١٦ ألف صباح مستعاد.

 

JjdWbOCTlemWMuvC0BeF_DSC_0867edit (1)

.

.

.

تقول الاحصائيات إن متوسط العمر المأمول لسكان السعودية هو ٧٦ سنة تقريبًا – تجاهلوا الاحصائية المرعبة قليلا-.

وإذا كنت سأعدّ الصباحات المتبقية لي في الحياة بإذن الله ستكون: ١٦.٤٢٤ بدءا من الغدّ.

أحبّ الصباح كثيرًا واربط بين فوضى حياتي وانقطاعي عن الصباح والاستمتاع به، كيف استعدت صباحي إذا؟

خلال الربع الأخير من العام ٢٠١٥م تورّطت حرفيًا – بوظيفة لم أحبّها، وقضت بشكل كامل على صباحاتي. كنت أخرج من المنزل والشمس لم تشرق تماما، ويبدأ الركض في الحصص من ٧ ص حتى الـ٢ مساء. نسيت كثير من هواياتي اليومية بسبب انعدام الوقت. روتين الصباح ينحصر في محاولاتي الجادة للخروج من الغرفة للعالم الخارجي وبأقل ضرر ممكن.

عدت لممارسة العمل الذي أحبّ وعادت شهيتي للحياة والصباح. أصبح السؤال الذي يشغلني عندما استيقظ:

ماذا أفعل الآن؟

كيف أقضي ساعات النهار الأولى بحب وتركيز؟

وبدأت العمل بمبدأ جميل جدًا التركيز على إدارة الطاقة لا الوقت“. ما المقصود بذلك؟ لن أطيل عليكم التفاصيل فالموضوع ممتع ويمكنكم القراءة في مقالات ومواضيع مدونات عند البحث باستخدام Manage your energy not your time.

لدي حوالي ١٠ ساعات متاحة للعمل يوميًا، سواء من المنزل أو من المكتب، لكن هل ال١٠ ساعات كلها منتجة؟ لا للأسف. وجدت أنّ ساعات الصباح الأولى بلا طاقة عالية لكنّها الوقت الأنسب لمشاهدة التلفزيون، إعداد فطور شهيّ، والقراءة الكثير من القراءة. متى يبدأ نشاطي الفعلي؟ ١٢ مساء ولبقية اليوم حتى الساعة السابعة تقريبًا.

لذلك وبكلّ سعادة وجهت اهتمامي من جديد للصباح وتوقفت عن الشعور بالذنب وأجّلت كل الأعمال حتى الظهيرة – إلا ما كان مستعجلا منها– . طاقتي الموجهة للكتابة الابداعية بين الظهيرة والمساء واضحة ومسخرة بالكامل للعمل. وقبل أن تبدأ التساؤلات لديكم على شكل: لماذا تستيقظين باكرًا إذا؟ أو لماذا لا تحصلين على ساعات نوم أكثر لتكون طاقتك أفضل في الصباح؟

طاقتي لا تعاني من مشكلة فيما يخص الاستيقاظ بحماس، أو المشي أو ترتيب غرفتي وغير ذلك من النشاطات التي تتطلب طاقة جسدية قبل الذهنية. الموضوع مرتبط بالمزاج والاستعداد للعمل فقطاستعدت الصباح عندما بدأت الاستعداد لوقت العمل من المساء السابق، تجهيز رسائل البريد الالكتروني وحفظها في المسودات وارسالها في الوقت المناسب لساعات العمل.

من الأفكار الجيدة التي جربتها أيام التدريس والمدرسة: كيّ ملابسي وقمصاني لعدة أيام مستقبلية، تجهيز وجبات الغداء وغير ذلك من وسائل تبسيط الحياة. شيء آخر أصبح سهل بالنسبة لي مع ساعات عملي المرنة وهو انهاء المشاوير الخاصة أو التسوق خلال ساعات الصباح الأولى ومن ثمّ التوجه للعمل.  

.

مخرج:

بالعودة للاحصائية أعلاه والتفكير فيها، الصباحات القادمة من حياتنا تستحقّ الاهتمام والتقديس. حتى ولو أمكنكم القبض على ساعة واحدة بلا توتّر أو تفكير في الأعمال القادمة، والتحقق من الأجهزة والبريد الإلكتروني.

.

.

.

كيف أنقذت عائلتي الكوكب؟

By Amanda Blake
 Painting By Amanda Blake 

في ١٩٩٢ اقتنى والداي طاولة طعام وخزانة أواني من سوق للأثاث المستعمل – أو كما يحبّ والدي تسميته: روبابيكيانقلنا الطاولة والخزانة معنا من بيت لآخر. نقلناها للرياض وما زالت تلازمنا كفرد من أفراد العائلة. يحلو لي التفكير في الأشجار التي انقذناها بشراء الأثاث المستعمل، غرف النوم، خزائن الملابس، الطاولات!

