يوم للحصاد

By Amanda Blake
By Amanda Blake

قصّت مصففة الشعر ضفيرتي ولفتها في شبكة ومدتها لي. “خذيها يمكن تحتاجين لها حشوة تسريحة أو شيء” طبعاً لا أعلم أين تبدأ دهشتي وأين تنتهي. كانت مجازفة كبيرة، حتى هي التي تعرفني من عشرة أعوام تقريباً ترددت للحظات وهي تقرب المقص وتنظر في المرآة وتسألني من جديد وهي توازنه على رقبتي، هنا أكيد؟ أقول لها نعم وبسرعة قبل أن أغير رأيي. ضحكت عندما أصرت أن آخذ الضفيرة معي ولا ألقيها في سلة المهملات. تقول أنّ العاملات هنا يبعن الشعر الطويل للزبونات اللاتي يردن حشو شعرهنّ وزيادة كثافته. لم تكن تعرف خوفي المبطنّ من الشعر المقصوص، والشعر عموماً. أحاول دائما إخفاء ذلك بطرق طريفة ومبتكرة، أحاول إخفاء الدوار الذي أشعر به عندما تطلب أخواتي مني تضفير شعرهن أو تصفيفه. الشعر الوحيد الذي أمسّده بلا هلع، شعر قطتي.

احتفظ بشعري الطويل لستة أعوام الآن، لم أقصه ليتجاوز كتفي ولم أفكر في التخلي عنه. أربّيه بحرص واعتني به ما استطعت. لم أكن هكذا، لكنّها رغبتي الدفينة في مراقبة شيء ينمو، ولأن خبرتي الزراعية معدومة كان شعري شجرتي –حرفياَ-. كنت قبل خروجي للصالون بساعات أتحدث عن اختفاء مشابك الشعر والربطات المطاطية التي اشتريها وتذهب لحفرة سوداء. كنت غاضبة قليلاً لأنها تضيع. لكن وبعد ساعات أصبحت الحاجة إليها معدومة. لم أستطع مقاومة المعاني الخفية التي حملها يومي القصير ورحلتي إلى الصالون. مزيّنة أخرى في الصالون تحبّ دائما التقاط المزيد من شعر حاجبي، أهددها بأنّها ستخسر اصبعا أو يداً إن هي بالغت في ذلك. تضحك وتعمل بحرص وتردد وتمدّ لي مرآتها الصغيرة –الخاصة- كما تقول. ممتاز! توقفي الآن. تقول المزيّنة لأختي أن وجهي لم يتغير منذ المرة الأولى التي شاهدتني فيها. وتضيف: ربّما لأنّها ليست جديّة. ضحكت أختي وقالت هيفا ليست جديّة؟

من الأشياء التي تزيد حماستي للتقدم في العمر، هي اقترابي من حلّ اللغز، لغز نفسي. إذا أمكن ذلك، مع أنني أشكّ. كل يوم اكتشف شيء جديد عن نفسي. شيء يفوق طاقتي، وفي استسلام لحظيّ أتعامل مع اكتشافاتي كما أتعامل مع اكتشافاتي عن الآخرين. وعندما أتحدث عن نفسي، لا أعني الجانب العقلي والنفسي. بل حتى الفسيولوجي، خلال أقل من سنة اختبرت طاقات كامنة وعجائب في جسدي لم أطلع عليها من قبل، لم أجرّبها بصورة أدقّ. والآن بعد ذلك اكتشفت بأنني أدلل نفسي وأبحث عن أكثر الطرق بساطة للتعامل معها. متجاهلة بذلك النتائج المذهلة التي تأتي من وضع نفسك تحت الضغط أحيانا.

أكملت الشهر الأول –تقريبا- في العمل مع والدتي، واستلمت راتبي الأوّل مع أنني لم انجز كل الخطة التي وضعتها للشهر الأول من العام. سأعود أيضا لتدريس اللغة العربية لصديقاتها وسأعطيهم نبذة عن ما يمكنهم توقعه من العيش في السعودية. البعض منهم يسأل عن دروس في الطهي المحلّي وأقول: ربما.

