نيويورك: شُرفة العالم (الحلقة الثالثة)

nyc1-5
Photo By Modi

حلقة اليوم إهداء للمترددين في الأحاديث القصيرة مع الغرباء. أشباهي طبعاً. لكن ليس بعد هذه الرحلة. أنا عادة لا أجيد الحديث مع الغرباء، أو الجلوس في الانتظارات لوقت طويل. أحتاج شيء للانشغال عن العالم حولي وربما التخلص من ورطة الأسئلة. في السفر إما أنك على عجل أو خجل من السؤال أو ببساطة لا تهتم للمارة أو المتواجدين معك. كنت في الحالات كلها أحد الثلاثة. ولكن قبل الحديث عن الكلام مع الغرباء سأروي لكم قصة ليلة من الصمت الإجباري في نيويورك!

في المدينة تقام دائما عروض مسرحية خاصة خارج برودواي، هناك مصطلح يستخدم في هذه الحالة للتفريق بين الأعمال المسرحية التي تعرض في برودواي أو تلك التي خارجه “Off-Broadway show”. أحد هذه العروض الخارجية عرض مسرحي يسمى “Sleep No More“. تخيلوا مزيج من ماكبث شكسبير وحكايات فندق مهجور منذ ثلاثينات القرن الماضي. التجربة المسرحية هذه تسمّى “تجربة غامرة” ينغمس فيها المشاهد ويصبح جزء من المسرح ويتفاعل عن قرب مع الشخصيات. مكان العرض الذي بدأ من ٢٠١١م هو فندق مكيتريك الذي يشير الموقع الخاصّ بالعرض بأنه فندق بني في الثلاثينات لكنه لم يبدأ العمل بسبب انطلاق الحرب العالمية الثانية وفتح أبوابه الآن. وأنا اعتقد بأن ما ذكر مجرد إضافة لتحفيز الزوار حيث أن المبنى يبدو بحالة جيدة اليوم. سأحاول الحديث عن تجربتي التي حاولت فيها عدم قراءة أي معلومات مسبقة أو مشاهدة تصوير للمكان – مجرد نبذة سريعة– ولكل شخص سيكون هناك قصة خاصة.

اشترينا التذاكر قبل وصولنا بأسبوع تقريباً لا أعلم هل هي متوفرة عادة أم تحتاجون الشراء باكراً. يبدأ الدخول للعرض في الساعة السادسة مساء وتغلق الأبواب في السابعة ويمتد العرض حتى التاسعة مساء. في الاستقبال يختم على أيدينا شعار الفندق ونتسلم بطاقة تشبه بطاقات لعب الورق ونضع حقائبنا وهواتفنا وكلّ ما نحمله في غرفة الاستقبال. ثم تبدأ الرحلة. كان الدخول إلى الصالة الرئيسية مدهش، لا أريد إعطاء الكثير من التفاصيل فهذا سيفسد العرض! لكن هناك معلومة بسيطة: إذا وجدتم أنفسكم مترددين في الدخول فهذه الفرصة لكم للتراجع والتوقف لأنها ستعطيكم نبذة عن ما يمكن توقعه في الساعات القادمة. بعد الدخول ستائر مخملية ثقيلة في الطريق ما إن تبتعد حتى تجدون أنفسكم في حانة قديمة، دخان وأناس يتحركون في كلّ اتجاه وفرقة جاز من الثلاثينات تستعد للبدء. كل الموظفين في المكان يرتدون ملابس قديمة ويتحدثون بطريقة قديمة كذلك. شعرت بأنني في مشهد من Boardwalk Empire أو في فترة حظر الكحول بشكل عام. البطاقات في أيدينا واكتشفت بأن أخواتي يحملن أرقام مختلفة وهذا كما يقولون من صميم التجربة، أن تمشي وحيداً وتشاهد العرض أفضل من أن تكون في مجموعة. التجربة الفردية أهمّ. نادى الموظف على بطاقاتهم وذهبوا وانتظرت برعب – لا أدري لماذا شعرت هكذا- عندما حان دوري دخلت إلى مصعد قديم مظلم مع مجموعة من المشاهدين، نسيت أن أقول تمّ تسليمنا أقنعة خاصة وضعناها ما أن غادرنا الحانة للمصعد. في المصعد يشرح لنا المطلوب منّا: ممنوع خلع القناع في أي وقت داخل الفندق، اذا أردتم استراحة عودوا إلى هنا وستجدون طريقكم، ممنوع الكلام، أو الضحك وأن أي مخالف سيخرج من العرض فورا، أو الوقوف في طريق الممثلين وهم يؤدون أدوارهم. وكونوا حذرين من الاقتراب وبدء تفاعل مع الممثلين فقد يكون ذلك بداية لمشهد لن تتراجعون عنه. ويعود ليذكرنا بأنّ كل ما نراه مشاهد من عرض، لن يحدث لنا مكروه، والموظفين -غير الممثلين- سيرتدون أقنعة سوداء لتعريفهم. هكذا؟ صمت كامل، وأفكر في أخواتي، وعن شكل التجربة القادمة.