تحبّ عائلتي إعادة التدوير، في كلّ شيء إذا أمكنني القول. نشتري سرير جديد لأخي وتتحول ملكيته بعد سنوات لأختي الصغرى، ثمّ لي، وهكذا. لا يوجد قانون يمنع إعادة التدوير أو يوقفها، تحتاج شيء؟ ابحث في غرف إخوتك أولاً، ثم اشتريه مضطراً إذا توقفت دورة حياة الأشياء. خاطت والدتي ملابسنا، وكلما ضاقت – أجد المصطلح مضحك فالملابس لا تضيق أنت تتمددمررناها لبعضنا، فستان يصبح تنورة ثم بلوزة ثم خرقة بالية لمسح أسطح المطبخ أو إذا كانت محظوظة ستصبح قفازات لعزل الحرارة.

صناديق الكرتون التي استخدمناها للانتقال بين ثمانية منازل حفــظت ألعابنا وملابسنا الشتوية وعندما تنتهي كلّ الألعاب نفردها ونتزلج بها على درجات سلم البيت. أعرف شعار إعادة التدوير قبل معرفتي بالمصطلح، كبُرت في مدينة شاهدت فيها الشعار على حاويات النفايات المدرسية، في الشوارع، وفي كلّ فرصة كانت تظهر لي الأسهم الخضراء الناعمة، تدور وتدور.  إعادة التدوير عند والدتي يعني أنّ طهي دجاجة مشوية للعشاء وبقاء نصفها ينتج سندويتشات شهية لغداء الغدّ. موضة الأزياء العتيقة Vintage كانت نظام حياتنا قبل أن تصبح نمط الحياة الفارهة اليوم! ساعات جدتي وخواتمها، قطع الاقمشة التي يحول عليها الحول ولا تخيطها كانت تجد طريقها لمنزلنا ومنازل خالاتي. كراسي الأطفال وكنزاتهم الصوفية، السيارات وأغطية رضاعاتنا التي أصبحت مكاييل للسكر والقهوة. علب الحلويات التي حفظت الأزرار المهاجرة وقصاصات شرائط الساتان.  سألت والدي عن مساهمته في الكوكب، وأجابني بأنه زرع الأشجار نهاية الخمسينات في سودة أبها، وساهم مع فتيان الكشّافة في بناء وزراعة حديقة في الطائف، لم ينتهي دوره هناك، والدي أكثر شخص عرفته يقتصد في الورق، يكتب على صفحات التقاويم ويملأ الورقة بوجهيها بأرقام الهواتف والملاحظات. لا يغيب عن ذهني أني لم أر في حياتي أحداً يحبّ الخضرة والأشجار مثل والدي، زرع شجرة ليمون وشجرة مانجو في منزلنا بالجبيل، كانت مثل طفله. أتذكر وأنا أدوّن حزنه عندما سقط الليمونة العتيقة بفعل عاصفة ذات نيسان. أحببنا الشجر حتى بدت الرياض قطعة اسمنتيه هائلة وأصبحت مثل قطتي التي تلقي بنفسها أمام أول شجرة تراهاإعادة التدوير كانت تعني تمرير الكتب التي لن أقرأها مجددًا، تعني إمداد الاصدقاء الفنانين بأكداس المجلات والصحف التي تحولت لتصاميم كولاج وديكوباج رائعةأذكر المرة الأولى التي تعلمت فيها درس المحافظة على الموارد والامتناع عن هدرها، كنت في بيت جدّي الذي مرّ بي وأنا أنظف أسناني وتركت مياه الحنفية تجري، اقفل الصنبور والتقت نظرتي بنظرته ومضى بصمت. عرفت منذ ذلك اليوم هيبة الموضوع ولم أعد لتركها مفتوحة أبداً.

لستُ أدري لمَ بدأت كتابة هذه التدوينة، لكنني أشعر بالهلع، هلع حقيقي مصدره قراءة احصائيات كثيرة عن البيئة وكوكبنا الأمّ وتزامن هذا كلّه مع حلول يوم الأرض فجلست للكتابة، لأذكر نفسي وأذكركم بالتغييرات البسيطة ذات الأثر العظيم.

.

.

.

.

وداع مؤقت للعمل المستقل

Screen Shot 2016-04-11 at 11.08.41 AM

انتهى مارس وكأنّني احتفلت برأس السنة مع وداعه.

