أسئلة بروست يقصد بها مجموعة من الأسئلة للتعرف على الشخصية. سميت باسم مارسيل بروست لأنّ شهرتها تجددت معه. في نهاية القرن التاسع عشر وبينما كان بروست يافعاً أجاب على أسئلة باللغة الإنجليزية في “ألبوم الاعتراف” الخاص بصديقته أنطوانيت فور والذي كان معنوناً بــ “ألبوم تسجيل الأفكار والمشاعر..الخ”. كان هذا الألبوم متداولاً لدى الأسر الإنجليزية وكانت الإجابات التي يضعها الأفراد مؤشراً على أذواقهم وطموحاتهم. يمكنكم التعرف على المزيد من التفاصيل حول هذا الألبوم بزيارة صفحته على ويكيبيديا.
أجاب بروست على هذه الأسئلة لأكثر من مرة وفي فترات مختلفة. لا أعرف عددها على وجه التحديد، لكنه أجاب عليها بحماس واهتمام. ربما تكون نسخة 1890م أكثرها شهرة، كتبها بروست بخط يده وعنونها بـ “By Marcel Proust himself” ولقد بيعت في مزاد في 27 مايو 2003م بقيمة 102 ألف يورو.
تبنت بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية فكرة أسئلة بروست وأصبحت تقدمها في لقاءات مع الفنانين والكتّاب والمشاهير عموماً. قد يطرأ عليها بعض التغييرات بحسب فكرة الحلقة والضيف لكنّها إجمالا تبنى على الأسئلة الأصلية.
كيف وصلت لهذه المعلومات؟ أقرأ منذ سنوات في مجلة Vanity Fair الشهيرة لقاء مميز في كل عدد. في الصفحة الأخيرة مجموعة أسئلة مع رسم كاريكاتيري للضيف وإجابات مدهشة وملهمة ومضحكة أحياناً في المجلة أرشيف لبعض اللقاءات قد تجدون فيها ما يهمكم وجُمعت أيضاً في كتاب تجدونه للبيع. لم أكن أعرف بروست حينها، ولم أمر باسمه من قبل حتى عدة سنوات قريبة أصبح الاسم يثير اهتمامي، لماذا بروست؟ ولماذا أسئلة بروست؟ نسيت الأمر لفترة طويلة حتى قررت البحث عنه اليوم .
قبل المجلة وقبل التعرف على أسئلة بروست كان دفتر الأسئلة حاضراً في الصيف وبداية السنة، لا أعلم كيف فكرنا بها لكنني ممتنة لساعات الصيف الطويلة في بيت جدي لوالدي رحمه الله، لا تلفزيون ولا راديو ولا أي وسيلة ترفيهية أخرى. فقط مخيلتنا والورقة والقلم. اخترنا دفتر بغلاف مقوى وكتبنا فيه مجموعة أسئلة عن انفسنا وعن اهتماماتنا وأصبحت كل واحدة تجيب عليه وتحدد اليوم والسنة، وكل سنة نعود للإجابة. توقفنا عن ذلك مع وصول الإنترنت وانبهارنا الطويل والساعات التي تحولت إلى بحث دائم. أعود لقراءة أجوبتنا أنا وأخواتي وتمتلئ نفسي بالسعادة للأمنيات التي تحققت والأفكار التي كانت حلم وأصبحت واقع. اضحك أيضاً على اهتماماتي والأشياء التي كانت جوهرية في ذلك الوقت وتحولت لتصبح ذكرى بعيدة.
في هذه التدوينة فكرة لمتعة صيفية جديدة، بعيداً عن الإنترنت والتلفزيون والراديو. قمت بترجمة أسئلة بروست عن النسخة الأصلية التي وجدتها هنا. وارفقها لكم لتطبعوها وتبدؤون ألبومكم الخاص. استخدام الأسئلة للتعرف على أفراد العائلة والأصدقاء وتبادل الإجابات بينكم متعة جديدة وستصبح لديكم كبسولة زمنية خاصة تفتحونها كلما أحببتم. وإذا أحببتم اقتناء نسخة خاصة وفاخرة من كتاب الأسئلة تجدونها في أمازون.
اقضي الكثير من وقتي في الطبخ، مؤخراً لاحظت ذلك. وأفعله بشغف واهتمام. مفضلتي تنمو بمواقع الوصفات وأفضل البدائل في غياب المكونات من السوق. أحبّ تحليل مراحل حياتي واهتماماتي المؤقتة لم انتظر أن يفعلها أحد بالنيابة عني. في الطهي اليومي أجد نتائج حاسمة وواضحة، إذا أخفقت في مكوّن تدمر الطبق كلّه. في وجوه المتذوقين أشاهد حصيلة عمل ساعات. ينتفخ كاحلي ويؤلمني لكنني أفعل ذلك بحبّ شديد، لا اطهو الطعام لشخص لا يحبّه، أو ينتقي كثيراً ويتذمر كلما وُضع طبق أمامه، يستبعد الخضرة، ويتبعها بتفكيك الهرم الغذائي أمامي. مثل هذا الشخص لا أدري في الحقيقة ما يعجبه في الحياة؟ متى يشكر الله مثلاً أنه لا يتمدد على رصيف ما ينشد قطعة خبز يابسة. ولا أشغل تفكيري ولا وقتي بإجباره على أكل ما أعدّ. اتصال لمطعم للوجبات السريعة سيمنحه الكثير من الحبور!