الفندق عبارة عن عدة أدوار -خمسة كما أذكر مع أننا هبطنا وصعدنا كثيرا- غرف فندق، وغرف أخرى لأطفال، ومصح للأمراض العقلية، مقبرة وباحات وصالة للرقص! كل هذا في أدوار متجاورة تتغير موسيقاها بانتقالكم من مكان لآخر، وبرودة التكييف وحرارته وكذلك الرائحة -في دور المصح كنت أشم الكلوروفورم أو مادة طبية أخرى- شعرت بقشعريرة في ٩٠٪ من الوقت وبددت خوفي تارة بقراءة المعوذات وتارة بالانطلاق خلف الفضول. كان التحدي الأكبر الأول لي في هذه التجربة: عبور المقبرة، في إحدى الأدوار مقبرة فيها فزاعة وأصوات رهيبة والكثير من التبن الذي يطقطق تحت الأقدام، لم يكن هناك أحد معي حتى الغرباء الذين استأنست بظلالهم وحركتهم الهادئة وهمهمة المتهورين منهم لم يكونوا هناك، قررت العبور فهي على كل حال لم تكن مقبرة حقيقية. أما التحدي الثاني فكان عدم اللحاق بالممثلين. كانوا يركضون في كل اتجاه بعد انتهاء مشاهدهم لتشتيت الجمهور، وإذا ثبتت في مكانك سترى شيئا مختلفاً. التمثيل محترف ومميز والتصميم الداخلي للمكان والأصوات مذهلة. التقيت بأخواتي بعد عدة أدوار، حاولنا كثيرا التفاهم بالعيون ونجحنا مرات ومرات استخدمنا شد الملابس والصفعات الخفيفة. يُطلب منكم قبل العرض بيوم الاستعداد بارتداء ملابس مريحة وأحذية مريحة كذلك والحضور على الوقت. هناك مشاهد راقصة سحرية وحوارات وانفعالات ومشاهد شجارات بين الممثلين. سأكون صريحة معكم وأخبركم بأنني اعترضت طريق الممثلين في إحدى المرات على الرغم من التحذيرات، وما كان من الممثل إلا أن دفعني جانباً بامتعاض. شعرت بالخجل وددت لو أمكنني الاختفاء. وفي مرة ثانية وبناء على اللافتة التي سمحت للزوار بتجربة الأثاث واستخدامه جلست بكلّ حماستي لقراءة رسائل قديمة بخط اليد على الكرسي الذي غارت وسادته ونهضت سريعاً. في النهاية وباختصار سيخرج كل زائر بعرضه الخاصّ، شاهدت من الأدوار بعض المشاهد وانتقلت بينها وتغيرت زوايا رؤيتي والأحداث، وهذا ما حدث مع أخواتي. كل منا كان مخرج العرض الخاص يقتطع ويكمل ويعيد مشاهدة كل دور بحسب ما يقتضي فضوله. “Sleep No More” تجربة مميزة جداً لا تفوتوها في رحلتكم إلى نيويورك، مجرد ساعتين ستختبرون فيها جوانب سيكولوجية واجتماعية في أنفسكم لم تعلموا بوجودها -أو غيابها- من قبل.

الاستخبارات السوڤيتية تتعقبني!

نيويورك ستغير كل معارفكم المسبقة في الاحاديث القصيرة. كنت وما زلت أقول لا تتحدث في السياسة أو الدين مع شخص تلتقيه للمرة الأولى. تحدث عن الطقس، عن المدينة، عن الهوايات. جد أي موضوع آخر وابتعد عن المواضيع الشائكة. لكن ما يحدث معي في كل مرة أن الطرف الآخر لا يتردد في السؤال عن بلدي، والشرق الأوسط وعن الإسلام، ويريد مني تلخيص سريع لكل ذلك خلال جولة في سيارة الأجرة أو الوقوف في انتظار القهوة. غالباً أهزّ رأسي واكتفي بالابتسام والإجابات القصيرة لكن السيد “اسحق” كما سأسميه -لأنني نسيت اسمه الآن- استدرجني إلى حديث مليء بالضحك والهلع!

في إحدى الأيام أوقفنا اسحق وركبنا السيارة فالتفت نحونا بحماس وقال: بون جور! دُهشنا أنا وأختي ولكننا رددنا تحيته بون جور بلا تردد. قال: بون جور، هذه تحيتكم؟ أنتم من فرنسا صحيح؟ ضحكنا لغرابة الإشارة وقلنا لا. عاد ليسأل: الجزائر؟ وأجبنا بلا، وحتى لا تطول لعبة البنغ بونغ هذه قلنا أننا من السعودية. وكانت الحماسة للحديث تزيد! تعرفون السائق الذي يلتفت ويترك المقود ليتحدث إليكم؟ لا أحب هذه الالتفاتة، تخيفني. راقب الطريق وتحدث. انطلق في حديثه بالأسئلة المعتادة: كيف جئتم وماذا تفعلون؟ وما رأيكم في نيويورك؟ كنا نجيب بتهذيب ولكنه انطلق بلا دعوة يشكو أمريكا -عرفت من لهجته بأنه روسي- ورغبتها في إفساد نساء العالم، وإيقاف الإنجاب ونشر الانحلال والشذوذ وإبعاد الناس من المعابد .. وهكذا. كنا نعلّق بحيادية لأننا لم نفهم سرّ هذا الغضب. ثمّ سألته عن بلده الأصلي وقال بأنه يهودي من روسيا. اكتفيت بـ أها ممتدة ثم قلت بأنني حزرت لهجته. قال: لديكم في السعودية يهود؟ قلت ربما، كانت هناك أعداد كبيرة قديماً لكنني لست متأكدة من الإحصائية الآن. ثمّ سأل: قتلتوهم؟ قلت لا. ربما لم يقتنع أو كانت لديه رؤية أخرى، وأنا في الحقيقة لم أكن أعرف على وجه التحديد التفاصيل الكاملة لما يسأل عنه. عاد للحديث عن روسيا وقلت له بأنني ترجمت رواية لكاتب روسي، ويهودي. ثمّ أخبرني بأنّني الآن في خطر، كاتب مطلوب من الكي جي بي وكتابه صودر قبل نشره! الاستخبارات تتبعك الآن وساعاتك معدودة، هل تعرفين الساعة الرملية؟ تك توك تك توك .. كدت اقفز من السيارة، أعرف بأنه يمزح لكنّه دفعني للتفكير لوهلة. سأل عن معاني بعض الكلمات بالعربية ثم قال: ما معنى صدّيقين؟ قلت له الصادق دائما، المعروف بالصدق، الذي لا يكذب. ثمّ قال لي بأن المعنى العبري لنفس الكلمة بنفس النطق يعني: قديس لا يصدر منه الخطأ. طالت المسافة وزادت الأحاديث وعندما توقفنا تمنّى لنا يوما سعيدا وأن يلتقينا في الغد.