لا أدقق كثيرًا في أثر الشهور عليّ، ولا أتحمس بشكل مختلف لأيّ شهر سوى شهر رمضان المبارك وشهر أكتوبر (شهر ميلادي)، لكن مارس الماضي كان شهرًا مختلفًا، الشهر الذي توقفت فيه عن الدوران والركض المحموم. عملت في ثلاث وظائف مختلفة، وعلى عشرات المشاريع دون أن أعلم. عند إجراء الجردة الشهرية وأنا أجيب على أسئلة وضعتها لنفسي كي أقيّمها وجدت أنني أنجزت الكثير. ذهلت في الحقيقة وتمتمت: ما شاء الله يا هيفافي نهاية الشهر أيضًا قررت التوقف عن التشتت الذي سببته لنفسي وتوقيع عقد وظيفة رسمية بدوام كامل بعد انقطاع طويل. أحبّ العمل المستقل، وأجد فيه قضيتي الأولى والأهم.  عملت بشكل مستقل منذ تخرجي من الجامعة في العام ٢٠٠٤، وتنقلت بين الوظائف لأجد المرونة التي أنشدها، درّست وكتبت وترجمت لأحافظ على استقلاليتي ولأنقذ روحي من مقابر الإبداع المسمّاة مكاتب“. عندما تبدأ عملك المستقلّ كلّ شيء يشبه الربيع، لا وقت محددّ للعمل، اجتماعات عن بُعد بمكالمات هاتفية أو عبر المحادثات النصية على الإنترنت. رسائل بريد إلكتروني سريعة، ومكتبك يمكن أن يكون سريرك ببساطة. ما لا يقوله لك المادحون لهذا النوع من العمل بالتحديد هو الدراما المصاحبة والفوضى التي ستقع فيها إذا لم تنتبه لنفسك.

بدأت بحماس وقسّمت الأسبوع بين أعمالي المختلفة، ووضعت الجمعة والسبت كمنطقة محظورة. لا عمل في نهاية الأسبوع، لأركز على الزيارات العائلية والقراءة وهواياتي الأخرى. مضى الشهر الأول بسلاسة وشعرت بأنّ المزيد من المشاريع ستكون فرصة جيدة للحصول على مبلغ إضافي من المال، والسفر والتسوق. قابلت العروض المختلفة بالموافقة ثم بدأت الخطوط بالتشابك. أنجز العمل خلال الوقت المحددّ بلا مشكلات، لكنني تدريجيًا أصبحت بلا حياة. مثل ماكينة لا تتوقف عن الدوران، أكتب، أترجم، أصمم، أحضر الاجتماعات وأوافق على المزيد من المهامّ بلا تفكير. نهاية أسبوع؟ لم يعد هناك حدّ فاصل، الحد الفاصل كان انهياري التامّ من النعاس أو المرض. تأثرت مناعتي وصحتي، آكل أي شيء يوضع أمامي، أرتدي ملابسي كيفما اتفقّ.

علمت بأنني وصلت الحضيض عندما ذهبت في عطلتي السنوية المنتظرة ولم أتوقف عن العمل هناك، سرقت الوقت بين ساعات الصحو والإغماء للمشي بلا هدف في المجمّعات التجارية وتناول الطعام حتى التخمة. عدت من رحلتي وقررت أن كلّ هذا سيتوقف، وسأقبل بأول عرض وظيفي جيّد وفق شروطي التي ستكون:

  • المرونة في الحضور صباحًا.

  • الاستسلام للمزاج أحيانًا.

  • تغطية تأمين صحّي.

  • راتب بسقف مرتفع.

لماذا الشروط التي قد تبدو للبعض في الوهلة الأولى طفولية؟ يعاني الموظف المستقلّ من غياب تفاصيل الأمان كالتأمين الصحي والدخل الثابت، ومع أنه محسود على مرونة ساعات العمل لكنه معرض لشهور من القحط وغياب المشاريع.

أنا الآن في مكان جيّد يسمح لي بالتحدث إلى زملاء مهنتي السابقة –(العمل المستقل) وأذكرّهم بما يجب عليهم تذكره.

١اصنعوا جدولاً للعمل، مثل جدول الحصص في المدرسة ولا تتركوا المشاريع تطغى على بعضها.

٢نهاية الأسبوع منطقتكم المقدسة والمحظورة؛ لا عمل خلال نهاية الأسبوع كي تتمكنون من تأمل نجاحاتكم والنوم وترتيب الأسبوع المقبل.

٣ابحثوا عن جهات تستفيد من مهاراتكم وخبراتكم واعقدوا معها شراكات طويلة، هذه الشراكات ستساهم في تأمين دخلكم الشهري في حال لم تجدوا عميلاً أو مشروعا مناسبًا.

