تلاشت أصوات باريس من رأسي تدريجيًا خلال الأيام القليلة الماضية. صفارات سيارات الشرطة والاسعاف الأوروبية المميزة لا تشبه صفاراتنا المحلية أو التي في نيويورك. العجلات ترتطم بالطرق غير المستوية وانحراف السائق السريع وزحلقتي وأغراضي على كراسي السيارات الجلدية. صوتي يرتدّ في رأسي وأنا أحيي الباعة: بون جور بون سوا اورفوا! صوت المصعد الآلي لسيدة تذكر الدور الذي سكنته: سيتيم إيتاج آش الدور السابع H. بدأت جردة كتابة التدوينة في مكان ما على الطريق السريع المتجه لمطار شارل ديجول.
تحسست أذني واكتشفت أن قرطي المفضل مفقود، والآخر في الأخرى يتساءل عن رفيقه. لم يكن باهض الثمن لكن القيمة المعنوية التي يحملها أكبر بكثير من ذلك. خلعت القرط الوحيد وخبأته في جيب معطفي، ربما يعود ذلك يومًا ما؟ تحققت لاحقًا عندما وصلت للرياض في الحقائب والملابس ولكن لا أثر له. عندما أقول تركتُ بعضي في باريس لن تكون مبالغة.
هذه الرحلة اللطيفة حصلت بلا تخطيط مرهق، مزيج من عمل وبحث وعزلة ومتنفس واكتشاف وتعويض. عندما كتبت التدوينة الماضية وقلت ستكون باريس هنا دائمًا. عنيت ذلك بشدة. أردت تعويض رحلتي المتعبة في أقرب فرصة لكن لم يخطر ببالي أنّها ستتيسر هكذا، الحمد لله.
زيارة باريس هذه كانت بمثابة استكمال حكاية أو دردشة مع صديق بعد فاصل زمني ومكاني قصير. أين كنّا؟ قضيت أسبوع غنيّ بالمشي في شمس الشتاء الغامرة – لم تمطر يومًا واحدًا وأنا هناك، لن أمانع لو حصل ذلك لكنّها كانت هدية من الله للمشي والمزيد من المشي. تحقّقت من قائمتي الممتدة السابقة والتي لم التفت لها بسبب المرض وقصر الوقت، وانهمار المطر. وكانت هذه الرحلة أيضًا من جهة أخرى غنيّة بالمصادفات الجميلة! صديقتي منذ أكثر من عشرين عامًا تزورها لعطلة قصيرة وبرنامج تدريب، وصديقة جديدة انضمت لها قبل الرحلة بوقتٍ قصير.
كانت نيتي قضاء الكثير الوقت مع نفسي، لكن هذه اللحظات التي شهدت مشاركة التجارب مع الآخرين زادت من حماسي للانطلاق كلّ صباح.
وانتهت الرحلة بلقاء المدونة التي أحبّ واتابع منذ سنوات Garance Dore. أسست المدونة مجتمعًا صغيرًا وحصري للسيدات نسجل فيه باشتراك سنوي. وهذا اللقاء هو واحد من لقاءات أخرى سابقة وستأتي وصادف أن وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية لتبلغني أن اللقاء القادم سيكون يوم ٢ مارس! سعدت كثيرًا بأنها ترتبت هكذا.
حجزت تذكرتي بأميالي التي جمعتها خلال السنوات الماضية، ووجدت غرفة بسعر جيّد في فندق انتظرت تجربته طويلًا. سكنت نفس المنطقة التي زرتها المرة الماضية ولذلك كان الانطلاق والاكتشاف أسرع. هنا الصيدلية، وهناك السوبرماركت، هنا مطاعم تقدم وجبات شهية، وفي هذه الزاوية تقف سيارات أوبر والأجرة بشكل أفضل.
مذكرات باريس
اليوم الأول
- يوم الوصول المبكر والراحة قليلًا واستقبال الجوّ.
- الإفطار في مطعم Immersion Vendôme.
- قهوة لذيذة من Café Nuances – اقتنيت منهم لاحقًا كبسولات القهوة لصنعها في الفندق والمنزل.
- عصرية قهوة وحلوى في صالون بروست في الريتز.
- وفي المساء زرت مركز استجمام حصلت على كوبون هديّة وقررت اختيار المساج بعد أسبوع حافل ومرهق.