شاهدت خلال نهاية الأسبوع وثائقي من روسيا، روسيا وجهتي الذهنية في هذا العام. سأقرأ مؤلفات روسية، وسأطّلع على ما يمكنني اصطياده من وثائقيات وبرامج تاريخية وربما أعمال فنيّة من هناك. الوثائقي Russia on four wheels، وثائقي من جزئين يغطي الدولة –أقرب إلى قارة- من الشرق للغرب وبين الشمال والجنوب. يقطعها على سيارتين كلّ من أنيتا راني وجستن رولات بدءا من سوتشي –مقرّ الألعاب الشتوية لهذا العام- وباتجاه وجهيّ روسيا المختلفين. جستن إلى معالم روسيا القديمة – ما قبل سقوط الشيوعية- ، يزور المناطق الزراعية التي شهدت التحول للمزارع الجماعية. يزور سجون القولاق ومعتقلات الأشغال الشاقة. أما أنيتا فتأخذ الطريق لروسيا الجديدة، التي تحاول بحماس اللحاق بركب التطور العالمي، تزور مراكز التسوق الضخمة والمصانع الجديدة وبالتأكيد سانت بطرسبرغ نافذة روسيا الغربية على أوروبا. التفاصيل في الوثائقي كثيرة ومذهلة، وهنا تأتي مهارة BBC العظيمة في صنع كبسولات ثقافية وضغطها في صور وتعليقات مقتضبة لكنّها ستزودكم ببداية الخيط. ومن الوثائقي ستبحثون عن المزيد. هكذا كانت بي بي سي دائماً. يمكن مشاهدة الحلقة الأولى برابط مباشر هنا، والحلقة الثانية هنا.

مع جدولي المزدحم وحزني الخفيّ لأنني لا أقرأ كفاية، ولا أصل لنهاية الكتب التي أحبها بسبب العمل، أو السفر، أو ارتباط اجتماعي وغير ذلك. قررت العودة للكتب الصوتية بعد أن توقفت لفترة. هذه المرة أقرأ –سماعياً- رائعة تولستوي “آنا كاريننا” باللغة الإنجليزية. تمنيت لو أنها عربية لكن للأسف لم يكن هناك كتاب صوتي لها. الراوية تتحدث بلكنة إنجليزية صافية، تنطق الكلمات بحماس وعاطفة. أنهيت عدة فصول منها، وبحساب بسيط لمدة الكتاب وجدت أنّ المشي والاستماع لها لمدة ساعة يومياً، يعني الانتهاء قراءتها خلال شهر وستة أيام تقريباً. سأنتهي منها وانتقل للجريمة والعقاب، النسخة التي قرأتها في مراهقتي نسخة مختصرة إنجليزية، تلك التي تقدمها دور النشر للشباب للاطلاع على كلاسيكيات الأدب بلمحة.

أفكر في العصفور، في اللحظة القصيرة جداً التي تتوقف فيها أجنحته عن الرفرفة وتلتصق بجسمه. اللحظة الفاصلة هذه والعودة للحركة بعدها. لا يسقط، يحتفظ بتوازنه. تشبه إجازة قصيرة جداً ومنعشه.

ثائر على الكانفاس: إدوارد مانيه.

edouard_manet

لم يستطع أحد معرفة السرّ الكامن في لوحات الفنان الانطباعي الثائر مانيه. لقد كتب القوانين من جديد ووضع الأسس للفنّ الحديث كما نعرفه، أسسّ مدرسة وإن لم يكن واعياً لها. وفي هذه التدوينة التي جمعت لها الملاحظات والصور منذ فترة قصيرة وأحببت مشاركتكم بها اليوم، بمناسبة ذكرى ميلاده. سأتحدث باختصار عن مانيه، وعن الوثائقي الرائع الذي شاهدته عنه، والكتب التي قرأتها حول أعماله.

Music in the Tuileries Garden

تحدر إدوارد مانيه من أسرة باريسية غنية ومحافظة، ونشأ على العادات والتقاليد بين 1849-1857م. ثم انتقل من المسار المخطط له منذ طفولته إلى الفنّ الواقعي والانطباعي، أصبح بعدها الأبّ الروحي للمدرسة الانطباعية والحركة الفنية التي انطلقت تحت مظلتها وامتدت لأشكال أخرى من الإبداع الإنساني. يُنظر إليه بأنّه مؤسس الفنّ الحديث. وهذه الألقاب لم ينسبها لنفسه بالتأكيد، لكن طبيعته الثورية ومسيرته المختلفة دفعت بالمتابعين والنقاد –المحبين والكارهين- إلى تلقيبه بذلك. بدأ كلّ شيء في اللحظة التي رُفضت بها لوحته “غداء على العشب” ولم تشارك في صالون باريس الفنيّ الشهير 1863م. ثمّ وبأمر إمبراطوري أصدره نابليون الثالث عُرضت مع لوحات المنبوذين الأخرى في معرض Salon des Refuse. لقد حرّك مانيه الأجواء وأثار ضجة لم تهدأ لثلاثين عاماً. لم تكن العارضة العارية في الصورة السبب، فقد امتلأت اللوحات الكلاسيكية القديمة بصور العراة. لكنّها الطريقة التي ظهرت بها المرأة ونظرتها الجريئة التي تقابل بها المشاهد، جلوسها على العشب بجانب كومة ملابسها، والرجلان اللذان احتفظا بكامل أناقتهما وشاركاها الجلوس. كان ذلك كثيراً جداً وصادماً. لم تكن لوحته “غداء على العشب” خاتمة الدهشة والنفور ولن تكون الأخيرة. مانيه عرض لوحة “أوليمبيا” التي كانت بطلتها عاهرة تستريح على فراش وثير، لا ترتدي سوى شريط أسود مزين حول عنقها وحذاء بكعب في قدميها، تنظر في عيني المشاهد أيضاً، وفي ركن الصورة الآخر تقف خادمتها التي تحمل زهوراً من أحد زبائنها. متابعة قراءة ثائر على الكانفاس: إدوارد مانيه.