٤التنويع في نظام التسعير الخاصّ بكم فكرة صائبة، ألف مرة؛ هناك عميل مستعد للدفع بكرم ولن يعترض على المصروفات والطلبات الإضافية، وهناك عميل تحبون العمل معه لكنه لا يدفع الكثير، نظام التسعير المتفاوت حماية لكم.

٥لا تنسوا كتابة العقود بينكم وبين العملاء، حددوا شروطكم ومُدد العمل وموعد التسليم.

٦إذا كان عملكم يختص بالكتابة والتحرير مثلاً، حددوا مع العميل عدد مرات إعادة الكتابة والإضافة والتعديل، وأي تعديل بعد هذا العدد يتطلب رسمًا جديدًا أو مبلغًا إضافيًا.

٧تعرفوا على الموظفين المستقلّين في مجالكم، احضروا اجتماعات، احتفلوا معهم بالنجاحات واستفيدوا من بعضكم في العمل على مشاريع ضخمة واقتسام العائدات.

٨المبالغ التي تستلمها بشكل متقطع قد تعني ميلك للصرف غير الواعي، خصصوا حسابًا بنكيًا لعائدات عملكم أو سجلوا مصروفاتكم بالضبط بواسطة تطبيقات الهاتف الخاصة أو حتى بالورقة والقلم.

٩في فترات ازدهار العمل وفروا مبالغ مالية تدعمكم عند الرغبة في الانعزال والحصول على إجازة ممتدة.

١٠العمل المستقل مغامرة جميلة ومرعبة في نفس الوقت، أوصيكم بها في حالة واحدة فقط: إذا كانت السوق تحتاج موهبتكم النادرة، أو أنّ مجال عملكم مزدهر بحيث يمكنكم العمل مع أكثر من جهة.

هل سأعود للعمل المستقل؟

ربّما بعد فترة من الاستقرار الوظيفي، قد أجرّب مجالاً جديدًا أو مشروعًا يتيح لي العمل عن بعد. لا تتركوا نصائحي أعلاه تثير فيكم الرّعب أو التردد تجاه خوض التجربة، وإذا كانت وظيفتكم الحالية جيدة ولا تتطلب الكثير من الجهد ابدؤوا بالعمل على هواياتكم وتحويلها لمصدر للدخل تدريجيًا.

.

.

.

.

نُشر في نون

التداوي بالتطريز

Painting by Amanda Blake
Painting by Amanda Blake

الموتى لا يستأذنونك للغياب. أدرك ذلك جيدًا اليوم.

في ديسمبر ١٩٩٨ رحل أخي محمد بعمر التاسعة، خرج للعب مساء مع عائلتي ولم يعد، أذكر أنني شاهدته للمرة الأخيرة وأنا نصف نائمة وهو يشير لواجب الرياضيات ومحور التناظر الذي رسمه باهتمام هل حللته بشكل جيّد يا هيفا؟“. لا أنكر أنني كرهت حصة الرياضيات لفترة ليست باليسيرة.

لكنّ الحديث اليوم ليس عنّي ولا عن أخي ومحور التناظر.

عندما رحل محمد انطفأت شعلة الفرح في منزلنا، خفتت أصواتنا بضعة ديسبيلات*. كلّ منا تأقلم مع الوضع تدريجيًا، شُغلت بالدراسة والصديقات، وأخي الأصغر شُغل بتركيب السيارات الصغيرة وتفكيكها.

أتذكر الآن بوضوح اللحظة التي عادت فيها والدتي للتطريز، زارت متجرها المفضل واشترت عدة أمتار من قماش الإيتاميل والخيوط الفرنسية الملونة. لم تكن هناك خطّة الآن أعرفلم يكن هناك مشروع معيّن أو منتج تودّ بيعه أو تسليمه لزبون. كان الهدف الرئيسي من رحلة التسوق والبدء: الاستشفاء.

رسمت والدتي حدائق سرّية، آبار، غرفًا ومكائن وقططًا وحيوانات أليفة. كانت زاوية غرفة العائلة بقعتها المقدسة، قصاصات الخيوط حولها وورقة التصميم متآكلة تنظر لها من حين لآخر. هذا الصبر والتنقل من سنتيمتر مربع لآخر. كانت تُشفى من فقد ابنها، بهدوء وعلى مهل. وكنّا بطريقتنا نعود للحياة ولا نلحظ ذلك.

اليوم تعرض والدتي القطع التي طرّزتها تلك السنوات على حائط محترفها، وتروي للزوار كيف تخطت حزنها وفوضى روحها غرزة بعد غرزة.

لقد كبُرت في كنف أسرة تقدر الفنّ والإبداع، لكنني لم أشعر بعظمة تأثيرهما على الفرد كما أشعر اليوم، في هذه اللحظة ووالدتي تتذكّر شفاءها. تتذكر أنها تبدع لتعيش.

