19 رمضان

انسوا أي شيء قلته لكم عن نشاطي المرتفع خلال رمضان، هذه السنة جاءت بشكل مختلف تماماً. معدل تركيزي منخفض بشكل مفزع، انتهي من مهمتين أو ثلاثة على الأكثر يومياً. تواصلي مع العالم خارج المنزل شبه مقطوع. وكان خيار زيارة الأقارب في العاصمة بداية الشهر خيار صائب جداً. لأنني لا اعتقد أنّ طاقتي الحالية كانت ستساعدني في الذهاب أو التواصل والزيارات اليومية. لا استطيع المحافظة على مهمة واحدة لأكثر من ساعة، ولا أدري أين يركض الوقت؟ لدي أعمال مهمة يجب أن انجزها قبل انتهاء الشهر ولكل منها مدة نهائية. ومن جهة أخرى الوقت يقترب من عطلتي السنوية ولم انتهي من تدوين الأفكار المهمة والأماكن التي سأزورها، كل ما اعرفه أن تذكرة السفر لديّ وحجز الفندق جاهز، وهذا الأهم تقريباً. لا أجهد نفسي لفهم هذه الحالة، لكنني سأتركها تعبر، وسأعتبرها مدخل للإجازة السنوية بعد شهور من الركض المتواصل والعمل في أكثر من مجال!

بعد بودكاست كامو بالأمس ذهبت واخترت كتاب من مكتبتي، كتاب عن كامو، من تأليف جرمين بري وترجمة جبرا إبراهيم جبرا. المؤلفة بدأت العمل على الكتاب خلال حياته وانتهت منه قبل وفاته بسنة تقريباً. الترجمة جيدة حتى الآن والتفاصيل ممتعة.

شاهدت اليوم الحلقة الأولى من سلسلة وثائقيات فنيّة من بي بي سي، مختصة بالفنّ الرفيع، وأشهر الفنانين في العالم. الحلقة الأولى عن مونيه. هل تعتقدون أنني اكتفي من مشاهدة هذه السير الذاتية أبداً؟ لا طبعاً. ربما شاهدت حتى الآن من بي بي سي وحدها ستة وثائقيات عن مونيه، وفي كل وثائقي رؤية مختلفة. أي إنتاج من بي بي سي يفتنني بالتأكيد. ويمكنكم الحصول على الحلقة بواسطة التورنت من هذا الرابط.

HemingwayDays1

يوم السبت تزورني صديقتي الأقرب بعد العشاء وافكر في تجربة شيء جديد معها. سأدوّن عن التجربة بعد انتهاءها. وفي كي ويست-فلوريدا يحدث الآن وحتى العشرين من يوليو مهرجان أيام همنغواي، كي ويست مدينته الأثيرة. من الفعاليات المميزة لهذا الاحتفاء مسابقة أشباه همنغواي، قراءات لكتبه وتوقيع روايات ومسابقات صيد بحرية وزيارة معرض لمتعلقاته الخاصة والنادرة.

17 رمضان: موت الإنسان يشبهه

ChekhovCropped

“ثمة قول مأثور: موت الإنسان يشبهه. وعندما أفكر في سنوات حياة تشيخوف الأخيرة، في أيامه الأخيرة، بل والدقائق الأخيرة، أتذكر لا إراديا هذا القول. بل أن القدر أضفى، بمنهجية مشؤومة على جنازة تشيخوف ذاتها، كثيرا من الملامح التشيخوفية المحضة.

