في متجر سيزان الفرنسي في حيّ مارليبون اللندني وقفت بانتظار خلو غرف القياس. احتضنت بين ذراعي علبتيّ حذاء وجدتها بعد بحث طويل، لكن القصة ليست هنا. في طابور الانتظار القصير وقفت سيدة سبعينية مع ابنتها (عرفت من الشبه العظيم) والتفتت لأنظر لكنزتها القطنية: I love your sweatshirt.
كانت الكنزة المميزة جزء من قطع الملابس الكثيرة التي غرقت بها المدينة والدولة (إذا تذكرت أدنبرة كذلك). حملت صور منوعة للمغنية الأمريكية تايلر سويفت. أثنيت على كنزتها وعلقت بسرور: شكرًا اقتنيتها ليلة البارحة! وقلت لها إذا كنّا في الحفل سويّة. انطلقنا بالحديث عن الحفلة الممتعة وعن مشهد دخول ترافيس كيلسي. “لقد ظننت أنه سيجثو على ركبته ويتقدم لخطبتها أمام ٨٩ ألف متفرج” ضحكنا من اشتراكنا في الفكرة الرومانسية أنا والسيدة السبعينية، واستدركنا: لا نعتقد أنها ستقبل بمشاركة هذه اللحظة الحميمة أمام المتفرجين. كيف وصلتم هنا؟ لقد انتصرنا في الحرب العظيمة – وهذا المصطلح الذي أطلقه جمهور تايلر سويفت على حرب التذاكر، إذا حصلت على تذكرة هذا يعني أنك انتصرت في الحرب. أخبرتها أن قصتي بدأت عندما أبلغتني أختي الصغرى بحصولها على تذكرتين للحفلة قبل سنة وعدة أشهر. والآن لنخطط للرحلة. لم أكن أكيدة من سهولة الترتيبات لكنني قررت تركها للحظة الأخيرة. ومع مرور الأيام بدأت الصورة تتضح أكثر: سنبني رحلة الصيف بين لندن واسكتلندا وحفلة تايلر سويفت.
لم تكن هذه هي الرحلة الأولى التي أحضرها في حياتي، لكن في كل المرات السابقة كانت الفرق الموسيقية أقلّ جماهيرية بشكل ملحوظ. أحبّ هذا الاختصاص الذي لا يزاحمني فيه الآلاف. أحضر بحماس وأغني الكلمات وأذكرها.
ما لم أتوقعه أو استعد له هو هذه الجولة التاريخية لتايلر سويفت والتي بدأت نسختها الأولى العام الماضي وجالت العالم. كانت الحفلة في نقطة عمياء من تفكيري. حتى قررت حصة أختي ضخّ الحماس بداخلي وبدأت أولًا بإعداد قائمة أغنيات تتكرر في كلّ حفلة: خذي اسمعيها واحفظي الكلمات!
بدأت الاستماع لتايلر سويفت في بداية ظهورها عندما كانت طابع الأغاني الشعبية الأمريكية Country music يغلب عليها (وما زلت أحبّ هذا النوع من الأغاني حتى في انتاجها الحديث).
وأخبرتني لاحقًا بأنّها جهزت قائمة بالأغنيات التي تعتقد أني سأحبها، وفي كلّ مرة كنت اشاركها واحدة كانت تضع علامة بجوارها. لا أعرف ما أسمي هذا الارتباط الذي بدأ بالنموّ. شعرت أن علاقتنا دخلت مرحلة مختلفة، مرحلة اهتمام مشترك وفراشات صغيرة تملؤنا بالتساوي. صندوق الرسائل بيننا في انستقرام امتلأ بمقاطع من حفلات سابقة وأغنيات وتوقعات لقائمة الأغنيات المفاجئة التي ستؤديها سويفت في كلّ حفلة.
كل ما جاء لاحقًا لم يكن متوقع.
قبل سفرنا بعدة أسابيع بدأت نشرات الأخبار البريطانية تذيع التقرير تلو الآخر عن شكل المدن التي ستعبرها الحفلات وفرص العمل والوظائف التي أوجدتها الحفلة. يمكنكم معرفة المزيد بالبحث عن هذا الموضوع تحديدًا ورؤية الأرقام والنتائج المدهشة التي حققتها في أمريكا والعالم. لكن مشاهدة التقارير التلفزيونية شيء ورؤية الحياة في المدينة بانتظار الحفل شيء آخر.
لم يكن حضور الحفلة هذه اعتيادي لأنّها جاءت بمتطلبات مثيرة للاهتمام، هناك اختيار الزي من الحقبة المفضلة لك: Taylor Swift, Fearless,Speak Now, Red, 1989, Reputation, Lover, Folklore, Evermore, Midnights, The Tortured Poets Department.
والمحصلة كانت أني اخترت Folk-more ودمجت حقبتين سوية. فستان كحلي مورّد وزينت وجهي بكريستالات صغيرة حول عينيّ!