يمكنني تلخيص الدروس التي استفدتها في عدة نقاط، سأبشّر بها أينما حللت وأذكّر كل من يمرّ بمطب حياتيّ بتجربتها أو التداوي بها.

ابحثوا عن حرفة يدوية أو موهبة إبداعية كامنة بداخلكم. شغفكم سيبقيكم مهتمين، وكلما تكررت ممارستكم لهذه الحرفة وثبت استمتاعكم سيستفيد العقل والروح معًا.

اصنعوا وقتكم اليومي الخاصّ. إن الإبداع والعمل الفنّي أصبح بمثابة العلاج أو الحاجة الصحيّة ويجب أن يكون له مكان. أذكر أنّ والدتي كانت تنهي أعمالها المنزلية، تتحقق من دروسنا، وتنزوي في مكانها لتبدأ التطريز بهدوء.

اصنعوا مساحة إبداع تلجؤون إليها لتصفية ذهنكم وروحكم. كان لدى والدتي غرفة مخصصة للخياطة والأشغال، صغيرة جدًا لا تتعدى مساحتها ستة أمتار مربعة، لكنّها كانت توازي العالم بأكمله. الاختلاء بنفسك للعمل والإبداع يعني التأمل والراحة، مثل علاج لا تتوقف عن تعاطيه فتنتكس.

تعلّموا أكثر.. ابحثوا عن دروس احترافية ومجموعات للحرف تتبادلون مع أفرادها القصص والتفاصيل الصغيرة والاختصارات. الحديث عن الفنّ والكتابة والموسيقى يصرف أذهانكم عن الحزن، عن الاشياء التي تهربون منها.

ركزوا على الطريق، لا نقطة الوصول. لم تكن والدتي تهتم لإنتاج القطعة المثالية، مع أنها كانت في منافسة دائمة مع نفسها. استمتعوا بالعمل على القطع ونفّسوا عن الطاقة السلبية التي تسكنكم بغض النظر عن النتيجة النهائية، والأهم من ذلك ابتعدوا كل البعد عن البحث عن المثالية واعطوا أنفسكم الحرية في المحاولة والخطأ.

كلّ مرّة يشكك أحد في قوة الإبداع وقدرته على العلاج والمداواة وتعليم الصّبر استحضر هذه الحكاية، وأذكر نفسي بها.

جرّبت قبل عدة سنوات خياطة لحاف من الصفر، واخترت أكثر التقنيات عشوائية كي أساعد نفسي ولا ألتزم بقوانين صارمة كي لا أملّ من أول محاولة. قصصت عدة أمتار من الاقمشة الملونة وجلست لتركيبها وترقيعها بماكينة الخياطة. صحيح أنني لم أنتهِ من العمل بسبب انتقالي لمدينة أخرى للدراسة، لكنّ عدة ساعات من التركيز والغرق مع الأقمشة صنعت الفرق، ما زلت أحتفظ بكيس ضخم فيه بقايا الأقمشة والخيوط كي أعود إليها عند الحاجة. لكنني أقول إن الكتابة تصنع ذات التأثير في نفسي، وقد يصنعه التلوين أو الرسم أو صنع المربى.

أنتم بحاجة للإبداع في أي صورة كان وفي أي وقت تجدونه.

ـــــــــــــــــــــــ

* ديسيبلات: جمع ديسيبيل، وهي وحدة قياس شدة الصوت.

إيتاميل: نوع قماش للتطريز يأتي مخرمًا بمسافات متساوية.

**نُشرت التدوينة في موقع نون

.

.

.

.

رحلة لاتينية مع سامي الطخيس.

Screen Shot 2016-03-06 at 12.02.42 PM

لا أجيد صياغة المقدّمات عادة لكن هذه التدوينة مختلفة لعدة أسباب.

أولاً بسبب اختياري اليوم لنشرها وهذا ما سأحدثكم عنه لاحقاً، وثانياً لأنّ التجربة التي تستعرضها مميزة وملهمة.

قبل عدة سنوات بشّرت بحساب سامي الطخيس على انستغرام ودعوت الاصدقاء لمتابعته، لم تكن المرة الأولى التي اتعرف فيها على أعماله. سيقول لكم سامي بأنّه هاوي لكنني لا أوافقه أبداً!

أعماله لها بصمة مختلفة وستتعرفون عليها لو تابعتوا حسابه على انستغرام أو في موقعه الشخصي.

الذين يعرفونني جيداً يعرفون هوسي الذي لا يهدأ بأمريكا اللاتينية، أدبها وفنّها وتاريخها العريق. أذكر اللحظة التي انهيت فيها كتاب تشي غيفارا مذكرات دراجة ناريةوالمشاعر المكثفة التي سكنتني وأنا أفكر في رحلتي الشخصية ومتى ستحدث.

