قبل شهرين تقريبا أخبرتني صديقتي سارة بأنّها وبينما كانت تجلس في غرفة الاستراحة في مقر عملها (جار مقرنا) شاهدتني أعبر الجسر الزجاجي بين المباني. تقول بأنها عرفت مشيتي. عدت حينها من اجتماع وكنت مشتتة ومتعبة، منهكة تمامًا، لم أكن مبتسمة هذا مؤكد.
منذ ذلك اليوم، وأنا أفكر في سارة كلما عبرت الجسر الزجاجي، التفت باتجاه المبنى المجاور وابتسم، رغم معرفتي المؤكدة بأنها تقضي إجازة الأمومة بعيدًا عن كآبة أقفاصنا الزجاجية.
تفصيل صغير كهذا يؤثر بي، يدفعني للتحرك وتغيير شيء في يومي. حتى ولو كانت ابتسامة عابرة بين مبنيين. أفكر في الموظفين الذين يعملون في الأدوار المحاذية، ما الفكرة التي تجول في رؤوسهم كلما مررت وأنا احتضن دفتر الملاحظات وابتسم لنقطة ما في الفراغ.
هدأت نفسي خلال الأيام الماضية. ربما كانت التدوينة السابقة هي السبب؟ دائمًا إذا كتبت عن عُقدة أو مشكلة أو تحدثت عنها، تنفرج ولو قليلًا. وعن تجربة، اكتشفت أنّ الاعتراف بوجود المشكلة يشبه المشي نصف المسافة باتجاه الحلّ.
خلال عطلة العيد القصيرة استعدت صحتي وضبطت نومي وذهبت في رحلة قصيرة إلى دبي مع أختي الصغرى. حضرت فيها حفلة لفرقتها المفضلة، حمصتنا الشمس، واستمتعت بمزيد من النوم بلا منبهات أو مواعيد منتظرة.
جميل شعور الاستسلام لخطة شخص آخر، أن تترك تحديد الوجهة له وتجلس وتسمتع بالرحلة. مع ذلك قاومت كثير من مقترحاتها لاستحالتها في الجوّ الحار، وتوصلنا إلى منطقة وسطى ترضينا جميعًا.
خلال العطلة القصيرة قررت تفكيك عقدة أيامي لاكتشاف مخرج، ولم يكن ذلك سهلًا لكنّ النهارات الطويلة ساعدتني. لم أهاجم كل شيء دفعة واحدة بل فككت كل شيء إلى مسارات واستعدت محتويات الصندوق الأسود، أو لماذا أنهار كلّ شيء ببساطة؟ أين وقع الخلل؟
على صعيد عملي أعاني من الاحتراق لأنني أحمل نفسي مسؤوليات أكبر من طاقتي، وعلى صعيد صحي أهملت الغذاء الجيّد والرياضة، وعلى صعيد نفسي أرهقتها بكثرة التفكير والتردد ورسم السيناريوهات لأحداث لم تأتِ بعد! وعلى صعيد اجتماعي، أشعر بملل مخيف من محيطي والمشكلة بي وليست في الآخرين.
بدأت بخطوات صغيرة لتضبط القادم من الأيام:
– في ساعتي الذكية حددت أهداف يومية للحركة، والنشاط، والتمرين. أهداف بسيطة جدًا مقارنة بما كنت أحققه لكنها أفضل من لا شيء. وكل يوم تهتز الساعة حول معصمي لتحفزني وتبشرني بأن الهدف تحقق.
– إذا حصل ولم أتمكن من تجهيز غدائي للعمل يكون الخيار الأقرب للصحي هو الأفضل.
–العودة لتجهيز الوجبات من المنزل يساهم في تقليل المصروفات وهذه مشكلة أخرى أعاني منها حاليًا بعد رحلات الصيف التي ثقبت محفظتي.
– اقرأ كلّ يوم عدة صفحات من كتاب مفضل، أحيانا لا تتجاوز الاثنتين أو الثلاث لكنّها تصنع الفرق.
–طلبت المساعدة في العمل واعتذرت عن مشاريع لها طابع ممتع لكنّها مكلفة في الوقت والجهد لاحقًا.