لقد قاوم المرض الجبار طويلا، وطويلا جدا، لكنه تحمله بشجاعة، ببساطة وصبر، بلا عصبية، بلا شكوى، وتقريبا بلا كلام. وفي السنوات الأخيرة كان يشير في رسائله فقط عرضا، بلا اهتمام إلى صحته: “تحسنت صحتي، رغم أنني ما زلت أسير حاملا الكمادات…” “منذ فترة قريبة أصبت بذات الجنب، ولكن حالتي الآن أفضل…” “صحتي ليست على ما يرام.. أكتب قليلا..”. كان لا يحب الكلام عن صحته، ويغضب عندما يسألونه عنها. وإذا تسنى لنا أن نعرف عنها شيئا، فمن أرسيني وحده. إذ يقول همسا وهو يهز رأسه: “كانت حالته سيئة جدا صباح اليوم. نزف دما” أو تقول يفجينيا ياكوفلفنا سرا وبنبرة أسى في صوتها: – بالأمس لم ينم أنطوشا مرة أخرى وهو يتقلب ويسعل طوال الليل. كنت اسمعه من خلف الجدار.

ترى هل كان يعرف أبعاد مرضه وخطورته؟ اعتقد أنه كان يعرف، ولكنه حدق بلا خوف كطبيب وحكيم، في عيني الموت الزاحف. وكانت ثمة حوادث صغيرة مختلفة تشير إلى ذلك. فقد اشتكت له امرأه ذات مرة من الأرق واضطراب الأعصاب، فقال لها بهدوء ونبرة حزن مستسلم لا تكاد تلحظ: – أتدرين، طالما لدى المرء رئتان جيدتان فكل شيء جيد.

لقد مات ببساطة، بصورة مؤثرة، وفي وعيه. يقال أن آخر كلماته كانت “إنني أموت” وخيمت على آخر أيامه سحب الأسى العميق على روسيا، واضطرمت برعب الحرب اليابانية الدامية الرهيبة. وأتذكر جنازته كأنما في الحلم. بطرسبرغ الباردة الرمادية، والخلط الذي حدث بين البرقيات، والمجموعة الصغيرة من الناس على المجطة، وعربة نقل القواقع البحرية، وناظر المحطة وموظفوها الذين لم يسمعوا أبدا عن تشيخوف ولم يروا في جثمانه سوى شحنة سكك حديدية. وبعد ذلك وكنقيض له – موسكو، والحزن العفوي، وآلاف البشر الذين بدوا كاليتامى، والوجوه الباكية. وأخيرا القبر في مقبرة “نوفوديفيتشي” وقد غاب كله تحت الزهور، بجوار قبر بسيط لأرملة القوزاقي أولجا كوكاريتنيكوفا”.

وأذكر الجناز الذي أقيم في المقبرة في اليوم التالي للدفن. كان مساء هادئا من شهر يوليو، وفوق القبور انتصبت أشجار الزيزفون العجوز التي ذهّبتها الشمس، ساكنة بلا حراك. وفي أصوات الكورال النسائي الرقيقة تردد حزن هادئ مستسلم وزفرات عميقة. وفي نفوس الكثيرين آنذاك جاشت حيرة مضطربة ثقيلة. وتفرق الجمع من المقبرة ببطء وفي صمت. واقتربت من والدى تشيخوف ولثمت يدها دون كلمات. فقالت بصوت مرهق ضعيف: انظر أية بلوى أصابتنا…انطوشا رحل.

آه، يا لهذا العمق المذهل للكلمات العادية البسيطة التشيخوفية حقا! لقد كشفت خلفها عن كل العمق الهائل لهذا المصاب، وكل استحالة رد ما وقع. كلا، إن العزاء هنا لا حول له. فهل يمكن أن تنضب وتسكن فجيعة أولئك الذين احتكت نفوسهم عن قرب بنفس هذا العبقري المختار العظيمة؟ ولكن فليخفف من أساهم المتأجج إدراكهم بأن فجيعتهم هي فجيعتنا كلنا. ولتلطف من حدته فكرة خلود هذا الاسم الرائع الطاهر الذي لن يُنسى. وبالفعل فسوف تمر الأعوام والقرون، وسوف يمحو الزمن ذكرى آلاف الآلاف من الأحياء الآن. لكن الأجيال القادمة البعيدة، التي كان تشيخوف يحلم بسعادتها بذلك الحزن الساحر، سوف تردد بعرفان وبأسى خافت على مصيره. “