أول جملة عربية في نيويورك

في الفندق الذي سكنت به موظف بملامح عربية -أو إفريقية- لم تكن سمرته شديدة، سمرة صحراء هكذا فكرت، ربما كان من الصومال أو موريتانيا. لكنه يتكلم إنجليزية صحيحة وبلكنة بروكلينية. خلال فترة سكننا تحدثنا بالعربية أحيان كثيرة، في الاستقبال، في المقهى، تشاجرنا قليلاً، ومزحنا وعلقنا على مواقف مررنا بها، لكن كانت العربية مساحتنا الآمنة في الحديث. لا أحد سيفهم ما نقول. ربما.

خلال فترة السكن واجهت مشكلة مع بطاقتي الائتمانية ولم أتمكن من دفع رسوم الأسبوع التالي. حاولت مراراً وطلبت منهم الانتظار حتى اتصل ببنكي.

في الصباح التالي كنت خارجة من مصعد الفندق باتجاه المقهى، وقابلني الموظف الذي تحدثت عنه سابقاً. قال لي: “جربت بطاقتك بس ما نفعتش” هكذا قالها، ولكنني سمعتها “@$@#^&)ـ(٪ٍ&” نسيت كل الكلمات العربية التي تحدثت بها في حياتي، أو كانت الدهشة؟! قلت له: sorry! وأعاد الجملة من جديد واستوعبت، سريعاً أعدت شريط احاديثنا في الاستقبال، أتمنى أنها لم تكن معيبة. واصلنا النقاش عن البطاقة وأيامي الباقية وحجز سيارة المطار بالعربية.

شعرت بأن قلبي يغنّي، كأنني أجريت تمريناً لوجهي. عاشت العربية!

في مكتبة مايكل السرية

nyc1-6

أردت أن اكتب تدوينة منفصلة عن زيارتي الثانية هذا العام لمكتبة مايكل السرية. سأفعل بإذن الله لكنني الآن سأكتب عن الأحاديث القصيرة اللطيفة التي تفتح أبوابا لفرص مدهشة. هناك في المكتبة التقيت بعدد من الزوار واستدرجتني إحداهن للحديث عن عملي ووضع الكتابة والأدب في السعودية وغيرها من الأسئلة الجيدة لبدء الحديث في مكتبة. قالت بأنها ولدت في البحرين وعاشت حتى عمر العاشرة ثم انتقلت وأسرتها إلى أمريكا -هي أمريكية- ثم تحدثت عن تحويل مسارها التعليمي لخدمة طموحها وما تريد فعله في الحياة. درست الاقتصاد وعملت لفترة بتخصصها، ثم قررت إكمال الدراسة العليا في الكتابة الإبداعية، وهكذا أصبحت اليوم أستاذة جامعية في الكتابة الإبداعية في جامعة New School بنيويورك. وتعمل محررة لمجلة نيويوركية متخصصة في الآداب والفنون والترجمة. ثمّ تحول الحديث اللطيف إلى عرض مفتوح للكتابة معهم. ماذا سأكتب؟ قالت لي عن الحياة في الشرق الأوسط، الفنون والأدب وأشارت لكثير من الكتاب والشعراء العرب الذين استضافتهم المجلة. كما أوصتني بقراءة كتاب An Unnecessary Woman للكاتب اللبناني ربيع علم الدين يحكي قصة علياء، سيدة بيروتية وحيدة تختار كل يناير كتاب جديد لترجمته لنفسها. اقتنيت الكتاب وانتظر وصوله مع شحنة الكتب التي تركتها ورائي! أما بالنسبة للمجلة فسأترك اسمها مفاجأة عندما أبلغكم بنشر أولى كتاباتي معهم.

في الحلقة القادمة :

الأكل، الكثير من الأكل واللياقة في نيويورك.

نيويورك: شُرفة العالم (الحلقة الثانية)

Processed with VSCOcam with p5 preset

تحتفظ أختي بتسجيل صوتي لنا خلال رحلة برية إلى الرياض ونحن نحاول الغناء بجودة صوت إيلا فيتزجيرالد. أذكر الأغنية جيداً ولا أنساها “Take The A Train” الأغنية تتحدث عن أسرع طريق للوصول إلى هارلم. عليك أن تستقل القطار “A” السريع الذي يقطع منهاتن للشمال حيث هارلم، ثم إلى الجنوب وصولاً إلى شرق بروكلين. كنت أحدث نفسي -سرا وعلناً- بأنني في زيارتي لنيويورك سأشاهد هذا القطار وقد أذهب في جولة على متنه. وما حدث أن أكثر رحلاتي في المدينة خلال الأسبوعين التي قضيتها هناك كانت على متن القطار A. وفي كل مرّة أقف فيها بمحاذاة الطلاء الأصفر للرصيف كنت أدندن بيني وبين نفسي لإيلا فيتزجيرالد.