–أذهب للنوم في ساعة أبكر واستيقظ في موعدي المعتاد وهكذا كسبت ساعة نوم إضافية تعطيني النشاط والقدرة على مواجهة صعوبات اليوم.
–اتحدث مع صديقاتي على الهاتف أو الرسائل النصية بما أن شهيتي للخروج منخفضة.
–قرارات عفوية وسريعة لتجربة شيء جديد تحرك الادرينالين في دمي وتنسيني مخاوفي وقلقي المتراكم وتشغلني عن المصاعب الكبيرة التي لا يمكن هزيمتها في يوم واحد.
–ذهبت للصالون وقصصت شعري، هذه إحدى الطرق الناجحة لتحقيق انتعاش وتغيير فوري في النفس.
–اشتريت عطر كنت استخدمه في المرحلة الثانوية وغيّر صباحاتي ومشاعري، تلك الفترة كانت من أجمل فترات حياتي والعطر يعيدني لها.
–سجلت في برنامج أكاديمي حول التسويق الرقمي وسيكون ذلك تحدي تعليمي جديد.
هذه هي الخطوات الأهم التي بدأت أجد أثرها خلال الأسابيع الماضية وأنوي زيادتها والتعديل عليها للتقدم تدريجيًا والعودة لنفسي.
يعلّق والداي دائمًا بأن لديّ مشكلة في تقدير المسافات. اصطدم بالأثاث وأنا مسرعة. تتجه قدمي لحواف الأسرة والكراسي، ويعلو الصراخ والامتعاض كلّ مرة. لأنني لا أجيد ضبط المسافة وقدرتي على التحرك من خلالها. ربما كتبت عن هذا الشيء أو تحدثت عنه من قبل. لكنّ التعليق هذه المرة لمس مكان جديد في نفسي، وفكرت في المسافات المعنويّة التي لا أجيد قياسها. أعبر المسافة بيني وبين الآخرين ولا تظهر لي بوضوح، أراهم أقرب وهم في الحقيقة أبعد مما أتصور أو العكس وهذه هي الورطة!
أشياء جيّدة اكتشفتها خلال الأيام الماضية:
–بودكاست بتوصية من أحد الأصدقاء أذهلني، وهو الآن من أكثر الأشياء الإبداعية التي اكتشفتها في حياتي! البودكاست اسمه Everything is Alive ويحكي قصص الجمادات على لسان البشر. تجدون فيه الكراسي تتكلم، والأبواب والمصاعد وكأنّ لها روح وتاريخ وأصدقاء. استمعت إلى ثلاث حلقات دفعة واحدة. ضحكت وبكيت وتفاعلت وتأملت كل شيء بعين جديدة. ما زلت استمع للحلقات على مهل ولا أريد أن ينتهي.
–كتاب Draft No. 4 لجون مكفي يستعرض فيه مقالات ممتعة عن صنعة الكتابة. جمع المؤلف فيها خبرته الطويلة التي بناها خلال عمله وتدريسه للكتابة الإبداعية. أحببت الفصول الأولى لأنها تتناول هيكل النصّ وتسلسله، وأحببت أكثر أنّه لا يقصد بالضرورة كتابة الروايات والقصص فقط، بل يمكن تطبيق هذه التقنيات والنصائح في المقالات والصحافة الاستقصائية التي تشغلني مؤخرًا. المسودة الرابعة دعوة للتفكير في الكتابة من جديد، في المراجعة والتدقيق والعمل بجدّ أكبر وهذا ما افتقده في علاقتي بالكتابة.
–مسلسل Years and Years وهو مسلسل بريطاني تقع أحداثه في المستقبل القريب، مرعبه تحولات العالم والتنبؤات التي يطرحها سواء في السياسة أو البيئة أو المجتمع.
–مهروس التين والزيتون من أفران الحطب. هذا المكون الساحر أصبح رفيق البيتزا المنزلية، امزجه مع صلصة الطماطم أو مع الجبنة فقط ويطهى على محل ليعطها طعم مميز. أما بقية أفراد الأسرة فيفضلونه مع الخبز الحار والجبنة البيضاء أو جبن الماعز للفطور.
–هذه المقطوعة Become Ocean استمعت لها الأسبوع الماضي وبحثت عنها حتى وجدتها.
.
.
.