– ألكسندر كوبرين يكتب عن موت تشيخوف (مقتبس من الأعمال المختارة لتشيخوف المجلد الثالث) 

9 رمضان: Contagious

شاهدت الفيديو أعلاه العام الماضي في مثل هذا الوقت تقريباً، وبحثت عن كتاب المؤلف جوناه بيرغر ومنذ ذلك الوقت وهو في قارئي الإلكتروني ولم أجد مساحة لقراءته حتى اليوم. الكتاب “Contagious” أو “معدي” بالعربية يناقش فكرة انتشار الأشياء وكيفية انتقال الاهتمام والهوس بشيء بين البشر. بيرغر أستاذ في التسويق يناقش في كتابه التسويق بطريقة التوصية الشفهية أو ما يسمى بالإنجليزية “
Word of mouth” وكيف ينتقل خبر منتج جديد وينجح بمساعدة عدة عوامل.

Screen-Shot-2013-03-05-at-2.56.58-PM

في الفصل الأول الذي انتهيت منه يوضح أن هناك أسباب أخرى للنجاح بالإضافة لجودة وسعر وطريقة تسويق المنتج. التوصية الشفهية طريقة ناجحة لتسويق حوالي 20% من 50% من المبيعات، ومن خلال نفس طريقة التسويق يحصل مطعم ما على خمس نجمات ويسقط آخر في النسيان وتباع الكتب في أمازون وإن لم تحصل على تقييم جيّد!

الكتاب يتحدث أيضا عن سيكولوجيا المشاركة في الشبكات الاجتماعية وكيفية انتقال المعلومات بطريقة لا يتوقعها البشر. فبعض القصص والروايات لها ميزة انتقال العدوى والفيروسات وأخرى لا. هناك محتوى الكتروني جذاب وآخر لا. كيف يحدث كلّ هذا؟ الكتاب يوجز الأسباب – أو المبادئ- في ستة نقاط ويفرد لكل منها فصل.

Chart-001

يسميها بيرغر STEPPS. وهي اختصار لـــ:

  • Social Currency العملة الاجتماعية، وهي ما يتشاركه المستخدمون للإنترنت ليظهروا بصورة جيدة.
  • Triggers البواعث أو المسببات، ترتبط بالمنتج وتذكر المستهلك أو المتلقي به دائماً.
  • Emotions العواطف، عندما نهتم بشيء، نشارك الآخرين ما نعرفه حوله.
  • Public كون الشيء علنيّ أو مشاع ويمكن للجميع مشاهدة بعضهم وهم يهتمون به أو يستخدمونه ويتحدثون عنه.
  • Practical Value الجانب العملي، كيف يمكن الاستفادة من أيّ شيء؟ هل يسهل التعامل مع منتج ما؟ هل يساعدنا في حياتنا اليومية؟ وغيرها من العناصر التي تجعل الناس يتحدثون عن شيء وينشرون الأخبار حوله.
  • Stories القصص تنقل معلومات أكثر عن الأشياء ويتداولها البشر بسرعة. لكي يعلق منتج في ذهن المستهلك أو ينتقل خبر لصرعة جديدة أو غير ذلك، يحتاج المسوّق لقصة، القصص هي أحصنة طروادة للمنتج ومن خلالها سيصل للناس بشكل أفضل.

في الفيديو اختصار جيّد لفكرة بيرغر وكتابه أيضاً، لكنني أحببت اقتناء الكتاب وبدء قراءته لأن فيه أمثلة وإحصائيات لا يوردها الفيديو. وقد يفيد المهتمين بالتسويق والشبكات الاجتماعية الاطلاع عليه. هذه التدوينة قراءة أولية للكتاب وسأعود بتدوينة أخرى عنه بإذن الله.