متابعة مذكرات سامي المصوّرة جعلتني – والمتابعين بالتأكيدنشعر بأننا في تلك الرحلة، نعيش التفاصيل، واليوميات، وفي رحلاته البحرية التي ينقطع فيها تماماً عن نشر الصور والتواصل مع العالم الافتراضي كنّا نحبس انفاسنا منتظرين!

دون إطالة أترككم مع الحوار الجميل الذي أجريته معه واختار السادس من مارس لنشره، اليوم ذكرى ميلاد غابرييل غارسيا ماركيز، عرّاب الأدب اللاتيني ونافذتي الملونة التي قفزت منها للقارة.

11084734_1586365244974352_130962992_n

.

س:شخص يقرأ عنك لأول مرّة في مدونتي يحتاج يعرف من أنت. – أكتب عن نفسك كما تحبّ

إسمي سامي علي الطخيس. ابلغ من العمر ٣٥ عاماً. مصور هاوي وأحب السفر. وظيفتي السابقة كانت في بنك. قبل عامين ذهبت الى غواتيمالا في أمريكا الوسطى آخذاً معي رصيد إجازتي كله لذلك العام. مكثت شهراً كاملاً هناك لتعلم اللغة الاسبانية. بعد عودتي للرياض لاحظت أنّ شهرا واحداً لم يكن كافياً للاستكشاف، لذلك خططت لرحلة أكبر تبلورت فكرتها في صيف ٢٠١٤ حيث بدأت رحلة الـ ١٤ شهر في أرجاء أمريكا اللاتينية.

س: لماذا رحلة لأمريكا الجنوبية؟

لديّ شغف لتلك القارة، وأختها الصغرى أمريكا الوسطى. خصوصاً أهلها وثقافتهم ولغتهم. كانت الرحلة تحدي لي شخصياً من حيث التصالح مع أحلامي ومواجهتها.

س: كنت تتقن الاسبانية قبل رحلتك أو تعلمتها هناك؟

قبل الرحلة كنت مبتدئ وتحسنت كثيراً أثناء الرحلة نظراً لحاجة الممارسة حيث الأغلبية هناك لا يتحدثون لغة أخرى غيرها.

س: هل كانت لديك صور نمطية معينة عن القارة قبل رحلتك وكيف تخلصت منها؟

كثرة السفر والترحال يقضي على الصور النمطية العالقة بالذهن. يتحمل الإعلام هذا التأثير بشكل كبير ومن ثم قلة البحث وتقصي الحقيقة. كانت الصورة التي كونتها مبنية من الأصدقاء الذين كنت أعرفهم من تلك القارة وكانت إيجابية.

10914485_1550886031842788_1022432363_n

.

فصائل من الفلامنغو تعيش في أجواء باردة ومرتفعة في جنوب بوليفيا

.

س: كيف حزمت أمتعتك؟ وما هي أهم ٥ أشياء حملتها معك؟

كانت لدي حقيبتين من طراز الباك پاك.

الحقيبة الكبيرة للملابس والمستلزمات الكبيرة والصغيرة كانت للأشياء الصغيرة والمهمة.

أهم ٥ أشياء حملتها:

جواز سفر

بطاقة ائتمانية

– iPhone

قارئ كتب إلكتروني (كينديل)

كاميرا

س: أصعب شيء تأقلمت معه خلال رحلتك؟

رحلات الباص الطويلة.

11116728_1580381012237506_822345574_n

.

بوينس آيرس، الارجنتين

.

س: تذكر عقبة اعترضت طريقك وتحولت لموقف مضحك لاحقاً؟

في آخر يوم لي في مدينة سالفادور البرازيلية كنت مستعداً للرحيل إلى مدينة ريسيفي وكان موعد رحلة الباص متأخرا في المساء. بعد إتمام عملية التشيك أوت من الهوستيل (بيت الشباب) قررت أن أستلقي على أريح كنبة في ولاية باهيا البرازيلية وهي كنبة الهوستيل ومن ثم متابعة مسلسل Game of Thrones. بعدها بساعتين تلقيت إيميل من شركة البطاقة الائتمانية مبيناً لي أنه قد تم تجميد البطاقة نظراً لتعرضها لعملية مشتبه بها وسيتم إصدار بطاقة جديدة وإرسالها لي. لم أكن أعرف في أي مكان سأكون متواجدا في ريسيفي وفكرت سريعاً وقررت أن ألبث في سالفادور الى حين وصول البطاقة الجديدة. قراري هذا بني على الصداقة الحميمة التي كونتها مع صاحب الهوستيل وفريقه.  قراري هذا أدّى إلى مكوثي حوالي ثلاث أسابيع أخرى في الولاية حيث تعرفت على أصدقاء جدد مما أدى الى فرصة العمل كمتطوع في إحدى مزارع الكاكاو في ولاية باهيا ومن ثم الرجوع الى قريتي الشاطئية الجميلة إتاكاري والتعرف على أصدقاء جدد، من ضمنهم الاروغوياني خوزي كارينيو مدرب فريق النصر السابق.

