لا أجيد صياغة المقدّمات عادة لكن هذه التدوينة مختلفة لعدة أسباب.
أولاً بسبب اختياري اليوم لنشرها وهذا ما سأحدثكم عنه لاحقاً، وثانياً لأنّ التجربة التي تستعرضها مميزة وملهمة.
قبل عدة سنوات بشّرت بحساب سامي الطخيس على انستغرام ودعوت الاصدقاء لمتابعته، لم تكن المرة الأولى التي اتعرف فيها على أعماله. سيقول لكم سامي بأنّه هاوي لكنني لا أوافقه أبداً!
أعماله لها بصمة مختلفة وستتعرفون عليها لو تابعتوا حسابه على انستغرام أو في موقعه الشخصي.
الذين يعرفونني جيداً يعرفون هوسي الذي لا يهدأ بأمريكا اللاتينية، أدبها وفنّها وتاريخها العريق. أذكر اللحظة التي انهيت فيها كتاب تشي غيفارا “مذكرات دراجة نارية” والمشاعر المكثفة التي سكنتني وأنا أفكر في رحلتي الشخصية ومتى ستحدث.
متابعة مذكرات سامي المصوّرة جعلتني – والمتابعين بالتأكيد– نشعر بأننا في تلك الرحلة، نعيش التفاصيل، واليوميات، وفي رحلاته البحرية التي ينقطع فيها تماماً عن نشر الصور والتواصل مع العالم الافتراضي كنّا نحبس انفاسنا منتظرين!
دون إطالة أترككم مع الحوار الجميل الذي أجريته معه واختار السادس من مارس لنشره، اليوم ذكرى ميلاد غابرييل غارسيا ماركيز، عرّاب الأدب اللاتيني ونافذتي الملونة التي قفزت منها للقارة.
.
س:شخص يقرأ عنك لأول مرّة في مدونتي يحتاج يعرف من أنت. – أكتب عن نفسك كما تحبّ–
إسمي سامي علي الطخيس. ابلغ من العمر ٣٥ عاماً. مصور هاوي وأحب السفر. وظيفتي السابقة كانت في بنك. قبل عامين ذهبت الى غواتيمالا في أمريكا الوسطى آخذاً معي رصيد إجازتي كله لذلك العام. مكثت شهراً كاملاً هناك لتعلم اللغة الاسبانية. بعد عودتي للرياض لاحظت أنّ شهرا واحداً لم يكن كافياً للاستكشاف، لذلك خططت لرحلة أكبر تبلورت فكرتها في صيف ٢٠١٤ حيث بدأت رحلة الـ ١٤ شهر في أرجاء أمريكا اللاتينية.
س: لماذا رحلة لأمريكا الجنوبية؟
لديّ شغف لتلك القارة، وأختها الصغرى أمريكا الوسطى. خصوصاً أهلها وثقافتهم ولغتهم. كانت الرحلة تحدي لي شخصياً من حيث التصالح مع أحلامي ومواجهتها.
س: كنت تتقن الاسبانية قبل رحلتك أو تعلمتها هناك؟
قبل الرحلة كنت مبتدئ وتحسنت كثيراً أثناء الرحلة نظراً لحاجة الممارسة حيث الأغلبية هناك لا يتحدثون لغة أخرى غيرها.
س: هل كانت لديك صور نمطية معينة عن القارة قبل رحلتك وكيف تخلصت منها؟
كثرة السفر والترحال يقضي على الصور النمطية العالقة بالذهن. يتحمل الإعلام هذا التأثير بشكل كبير ومن ثم قلة البحث وتقصي الحقيقة. كانت الصورة التي كونتها مبنية من الأصدقاء الذين كنت أعرفهم من تلك القارة وكانت إيجابية.
.
فصائل من الفلامنغو تعيش في أجواء باردة ومرتفعة في جنوب بوليفيا
.
س: كيف حزمت أمتعتك؟ وما هي أهم ٥ أشياء حملتها معك؟
كانت لدي حقيبتين من طراز الباك پاك.
الحقيبة الكبيرة للملابس والمستلزمات الكبيرة والصغيرة كانت للأشياء الصغيرة والمهمة.
أهم ٥ أشياء حملتها:
– جواز سفر
– بطاقة ائتمانية
– iPhone
– قارئ كتب إلكتروني (كينديل)
– كاميرا
س: أصعب شيء تأقلمت معه خلال رحلتك؟
رحلات الباص الطويلة.
.
بوينس آيرس، الارجنتين
.