في العام الماضي تحدثت عن تطبيق للهواتف الذكية يخبركم عن القطارات التي تحتاجون ركوبها للوصول لنقطة معينة في المدينة. يحدد Embark NYC على الخريطة ثم يزودكم بالأوقات وأماكن انطلاق القطارات من المحطات الأقرب إليكم. لا تعتمدوا على شبكة الجوال: لن تعمل تحت الأرض. دائما التخطيط المسبق أفضل. لماذا أقول لكم ذلك؟ لأنني تعلمت بالطريقة الصعبة أهم دروس ركوب المترو. بالملاحظة والركض وسؤال الآخرين والرعب. محطات المترو التي تصنّف بالقريبة جداً من فندقي كانت أولاها غرب شارع ٢٣ مع الجادة الثامنة. وهذا يعني المشي شمالاً لشارعين ثم شرقاً لجادتين. المسافات بين الشوارع قصيرة تكاد لا تذكر، العمل الحقيقي يحدث عندما تقرر المشي من جادة لأخرى، ودائما تأكد من خريطة هاتفك مطابقة للاتجاهات في الواقع -العام الماضي كانت مقلوبة ومشيت لمسافات لا يعلمها إلا الله في الاتجاه المعاكس- . مشيت كثيراً واحتجت لفعل ذلك بسرعة. المسافة بين جادة وأخرى بحسب غووغل: ٢٥٠ متر تقريباً. والموضوع الجديد عليّ أن الشوارع والجادات في نيويورك لا تحمل مسافات ثابتة وهناك مواصفات وتغييرات عليها بحسب موقعها في المدينة. بالنسبة للطريق الذي اعتمده للوصول إلى محطة شارع ٢٣ كانت المسافة ٢ كم.

المحطة الأخرى غرب شارع ١٤ تبعد مسافة أقل واكتشفت ذلك في نهاية الرحلة ونفس القطارات تمرّ بها من منهاتن لبروكلين وتذهب شمالاً للأماكن التي احتاج الذهاب إليها كل يوم كانت المسافة إليها: كيلومتر واحد فقط. والمشي لمحطة المترو أفضل كثيراً بالنسبة لي مع أن رحلة سيارة الأجرة ستكون سريعة وبمبلغ قليل لكن كل رحلة مترو تكلف أقلّ من ذلك وأنا كنت مهووسة خلال رحلتي بالتوفير متى ما كان ممكناً.

في محطة المترو وعند السلالم تحديداً لا تفكروا بالتأمل أو التردد أو تغيير الاتجاه، الكلّ يركض ليلحق بقطاره ولا يريد الاصطدام بكم حتماً. كنت أحمل معي بطاقتي من العام الماضي والتي تنتهي في أكتوبر القادم، جربت الدخول بها ولم افلح، طلبت من موظفة الشباك التحقق منها بعد فشلي في شحنها. وقالت إنها جيدة لرحلتين أو ثلاث. وطلبت مني المرور دون الحاجة لتمريرها في القارئ. الحرّ تحت الأرض لا يطاق، خيل لي أن السماء تمطر عرق! وكانت فكرة الملابس الخريفية التي ارتديتها في ذلك اليوم فاشلة جداً. وصل القطار الذي غنّت له إيلا، وكان صوت العجلات يزمجر كما تخيلت. الكلّ يبدو منشغلاً، البعض يضع سماعات الأذن ويستمع للموسيقى بصوت مرتفع وأتساءل أمام المنظر هل هم مجانين؟ لا أتخيل نفسي ولو بعد زيارتي العاشرة لهذه المدينة سأتوقف عن الاستماع لما حولي والملاحظة. تذكرت هذا المشهد من فيلم أحبه “inside llewyn davis”. كنت في كل رحلة في المدينة مثل هذه القطة تماماً، رأس يتحرك بلا هدوء وعينان تسجل كلّ شيء!

nyc1-2

في إحدى الرحلات جلست بصحبة سائحة من أستراليا وصديقتها، واستعرضت معلوماتي عن خطّ سير القطار وهل سيصل إلى وجهتها وكأنني ولدت نيويوركية. أسعدتني ملاحظتها بأنها لم تسأل عن مكان قدومي، بل ما هي طبيعة عملي في المدينة؟ ضحكت منها وأخبرتها بأنني سائحة مثلها لكنني نجحت في تفادي التعثر تحت الأرض باستخدام التطبيق الذي حدثتكم عنه. أخذت اسمه فوراً وسجلته لتحميله لاحقاً -فوق الأرض- ثمّ التقطت صديقتها لها صورة وكنت داخل الاطار ابتسم، أفكر أين سيسافر وجهي؟

لا اغفل عن الأرقام التي تتغير على الجدران أمامي، غفلة سريعة تضيع محطتك الأهمّ وستضطر بعدها لتبديل القطارات للعودة، أو في أسوأ الحالات ركوب سيارة أجرة أو الركض كما حدث معي قبل حضور اطلاق كتاب المصور فريد ستين – في حلقة قادمة التفاصيل- .

يهتز قطار المترو في طريقة بشكل مخيف، هكذا ظننت في المرة الأولى ثمّ وبعد أن اعتدت الأمر أصبحت الاهتزاز أرجوحة ممتعة. فكرة أن هذه الأنفاق بنيت قبل مئة سنة أو أكثر بقليل ترعبني ثمّ تبهجني أحيانا. هل يشعر حوالي ثلاثة ملايين شخص بالرعب مثلي، كل يوم؟

عندما ينطلق القطار يصدر عنه صوت فرقعة عالية وكنت الوحيدة التي تقفز هلعاً مع هذا الصوت وفي كل محطة. ثمّ لاحظت شيئا فشيئا أن القفزة هذه تلاشت مع الوقت. توقعت حدوث الصوت ولم يعد يفزعني، ووصلت مرحلة من الراحة والطمأنينة فبدأت تأمّل الوجوه والأقدام والكتب في الأيادي، وللأسف التقط أنفي روائح غير محببة وتعلمت درس جديد: في الازدحام تنفس مع فمك!

