تأبين حذاء.

 

وصلنا لنهاية الرحلة يا صديقي، بعد خمسة أعوام من الكفاح وجدت بديلاً لك هذا المساء. لم تكن رحلة البحث يسيره. حاولت التفاهم معك بخصوص هذا، لا يمكن أن تطل برأسك البرتقالي في كلّ مره اقترب فيها من انجاز عملية البيع. حذائي العزيز، الذي اسميته كاديلاك الأحذية، حانت اللحظة التي تردّدت فيها منذ نهاية العام ٢٠١٠. لم امض معك أكثر من ستة أشهر، بدأت وساوسي تزداد بأن اللون البرتقالي الفاقع لا يتناسب مع لون عباءتي السوداء أو بقية ملابسي. كانت المحاولة الأولى في متجر سكتشر، اقتنيت حذاء أسود مريح مشيت به لعدة خطوات وأحببته، بعد أيام اختبأ في مؤخرة الخزانة لتعود لك الامجاد من جديد.

أتذكر جيداً تعليق والدي على سعرك الباهض: هذا اطار سيارة وليس حذاء! وقلت له بثقة: إذا كنت سيارة فهذه اطاراتي المانعة للانزلاق، المحشوة جيداً بالهواء، وأمان خطواتي المهزوزة للأبد.

صديقي صحبتني في لحظات حماستي لبرنامج لياقة جديد، عبرت معي المجمعات التجارية وأنا ابحث عن فستان بتشجيرة مميزة أو حديقة ربيعية اصحبها للمنزل.

كنت اعتذر لك همساً كلما عدت من مناسبة طويلة امضيت ساعاتها كمسخ غرائبي يتمايل بكعب! لقد كنت كفايتي في حزم الحقائب لأركان العالم الأقصى. وماذا لو كنت حذاء رياضي؟ لستَ مجرد حذاء وكلانا الآن نعرف ذلك.

في سبتمبر الماضي صحبت نسخة أكثر نعومة منك، بتقليمات زرقاء وبنفسجية، قلت لنيويورك هذا العام سأكون أنيقة أكثر. والذي حصل، أنني انتهيت بقروح وإصابات اخذت من وقتي الكثير وابطأت من سرعتي، هذه رسالتك من خلف المحيط: هذا ما تستحقينه لتركي وراءك.

كُسرت قدمي في مارس الماضي ووقفت فردتك اليسرى باتزان أمام الجبيرة اليمنى.

لم تكن القيمة الباهضة للأحذية الرياضية ولا قلّتها العقبة الوحيدة أمام استبدالك فقد جربتها مرات ومرات، ببساطة لم استطع التخلّي عنك.

شاركتني لحظات الدهشة الأولى في كلّ مكان، زيارة المواليد الجدد، أيام العمل الأولى – أنا اتبع نصائحي عندما أقول لا ترتدي حذاء جديد في يومك الأول، شراء الكتب، تناول السوشي، اطعام السناجب،عبرت معك أزقة المدن المظلمة وزواياها التي لم تكتشف بعد، وضعتك جانباً لاغمر نفسي في مياه المحيط الاطلسي، عبور الحدود في الشرق والغرب، سيمفونية بيتهوفن التاسعة، خريف نيويورك، خريف پنسلڤانيا، انتقالي للرياض، والركض، الكثير من الركض سعادة وانطلاقاً.

عزيزي نايكي العجوز، لقد حانت اللحظة الفراق، سألفّك الآن في ورق معاد التصنيع، وستذهب في تابوتك البرتقالي – في الحقيقة هو صندوق الحذاء الجديد-. حاولت جاهدة ألا تشاهد ما حدث، اللحظة التي ارتديت فيها الحذاء الجديد واكتشفت معها أنّه ببساطة أنتْ بحلّة مختلفة.

.

.

.