6 رمضان: كبسولات فنيّة

(أ)

شاهدت مؤخرا عدة حلقات من سلسلة وثائقي فنية مميزة. تقع السلسلة في 26 حلقة مدة كل منها لا تزيد عن 30 دقيقة وتختصر حياة رسام عظيم. هذه السلسلة مناسبة جداً للذين يبحثون عن معلومات مكثفة ومتعة بصرية ولا يملكون وقت طويل لمشاهدة الوثائقيات التي تتجاوز الساعة والساعتين. جمعت روابط لتحميل بواسطة التورنت هنا.

للأسف لم أجد لها أثر على يوتوب للمشاهدة المباشرة ولكن إذا حصل ووجدتموه أتمنى أن تتركوا إشارة له في التعليقات مع الشكر.

(ب)

قرأت قبل عدة أيام عن دراسة تربط بين الضغوط وضعف الخصوبة لدى المرأة. الدراسة بيّنت أنّ ارتفاع هرمون alpha-amylase –وهو هرمون مرتبط بالجهاز العصبي- في دم المرأة يخفض من احتمالية الحمل لديها بنسبة 29% . وتأتي الدراسة بتفاصيل أخرى لكنها لا تجد سبب واضح لارتباط هذا الهرمون بضعف الأخصاب. نتائج الدراسة لم تكن حاسمة أو واضحة لكنها درست الموضوع عن قرب مع شريحة بحث واسعة والتفاصيل للدراسة تجدونها هنا.

فكرت بعيداً عن الدراسة والإحصائيات العلمية نظرت للموضوع بشكل آخر. جسم المرأة يتهيأ لاستقبال المولود وهذه الضغوط والتوتر قد تكون إشارة بيولوجية بأنها ليست مستعدة لذلك! موضوع استغرق مني وقت غير بسيط في التأمل.

5 رمضان

IMG_1

أحب الرحلات البرية مع عائلتي، لكنني دائما أشكر الله بأننا لا نسافر سوية كل يوم. لسنا مثاليين طبعاً، نتشاجر، نصمت طويلاً، نعترض، ونمتعض لدقائق ونعود للضحك من جديد. أتذكر أن إحدى صديقاتي عرفتني على مصطلح جديد “تعرض زائد للعائلة” وهذا ما يحدث في الرحلات البرية الطويلة. الحمد لله أن معي قارئي الإلكتروني وكتب كثيرة تنتظر دورها.

انتهيت من قراءة رواية “المنور” لخوسيه ساراماغو، رواية رائعة وممتعة، ولها قصة مدهشة! رواية ساراماغو الضائعة هذه كانت روايته الثانية، كتبها في العقد الثالث من عمره. وضاعت في دهاليز دار النشر لستة وثلاثين عاماً وعندما اكتشفوها اتصلوا به ليرفض أن تنشر بعد كل هذا الوقت. ولكنها نشرت بعد موته. المقدمة التي كتبتها بيلار دل ريو للكتاب ستعرفكم على القصة المدهشة، ولكنني اترك المقدمة للنهاية دائما خوفاً من تدمير أحداث القصة. “المنور” المقصود في العنوان منور البناية التي تسكنها عدة أسر وشخصيات لكل منها قصة. تشتبك الأحداث والصور وتصنع نسيج الحياة اليومية التي التقطها ساراماغو بعينه العجائبية. إذا كانت هذه مصافحتكم الأولى لساراماغو لا تفوتوا “كل الاسماء” روايته الأخرى التي تذكرتها مع هذه القراءة ولا تنسوا “العمى” بالتأكيد.

كانت الرحلة طويلة، بدأت بكتاب آخر سأحدثكم عنه في تدوينة لاحقة بعد أن اقطع شوطاً في قراءته.

الآن في هدوء الغرفة المزدحمة، رأسي مشبع بالكافيين استعدادا لصيام يوم طويل وملتهب في العاصمة. اكتب التدوينة وأفكر، هذه لحظة الهدوء الأولى منذ أيام!