام، وكل أذى يلتهمني قبل التهامهم.

* * *

وبما أنني أتكلم عن الحبّ وحتى لا تطول هذه التدوينة كثيرًا، إليكم أشياء أحببتها خلال الشهرين الماضية:

.

.

.

مارس كان ..

بعد أمسية عائلية خفيفة وقفت أمام المرآة استعد للنوم، أنظف أسناني، أغسل وجهي. روتينية هذه الحركات تدهشني! ربما أنا الآن في عمق النوم، أو في عمق فكرة. لكنّني أعرف الكمية المضبوطة التي أحتاجها من معجون الأسنان، وكيف أمرر رغوة غسول الوجه حول ملامحي مع تفادي الوصول لمنابت شعري. يمكنني فعل ذلك في الظلام. لمحت على قميص البيجامة بقعة بلون ترابي غامق، حاولت التركيز والتفكير في سبب ظهورها هنا. تذكرت: كنت ارتدي نفس القميص ليلة زواج صديقتي أروى وبينما كنت استعد بوضع المكياج سقطت هذه القطرة وتمددت. تذكرت أيضًا أنّ الثاني والعشرين من ديسمبر كان آخر يوم عالجت فيه شعري بالسيشوار، وعرضته للحرارة والشد والتعذيب. كان اليوم السابع من ترك وظيفة لم أحبها. وكان اليوم السابع في حرّيتي والقفز إلى المجهول.

مارس كان شهر الانتظار.

وكل الانتظارات انتهت حرفيًا في أسبوعه الأخير.

استعد لرحلات متتالية خلال الأسابيع القادمة، منها ما هو موجّه للعمل وبعضها للاستجمام والبحث عن إلهام.

لقد فقدت لياقتي العمليّةقليلًا وهذا يخيفني، أجد نفسي الآن مدفوعة لمشاركة التجربة مع كل من يعمل بشكل مستقل. لماذا اختلفت الأمور؟ لأن المرة الأخيرة التي عملت فيها بشكل مستقل تمامًا كانت في ٢٠١٤م. بعدها انتقلت للرياض والتزمت بوظائف ذات دوام كامل. بالإضافة إلى مشاريعي المستقلة. كانت لدي ظروف يومية تضبط إيقاعي، الخروج من المنزل صباحًا والعودة مساء في نفس الوقت. ساعات العمل المستقل توزع بين الصباح الباكر ونهاية المساء. خلال الأشهر الثلاثة الماضية أصبح الوقت كلّه لي، أديره وأضبط جودته. أخفقت كثيرًا، تعرضت للانقطاعات، وبحثت عن مرساة.

خلال مارس زرت الكويت للمرة الأولى في حياتي! لقد كانت الوجهة الحلم منذ سنوات الطفولة الأولى. كبرنا ونحن نشاهد الفنّ الكويتي، نقرأ المجلات والأعمال الثقافية والكتب. نسمع قصص الأقارب والصديقات بعد عودتهن. خلال رحلة قصيرة امتدت لأربعة أيام تعرفت على سارة الهاجري، صديقة جميلة وملهمة أخذتني وأختي في جولة قصيرة حول العاصمة وضواحيها.

زرنا بيت السدو، وبيت السدرة، ومتجرًا جميلًا باسم زري للحرفحيث تُنتج وتباع قطع فنية للحياة اليومية مستوحاة من التراث الخليجي. تذوقنا القهوة الشهية في عدة وقفات وتناولنا الإفطار في بي كافيه، مقهى ومطعم صغير متخصص في الوجبات النباتية. تناولت هناك ألذّ فول مصنوع بحبّ! وإذا كنت سأوصي بمطاعم أو مقاهي أخرى في الكويت ستكون في القائمة التالية:

MAGNET

Three & Baristas

Vol.1

Ora Japanese Tapas

Veranda

عدنا محمّلين بالاكتشافات والذكريات الجميلة وبعض الكتب!

وما دمت في سيرة الأطعمة والوجبات سأشارككم فرحتي العارمة باقتناء القلاية الهوائية التي – ويا رب سامحني – كنت أقلل من شأنها كلما سمعت الحديث عنها. كنت أفكر هذه صرعة جديدة وجهاز تم التسويق له بعناية! مرت ثلاث سنوات تقريبًا منذ أول مرة سمعت بها. وقررت أخيرًا تجربتها بعد توصية من قريباتي وصديقة مقربة جدًا أثق برأيها. في الأسبوع الأول جربتها بحذر: كرات السالمون المقلية بدون زيت، أصابع البطاطا بالأعشاب، شيش طاووق بدبس الرمّان، فلافل أو برغر نباتي، بطاطا حلوة بالزعتر والقائمة قد تطول. في كتيب الوصفات الذي حصلت عليه مع قلايتي (فيلبس) يوجد كثير من الشروحات الواضحة. أيضًا نفكر أنا وأختي في اكتشاف المزيد من تجارب الآخرين عبر المدونات وبنترست.

مارس كان الشهر الأول لتجربة برنامج تمرين مصمم بالكامل، تبعته حرفيًا ولاحظت تغير قياساتي وملاحظة الصديقات والأقارب بعد انقطاعي عنهم لفترة. تجربتي مع تمارين Fitness Blender ليست بالجديدة. لديهم أكثر من ٥٠٠ فيديو مجانية متاحة عبر يوتوب وكثير من التمارين لا تحتاج منكم أيّ شيء، لا معدات ولا فلسفات زائدة. تحتاج حضور واستعداد فقط. التمارين المجانية متاحة لتصمم من خلالها برنامجك في التمارين. لكنني لاحظت صعوبة في ترتيبها وتصميم برنامجي خصوصًا وأنني لست متخصصة، كل شيء سيحكمه المزاج. وقد أغفل جزء من الجسم لأنني أفضل راحته بدلًا من تمرينه.