في إحدى الرحلات قفزت فتاة إلى القطار مع باقة ورد، بدت متحفزة ومستعدة لمدها لشخص، كانت ترتدي ملابس رائعة، شعرها مسرح جيداً وتفوح منه رائحة شامپو تفاح لا يخطئ انفي في اكتشافها. تبادلنا الابتسامات ثمّ انطلقت في المحطة التالية من جديد. في يوم آخر سيدة حامل ومنهكة وقفت فجأة في منتصف الرحلة وبدأت تتحدث عن حاجتها لتغذية الجنين، الكل تردد في دفع المال وبينما بحثت بسرعة لبعض الدولارات كانت قد خرجت. ولستُ أدري أكانت فعلا بحاجتها أم كانت ممثلة بارعة. شابّ في يوم دافئ يرتدي بزة من ثلاثة قطع، كنت غارقة في العرق وأتخيل كيف يشعر، لم يبد امتعاضا من التكييف المعطل ولم يكن مشغولاً بالبحث عن هواء كان يقرأ باهتمام كتاب من پنغوين -كما تظهر تفاصيل أغلفتهم الجانبية- ولأنني كابرت ولم ارتد نظارتي الطبية: نعم لم استطع قراءة عنوان الكتاب.

سترون العجائب في رحلات المترو، ولو كان وقتي يسمح بالمزيد لركبت قطار “٧” الشهير الذي يعتبر أفضل جولات المترو النيويوركية بمناظر رائعة لهارلم والبرونكس تصلح للتصوير والتأمل. سأعود للحديث عن المترو في حلقات قادمة إنما في سياق مختلف.

أمطار توراتية

nyc1-4

قرأت هذه العبارة للمرة الأولى في إحدى روايات ماركيز ولم تغادرني. خرجت في إحدى الصباحات لشراء الكتب لأختي الصغرى. كانت الوجهة مكتبة Powerhouse Arena في بروكلين ولكنني للأسف لم أتحقق من الأجواء في الخارج أو مواعيد عمل المكتبة وما إذا كانت تستعد لحدث ما. خرجت مسرعة واستقبلتني الأمطار المجنونة عند باب الفندق، مدّ الموظف المظلة وكنت أمام طريقين: إما الخروج والمغامرة في هذا البحر المقلوب، أو البقاء والانتظار. لكنه سهل علي القرار عندما قال: تقول النشرة أن الأمطار ستستمر حتى الظهيرة. ولكي اسهّل التخيل والوصف عليكم، كانت تشبه الأمطار التي تعلق الدراسة من أجلها. تساءلت حقاً هل كنت في خطر عندما قررت المشي وحمل مظلة؟ ما إن تجاوزت الفندق للشارع الفرعي حتى شاهدت المارّة، سيدات ورجال وأطفال يمشون للمدارس تحت مظلات وقطع بلاستيك ومعاطف ضد المطر. يضحكون يتحدثون، يغنون. بينما تشبثت بمظلتي وثقافتي المحدودة عن كيفية استخدامها.

كان عندي مظلة استخدمتها نادراً أثناء انتظار الباص، وباقي حياتي جربت طرق أخرى للتحصن منه، جريدة، كيس بلاستيكي أسود، والقائمة تطول. لم أمش لساعات تحت المطر بمظلة أو بدونها حتى سافرت للمرة الأولى العام الماضي وهذا العام. مظلة تحمل اسم الفندق لم تكن فكرة صائبة! أينما مشيت أثرت اهتمام المارة لقراءة ما كتب. كان لها مقبض خشبي ضخم يصعب التحكم به. وكنت أحاول النظر والتعلم في نفس الوقت من المارة. إذا تقابل شخصان على الرصيف يرفع أحدهم مظلته عالياً حتى يستطيع الآخر المرور. اذا مررت بمكان ظليل وسأتوقف طويلاً انزل مظلتي ليتمكن المارة من العبور. والأكيد النقطة التي يقفل فيها الشخص مظلته ومحاولته الجاهدة في عدم نشر الماء حوله. مشيت على مهل حتى وصلت لحفرة المترو خاصتي، وأخفضت المظلة بخفة ومهارة كأنني أفعلها كل يوم للابد! هذا حظ المبتدئين الذي لن يتكرر. في رحلة العودة وبعد اكتشاف أن المكتبة مغلقة بسبب احتفال للأطفال، زادت الأمطار وعبرت تحت جسر بروكلين -فكرة غبية جداً- فالمباني تجمع الماء وتسقطه مثل شلال، تأخر الوقت على اكتشاف ذلك. بدأت اشعر بصعوبة في الحركة ومظلتي كانت مجرد إكسسوار أسود قبيح. عدت مجددا لمحطة المترو وفي محاولة لإغلاقها برشاقة قلبت وانتثر الماء منها على الناس من حولي وعلى كلاب صغيرة كانت تحملها إحدى السيدات. لقد كرهتني نيويورك يومها. مؤكد.

بعد انتهاء اليوم الكابوسي قرأت عن إتيكيت المظلات، بحثاً عن فكرة من يرفع مظلته أولا؟ وجدت الكثير من التفاصيل الطريفة عن الخروج في نيويورك في يوم مطير. كيف تحمل مظلتك، كيف تفتحها وتغلقها، ودائما الحرص على حملها عمودية قرب جسدك كي لا تطعن بها أحد.

ليس هناك حد ولا نهاية لما يمكنكم قراءته عن إتيكيت نيويورك، مدينة تولد كل يوم، ويضع قوانينها ملايين البشر.

