في العام 1911م انتقل بابلو بيكاسو من باتو لافوا – مجمّع من الاستديوهات بإيجار منخفض في مونمارت- إلى شقّة محترمة في كليشي بمونبارناس. وضعه الجديد توافق مع شهرته التي تنمو وأمنياته البعيدة بالتحول إلى برجوازي. يقول عنه جون ريتشاردسون كاتب سيرته الذاتية: “بعد الحرمان الذي وجده في طفولته والبساطة التي عاشها في أيامه الأولى بباريس، أراد بيكاسو العيش والعمل بلا قلق ماديّ، مثل رجل بسيط ولكن مع الكثير من المال”. احتل بيكاسو الاستديو الملحق بالشقة ومنع الجميع من الدخول إليه بلا إذن، وأحاط نفسه بأدوات الرّسم والألوان وأكداس القمامة. كانت الحيوانات الأليفة ترافقه من بينها كلب وثلاث قطط سيامية وقرد اسمه مونينا.
طوال حياته كان بيكاسو يستيقظ متأخراً وينام متأخراً، يقفل على نفسه الاستديو في الثانية بعد الظهر ولا يخرج قبل غروب الشمس. تقول عنه صديقته فرناند أنه لم يكن رفقة جيدة بعد نهاية يوم عمله، يخرج من الاستديو صامتاً ولا يتكلم كثيراً، قد تمرّ وجبة الطعام كاملة بلا كلمة واحدة. وقد يعزى مزاجه هذا للنظام الغذائي الذي كان يتبّعه لا يشرب سوى المياه المعدنية والحليب، ولا يأكل سوى الخضروات والسمك ومهلبية الأرز والعنب.
اقترحت عليه فرناند أن يخصص يوم الأحد للمنزل والعائلة، وهي فكرة استوحتها من غيرترود شتاين. هكذا تمكّن بيكاسو من تخصيص الوقت لزيارات الأصدقاء المعلّقة في ظهيرة واحدة. يقول ريتشاردسون أن بيكاسو كان يتأرجح بين الانعزال الاجتماعي وحبّ الصحبة ونادراً ما أصابه الملل بسبب الرسم.
يقول بيكاسو عن نفسه أنه لا يشعر بالدوار أو التعب بعد الوقوف لأربع ساعات أمام لوحة. لهذا السبب يعيش الرسامون طويلاً!
“عندما أعمل على لوحة اترك جسدي خارج الاستديو، كما يترك المسلمون أحذيتهم في الخارج قبل دخول المسجد”.