س: تذكر عقبة اعترضت طريقك وتحولت لموقف مضحك لاحقاً؟
في آخر يوم لي في مدينة سالفادور البرازيلية كنت مستعداً للرحيل إلى مدينة ريسيفي وكان موعد رحلة الباص متأخرا في المساء. بعد إتمام عملية التشيك أوت من الهوستيل (بيت الشباب) قررت أن أستلقي على أريح كنبة في ولاية باهيا البرازيلية وهي كنبة الهوستيل ومن ثم متابعة مسلسل Game of Thrones. بعدها بساعتين تلقيت إيميل من شركة البطاقة الائتمانية مبيناً لي أنه قد تم تجميد البطاقة نظراً لتعرضها لعملية مشتبه بها وسيتم إصدار بطاقة جديدة وإرسالها لي. لم أكن أعرف في أي مكان سأكون متواجدا في ريسيفي وفكرت سريعاً وقررت أن ألبث في سالفادور الى حين وصول البطاقة الجديدة. قراري هذا بني على الصداقة الحميمة التي كونتها مع صاحب الهوستيل وفريقه. قراري هذا أدّى إلى مكوثي حوالي ثلاث أسابيع أخرى في الولاية حيث تعرفت على أصدقاء جدد مما أدى الى فرصة العمل كمتطوع في إحدى مزارع الكاكاو في ولاية باهيا ومن ثم الرجوع الى قريتي الشاطئية الجميلة إتاكاري والتعرف على أصدقاء جدد، من ضمنهم الاروغوياني خوزي كارينيو – مدرب فريق النصر السابق.
.
اللباس التقليدي لنساء بوليفيا. لاباز، بوليفيا
.
س: ما الذي تعلّمته عن نفسك خلال الرحلة؟
تعلمت أنّ إدراك الحلم وتحقيقه من أجمل المشاعر خصوصاً وأن هذه اللذة مستمرة على مدار شهور عدة.
س: كيف موّلت رحلتك؟ وهل عملت هناك؟
تمويل الرحلة كان عن طريق وظيفتي السابقة. بعد اتخاذ قرار الرحلة قبلها بعام قررت وضع خطة مالية ومن ثم الاستمرار عليها. عملت هنا وهناك كعدة وظائف من ضمنها:
– مصور لشقة حيث مكثت فيها بالمجان
– “خبير شبكات تواصل اجتماعي” حيث حصلت على تخفيضات كبيرة من عدة هوستيلز (بيوت للشباب)
– بعت بعض من صوري عبر انستاقرام
.
Antigua, Guatemala
.
س: هل جمعت تذكارات؟ وكيف حفظتها مع تنقلك المستمر؟
جمعت بعض من المقتنيات كقوقعة من شاطىء، تذكرة حضور ديربي كرة برازيلي، خرائط من عدة مدن وغيرها.وحفظتها في حقيبتي.
س: وسيلة النقل الأفضل، والأصعب لك خلال الرحلة؟
الأفضل كانت عبر باخرة في جنوب تشيلي لمدة ٤ أيام، مرت الباخرة بجانب سلسلة جبال باتاغونيا. الأصعب باص مدة رحلته ٣٣ ساعة من بوغوتا عاصمة كولومبيا الى كيتو عاصمة الاكوادور.
س:هل بعثت بطاقات بريدية من هناك؟
للأسف لا.
س: أجمل شاطئ وقفت عليه؟
شاطئ بيبا بالقرب من مدينة نيتال البرازيلية.
.
مسيرة الجمعة العظيمة ، غواتيمالا سيتي
.
س: لو كنت ستختار دولة واحدة مفضلة من التي زرتها، أيّها ستكون ولماذا؟
شهادتي دائماً مجروحة في غواتيمالا لعدة أسباب من ضمنها أصدقائي وتعلمي الاسبانية هناك. لذلك سوف اختار دولة أخرى: البرازيل. حتى لو كان حاجز اللغة موجود الا أنني قضيت ٣ أشهر في تلك الدولة ذات الشواطئ الجميلة وسكّان الدولة اللطيفين والمنتمين الى أعراق عدة.
س: أكثر شيء اشتقت له في الوطن؟
الأهل.
.
ريو دي جانيرو، البرازيل
.
س: موضوع يهمّني كثير: كيف كانت قراءاتك خلال الرحلة، هل من كتب ملهمة توصي بها؟
قرأت كثيرا أثناء الرحلة. خصوصاً في رحلات الباصات الطويلة. كانت أغلبية قراءاتي متعلقة بالقارة وتاريخها وأعلامها. قرأت عن سيمون بوليفار وسان مارتين وسوكري والذين كان لهم باع كبير في تحول القارة الأمريكية الجنوبية الى ما هي عليه الآن. قرأت أيضاً عن بيرو وتاريخ الإنكا هناك وأيضاً رحلة أرنيستو تشي غيفارا الشهيرة وتسكّعاته حول القارة.