أردت الحديث في التدوينة عن الأحاديث القصيرة لكن قدرتي على السرد خفتت بوصولي إلى هذا السطر. ربما في الغد : )

كنزة حمراء.

redcardigan
By Amanda Blake

أعرف أنني أكثر صبراً الآن. كيف؟ لأنني لا اقتلع أوراق البقدونس من سيقانها بالسكين وبسرعة. أفكك الحزمة برفق واسحب السيقان واحدة تلو الأخرى برفق. ثم أقص الذي لا احتاجه منها. كانت هذه الحقيقة غائبة تماماً عنّي، الركض الدائم في رأسي لألحق بموعد لا أعرفه. وغير حكاية البقدونس الكثير من التصرفات التي لاحظت توقفي عنها مؤخراً. مقاومة الكرنفال في رأسي وعدم نقله للخارج آتت ثمارها كما توقعت. أتنفس، أعد حتى الثلاثة وأفكر: لماذا الركض على الدرج؟ لماذا اشد الملابس من علاقاتها؟ لماذا اصطدم بطاولة الطعام في طريقي للمطبخ وأُهشّم اصبع قدمي كلّ يوم؟ هل أنا في عجلة للحاق بشيء؟ لا طبعاً. استيقظ في وقت مناسب، واستعد في وقت مناسب، وأراقب الوقت إذا كان هناك شيء مُنتظر.

قبل بداية العام كتبت أربعة عشر هدفاً لأحاول تطبيقها، وذكرت بأنني سأذكر تجربتي في ذلك وأدوّن عنها كلما سنحت الفرصة. في هذه الحالة وللحدّ من العجلة والركض –بلا سبب- يمكن التفكير في هدفين: التنفس بشكل أفضل، وتجنّب الدراما! تحتاج هيفا التفكير بهدوء والتحرك بهدوء أكثر ويمكن بالتنفس علاج ذلك، كلما أصبح التنفس أبطأ كلما زاد تركيزي في المحيط حولي واللحظة المهمّة التي لا تتكرر.

خلال فبراير يرتدي الكثير من السيدات –والرجال أحيانا- اللون الأحمر دعماً لنشر الوعي بأمراض القلب. هناك يوم قوميّ أمريكي وبريطاني لذلك، ويقع كلاهما في شهر فبراير. بالأمس -7فبراير- كان يوم ارتداء الأحمر في أمريكا والذي يحلّ في أول جمعة من كلّ فبراير. وإذا فاتكم ارتداء كنزة حمراء أو شال للتعبير عن دعمكم للمبادرة. يمكنكم مشاركة البريطانيين في يومهم لارتداء الأحمر والذي يحلّ في 26 فبراير الجاري.

12109743

أقرأ منذ عدة أيام في “قصص تولستوي” بترجمة غائب طعمة فرمان والصادرة من دار المدى. وهكذا بقراءة الكتاب والاستماع لـ “آنا كاريننا” تبدأ رحلتي مع الأدب الروسي، وقد يكون هذا مشروعي القرائي لهذا العام إلى جانب قراءاتي الأخرى. القصص المنشورة في هذا الكتاب كُتبت بين (1828-1910م)، كتبها تولستوي على مدى نصف قرن وتشمل نماذج من مجمل إبداعه. أحبّ دائما البحث عن قصص الكتاب القصيرة، واعتقد شخصياً إنها الطريقة الأفضل للدخول لعالمه، لسببين: لأنه يكتبها على مسار حياته الأدبية وفيها تتضح شخصيته وهي تتبلور، والسبب الآخر كونها نماذج مصغرة لما يمكن للقارئ توقعه في الروايات أو الأعمال الأخرى.

الأسبوع الماضي أيضاً شاهدت هذا الفيديو الخفيف والممتع لغريتشن روبن –مؤلفة كتاب مشروع السعادة وكتب أخرى- تتحدث فيه عن اكتساب العادات وتغيير الحياة وارتباطها بالسعادة. تناقش موضوع مهمّ وقد لا ننتبه له، وهو اختلاف البشر وطبائعهم في تلقّي الأوامر وتغيير العادات وكيف يمكن لفهمنا الأعمق بهذه الاختلافات مساعدتنا في اكتساب العادات بسهولة وتغيير حياتنا.

قسّمت غريتشن الأشخاص إلى الأقسام التالية:

– المؤيد: وهو الذي يتفاعل بسرعة وجاهزية تجاه الأوامر التي توجه له، سواء كانت داخلية من نفسه أو خارجية من رؤسائه أو المجتمع أو أيّ شخص سواه. والأمر نفسه ينطبق على العادات.

– المستفهم: شخص يطرح الأسئلة ويشكك في كل الأوامر التي توجّه له، ويحتاج المزيد من التوضيحات حتى يصل للاقتناع بها أو إيجاد سبب منطقي لها.

– الثائر: يقاوم كلّ القوانين والأوامر. سواء كانت داخلية أو خارجية.

– المدفوع: يتجاوب مع الأوامر الخارجية ويجد مشقة في التجاوب مع الأوامر الداخلية التي تصدر من نفسه.