أجرّب وصفات في أكثر من نوع من الأكل، حتى لنفسي، مذاقات جديدة لم أجرب المزج بينها وكانت النتيجة مذهلة. انشغل عن كثير من الأمور التي وضعت لها الوقت. أنام جيداً، أعمل بجدّ أكبر. وأركض بلا توقف. عندما نصل لنهاية الأسبوع أكون بحاجة للصمت أكثر من أي شيء آخر. كنت فقدت شهيتي للقراءة والكتابة أصبحت مثل حلم يزورني، استرجع مقاطع كتبتها وأحببتها، أتصفح أرشيف المدونة وتنعشني قدرتي على صنع كل هذا. ما زال هناك حبر، لكنه للأسف يشعر بالنّعاس. هل هو التقدم في السنّ؟ هل كانت الكتابة فعلاً قدري والمشروع الذي يجب أن أكرس عمري له؟ لا أعلم. لكنني متأكدة من شيء واحد، أنني أفعل كلّ شيء بحبّ. لا اجبر نفسي على إنهاء كتاب ممل لإضافة رقم أو غلاف لحصيلتي، لا أخرج من المنزل بلا حاجة، وأعتذر كثيراً عن أي شيء سأفعله مكرهه.
(ب)
استيقظ صباحاً وشعري يعلوه الريش، كنت أتساءل عن المكان الذي يأتي منه، واكتشفت أنّ غياب الشغف امتد لتغيير لحافي، استخدم حشوة اللحاف بلا غطاء والنتيجة الريش يتسلل منها لرأسي. تذكرت أسماء الهنود الحمر، ووجدت لنفسي اسما جديدا : الريش في شعره!
(ج)
كلما نزفت لثّتي تذكرت الإسقربوط – كتبت عنه أكثر من مره وعن فزعي- الحلّ الوحيد لهذا الهلع تناول المزيد من البرتقال والحمضيات عموماً. وهكذا فعلت وأسعدتني النتيجة. كلّ يوم لحظات رعب قصيرة قبل البدء بتنظيف أسناني. يقولون بأن نقص الفيتامينات مسبب أيضاً، لكنني توقفت عن تعاطيها بسبب تراكمات صحية من بينها انفراط عقد شهيتي والتهامي لكل شيء أضع يدي عليه. توقفت من يناير تقريباً عن تناول المكملات الغذائية وأشعر الآن بأن شهيتي استعادت توازنها.
(د)
تعرفون زوايا بيتكم جيداً؟
تحفظون روتين أيامكم؟ هناك تفاصيل لطيفة ومضحكة التفت لها، مثلاً الوقت اللازم لتناول فنجان القهوة بعد الغداء. أضع أطباقي في الحوض، والمساعدة المنزلية تنهي بعض المهام وتغسل الأطباق أطلب منها إعداد قهوتي وإحضارها لغرفتي، اصعد وانتظر. بينما تنتهي من التنظيف وترتيب المكان بعد الغداء تكون معدتي مستعدة لفنجان القهوة. وهذا المقياس لا يخيب.
تفاصيل البيت؟
لدينا سلة مهملات في كلّ زاوية تقريباً ربما عدد السلال أكثر من عددنا في المنزل! وفي كل سلة نوعية معينة من المواد. في غرفة الجلوس حيث تجلس والدتي قصاصات أقمشه، أوراق وخيوط صغيرة. حيث يجلس والدي قشور فواكه، أوراق صغيرة بها أرقام هواتف وقوائم تسوق، وأحيانا علب أدوية فارغة. في زاوية غرفة جلوس الضيوف لن تجدوا سوى قطع بخور متفحمة. وفي زاوية أخرى: لا شيء، وعلى سبيل المرح أحيانا أترك قشرة موز في سلة والدتي، أو مجموعة كبيرة من الأوراق والمجلات في سلة غرفة الضيوف. يبدو شكلها غريباً ومربكاً.
(هـ)
ماذا بعد؟
توقفت حلقات الپودكاست بسبب غياب الحبّ، لدي الكثير لقوله وإعداده لكنني لا أجد الحب والاهتمام اللازم لإنجاز الحلقات. أفكر في إعداد أربع أو خمس حلقات عن التخطيط للسفر والإجازة، خصوصاً وإنني أفعل ذات الشيء حالياً وسيكون جيداً الاستماع لاقتراحاتكم حول الموضوع بعد التحدث عن تجربتي.
أبحث فكرة لحلقات جديدة خلال رمضان قد تكون مفاجئة وممتعة. وكل هذا يعتمد على طاقتي والأفكار المتوفرة.
ماذا بعد لوثة الطهي؟
عاودتني شهية القراءة قبل أسبوع تقريباً، تأكدت من ذلك بعد استعادة سرعتي المعتادة ونشاطي في الانتهاء من كتاب. ما زالت هذه السنة سنة الكتّاب الروس، اقرأ لدوستويفسكي رواية “الأبلة” على مهل، وبدأت في أعمال كافكا الكاملة بكتاب يجمع مقالات وآراء حوله.
سأحاول كتابة تدوينات بلا ميعاد، كهذه التي أنجزتها قبل قليل.
أبحث دائماً عن أفضل مدخل للتدوينة الجديدة. كلّ مرة أقول هذه أفضل، أو تلك. لكن الرضا العميق لديّ لا يتحقق. وأعرف تحفز القراءة الذي يسكنني كلما قرأت عنوان مقالة جديدة أو حتى بداية كتاب. لا أريد مقدمات! أريد المحتوى وأريده الآن.
إبريل شهر مناسب لبدء التخطيط للصيف، والتخطيط للصيف لا يعني السفر فقط! خططوا صيفكم كما تريدون ولكل ما ترغبون بفعله. هذا العام أذهب في رحلة استجمام ومغامرة قصيرة الفرق بينها وبين رحلة العام الماضي لأمريكا أنّ الدعم المادي لها والتخطيط سيكون شخصي بامتياز، عندما ترغب بشدة في السفر وتخبرك أسرتك وبصراحة: لا يمكننا تحمّل التكاليف وعليك إيجاد طريقة لجمع المال.