في موقعهم برامج كثيرة تم تصميمها مسبقًا، رتبوها بعناية بحيث تكون شاملة التهيئة والتسخين والتمرين والتهدئة. كل ما عليكم فعله هو التسجيل في موقعهم، شراء البرنامج (لا يزيد عن ١٠ دولار – ٣٦ ريال على الأكثر) وعند شرائه يبقى معكم مدى الحياة وهذا ما لا يحصل مع اشتراكات النادي للأسف، آلاف مؤلفة ولا يمكن تجميدها ولا إعادة استخدامها أو استرجاع قيمتها في حال لم تعجبكم! يمكن إضافة البرنامج على التقويم الخاص بكم في الموقع وتحديد متى تبدؤونه ومتى تنتهون منه. بالاضافة للتمارين نفسها هناك تحديات صغيرة يضيفونها لو أردتم اختبار أنفسكم أكثر.

انتهيت من برنامج الحرق، واليوم ابدأ في برنامج ثانٍ يركّز على تمارين وزن الجسم أو Bodyweight والتي لا تحتاج أي معدات غالبًا سوى وزن جسمكم ومرونته.

على صعيد المشاهدات والقراءات، قضيت الشهر اقرأ على مهل في ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور. غارقة في هذه التفاصيل التي تجعلني ابتسم وأحنّ لمكان لم أزره ولم أره، وتدمع عيناي في حينٍ آخر لأحداث غيرت التاريخ.

انتهيت خلال الشهر الماضي أيضًا من مشاهدة مسلسل أمريكي درامي مظلم جدًا تدور أحداثه في نهاية القرن التاسع عشر بمدينة نيويورك، تبدأ سلسلة من الجرائم البشعة بالظهور في أنحاء المدينة. يبدأ فريق بالتحقيق فيها، بينهم مفوض وطبيب نفسي وصحفي ورسّام وأول امرأة تعمل في الشرطة النيويوركية. أحداث مربكة وحوادث وشيكة تحيط بهم. مسلسل The Alienist مقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم وهذه التسمية بالذات كانت تطلق على الأطباء النفسيين لأنهم يتعاملون مع الغرباء وهو اللقب الذي يطلق على أيّ شخص يعاني من اضطرابات نفسية، المسلسل به مشاهد مزعجة كثيرة وغير مناسبة لمن هم دون الثامنة عشرة.

شاهدت أيضًا سلسلة وثائقية تسللت إلى أحلامي وحولتها إلى كوابيس، وأدخلتني لدوامة من التفكير، السلسلة تعرض على نيتفلكس بعنوان Wild Wild Country، يحكي قصة جماعة السنياسيين أو حركة راجنيش، أو أتباع أوشو وهذه بعض من مسميات الطائفة المتعددة. هذا الوثائقي سيفتح في عقولكم باب للأسئلة حول الدين، الحريّة، الانسانية، التعايش، الاستسلام للسلطة، وغيرها من المواضيع. وأكثر شيء فعلًا أدهشني معرفة كثير منّا لأوشو، ورؤية اقتباساته من حولي، وكتبه في أيادي الأصدقاء. لكن لا يوجد هناك أيّ فكرة عن ذلك التجمع، والطائفة التي التهمت أمريكا والعالم بأخبارها في ثمانينيات القرن الماضي. من جديد أنبّه محتوى الوثائقي غير مناسب للمشاهدة العائلية.

في مارس لم أفوت احتفالية الورق في الرياض، زرت المعرض بعد انقطاع وتسوقت حتى فقدت الاحساس بالوقت والمكان. فكرة زيارة المعرض في صباح الخميس الأول مفيدة إذا كنتم تبحثون عن الهدوء وتشترون كتب بلا تحديد وتختارونها بعد الاطلاع والتعرف على نبذة عنها. إذا كنتم تنتظرون إصدارات الدور الجديدة فهي عادة لا تصل مبكرة، قد تحتاج ليوم أو اثنين وأنتم وحظكم. كنت أخطط لزيارة ثانية لكن رحلة الكويت أعادتني لصوابي، بالإضافة إلى ميزانيتي المحدودة التي أعدّها لرحلتي القادمة.

نهاية الشهر شهدت خطوة أولى في مسار عمليّ جديد. سأحدثكم عنها عندما تكتمل الصورة إن شاء الله وأشارككم تفاصيلها. وخلال شهر إبريل سأحاول تقديم ثلاث ورش عمل متنوّعة وأتمنى بصدق أن ينجح الأمر وأن تساعدني طاقتي والمشاريع التي أعمل عليها. هناك أيضًا على بعد أسبوع تقريبا (٧ إبريل) ملتقى العمل المستقل الأول الذي تستضيفه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة – فرع السيدات في خريص، كونوا هناك لمشاركتي والحاضرات أفكاركم ومقترحاتكم وتجاربكم في مجال العمل هذا.  

.

.

والآن، كيف كان شهر مارس معكم؟

شاركوني اختياراتكم ومشاهداتكم وقراءاتكم الممتعة.

.

.

.