- العشاء في مطعم Nanaumi ياباني تقليدي، هادئ جدًا وسأذكر دائمًا الباذنجان بصلصة الميسو الذي تناولته هناك.
اليوم الثاني
- الإفطار في مطعم كاريت مع الصديقات – أحبّ البيض والجبن والفطر ومخبوزات الزبيب.
- اشتريت بابكا الشوكولا والبندق من Babka Zana – زاد السكّر لاحقًا.
- زيارة متحف فيكتور هوغو باريس. منزل تاريخي سكنه الكاتب وفيه قطع فنية ومسودات ومراسلات خاصة به. أحببت أن الدخول للمتحف مجاني.
- جولة في محلّ Merci متعدد الأغراض.
- من ثم أكملت الجولة في المنطقة Le Marais التي أحبّها كثيرًا، زرت محل قرطاسية جميل اسمه Papier Tigre، وتوقفت للقهوة في Typica للقهوة المختصّة ومن ثمّ توجهت لغاليري متخصص في الكتب الفنيّة Yvon Lambert Gallery.
- الغداء في مطعم لبناني Kubri – الوجبة كانت غنية وكبيرة جدًا وكثيرة على شخص واحد فقط.
- عدت للفندق عدة ساعات للعمل وخرجت مجددًا.
- مررت بمحل Aigle الفرنسي واشتريت حذاء بساق متوسطة الارتفاع قليلًا مصنوع من الكانفاس.
- قهوة في Noir ومشية قصيرة في الدائرة السابعة.
- استكشاف محل العطور الذي زرته المرة الماضية وكان مغلقًا Parfums d’Orsay
اليوم الثالث
- تناولت الإفطار في غرفتي بالفندق وقضيت ساعات الصباح الأولى في القراءة والعمل.
- دعتني صديقتي إلى وجبة برنش brunch طويلة وغنية امتدت لحوالي الثلاث ساعات في La Bauhinia
- كان يومًا مشمسًا وبديعًا قضينا جزء منه في المشي حول منطقة Chaillot
- عدت للفندق وقضيت بقية المساء في الراحة والدفء وتناولت وجبة سريعة شهية للغداء من مطعم برغر اسمه Blend.
- بعد عدة ساعات من العمل تناولت العشاء مع رفقتي في مطعم هندي Annapurna
اليوم الرابع
- بدأ اليوم مبكرًا فقد قررت مشاركة سرّي الصغير في الوصول بسرعة لمطل كنيسة القلب المقدس على تلة مونمارت.
- تناولنا الإفطار في المطعم الأسترالي الذي أحببته Hardware Societe
- صعدنا للمطلّ، التقطنا الصور وتجولنا حول المكان ومن ثم هبطنا عشرات السلالم باتجاه مقهى مختصّ أردت تجربته.
- أمام آخر عتبات السلّم وجدنا محلّ العطور الفرنسي الشهير Fragonard تذكرت توصية ابنة خالي باكتشافه وعطوره وقضينا فيها وقتًا لا بأس به وخرجت منه بحصيلة جيدة كذلك.
- في الجهة المقابلة وعبر زقاق مرتفع تدريجيًا وجدنا المقهى المطلوب Clove تناولنا المزيد من القهوة ولفائف الهيل السويدية اللذيذة!
- عدت للفندق لاستراحة قصيرة وخرجت لاحقًا لزيارة متحف الرسام يوجين ديلاكروا أحد رسامي المدرسة الرومانسية الفرنسية. له لوحات شهيرة كثيرة لكنّ أشهرها في متحف اللوفر «الحريّة تقود الشعب». المتحف صغير جدًا وبه مسودات قليلة وبعض البورتريهات.
- تناولت الغداء مع صديقتي في مطعم Huguette المتخصص بالأطعمة البحرية وكانت وجبة شهية وغنية بثمار البحر.