الخطوة الأولى لتحقيق ذلك أولاً: إيجاد عمل! وبما أنني مشغولة بكتابة بحثي وأعمال أخرى أتنقل بين المدن لأجلها ولا استقر، فإنني أبحث عن عمل مرن، عمل يقدم لي مصدر دخل جيّد ويمكنني القفز من العربة وهي تسير وكلما أردت ذلك دون خسارة الكثير ودون التسبب بالمشاكل للمؤسسة. كانت فكرة العمل مع والدتي أعظم فكرة مضيت فيها منذ سنوات، بيئة عمل سعيدة وبرّ والدين، وإجازات اضطرارية والعمل عن بعد.
لا أريد الحديث الآن عن تجربة العمل –تدوينة مستقبلية وكثير من التسويف- لكن سأقول: بعد الراتب يأتي التوفير، والتوفير المقصود لا أعني به طبعاً التقتير الشديد وانتظار الصيف والحرمان حتى ذلك الحين، كلّ شيء رائع بالاعتدال. احتسب قيمة المصروفات الأساسية التي لا تستطيع الانتظار واقتسمها مع أختي: اشتراك قنوات التلفزيون، قهوتنا المفضلة، مشتريات السوبرماركت التي لا تدخل في ميزانية العائلة، رحلات التسوق الصغيرة، زيارات الصديقات وهدايا المواليد وأعياد الميلاد وغيرها. أما المشتريات المجنونة والتي بلا سبب تنتظر، تنتظر طويلاً.
من الأشياء التي قمت بتجربتها تغيير أماكن اقتناء الملابس، شراء أدوات تجميل بجودة عالية وسعر أقلّ، التوقف عن الأكل خارج المنزل والطبخ أكثر، تفصيل الملابس بدلا من شراءها-مثلا- أحبّ ارتداء التنانير الملونة وكلما وجدت قصة أحبّها أو لون مفضل تفاجئني الأسعار السعر عادة يبدأ من 250 ريال إذا كان نوع القماش ممتاز. الفكرة الحلّ: اقتنيت مجموعة أقمشة قطنية بجودة عالية – كلّفت حوالي 200 ريال – وأخذتها لخياط نسائي انجز العمل على خمسة منها بـ 400 ريال، بحسبة سريعة لو كنت سأقتني تنانير مماثلة سأصرف 1000 ريال أو أكثر، لكن التفصيل وبمقاس وفكرة مناسبة لم يكلف أكثر من 600 ريال. وهذا مثال بسيط. توقفت عن شراء الكتب بعد صراع عنيف مع نفسي! أصبحت أذهب لمجمعات التسوق للفرجة وأقاوم ويبدأ الحساب الذهني ليصبح كلّ شيء أمامي قابل للانتظار.
بذكر السفر والتخطيط، هناك شيء آخر أقوم به، في نهاية الأسبوع ابحث عن مواقع سياحية واقرأ آراء الزوار وتقييمهم لكلّ شيء وأدوّن، القائمة كبيرة جداً وقد لا تكفي للرحلة المنتظرة لكنّني وقبل السفر بقليل سأقوم بفلترتها بحسب الأهمية. هذا موقع رائع يساعدكم في التخطيط وصنع رحلة افتراضية قبل سفركم الفعلي، يسجل لكم المواقع والاهتمامات ويحسب لكم يومياً المسافات بين الأماكن والوقت اللازم لزيارتها وساعات عملها. هناك أيضاً فرصة الاطلاع على خطط الآخرين والحصول على أفكار إضافية لكم.
غير السفر يمكن التخطيط لتعلّم شيء جديد، أي شيء خلال إجازة الصيف. شيء تأجلونه من سنوات أو شهور. شيء لم يتوفر لكم تعلمه قبل هذه السنة وبسبب العمل أو الدراسة سيكون الصيف الوقت المناسب لفعل ذلك. في الانتظار ابحثوا عن مصادر تعلم، أو أماكن تعلم وابحثوا عن التكاليف والمعلم الأفضل. يمكن التخطيط لهواية جديدة مثلاً، أو نشاط عائلي. وكلّ هذه الاهداف ضمن خططي وأسعى لتنفيذها إن استطعت.
بالنسبة لي الصيف والنهار الطويل يرتبط بالقراءة، مضى وقت طويل على انهاء الكتب بحماس وسرعة. آنا كاريننا تحدق بي في زاوية المدونة كل مرة أزورها. لم انتهي من الاستماع للكتاب مع أنه ممتع وتولستوي لا غبار عليه. لكنّ المزاج السماعي لا يساعدني كثيراً. استمعت لكتب وبرامج أخرى، قرأت كتب الكترونية واغرق في مذكرات تشايكوفسكي على مهل. كتاب جديد اقرأ فيه الآن ببطء: قطط همنغواي. كتاب بتفاصيل حميمة وهادئة. ستتعرفون من خلاله على همنغواي وذكرني بتدوينة كتبتها عن قططه ذات الأصابع الستة. لكنني أفشل في التخلص من شعوري بالذنب مهما حاولت، أقول الشهية القرائية موجودة وهذا الأهم. للصيف كنت كل سنة أصنع قائمة قراءة، ربما لأنني مشغولة خلال العام الدراسي وأتوقف عن كل شيء مع الإجازة، والآن لا مجال فالعمل على مدار السنة. لكن سأشارككم بنصائح سريعة لصنع قائمة قراءة للصيف:
– راجعوا قوائم سابقة. كتب كنتم تريدون قراءتها أو توصيات أصدقاء تنتظر، زوروا مفضلة متصفح الإنترنت أو مفضلة تويتر أو قائمة To Read الخاصة بكم في موقع Goodreads. ستجدون عناوين واقتباسات تنعش ذاكرتكم بعيداً عن الانشغالات اليومية. ويمكن أنّ الكتب التي كانت تشعركم بالذنب لهجرها ستكون مناسبة.