10632050_435729593245974_116502703_n

.

اللباس التقليدي لنساء بوليفيا. لاباز، بوليفيا

.

س: ما الذي تعلّمته عن نفسك خلال الرحلة؟

تعلمت أنّ إدراك الحلم وتحقيقه من أجمل المشاعر خصوصاً وأن هذه اللذة مستمرة على مدار شهور عدة.

س: كيف موّلت رحلتك؟ وهل عملت هناك؟

تمويل الرحلة كان عن طريق وظيفتي السابقة. بعد اتخاذ قرار الرحلة قبلها بعام قررت وضع خطة مالية ومن ثم الاستمرار عليها. عملت هنا وهناك كعدة وظائف من ضمنها:

مصور لشقة حيث مكثت فيها بالمجان

– “خبير شبكات تواصل اجتماعيحيث حصلت على تخفيضات كبيرة من عدة هوستيلز (بيوت للشباب)

بعت بعض من صوري عبر انستاقرام

11241335_683579491787555_509372075_n

.

Antigua, Guatemala

.

س: هل جمعت تذكارات؟ وكيف حفظتها مع تنقلك المستمر؟

جمعت بعض من المقتنيات كقوقعة من شاطىء، تذكرة حضور ديربي كرة برازيلي، خرائط من عدة مدن وغيرها.وحفظتها في حقيبتي.

س: وسيلة النقل الأفضل، والأصعب لك خلال الرحلة؟

الأفضل كانت عبر باخرة في جنوب تشيلي لمدة ٤ أيام، مرت الباخرة بجانب سلسلة جبال باتاغونيا. الأصعب باص مدة رحلته ٣٣ ساعة من بوغوتا عاصمة كولومبيا الى كيتو عاصمة الاكوادور.

س:هل بعثت بطاقات بريدية من هناك؟

للأسف لا.

س: أجمل شاطئ وقفت عليه؟

شاطئ بيبا بالقرب من مدينة نيتال البرازيلية.

11208102_108923426105907_998061624_n

.

مسيرة الجمعة العظيمة ، غواتيمالا سيتي

.

س: لو كنت ستختار دولة واحدة مفضلة من التي زرتها، أيّها ستكون ولماذا؟

شهادتي دائماً مجروحة في غواتيمالا لعدة أسباب من ضمنها أصدقائي وتعلمي الاسبانية هناك. لذلك سوف اختار دولة أخرى: البرازيل. حتى لو كان حاجز اللغة موجود الا أنني قضيت ٣ أشهر في تلك الدولة ذات الشواطئ الجميلة وسكّان الدولة اللطيفين والمنتمين الى أعراق عدة.

س: أكثر شيء اشتقت له في الوطن؟

الأهل.

11244416_792774110813575_1428427660_n

.

ريو دي جانيرو، البرازيل

.

س: موضوع يهمّني كثير: كيف كانت قراءاتك خلال الرحلة، هل من كتب ملهمة توصي بها؟

قرأت كثيرا أثناء الرحلة. خصوصاً في رحلات الباصات الطويلة. كانت أغلبية قراءاتي متعلقة بالقارة وتاريخها وأعلامها. قرأت عن سيمون بوليفار وسان مارتين وسوكري والذين كان لهم باع كبير في تحول القارة الأمريكية الجنوبية الى ما هي عليه الآن. قرأت أيضاً عن بيرو وتاريخ الإنكا هناك وأيضاً رحلة أرنيستو تشي غيفارا الشهيرة وتسكّعاته حول القارة.

الكتب التي أنصح بها للتعرف على بعض ملامح القارة وتاريخها:

Bolivar by Marie Arana

Turn Right at Machu Picchu by Mark Adams

In Patagonia by Bruce Chatwin

The Motorcycle Diaries by Che Guevara

س: متابعة الرحلة على حسابك في انستغرام قرّبنا من الحياة في أمريكا اللاتينية بشكل مذهل ولعدة أشهر. ما هي الاحتفالات أو الاحداث التي عايشتها هناك وألهمتك؟

أعياد استقلال تلك الدول من أسبانيا كثيرة ومتقاربة تاريخياً فلحقت على أغلبها. رأس السنة كان في عاصمة الإنكا كوسكو ولهم احتفالاتهم بنشر كل ما يحتوي اللون الأصفر، من ورد وملابس داخلية، لجلب الحظ في السنة الجديدة. ولاية باهيا في البرازيل مشهورة أيضاً بالاحتفالات.