- تابعنا المشي باتجاه حدائق لوكسمبورغ ولم ننتبه للوقت، جلسنا على الكراسي الخضراء الموزعة حول المكان وتلقينا الشمس بوجوهنا لنسمع صفارة الشرطي لاحقًا. نشير لأنفسنا مستنكرين هل نحن المقصودين؟ ويجيب بصفرة جديدة! مشينا باتجاه المخرج وطالني بعض الانزعاج فلم أشاهد نافورة مديتشي في هذه الزيارة ولا أظن أن الوقت سيسمح بعودتي. وبينما نحن متجهين للمخرج كانت هناك على يميني تنتظرني. التقطت لها عدة صور بينما سبحت بطة وحيدة في مائها. وتبعنا شرطي آخر ليتحقق من خروجنا أخيرًا.
اليوم الخامس
- إفطار شهيّ وهادئ في مطعم Sunday in Soho
- زيارة لمتحف القصر الصغير Petit Palais أو متحف مدينة باريس للفنون الجميلة. المتحف رائع ولم يكن مزدحمًا أبدًا ولم أفهم ما السبب حقيقة. المعمار في المبنى يستحق التأمل، واللوحات والقطع الفنية المتنوعة كذلك. المكان فسيح بسقف مرتفع وحديقة جميلة تتوسّطه قضينا فيها بعض الوقت للتأمل بهدوء.
- قضيت بقية النهار في التسوق أو كما أسميته: إعادة تأثيث حياتي!
- تناولت الغداء في مطعم مكسيكي لطيف اسمه Bocamexa
- ملأت علبة صغيرة ببعض الحلوى الشرقية المغرية من Maison Aleph
- تناولت العشاء مع صديقتي في مطعم Shirvan الذي يستوحي اطباقه من دول طريق الحرير. قائمة الطعام متنوعة وشهيّة لكن اختيارنا الأساسي وقع على كتف الخروف المطبوخ عدة ساعات. يستحق أن يكون وجبة احتفالية.
- قضينا بقية الأمسية بمحاذاة النهر ننتظر التماع برج ايفل على رأس الساعة. كنا والعشرات المصطفين معنا نحاول إعادة الدفء لأطرافنا بالقفز والحركة.
اليوم السادس
- بدأ الصباح باكرًا بانتظار مطعم Paperboy والافطار، وبينما أشار الموظف بأن الدخول للمكان سيستغرق ١٥ دقيقة توجهت وصديقتي إلى قهوة Dreamin Man القريبة شربنا هناك ألذّ Flat white في الرحلة بلا منازع!
- بعد الإفطار تمشينا قليلًا في الجوار لحين موعد زيارة اللوفر المرتقبة وشربنا القهوة من جديد في Fringe وهي قهوة مختصة تقدم وجبات إفطار متنوعة والغرانولا المصنوعة لديهم مميزة. حملت معي كيس من غرانولا التشاي ببهارات لذيذة!
- أخذت صديقتي في جولة مختصرة جدًا في اللوفر – وامتدت لثلاث ساعات حتى شعرنا بأن أقدامنا تصرخ.
- تناولت العشاء في الفندق وانتهت ليلتي باكرًا.
اليوم السابع
- بدأت صباحي بهدوء والتقيت برفيقاتي عضوات مجموعة Garance Dore في باريس. كان اللقاء لطيف وشيّق! اعتذرت عن المتابعة لنهايته وانطلقت في سلسلة من جولات شراء احتياجات العائلة التي وصلتني توصياتهم عليها.
- زرت متحف Musée Cognacq-Jay صغير وهادئ في منزل من القرن الثامن عشر، وكذلك الأعمال الفنية التي احتضنها. الدخول للمتحف مجاني والجولة سريعة جدًا.
- جلست لتناول القهوة في Fika المقهى التابع للمركز الثقافي السويدي في باريس، لم أكن مستعدة لجولة في المكان لكن حتمًا سأعود له في زيارة قادمة فهو يضم مجموعة فنية وأنشطة ثقافية متنوعة.
- ذهبت للعشاء في المطعم الإيطالي Big Love ودعت المدينة بمشية قصيرة وعدت للفندق لاتمام حزم حقائبي قبل رحلة الصباح الباكر.
هذه التدوينة محاولة لجمع كل التجارب بشكل سريع، وقد تكون دليل لأماكني المفضلة الجديدة، أو احتفال برحلة جميلة ستبقى في الذاكرة طويلًا. يمكنكم أيضًا مشاهدة الصور عبر حسابي في انستقرام، وخصوصا القائمة المثبتة تحت عنوان Paris 23.
.
.
.