– اختاروا كتب تناسب الوقت. الصيف يتخلله أوقات انشغال وأوقات فراغ (شهر رمضان مثلاً مناسب جداً للقراءة) قسموا الكتب على الصيف بحسب حجمها ونوعها. كتب للرحلات البرية، كتب للرحلات الجوية الطويلة، كتب للانتظار في المحطات. والقائمة تطول.
– ماذا أقرأ؟ حسناً هذا لمن لديه كمية كتب هائلة ويبدأ بالغرق فيها تدريجياً. أو سيقتني كتب للصيف مبنية على كتب قرأها سابقاً. أحبّ هذا الموقع وأتوقع أنكم تعرفونه What to read next? موقع تضعون فيه كتاب انتهيتم منه ويختار لكم كتب أخرى لتتبعه، أو هذا الموقع Your next read وفيه شبكة اجتماعية تابعة ومراجعات ويرتبط بـ Goodreads وأيضاً تبحثون فيه عن قراءتكم التالية باستخدام عنوان كتاب انتهيتم منه.
أحاول جاهدة ألا أفقد تسلسل أفكاري وأنا أدوّن الآن.
شاهدت وثائقيات كثيرة خلال الفترة الماضية وأعدكم بأنني سأكتب عنها بإذن الله، هناك بعض التدوينات التاريخية والأدبية، وقراءات في كتب وصور وترجمات. كان رأسي يدور من يناير الماضي وقد أتمكن من تثبيته أخيراً. في حلقة البودكاست السابعة والتي أنشرها يوم السبت القادم سأتحدث عن الفنادق، بعض الأفكار المرتبطة بالفنادق والسكن فيها واختيارها بمناسبة التخطيط للصيف، هذا استطلاع رأي سيسعدني مشاركتكم فيه. سريع وخفيف ونتائجه سأطلعكم عليها يوم السبت.
أحبّ المشاريع السنوية على الرغم من أنني فشلت في بعضها، لكنّني أتابعها بحماس وأشجع من يقوم بها في أي مجال. مررت صباح اليوم بهذه المدونة اللطيفة والمنوعة. صاحبة المدونة اختارت مشروع صور (52 أسبوع) للسنة الحالية، ستكون الصور التي تلتقطها مجموعة بورتريهات لأسرتها –أطفالها بشكل خاصّ- وبدأت فعليا تسجيل هذه الصور ونشرها في المدونة، كمية الحبّ والسعادة فيها لفت انتباهي، في إحدى الصور التقطت صورة لبطنها وهي تحمل صورة لأشعة السونار الخاصة بالجنين في بطنها وأعلنت: “اليوم أخبرنا الطبيب بأنها بنت.” لم أتابع المدونة من بدء التجربة وجئت لأتعرف عليها بعد حين، أتصور اهتمام المتابعين من البداية ودهشتهم معها وفرحهم بالخبر السعيد. يمكنكم أيضاً متابعتها هنا.
بذكر المواليد والأطفال قرأت اليوم عن دراسة تجعل القلب يرقص، تتحدث عن رائحة المواليد الخاصة وتأثيرها على الأم والنساء عموماً. الباحثون راقبوا ثلاثين سيدة طُلب من كل واحدة منهنّ “شمّ” بيجامة طفل مولود. نصف السيدات أمهات فعلياً ونصفهنّ الآخر بلا أطفال. لكن في الحالتين وجد الباحثون أنّ رائحة المولود أثرت في دائرة المكافأة Reward System في الدماغ وهي الخلايا التي تخلق السعادة ومشاعر السرور. كأن السيدات تعاطين الكوكاين أو الشوكولا! لا يعرف الباحثين ما يجعل رائحة الأطفال تؤثر بهنّ بهذه الطريقة لكنّهم يعتقدون بأنّها مكونة من 250 عنصر كيميائي. يقول أحد الباحثين المشاركين في الدراسة بأنّ الرائحة تؤثر في الجميع لكنّها تؤثر في أمّ المولود بشكل مختلف. تخلق هذه الرائحة رابطة مشاعر بين الأمّ والطفل وهذه الرائحة تدفعها للاهتمام به.
المرّة الأولى التي عرفت فيها قوة الترجمة والنقل كانت منذ سنوات بعيدة. كان أقاربي الصغار يسألون عن معنى كلمة أو عبارة في مشهد فيلم بلا ترجمة، وكنتُ ارتجل إذا لم أجد المعنى أو أحرّفه قليلاً حسب ما تقتضيه الفئة العمرية. الترجمة تأخذ أشكالا كثيرة في حياتي ولا ترتبط بنقل كلمة من معنى إلى آخر. هناك الصور، والمشاعر، والحكايات والقدرة على نقلها وتحويلها وإشباعها بالتفاصيل المناسبة.
علمتني والدتي القراءة بعمر الثالثة، بذلت جهداً جيداً لكنّها نسيت العملية الدقيقة التي نجحت بها. الترجمة بدأت مع القراءة – على الأقل بالنسبة لي- كان الأطفال في الروضة يقرأون القصص المصورة ويتجاوزون النصّ المكتوب لأنه لا يُفهم ولا يعني لهم شيئاً. في وقت قراءة القصة تجلس المعلمة في زاوية المكان وتترك لي القصة بصورها وكلماتها، أقرأ بلا تردد، كان الأمر بمثابة معجزة وربّما لعنة! لأنني لم أتوقف من ذلك الوقت عن قراءة كل شيء الورق، الصور، اللوحات، الرموز، الوجوه والسماء.