٢٤ نفس في الدقيقة.

madame elle

في بداية العام الجديد انشأت مجلد الكتروني وعنونته بـ untitled، قلت في نفسي سأكتب هنا كل ليلة قبل الغفوة أي شيء، أي شيء أفكر به بما أنني لم اقتني مذكرة مولسكن الملونة. اعتدت على شراء مذكرة مولسكن السوداء لسنوات حتى العام ٢٠١٠م وبدأت فكرة المذكرات الملونة، كل سنة أفكر في لون وأجد أنّه يسيطر على كل شي، ملابسي، مذكرتي، وحتى لون فرشاة أسناني ومنتجات العناية التي استخدمها. سنة خضراء، سنة صفراء، وأخرى بنفسجية – مع أنني لا أحب ارتداء اللون البنفسجي– . ماذا حصل للمجلد الذي خصصته للكتابة؟ نعم كما حزرتم، لم يُكتب فيه أبعد من يومين. ٨ و٩ يناير بالتحديد. لاحظت أيضاً أنني وعدت نفسي بمحاولة التدوين الاسبوعي من جديد، اسبوعي ولن أقول يومي لأنني أعرف نفسي. طاقتي الكتابية كلها موجهه للعمل، سعيدة ومسترخية ومستمتعة بحرية العمل الجزئي مع أكثر من جهة. لكن الكتابة هي المتضرر الأكبر.

أحب اشتداد البرد لأن قطتي لا تجد مكاناً أكثر دفئاً من غرفتي، وقد شعرت بالفخر لأنني فكرت في شراء منزل صغير – اثنين في الحقيقةلها لتنام فيه. ووضعته قرب المدفئة الكهربائية التي لا تشعر بالسعادة إلا عندما تلصق أنفها الرطب بها. أخشى أحيانا عليها من الحريق، لكن ما دامت ستنام بقربي، لا أظن أن هناك مشكلة.

في الليل تشخر قطتي لفترات متباعدة، وأجد نفسي أحيانا في صراع، هل اوقظها وأخرجها لأنام؟ نعم كان شخيرها مزعج كما لو كانت انسانا. دائما أقول أنها تنسى كونها قطة، تتصرف وتشعر وتموء بلا توقف كأنها تحكي لي قصة.

قرأت أن القطط لا تموء إلا مع بني جنسها، وغالبا تعتقد أن البشر لن يفهموا السبب من مواءها لذلك لا تتعب نفسها. لكن قطتي مختلفة، تموء لتطلب كلّ شيء، ونموء لها كما لو كنا نفهم. تقف أحيانا لفتح الباب أو تحريك المفتاح لتنبيهي أنها ترغب بالخروج. تحب تناول الطعام المقرمش، والحلويات وخاصة البقلاوة والحلقوم!

ذهبت للطبيب البيطري ذات مرة اشتكي من أنها لا تتناول شيء آخر سوى طعامها الجاف، وضحك مطولاً وقال: يشتكي الناس من العكس. أنتِ محظوظة. لا تشرب من ماء راكد، أو لم تشهد صبّه أمام عينها، أصبح صنبور الماء الخيار الأفضل لها، ولنا بالتأكيد.

نسيت السبب الذي بدأت كتابة هذه التدوينة من أجله.

كانت تشخر ليلياً لذلك بحثت عن أسباب شخير القطط. قد تكون مشكلة صحية في مجرى التنفس، أو ببساطة طريقتها في النوم. في نفس الفترة بدأت أعراض غرائبية تظهر عليّ من جهة أخرى، من بينها نزيف الانف الصباحي الذي خشيت أن يكون مرتبطاً باضطرابات في ضغط الدم، وكان في النهاية: جفاف الرياض.

خلال عطلة المدارس القريبة وعدت حصة أختي بمشاهدة أفلامها المفضلة، وكانت البداية مع فيلم Divergent ثم Insurgent وبدأنا بسلسلة The Hunger Games وتبقى اثنين.

الفكرة كانت مذهلة بالنسبة لي لأنها نوعية أفلام لا أشاهدها عادة، أفلام مغامرات وخيال علمي. توقفت عن ذلك قبل سنوات وشجعتني حصة بسبب حماسها وقراءتها للكتب. كانت سعيدة جداً وهي تلقي بالملاحظات خلال مشاهدتنا ولكن للأمانة: لا تشاهد فيلم أو أفلام مع شخص مهووس ويحبّه.

هل سأتابع أفلام من هذا النوع من جديد؟ ربّما.