10894968_1644843672409456_1806240330_n

.

أحد أساليب الترحيب بالعام الجديد في بيرو هو إستخدام اللون الأصفر وذلك لجلب السعادة والحظ في السنة الجديدة. أغلبية الشوارع والمحلات مكسوة باللون الأصفر.والأهم، الملابس الداخلية. كوسكو، بيرو

.

س: هل دونت يومياتك؟ كم استهلكت من دفتر : ) ؟

دونت الكثير على عدة دفاتر وفي طور نقلها إلكترونياً الآن مما أدى الى استعادة التجربة مرة أخرى في ذهني.

س: السفر يعوّدك على العيش بأقل التكاليف، وحاجتك للأشياء تتضاءل. كيف تأقلمت بعد عودتك للحياة المعتادة والوفرة؟

أحاول الاستمرار على نفس النمط من حيث البساطة.

س:السؤال الصعب، أين شربت ألذّ قهوة؟

غواتيمالا وكولومبيا.

11351780_1683781608509481_532515493_n

.

أنتيغوا، غواتيمالا

.

س: يهتمّ المسافر بالغذاء كحاجة أساسية، كيف تغذيت هناك، وهل جربت أطعمة جديدة وغريبة عليك؟

لا يوجد عندي أي تحفظات من حيث الغذاء ولله الحمد فلذلك كان الغذاء ممتع جداً في أغلبية الأحيان. لن أنسى معجنات كولومبيا وأسماك بيرو وأناناس البرازيل وغنم تشيلي وأبقار الأرجنتين وذلك الوبر الصغير في الاكوادور والمكنى بالكُوي.

س: كلمنا عن ثلاثة أشخاص قابلتهم في رحلتك وأثرّوا فيك بعمق.

العم خورخي، عم صديقي أنتونيو في غواتيمالا نصحني بأكل أنواع الفلفل الحارّ حيث أجدها أثناء رحلتي الطويلة لما في ذلك من الفائدة الصحية والوقاية من الأمراض. أمتنّ له على هذه النصيحة.

سيسيليا من أبعد منطقة مأهولة جنوب العالم: بلدة بورتو ويليامز في تشيلي. تقع تلك البلدة في جزيرة نافارينو وتملك سيسيليا التشيلية بيت تستضيف فيه المسافرين ويدعى البادرينو كناية بأبيها والذي كان يعمل في نفس المجال. تتسم سيسيليا بالابتسامة الدائمة على محياها وكانت تعتبر جميع من في البيت من أهلها. خصوصاً عندما ضاق بي الحال ولم أجد وسيلة لمغادرة الجزيرة فوافقت تلك الفترة يوم ميلادي وعملت سيسيليا وليمة كبيرة لتلك المناسبة. أشكرها من القلب على لطفها وكرمها.

تياقو من مدينة ساو باولو البرازيلية. تعرفت عليه حينما كنت متطوعاً في مزرعة الكاكاو في البرازيل وقد أثر فيني من حيث قناعته في الحياة. بدأ تياقو في تلك المزرعة كمتطوع بعد تخرجه من الجامعة ومن ثم قرر البقاء كمتطوع. كان قد أكمل ٦ أشهر حينما تعرفت عليه علماً بأن المزرعة لم يكن بها كهرباء، وأما الأكل من خضار وفواكه فكان غالبه منتجات المزرعة البسيطة. فعلاً، نحن لا نحتاج للكثير للحصول على رغد العيش.

10817689_1497874817159947_875041672_n

.

في بلاد غابو.

بوغوتا، كولومبيا

.

س: هل من نصيحة تقدمها لمن يودّ بتكرار تجربتك؟

على الانسان إدراك أحلامه مهما كانت فحياة الإنسان على هذه الأرض ليست بالطويلة. تجربة السفر بشكل عام تضعنا في تحدي مع أمور كثيرة ومن أهمها مع أنفسنا. إدراك تلك التحديات ومواجهتها يعتبر بحد ذاته تجربة جديرة وتستحق التضحية. من حيث تكرار تجربتي فأنصح بالبحث ولكن ليس بالعميق لأن الحياة تخفي على الإنسان أشياء كثيرة ويجب أن يكون للإنسان القابلية على إستقبال تلك المفاجآت والترحيب بالقدر.

.

.

.

كافة الصور في هذه التدوينة من التقاط سامي الطخيس

تعرّفوا أكثر عليه وعلى تجاربه ورحلاته من خلال موقعه الشخصي:

samitphotography.com

وحسابه على تويتر:

SamiTokhais

وحسابه على انستغرام:

samitokhais

.

.