الكتب التي أنصح بها للتعرف على بعض ملامح القارة وتاريخها:
Bolivar by Marie Arana
Turn Right at Machu Picchu by Mark Adams
In Patagonia by Bruce Chatwin
The Motorcycle Diaries by Che Guevara
س: متابعة الرحلة على حسابك في انستغرام قرّبنا من الحياة في أمريكا اللاتينية بشكل مذهل ولعدة أشهر. ما هي الاحتفالات أو الاحداث التي عايشتها هناك وألهمتك؟
أعياد استقلال تلك الدول من أسبانيا كثيرة ومتقاربة تاريخياً فلحقت على أغلبها. رأس السنة كان في عاصمة الإنكا كوسكو ولهم احتفالاتهم بنشر كل ما يحتوي اللون الأصفر، من ورد وملابس داخلية، لجلب الحظ في السنة الجديدة. ولاية باهيا في البرازيل مشهورة أيضاً بالاحتفالات.
.
أحد أساليب الترحيب بالعام الجديد في بيرو هو إستخدام اللون الأصفر وذلك لجلب السعادة والحظ في السنة الجديدة. أغلبية الشوارع والمحلات مكسوة باللون الأصفر.والأهم، الملابس الداخلية. كوسكو، بيرو
.
س: هل دونت يومياتك؟ كم استهلكت من دفتر : ) ؟
دونت الكثير على عدة دفاتر وفي طور نقلها إلكترونياً الآن مما أدى الى استعادة التجربة مرة أخرى في ذهني.
س: السفر يعوّدك على العيش بأقل التكاليف، وحاجتك للأشياء تتضاءل. كيف تأقلمت بعد عودتك للحياة المعتادة والوفرة؟
أحاول الاستمرار على نفس النمط من حيث البساطة.
س:السؤال الصعب، أين شربت ألذّ قهوة؟
غواتيمالا وكولومبيا.
.
أنتيغوا، غواتيمالا
.
س: يهتمّ المسافر بالغذاء كحاجة أساسية، كيف تغذيت هناك، وهل جربت أطعمة جديدة وغريبة عليك؟
لا يوجد عندي أي تحفظات من حيث الغذاء ولله الحمد فلذلك كان الغذاء ممتع جداً في أغلبية الأحيان. لن أنسى معجنات كولومبيا وأسماك بيرو وأناناس البرازيل وغنم تشيلي وأبقار الأرجنتين وذلك الوبر الصغير في الاكوادور والمكنى بالكُوي.
س: كلمنا عن ثلاثة أشخاص قابلتهم في رحلتك وأثرّوا فيك بعمق.
– العم خورخي، عم صديقي أنتونيو في غواتيمالا نصحني بأكل أنواع الفلفل الحارّ حيث أجدها أثناء رحلتي الطويلة لما في ذلك من الفائدة الصحية والوقاية من الأمراض. أمتنّ له على هذه النصيحة.
– سيسيليا من أبعد منطقة مأهولة جنوب العالم: بلدة بورتو ويليامز في تشيلي. تقع تلك البلدة في جزيرة نافارينو وتملك سيسيليا التشيلية بيت تستضيف فيه المسافرين ويدعى البادرينو كناية بأبيها والذي كان يعمل في نفس المجال. تتسم سيسيليا بالابتسامة الدائمة على محياها وكانت تعتبر جميع من في البيت من أهلها. خصوصاً عندما ضاق بي الحال ولم أجد وسيلة لمغادرة الجزيرة فوافقت تلك الفترة يوم ميلادي وعملت سيسيليا وليمة كبيرة لتلك المناسبة. أشكرها من القلب على لطفها وكرمها.
– تياقو من مدينة ساو باولو البرازيلية. تعرفت عليه حينما كنت متطوعاً في مزرعة الكاكاو في البرازيل وقد أثر فيني من حيث قناعته في الحياة. بدأ تياقو في تلك المزرعة كمتطوع بعد تخرجه من الجامعة ومن ثم قرر البقاء كمتطوع. كان قد أكمل ٦ أشهر حينما تعرفت عليه علماً بأن المزرعة لم يكن بها كهرباء، وأما الأكل من خضار وفواكه فكان غالبه منتجات المزرعة البسيطة. فعلاً، نحن لا نحتاج للكثير للحصول على رغد العيش.
.
في بلاد غابو.
بوغوتا، كولومبيا
.
س: هل من نصيحة تقدمها لمن يودّ بتكرار تجربتك؟
على الانسان إدراك أحلامه مهما كانت فحياة الإنسان على هذه الأرض ليست بالطويلة. تجربة السفر بشكل عام تضعنا في تحدي مع أمور كثيرة ومن أهمها مع أنفسنا. إدراك تلك التحديات ومواجهتها يعتبر بحد ذاته تجربة جديرة وتستحق التضحية. من حيث تكرار تجربتي فأنصح بالبحث ولكن ليس بالعميق لأن الحياة تخفي على الإنسان أشياء كثيرة ويجب أن يكون للإنسان القابلية على إستقبال تلك المفاجآت والترحيب بالقدر.
.
.
.
كافة الصور في هذه التدوينة من التقاط سامي الطخيس
تعرّفوا أكثر عليه وعلى تجاربه ورحلاته من خلال موقعه الشخصي:
samitphotography.com
وحسابه على تويتر:
SamiTokhais
وحسابه على انستغرام:
samitokhais
.
.
.