مع تعلم القراءة بدأ تعلم لغة ثانية –الإنجليزية- كانت الفكرة الطريفة في تعلم هذه اللغة هي محاولة والديّ إيجاد مساحة للحديث بعيداً عن فهمنا. وكلما كبر أحدنا انظم للفريق وأجاد لغته بدوره. ومع مرور السنوات وتمرين لغتنا بمشاهدة برامج تلفزيون للأطفال والكبار وأفلام بلا ترجمة وقراءات أصبحت عضلة اللغة الإنجليزية متينة. أكثرنا حظاً أختي الصغرى التي جاءت في عصر الإنترنت وبيت تستخدم فيه اللغة بموازاة اللغة الأم ولا تنقص من قيمتها. أصبحنا بحاجة لمساحة سرية جديدة: الإسبانية ربما؟
سأسّرع الوقت حفاظاً على تسلسل أفكاري ولأنني أعرف أن الاستطراد جينة وراثية. بدأت التدوين في 2005م تقريباً، تنقلت بين عدة شركات استضافة ومدونات، كتبت بالتزامن مع مدونتي في منتديات الكترونية ومجلات وصحف محلية ودولية. لم يتساءل أحد عن المعلومات التي ابني عليها مقالة؟ من أين جاءت الأفكار الفريدة والجديدة وقصص لأراضٍ لم تطأ بعد؟ كنتُ أترجم الأشياء الرائعة التي أجدها وأعلم بأنّ الكثير لا يجيدون اللغة الإنجليزية فأنقلها لهم بطريقة مختصرة ومحببة. كلّ تدوينة كانت بمثابة بحث صغير وجمع للمصادر وتلخيص وترجمة. أكثر من 80% من محتوى تدويناتي هنا والمعلومات التي انشرها على حساباتي في الشبكات الاجتماعية: محتوى مترجم عن الإنجليزية. ومع أنني أشير إلى مصادري واعرض مواقع ومجلات ووثائقيات بلغتها الأصلية لمن يريد تجاوز حديثي والوصول للمصدر مباشرة إلا أن الكثير من المتابعين يجهل عملية الترجمة والنقل التي تحدث.
قبل شهر تقريباً صدرت رواية “كلّ شيء يمضي” للروسي فاسيلي غروسمان. ترجمتُ الرواية وصدرت عن دار أثر للنشر، كانت الفكرة مثل مغامرة مجنونة ترددت فيها كثيراً. لكنني كنت أقول لنفسي: أنتِ تترجمين بشكل يومي دون أن تشعري بذلك! حتى عندما أشاهد برنامج تلفزيوني واتصل بصديقة وأخبرها بتفاصيله، هذه التفاصيل ترجمة. استمرّت حالة الإقناع الداخلي بالإضافة للتشجيع الخارجي حتى قررت البدء بالعمل. لم أعرف فاسيلي غروسمان أبداً من قبل ولم يعبر اسمه ذاكرتي. لكن القراءة الأولية عنه وفي كتابه أثارت بي الحماسة. الرواية تستعرض الحياة السوفييتية تحت الحكم الشيوعي، شخصياتها قليلة مقارنة بروايات أخرى قرأتها. إيفان غريغوريفيتش معتقل لثلاثين عاماً يخرج ويعود لحياته. لم تكن العودة سهلة، وفيض الذكريات يزيدها صعوبة. الرواية تلقي الضوء على ستالين ولينين وعلى حصار ستالينغراد الشهير، تتحدث بتفصيل مرعب عن المجاعة الأوكرانية التي حصدت الملايين وشلّت غذاء أوروبا – كانت أوكرانيا آنذاك تلقّب بسلة خبز أوروبا- . لم تكن الترجمة سهلة، كانت الفكرة التي تحاصرني تقول: فكري في شخص لا يعرف الاتحاد السوفييتي، ولا الشيوعية، وليست لديه أي فكرة عن كثير من الأحداث التي نقلتها. وجدت في الهامش فكرة جيدة لكن حاولت كثيراً تجاوز الهوامش التي تشرح أكثر من اللازم، في ذهني دائما ماركيز وهو يتبرّم من المترجم الذي يعتقد بأنه يعرف كل شيء حتى أنه يفسر ما كتبه الروائي وكأنه له!
عزلت نفسي بعيدا عن أي عمل روائي آخر ما استطعت، وتابعت الأخبار المحلية الروسية، وبحثت عن قصاصات تاريخية تدخلني في حياة فاسيلي بشكل أفضل. ظننت أنني أعرف الكثير في التاريخ، لكن ما وجدته في صفحات الرواية والإشارات فيها اذهلني. استمعت للموسيقى الشعبية الأوكرانية –والروسية- في الخلفية، قد يبدو هذا التفصيل مبالغاً فيه لكنّني أحببته. استخدمت أقلام رصاص بلاكوينغ التي تحدثت عنها في تدوينة سابقة هنا، وكتبت الترجمة في دفتر مقسم بصفحات ملوّنة وكنت أقيس تقدمي في العمل بتغير لون الصفحات، فصل بعد آخر وأتوقف قليلا لطباعة ما كتبته. لماذا لم تكن الترجمة مباشرة على الكمبيوتر؟ لأنني لا أجيد البدء بالعمل الكترونيا ولأن الطباعة تتيح لي فرصة التعديل ووضع مفردة مناسبة مكان أخرى.