بالإضافة لاختيار الملابس كانت مهمة تجهيز العديد من أساور الخرز الملون لتبادلها مع الحضور أو الاحتفاظ بها كما فعلت (لم أرد تبديل أساوري مع أحد فقط صنعتها أختي لأغنياتي المحببة: (Cruel Summer, Lover, Anti-Hero
كان الحماس لحضور الحفلة في كفّة ودخول ملعب ويمبلي في كفة أخرى. هذا المكان الحلم الذي وددت زيارته منذ تسعينات القرن الماضي عندما كنت متابعة مهووسة للدوري الإنجليزي. تحتفظ أختي بتصوير فيديو مليء بالمشاعر لي عندما عبرت البوابة الصغيرة باتجاه المدرّجات. ومع أن أرضية العشب الأخضر مغطاة بالكامل بتجهيزات المسرح والحفلة إلا أنني إذا أغلقت عيني بالشكل الكافي يمكنني تخيل المباريات التي أقيمت هنا.
هذا الاستطراد مربك.
لنعد قليلًا إلى الوراء، عندما وصلنا للمدينة المكتظة وهذا وضعها الطبيعي كلّ صيف. وكل صيف هو “موسم لندن”. جموع البشر، واجهات المحلات، أغنيات المتاجر بطوابقها المتعددة. تايلر تغنّي في كل مكان. وفي بعض المتاجر ستجد مجموعات أساور ملونة، أو أحذية رعاة بقر، أو سترات جينز مطعمة بالكريستالات. هذه الاحتفالية الرائعة مهدت لأسبوع من الانتظار والترقب. دون مبالغة في كلّ مكان ندخله، مطعم أو متجر كان، أو خلال جولة بالسيارة ستسمع شخصًا ما في الواقع أو على الراديو يتحدث عن تايلر سويفت وحفلاتها المتسلسلة.
قبل الرحلة بعدة أسابيع فكرت في ليلة الحفلة وازدحام المترو وصعوبة واخترت حجز غرفة فندق قرب الملعب، والنتيجة الصادمة أن أسعار الفنادق في محيط الملعب تضاعفت لعشر و١١ مرة! فكرت أن هذا جنون غير مبرر، وبحثت أكثر حتى حصلت على عرض جيد وتضاعف سعر الليلة المعتاد لثلاث مرات فقط وهذا أفضل بكثير من عشر مرات. ضمنت على الأقل تخفيف القلق الناتج من ترتيبات المواصلات وضمنت أيضًا الذهاب باكرًا بعد الظهر لترك متعلقاتنا الشخصية في غرفة الفندق والاستعداد للحفلة بهدوء والتوجه للمكان في الوقت المناسب.
كنت أهدئ من توتري بقولي: إذا كانت هذه الحفلة مناسبة لطفلة في الرابعة من العمر ستكون مناسبة لي بالتأكيد. وهذا ما حدث! تنظيم المكان والدخول والمرافق كانت أكثر من رائعة. لم أشعر بالانزعاج أو التعب خلال ساعات الحفل. ربما بسبب اختيار المقاعد فلا يمكنني تخيل نفسي مع الجمهور الوقوف في ساحة الملعب والذين اضطروا للحضور للمكان قبل ساعات طويلة ليضمنوا زاوية جيدة. لم تغب الشمس باكرًا وهذه من محاسن موعد حضور هذه النسخة ففي الصيف يمتد النهار حتى قبيل العاشرة مساء.
في خزانة الذكريات في غرفتي احتفظ بأساور الخرز الملونة، والسوار المضيء الذي تحققت من بطاريته ليعيش طويلًا. هذا السوار المضيء جزء من تجربة الحضور، ترتديه في يدك ويومض بألوان متنوعة تتبع الفقرة التي تؤديها المغنية على المسرح. السوار جزء من الاندماج الكامل الذي شهدته لآلاف البشر في مكانٍ واحد. الكلّ يغني الكلمات حتى لم تعد تسمع نفسك! وكلما اشتد الصراخ والحماس كنت أجلس على كرسيي واتأمل المشهد. لا أتقن الكلمات، ولا أعرف سر الصراخ، لكنني مغمورة بهذا الحبّ العظيم. والفرح الذي رأيته في قفزات أختي ومتعتها. ماذا لو وضعته في علبة واستعدته كلما احتجت له؟
في بداية الحفلة تقول تايلر أننا من الآن وصاعدًا كلما سمعنا أغنياتها سنتذكر اجتماعنا هنا، سيكون للذكريات شكل آخر.
شكلنا معًا.
أنا وأختي.
أنا وأختي في طريق العودة وهي تحمل حذائها في يدها من التعب.
أنا والسيدة السبعينية في انتظار غرف القياس.
أنا ونادلة المقهى في أدنبره وهي تشتكي من آلام ظهرها بعد حفل الأسبوع السابق.
أنا والفتيات الصغيرات وهنّ يغنين ملء رئاتهن.
أنا والطفلة المتعبة عند مصعد الفندق وأمها تحملها.
أنا وكل من عبر الطريق باتجاه بوابات ويمبلي.
أنا وهيفا الصغيرة المبتهجة الآن، جدًا.
.
.
.
.