أمريكا.. الأمّة الجائعة.

ملايين الأمريكيين جوعى، بغضّ النظر عن السمنة المفرطة المتزايدة والمرعبة في تلك البلاد. إلا أنّ الخبراء الغذائيين وجدوا أنّ الجوع والسمنة في أمريكا متلازمان بشكل مذهل! شاهدت مؤخراً وثائقي جديد عن جائحة الجوع الأمريكية. كيف بدأت؟ وكيف وصل الأمريكيون إلى هذه المرحلة؟ وعن الحملات التي بدأت لمحاربتها.

يستعرض الوثائقي حياة عدد من الأشخاص الذين يحاربون يومياً لوضع طعام صحي ومغذي على الطاولة، باربي أمّ وحيدة مع طفلين، وروزي طالبة مدرسة في الصف الخامس تتضور جوعاً لحدّ لا يمكن معه التركيز في الدروس وتعتمد على الجيران والأصدقاء في غذائها، وتريومونيكا طالبة تعاني من السمنة المفرطة ونوبات الربو وهي في الصفّ الثاني. بالإضافة لشخصيات أخرى مساهمة في الدعم والمساعدة، وشهادات أخرى لأفراد تقرر من نظرتك الأولى لهم بأنّهم لا يعانون من أي مشكلة، بل على العكس يميلون للسمنة بالمقاييس العادية. وهذا يذكرني بإحصائية مرعبة لولاية مسيسيبي إذ أنها تُعدّ أكثر الولايات الأمريكية نقصاً في الغذاء وأكثرها سمنة.

بعد الانتهاء من مشاهدة الوثائقي ستخرج بعدّة استنتاجات، من بينها أنّ السمنة بالضرورة لا تعني النجاة من الجوع، وستعرف أنّ أمريكا التي ينظر لها العالم بأنّها أغنى بقاع الأرض بالطعام والمصادر الغذائية تعاني وبشدة لسنوات. في أمريكا الطعام الأرخص والذي تستطيع الأسر دفع تكاليفه هو الذي لا تمتد له الأيدي لكثرة السكّر والدهون المشبعة والكيماويات بداخله، أما إذا كنت تبحث عن مائدة صحية ومتكاملة مليئة بالخضار والبروتين والكربوهيدرات وبتوازن ستدفع الكثير الكثير، مثلاً أن تتناول كيساً من البطاطا المقلية الغارقة في الدّهن أرخص من تناول كيس من الجزر.

ستتعرفون أيضاً على خدمات المساعدة الغذائية أو ما يسمى بـ FOOD STAMPS وهي بطاقات تُطبع بقيمة مالية مقابلة تمكّن المحتاجين من شراء الأطعمة من مراكز التسوق بغض النظر عن الفائدة الغذائية لهذه الأطعمة. في العام 2012م صُرفت مساعدات غذائية من هذا النوع لحوالي 47 مليون أمريكي! وفي ولاية مسيسيبي يتلقى حوالي خُمس السكّان هذا النوع من المساعدات. شيء آخر سيدهشك على الرغم من توفر هذه الخدمة إلا أنّك لكي تتمكن من الاستفادة منها ستحتاج إلى دخل منخفض بشكل مرعب، وإذا حصل وزاد دخلك بدولار واحد أو اثنين سيُرفض طلبك. أي أنّ الأمريكي محدود الدخل يوضع أمام أمرين كلاهما مرّ: أن يعمل بوظيفة منخفضة الأجر لكي يتمكن من وضع الطعام القليل على الطاولة، أو أن يبقى عاطلاً عن العمل لتلقي مساعدة الدولة المحدودة كذلك.

متابعة قراءة أمريكا.. الأمّة الجائعة.

الفنّ الرّفيع للبلدان المنخفضة.