كانت والدتي تطلّ من حين لآخر وأنا منهمكة في العمل فأطرح عليها سؤالاً وتجيب بسرعة وتأكيد لتصبح المفردة التي بحثت عنها لساعات في يدي! أذكر أنني علقت بشكل مأساوي في تعريف لحذاء لتأتي وتقول “حذاء بعنق” ببساطة حذاء بعنق مناسبة جدا وكانت بالفعل الكلمة التي بحثت عنها وفشلت. أذكر أنّ قطتي لزمت المكان الذي عملت فيه ولم تتركه حتى ليلة الترجمة الأخيرة، مضت عدة أشهر مثل حلم وأنا أردد أسماء الشخصيات بيني وبين نفسي وأعرف بأنني لن أنساها. قد تكون هذه الرواية رواية عادية جداً، أو مذهلة. إنها مثل الروايات التي تجلس على الرفّ حتى تقرؤوا عنها في توصية صديق تثقون به. أو تمرّ في حديث أدبي على شاشة التلفزيون فتبحثون عنها في محرك البحث وتلتقطون أطرافها. لو لم أترجم “كل شيء يمضي” لما تعرفت أسرتي على أهوال مجاعة أوكرانيا، لقد شاهدوا ذلك في وجهي وأنا أكتب عن الجوع وطبقي ممتلئ. لما تعرفت صديقتي على فاسيلي غروسمان وبحثت عن كتبه الأخرى لتسبقني بالقراءة. ولما تباشر الجميع بالكتاب ووضعوه على رأس قوائم تسوقهم في معرض الكتاب.
ما يحزنني فعلاً، والآن سأخبركم بالهدف الذي كتبت بسببه هذه التدوينة: أن الكثير ممن ابتاعوا الكتاب أخبروني بطريقة أو بأخرى أنّ الهدف من شراءه ترجمتي له، واحتفوا به بشكل كبير أثار حسد مدونتي وكتاباتي السابقة وتغريداتي. كنت وسأبقى مترجمة بطريقة ما لكنني لا أحبّ ارتباط تجربتي بكتاب. فالاحتفاء والحرص الذي وجده الكتاب مرعب، خصوصاً عندما يقتنيه البعض بعيداً عن محتواه، عن القصة التي يرويها. قد تصدمكم الأحداث وقد تكون الرواية ثقيلة على قلوبكم، أو مملة فتتركوها. أنا لا أحبّ اقتناء الكتب قبل معرفة محتواها ولو بشكل مختصر. لذلك، أرجو أن تقرؤوا عن فاسيلي غروسمان، وعن التاريخ الذي عاشه. شاهدوا وثائقياً عن ذلك، أو برنامج اخباري. إذا وجدتم في أنفسكم الاستعداد والاهتمام لقراءة “كل شيء يمضي” افعلوها بلا ترددّ.
حتى ذلك الحين نصيحتي لكم ستبقى: لا تقرأ هذا الكتاب، حتى تعرف ما بداخله!
كتبت التغريدة أعلاه في مارس 2013م، كانت أقرب إلى الأمنية مع إنني كنت أعلم حينها برحلتي المقبلة إلى نيويورك. توقفت عن التفكير في مكتبة مايكل سايدنبرغ في اللحظة التي نشرت فيها تلك التغريدة. ومضت الشهور سريعاً وصولاً إلى أغسطس، سافرت في نهايته تقريباً وتواصلت بالبريد الإلكتروني مع مايكل بخصوص زيارة مكتبته ولم أجد رد. أُحبطت قليلاً لكنني لم أتوقف عن البحث والمحاولة. ولكن، قبل أن استرسل في الحديث عن مايكل ومكتبته سأخبركم قليلاً عنها. مايكل سايدنبرغ كاتب وبائع كتب نيويوركي شهير، بدأ هذه المهنة في سبعينات القرن الماضي، ولكن ومع مرور الوقت وتراجع مبيعات الكتب وارتفاع الإيجارات النيويوركية قرر مايكل نقل مكتبته لشقته الخاصة، وبيع الكتب المستعملة والجديدة فيها بلا تصريح وبلا ملاحقة ضريبية! مكتبة خاصة تشبه حانات بيع الكحول وقت الحظر في بداية القرن العشرين Speakeasy وهذا ما ستفعله عزيزي الزائر. ستحاول البحث عن مايكل والتواصل معه ثم الوصول لمكتبته. ولكن مايكل لا يجيب على رسائلي، وشككت بأنّ البريد الإلكتروني الذي أرسلت عليه التماساتي وشرح لقصتي وأنني سآتي من خلف المحيط لنيويورك وأنّ مكتبته أكثر مكان سأحرص على زيارته. بلا ردّ. فكرت من جديد ووجدت أن التواصل مع رئيسة تحرير المجلة الإلكترونية التي يكتب بها سيقودني إليه، وكان ذلك ما حصل وكتبت لرايتشل روزنفيلت وأرفقت رسالتي السابقة لمايكل بها، لم تمض عدة ساعات حتى وجدت الردّ المبهج منها. قالت لي أنها تواصلت مع مايكل ليقرأ رسالتي ويعود إليّ، وفي حالة لم يحدث ذلك ستعود هي لتخبرني بالتفاصيل. أتذكر جيداً أين وصلني الرد الأول من مايكل – بعد عدة أيام طبعاً- كنت على شاطئ المحيط أتأمل النوارس والأطلسي العظيم. رحب مايكل بزيارتي وزودني برقم هاتفه الذي يقول في الفيلم التسجيلي القصير أنه متوفر للجميع في حالة بحثوا عنه في الدليل، ولكن من يستخدم دليل الهاتف اليوم؟.