تذكر روبن أنّ الثوار يشكّلون أقل نسبة من البشر، ثم يزيد عنهم بقليل المؤيدون، ويقع الغالبية بين المستفهمين والمدفوعين. أيضاً لكل من هذه الأنواع هناك إيجابيات وسلبيات، ومعرفة أنفسكم ونقاط ضعفكم أو قوّتكم سيساعدكم في التوصل لأفضل الطرق التي تروضون فيها حياتكم للتغيير. فالمؤيد يجد دافعيته في الإنجاز التام لما يُطلب منه والعمل معه جيد لأنه يتبع القوانين ولا يحتاج لرقابة ومتابعة ويفعل ما يتوقع منه لكنّ ذلك أيضاً يدفعه لظهور أسوأ ما فيه وهو القلق الدائم والتوتر كي لا يفشل أو يخذل الآخرين وأولهم نفسه وتحدّه القوانين وتؤطره وتتعبه بيئات العمل التي لا قوانين بها. لا يريد المؤيّد أن يلام، ويستيقظ صباحا ليتساءل
“ماذا على جدولي اليوم؟ ماذا أفعل اليوم؟”،
لدى المؤيد فكرة ثابتة عن القوانين ويريد للجميع العمل بها. أما النوع الثاني “المستفهم” فيجد دافعيته في صوت المنطق. يحتاج أولا التحقق من وجود المنطق ليقرر بنفسه اتباع الأمر أو تجاهله. ولا يتبع القوانين التي تتعارض مع المنطق أو تميل للعشوائية. العمل معهم صحيّ للمنظمات فهذا يعني الدقة والتحقق من الأمور قبل القيام بها. لكنّ ذلك يجعلهم يخفقون في أمور أخرى تظهر سلبياتهم، المستفهم لا يتناول الدواء الموصوف له إذا لم يكن منطقياً ويجيب على تساؤلاتهم. يحتاج المستفهم للمزيد من المعلومات كذلك وهذا يعني تعطله عن إنجاز العمل. ويعترف كلّ منهم بأن هذا متعب على المدى البعيد. يستيقظ المستفهم ويسأل نفسه “ما الذي يحتاج للإنجاز اليوم؟”.
أما النوع الثالث “الثائر” فيجد دافعيته في رغبته الحالية. يقاوم الثائر السيطرة والتحكم سواء كان مصدرها خارجياً أو داخلياً. يحبّ أن يتخذ قراراته من شعوره بالحرية. يجد الثائر نفسه مدفوعاً لكثير من التصرفات بالحدس أو الرغبة فقط. وستجدون في حديثه إحساس بالتحدّي “سأريك..” “انظر كيف افعل ذلك..”. و عبارات مثل “سأفعل ذلك لأنني أحبك وليس لأنه يتحتم علي” وجمل على شاكلة “لا يمكنك إجباري على فعل ذلك” و “سأفعل ذلك لأنني أريده وليس لأنك طلبته مني”. أي شيء تطلبه من الثائر سيفعل عكسه، ويقاوم كلّ التحكم ولا يعطي نفسه أي قوانين. ميزة العمل مع الثائر تتمثل في الابتكار والعمل خارج الحيز المرئي، لديه حماسة واندماج في العمل والمشاريع. لكنّ مساوئ شخصيتهم تتمثل في مقاومتهم للقوانين وعكس الكلام وهم أيضاً متعبون من ذلك ولا يستطيعون الالتزام بعادات شخصية. الثائر يستيقظ صباحا ويتساءل “ماذا أريد أن أفعل اليوم؟”. أما النوع الرابع والأخير “المدفوع” ويجد دافعيته في الأوامر الخارجية والمسؤولية. سيجد صعوبة في الأوامر أو العادات الداخلية ويكره أن يخذل الآخرين أو كسر توقعاتهم. ستجدونه يتفاعل بشكل جيد مع مواعيد تسليم المهام النهائية، مع التدريب وجماعات العمل والمرشدين، ويحمل على عاتقه مسؤولية القدوة الجيدة. العمل معهم عظيم لأنهم يسمعون ويطيعون. أما مساوئ شخصيتهم فيشعرون بها في أنفسهم بسبب سعيهم الدائم لإرضاء الآخرين ينسون أنفسهم كثيراً. وهم الأكثر عرضة للاحتراق النفسي، وليس لديهم الدافع للبدء بمشاريع أو مهامّ تخصهم.

هذه هي النقاط الرئيسية التي احتوى عليها الفيديو، حاولت ترجمتها بأفضل شكل ممكن واختصارها لكم.

مخرج تولستويّ:

“أيعقل أن الناس يشعرون بالاكتظاظ في العيش في هذه الدنيا الرائعة، وتحت هذه النجوم التي لا تسبر؟ وهل يمكن حقاً أن يبقى في نفس الإنسان شعور الحقد والانتقام ونوازع القضاء على بني جنسه؟ يبدو لي أن كل ما في قلب الإنسان من شر لا بد سيختفي في تماسه بالطبيعة، بهذا التعبير الأعظم فصاحة عن الجمال والخير”

عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

nyc

وصلتني عدة أسئلة في حساب Ask بخصوص قضاء عطلة في مدينة نيويورك، التكلفة ونصائح أخرى عن التنقل وأفضل الخطط للاستمتاع بالمدينة. كنت أفكر في تدوينات منفصلة لكنني الآن وجدت الوقت مناسب للتدوين عن خطة عشرة أيام في نيويورك من تجربة واختيارات شخصية.

أودّ الإشارة إلى أنّ تكاليف الرحلة والخطة لا تشمل تذاكر الطائرة لأنني زرت المدينة مرة بالباص ومرة أخرى بالسيارة حيث أنّ مكان سكني المؤقت في الولايات المتحدة الأمريكية كان يبعد حوالي ساعتين عنها. لكن كخيار مقترح للرحلة هناك شركتي طيران مفضلة للعائلة: الخطوط القطرية، الخطوط التركية. خط الرحلة ممتاز والخدمات المقدمة تتناسب والسعر الذي تدفعونه. والآن إلى النقاط الرئيسية.