050413_1745_1.jpg

البلدان المنخفضة قصّتها قصة أتلانتيس عكسية، بينما غرقت المدينة الأسطورية تحت الماء، ارتفعت الأخرى، وازدهرت. الحديث هنا عن هولندا التي نعرفها اليوم، وبلجيكا، وأجزاء من ألمانيا وفرنسا. لمعرفة لماذا سميّت بالبلدان المنخفضة؟ وكيف يمكن التعرّف على بلاد الطواحين، والوافل والتوليب من خلال تاريخها الفنّي؟ الطريق الأسهل والأجمل هو مشاهدة الوثائقي الرائع الذي أنتجته بي بي سي “The High Art of The Low Countries” وقدّمه أندرو غراهام ديكسون المقدّم القدير المتخصص في التاريخ، تاريخ الفنّ بالتحديد. الوثائقي من ثلاثة أجزاء مدّة كلّ منها ساعة، وتناولت بالترتيب “الحلم بالوفرة”، “الازدهار والكساد” والجزء الثالث تناول “أحلام اليقظة والكوابيس”. يتتبع أندرو ديكسون تاريخ الفنّ في البلدان المنخفضة من خلال أشهر أعمال الفنانين والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية. فيما يلي سألخّص أهمّ النقاط التي تناولها الوثائقي مع روابط مفيدة لمزيد من الاطلاع.


  • بدأ الفنّ في البلدان المنخفضة بنسج الأقمشة الفاخرة، وما يسمى بـ “قماش النجود” أو Tapestry التي صورت قصص من الإنجيل والتوراة والحياة اليومية في تلك الفترة.
  • صنع البيرة التي سميّت آنذاك بـ “الخبز السائل”.
  • كتاب صلوات أهدي لملكة البرتغال، رسومات مذهلة، ألوان زاهية ومذهبّة.
  • الرسام يان فان آيك، الذي وضع القواعد الأولى للرسم بالألوان الزيتية، والذي سرت الإشاعات حوله بأنه لم يكن رساماً وحسب، بل ساحراً، فان آيك عاش ليكون أغنى وأكثر رسامي عصره احتراماً.
  • لوحة بوش التي لا تكفّ عن إدهاشي “حديقة المباهج الأرضية” وتخيفني كذلك، سابق لعصره بمئات السنين، وسابق لعصرنا كذلك.

متابعة قراءة الفنّ الرّفيع للبلدان المنخفضة.

صناديق ستانلي.

في العام ١٩٩٦م تلقّى جون رونسون اتصالا هاتفياً من شخص يدعى توني، واخبره بأنه يتصل موظف لدى ستانلي كوبرك، يطلب في اتصاله هذا ارسال تسجيل لبرنامج إذاعي قدمه جون عن اوشفيتز، كان الاتصال بمثابة مفاجأة ضخمة، ففي ذلك الوقت كان قد أصبح شخصية اسطورية مختفية عن الانظار في بيت ريفي انجليزيّ. ومضى حوالي ١٦ عاماً على آخر صورة نُشرت له. بعد تاريخ سينمائي حافل بدأ في الخمسينات والستينات، فكان يصدر فيلماً كلّ عدة سنوات، لنعدد منها على سبيل المثال لا الحصر : “Loita” “Clokwork Orange” “2001: A Space Odyssey “.

اختفى تماماً عن أعين الجميع، لكنّ جون رونسون حينها كان متأكداً من شيء وحيد، إنه يستمع لبرنامجه! بعد ذلك الاتصال وبعد ارساله الشريط على العنوان الذي حُددّ له لم يتكرر الاتصال به ولا التعليق على موضوعه. نسي ذلك تماماً حتى استجدّ شيء آخر، في العام ١٩٩٩م وبعد انتهاء كوبرك من تحرير الفيلم Eyes Wide Shut، توفي. وبعد ذلك بعامين تقريباً تلقى جون اتصالا جديداً ودعوة لمنزل آل كوبرك، من توني فريوين مساعد كوبرك لـ ٣١ عاماً. في الاتصال دعاه توني للمنزل للاطلاع على كنز عظيم لم يطلع عليه سوى أفراد عائلته، ومساعديه المقربين، كان جون رونسون أول الاشخاص المطلعين على حوالي أكثر من ألف صندوق، ملأت نصف المنزل الكبير. بعضها لم يفتح لعقود واحتوت على ارشيف المخرج العبقريّ.

ومن هذه الدعوة وهذا الاتصال يبدأ جون رونسون تصوير الوثائقي الشهير صناديق ستانلي كوبرك“. شاهدت الفيلم وأصبت بالذهول والاعجاب من التفاصيل التي حملتها الصناديق، ووجدت أن كتابة تعليقاتي حول الوثائقي على شكل تويتات في تويتر، ستقتل التسلسل، وجدت أن تدوينة مع روابط مفيدة ستكون فكرة جيدة!

متابعة قراءة صناديق ستانلي.