بدأت بالتفكير في رحلتي، وانتظر تواجدي في نيويورك على أحرّ من الجمر. وجاء سبتمبر سريعاً كما تمنيت. بعثت برسالة قصيرة لمايكل استفسر عن عنوانه في منهاتن. سكنت في رحلتي الأولى في بروكلين في منطقة بعيدة عن شمال شرق منهاتن حيث يسكن واحتجت لمعرفة الوقت للخروج والعودة لأن غروب الشمس كان بمثابة ساعة سندريلا وإعلان للعودة. لم يزودني بعنوانه وعلق: عندما تتواجدين في منهاتن وقبل وصول بحوالي 30 دقيقة سأبلغك بمكان السكن. سرية أكثر من هذا؟ شعرت بالرعب قليلاً وضحكت أختي من جنوننا واقتحامنا لهذه المغامرة. ماذا لو كان مايكل شخصاً مختلاً يستخدم الكتب لاستدراج القرّاء لكهفه لقتلهم والتهامهم؟ لم نكثر من هذه الأفكار الدرامية.
تحمسنا للوصول وخلال الوقت المتفق اتصلت به وبعث بعنوان الشقة 7. حملت معي مبلغ نقدي جيد –أو هكذا اعتقدت- ووصلنا للمبنى. حاولت أختي إثارة رعبي للمرة الأخيرة. على باب المبنى وبجانب كل جرس للشقق يظهر اسم الساكنين. لكن الشقة 7 لم تحمل اسماً. وهذا شيء آخر يعطينا إشارة للعودة.
لم أتردد في ضغط الزرّ وبلا سؤال فُتحت البوابة أمامنا، صعدنا كما شرح لي ووصلنا للشقة، كان مايكل أمام الباب ومشهد الكتب التي وصلت حتى الباب سبب لي الدوار واختلطت بداخلي المشاعر. احتجت لعدة دقائق حتى استعدت توازني واعتذرت منه لأكثر من مرّة، دمعت عيناي وخذلتني بشكل لم أتوقعه. أنا هنا، أنا في مكتبة مايكل سايدنبرغ السرية بعد عدة أشهر من الانتظار والحلم. تبادلنا الاحاديث الخفيفة في البداية، التعارف وقصة رحلتي واهتماماتي. حدثته عن مهرجان بروكلين للكتب والذي لن استطيع حضوره للأسف لتعارضه مع موعد بدء دراسة أخوتي وعودتنا لبنسلفانيا. ضحك مايكل وعلّق: هكذا أفضل. أبدى امتعاضه من هذه المهرجانات “الصورية” والتي لا تخدم الكتاب والقراء على عكس ما تعلن. واعترف لكم، شعرت بالراحة واختفى شعور الحسرة الذي عشته لأيام بسبب ضياع الفرصة. بدأنا باستكشاف الرفوف وحاول مايكل جاهداً مقاومة التوصية بأحدها. تكلمنا كثيراً وعن كلّ شيء، من الكتابة للكتب للسياسة والربيع العربي والثورات العالمية والماركسية – يبدو أنّ مايكل شيوعي متخفّي تفضحه كتبه- والإخوان المسلمين! تحدثنا أيضا عن تجسس الحكومات وضحكت منى من تشاركنا للخوف الطفولي الذي أثبت حقيقته اليوم “في أجهزة التلفزيون زُرعت شرائح للتجسس علينا”. تحدثنا لثلاث ساعات متواصلة، لم انتبه معها لحرارة منهاتن الخانقة، ولا لغروب الشمس. وجدت كلّ كتب الحياة الممكنة، حتى لم استطع شراء أيّ منها بسبب الحيرة. مايكل يؤكد أنني لم أكن احتاج لشراء الكتب وأنّ زيارتي للمكان ولقائي به كافٍ. وجدت منى غرفة صغيرة في الشقة تكدست فيها كتب الفنون والرسم والتصوير، حملت بعضها معها وقررنا التبضع. في غرفة أخرى، طبعات أولى لدور نشر عالمية، بنغوين وراندوم هاوس وكتب أخرى لنيويورك رفيو أوف بوكس. رؤية الكتب ذكرتني بالترجمة التي كنت أعمل عليها آنذاك. ترجمة رواية “كل شيء يمضي” للكاتب الروسي فاسيلي غروسمان. أخبرت مايكل بالكتاب واتبعت جملتي بـ إنه كاتب روسي إذا كنت تعرفه. أعرفه؟! علق مايكل بدهشة وأبدى إعجابه بمشروعي الهائل! إنه كاتب عظيم. وأنت تصنعين شيئا مذهلاً، ترجمة رواية للمرة الأولى بلغتك الأمّ. اعترف بأنّ مشاعري تغيرت 180 درجة بعد تعليقه، كنت أعلم بأنني أصنع شيئا مدهشا واستمتع بذلك. لكنّ، تغيرت نظرتي للموضوع بعد أن استمتعت للملاحظة الخارجية. خارج عقلي، خارج رؤيتي ومشاعري الخاصة.
اخترت كتب عن همنغواي، وكتاب عن جون شتاينبك. وعرض عليّ مايكل رواية للكاتب النيويوركي جوناثان ليثم. قال لي هل رأيتِ هذا الكاتب المشهور؟ لقد كان يعمل في مكتبتي وهو صغير. والآن ينشر رواياته ويقدم نصائحه للكتاب. الرواية التي اقترح علي شراءها هي “Chronic City” لماذا هذه بالذات؟ يقول لأنها الشخصية الرئيسية فيها مقتبسه عنه، حتى الكلب ذي الثلاثة أرجل فيها، كلبه هو. تبنى مايكل الكلب منذ زمن، وذات مرة قابلته سيدة في الشارع وأخبرته بأنّ كلبه يشبه كلباً قرأت عنه في رواية لجوناثان ليثم وحدثته عنها. ضحك مايكل من هذه الصدفة وأخبرها بأنّ الكلب الذي يرافقه هو بطل تلك الرواية وأن البطل مقتبس عن حياته، يقول أنها ابتسمت ومضت، ربما لم تصدقه!