  1. اختيار السكن: جربت نوعين من السكن في نيويورك. الأول في شقق يؤجرها أصحابها من خلال موقع Airbnb.com الفكرة في هذا النوع من المساكن أنكم ستسكنون في منزل لأشخاص، بأثاثهم ومتعلقاتهم الشخصية، سيتركون المنزل خلال فترة بقاءكم فيه وستدفعون لهم الإيجار المنخفض بشكل ملحوظ بدون ضرائب أو قيمة مضاعفة، حتى المواقف الخاصة بسياراتهم –إن وجدت- ستستفيدون منها في حال امتلكتم سيارة. تحتاجون للبحث بكلمات مفتاحية ومراجعة كل التفاصيل الخاصة بالشقة بعيدا عن المفاجآت. وقد وُفقت باختيار شقّتين مناسبتين، في كل منها مطبخ مجهّز، وأثاث جيد وخدمة إنترنت وغيرها من الأساسيات التي يحتاجها المسافر. اختلف المضيفون ففي الأولى لم تترك المضيفة أي أطعمة أو مشروبات للاستخدام، فقط تجهيزات. في الشقة الثانية كانت العائلة تسكن بالطابق السفلي وجُهزت الثلاجة في الشقة بالماء والمشروبات والخزانة بالأطعمة الأساسية والمعلبات، لم أحتج للتسوق إلى بعد عدة أيام. تأكدوا أيضا في حالة حجز هذا النوع من السكن من وجود المصاعد والأبواب المحمية والحراسة – لو احتجتم ذلك- ففي الشقة الأولى احتجت لحمل حقائبي لثلاثة أدوار وكدت افقد وعيي بسبب حرارة أغسطس! بالنسبة لقيمة السكن بهذه الطريقة خلال عشرة أيام: حوالي 1300 دولار أمريكي. مبلغ كامل بلا زيادات! أضفت عليها حوالي 200 دولار في شراء أطعمة وخضروات لتوفير مبالغ الأكل في الخارج، خصوصاً مع وجود الضرائب المرتفعة ورغبتي في تناول طعام أتأكد من محتوياته الحلال.

    أما النوع الثاني من السكن فهو اختيار الفنادق، الفنادق في نيويورك لها ميزة ظاهرة ومنفرة في نفس الوقت ألا وهي: ضيق المساحة! لكن الخدمات والنظافة جيدة في الكثير منها. لا تعتقدوا بأنكم ستجدون فندق بمساحة كبيرة نسبياً خصوصا إذا كانت ميزانيتكم المخطط لها متوسطة. جربت السكن في فندق جديد في منهاتن تابع لسلسلة ماريوت. الفندق جيد ولكن ثمن الغرفة لأربعة ليال سيقارب قيمة السكن من خلال Airbnb.com وللعشرة أيام الكاملة. لماذا؟ لأن ضريبة السكن في نيويورك حوالي 6% ولأن السكن في منهاتن مرتفع مقارنة بالمناطق الأخرى. أشير كذلك إلى أنني لم اختر خدمة الإفطار وحاولت تجاوز كل الإضافات ومن بينها الإنترنت إذا كان مبلغ الاشتراك مرتفع. السعر التقريبي لفندق جيد في نيويورك يبلغ حوالي 250 دولار. الفنادق الأقل سعراً تكون في مناطق مزدحمة ملوثة سمعياً وبيئياً وقد لا تتمتع بمستوى أمان مناسب. متابعة قراءة عشرة أيام نيويوركية: عصارة تجربة.

14 لـ 2014.

14for14

إذا طُلب منكم المشاركة في لعبة الاعترافات الشهيرة، لا تكونوا مبادرين! اتركوا اعترافكم لنهاية اللعبة. أعتقد أنّ هذه هي نصيحتي الأكثر أهمية للعام الجديد –نصيحتي التي لم يطلبها أحد- ويمكنكم تطبيقها على كلّ شيء يتطلب القفز أولاً. على صعيد آخر، قررت أخطط لسنتي وأكتب 14 تغيير مهمّ وسأحاول خلالها تطبيق كل ما جاء في القائمة. بالتدريج؟ بالتأكيد. سأحاول أيضاً –كالعادة- التدوين عن كل بند متى ما شعرت أنني قمت بتحقيقه. أو الكتابة عن المحاولة في تطبيقه. لم يكن إيماني عميق بكتابة الأهداف والتغييرات وأن حفظها في مكان بعيد أنسب وأنفع من نشرها ورؤيتها مكتوبة. قد تلهمكم، وربما لأنني أرغب في أن تكون هذه التدوينة حجة على نفسي.

بلا تفاصيل أكثر إليكم 14 لـ 2014.

  1. شرب المزيد من الشاي. هناك عالم كامل في ورقة الشاي، نكهات ودول وطرق تحضير لم التفت لها حتى الآن.
  2. نشر تويتات أقلّ  وتحويل التدوين المصغر هناك إلى تدوينات طويلة ومفصلة هنا.
  3. اقتناء حصالة، وملئها بالمال طبعاً.
  4. المحاولة أكثر، وتجاهل التراجع والتراخي عندما لا تنجح الأمور.
  5. كتابة رسالتين بخيط اليدّ وإرسالها للأصدقاء.
  6. تقديم المديح لمن يستحقه، مديح مباشر، مديح ملفوف بالشكر والامتنان.
  7. التقاط المزيد من الصور.
  8. التنفس بشكل أفضل.
  9. خياطة لحاف -أمنية قديمة ومشروع بدأ وتوقف منذ سنوات-.
  10. اتقان شيء، إجادته والتعرف على كافة جوانبه. صنع المربّى مثلاً.
  11. الكتابة كلّ يوم. كلّ يوم مثل هيفا بعمر العاشرة.
  12. التفكير العميق قبل الكلام.
  13. تجنب الدراما.
  14. قضاء وقت أقلّ على الإنترنت، وفعل الكثير بعيداً عن الكمبيوتر.