عندما انتهينا من التسوق وبعد تأمل النسخ القديمة التي حصلنا عليها وبعضها توقفت طباعته منذ عقود مضت. اقترحت على منى الذهاب لماكينة الصرف الآلي وسحب المزيد من المال لتفادي الإحراج. لكنها وبعد عودتها وحساب تكلفة ما حملناه صعقنا – قليلا – ثمّ سألنا مايكل عن المبلغ الذي نحمله وأخبرناه بأننا نحمل 140 دولاراً تقريباً، قال هاتوا ما معكم واكتفى به. شعرت برغبة عارمة في البكاء. بعض الكتب الفنية القديمة والنادرة التي أخذتها منى تصل قيمتها إلى أكثر من 100 دولار. هذا إذا استبعدنا قيمة كتبي. لم يكن مايكل يحاول استدراجنا لشراء المزيد من الكتب، ولا يبحث عن المكسب المادي الضخم، إنه يريد فقط دفع فواتير إيجار المكان – الذي لا يسكن فيه فبيته يبعد عدة شوارع- ويريد اللقاء بالمهتمين والشغوفين بالقراءة حول العالم.
في مكتبة سايدنبرغ اجتماعات أسبوعية يلتقي فيها أصدقاءه من الكتاب والفنانين. مكتبته مكان للقاء الشبان والشابات الذين يحلمون بتغيير العالم ونشر السلام. حدثني عن انطلاقة “Occupy Wall street” الحركة الاحتجاجية النيويوركية وأن أحد الذين اطلقوها كان يجلس على الكرسي الجلدي العتيق حيث جلست لأستريح وتحدى أصدقاءه – ومايكل – بنشر تغريدات تحشد الآلاف من البشر في ذلك المكان وفي وقت قصير. بعد هذا السرد التاريخي المميز عرض علينا البقاء ومشاركتهم الاجتماع الأسبوعي لكننا اضطررنا للمغادرة، وأخبرني بأنّ العناوين التي أريد شراءها في المستقبل سيجهزها ويمكن لمنى استلامها منه وإرسالها للسعودية.
لم استوعب تفاصيل ذلك المساء سريعاً. حتى الكتب التي حملتها لم أتصفحها حتى عدت إلى بنسلفانيا بعد عدة أيام. ووجدت في الكتاب الذي يختصر حياة همنغواي في صور وتعليقات وقصص مكثفة، فاصل كتاب أثار اهتمامي. يبدو فاصل الكتاب كبطاقة أعمال يقدمها مكان ما، اسم المكان Bookforum”” وعنوانه في برودواي، مقابل جامعة كولومبيا ويفتح أبوابه سبعة أيام في الأسبوع ليلا ونهاراً، ويبيع الكتب الأكاديمية، وكتب بأغلفة ورقية، وأغلفة متينة، وكتب مستعملة ومخفضة! كلّ هذا في مكان واحد! استغربت في الحقيقة من اسم المكان وخدماته ولماذا لم أجده في دليل مكتبات نيويورك وبحثي الذي قضيت فيه ساعات وساعات للتجهيز لتسوقي الورقي خلال تواجدي. لم يكن هناك عنوان لموقع الكتروني فخمنت أنّ المكان قديم، أو على الأقل هذا الفاصل. بحثت في غووغل عن المكتبة وموقعها ولم أجد أيّ شيء، في كل مرة كنت اكتب فيها العنوان المفصل يظهر لي مطعم سوشي “Vine Sushi” هذا عنوانه وهذه جامعة كولومبيا مقابلة له. كانت هناك مكتبة صحيح، ولكنّها أقفلت أبوابها في 1995م – قبل حوالي 20 عاماً- بسبب ديون متراكمة لم أجد هذه المعلومات بالتفصيل وكل ما وصلت إليه هذه المقالة التي نُشرت في 1998م في جريدة نيويورك تايمز ويأتي فيها إشارة للمكان الذي أصبح اليوم مطعماً للسوشي. هذه القصة الطريفة والغريبة تظهر علاقة البشر بالقراءة والكتب والطعام وتفاوت هذه الأولويات وتفاوت أهميتها مع مرور الوقت.
كنت قد وعدت مايكل سايدنبرغ بعدم الإفصاح عن مكان مكتبته، أو نشر موقعها على الإنترنت، ولم التقط صور للمكان لأنني ببساطة خجلت من رفع هاتفي واقتحام خصوصيته. وجدت لاحقاً الكثير من الصور التي نشرها الزوار وأصدقاءه وأرفقوها بكتابتهم عن المكان وندمت لأنني لم أفعل. ربما في رحلتي القادمة. قبل عدة أيام أرسلت رسالة الكترونية لمايكل أخبره عن نشر الترجمة ووعدته بإحضار نسخ من الكتاب المترجم للمكتبة في المرة القادمة. سيضع الرواية مع الكتب العالمية في مكتبته السرية، وقد يجد قارئ عربي نفسه هناك ذات يوم وسيسعدني اكتشافه لترجمتي. لم أجد ردّ على رسالتي حتى لحظة كتابة التدوينة. وقد استعين برايتشل من جديد!