جربت شراء منتجات لقطتي من متجر أليف الجميل أحببت طريقة العرض وسهولة الشراء وكان الدفع عند الاستلام وهذا ما سيشجعني للشراء مستقبلاً. اقترحت عليهم منتجات لعدم توفرها وأتمنى منهم عمل ذلك مستقبلاً. أعجبني أيضا وجود مدونة تابعة للمتجر تتحدث عن القطط والحيوانات الاليفة عموماً.

عنوان التدوينة جاء بعد أن انحرف مسارها للحديث عن مدام إل، والاربعة وعشرين نفس في الدقيقة هو عدد الانفاس التي تلتقطها وهي في حالة استرخاء وهدوء.

.

.

.

.

كيف سامحت نفسي؟

By Amanda Blake
By Amanda Blake

قبل خمس سنوات تقريباً تركت وظيفة رائعة براتب جيّد وساعات عمل مناسبة لأنها لم تتناسب وطموحاتي آنذاكتركتها بلا ترددّ أو ندم. لكنني عانيت طويلاً من استفهامات من حولي، أصدقاء، وأفراد العائلة الممتدة. لم تدم بطالتي طويلاً، عدت للعمل الحر وعملت في صحيفة لسنتين، ثم انتقلت لمجلة تُنشر اقليمياً، وبين تلك الوظيفة وما بعدها عملت لفترات متقطعة في مجال التدريب والتعليم. هلعي من تعثر حياتي العملية قابلته رغبة شديدة وحماس لتعلم كلّ المهارات التي افتقرت لها ولم توفرها لي حياتي الأكاديمية. لقد نجحت في مسامحة نفسي وتجاوز ما اشعرني به الجميع وصوروه كخطأ جسيم. في نفس الفترة قرأت بلا توقف وانتقلت بين المؤلفين والقارات، اشبعت فضولي تجاه احداث تاريخية لم أفهمها في صغري، استمعت للموسيقى وتعرّفت على اهتمامات عمري القادمة. العمل من المنزل وعزلتي بالمقابل قطعتني عن لقاءات الصديقات والحياة الاجتماعية التي عاودت الانضمام إليها بعد غياب عامين في الرياض، لم أجد طريقاً لتجاوز هذه العزلة فكنت أجد سعادتي في زيارة للعاصمة كل عدة أسابيع للقاء قريباتي وصديقاتي الجدد. من اللحظة التي غادرت فيها وظيفتي تلك عانيت مادياً وقاومت رغبتي في العودة للروتين المرهق أصبحت حياة المتعة والتعلم والترفية أغلى بكثير من قدرتي على التسوق شهرياً أو شراء الهدايا لأفراد عائلتي.كل ما أوفره اصرفه في الكتب أو التجارب الجديدة، رحلة لبلد قريب، زيارة المعارض الفنية، والمشي، الكثير من المشي.

* * *

ثم جاء انتقال العائلة للرياض، وتخلينا عن كل شيء وراءنا، البحر والذكريات وبيت امتلكناه بعد مشقة، عدنا من جديد لهلع المسكن المؤقت والظروف الغائمة. لكننا أقدمنا عليها بقلب شجاع! لم تعد النزهة والاعتماد على ما يمكن توفيره لتبديده على الترفيه مسألة مقبولة. الآن أنا بحاجة لعمل ثابت ومصدر دخل آمن لمساعدة والدي ووالدتي حتى نجد ضالتنا ونمتلك بيت الاحلام رقم ٢. عدت للعمل من جديد والمفاجأة كانت أنني أحببت ما أفعله، كانت ساعات اليوم تنتهي وأنا على المكتب أتردد بين الخروج ومواصلة الكتابة. بعد عدة أشهر من العمل ككاتبة محتوى ابداعي ظهرت لي فرصة الانضمام لطاقم تدريس مدرسة ثانوية/متوسط وتدريس مادة الحاسب الآلي – من صميم تخصصيكانت المحفزات مغرية إلى الحدّ الذي قفزت فيه بحماس ووافقت على عرض العمل، كانت هذه هي الوظيفة الأوليّة التي تقدمت إليها قبل انتقالي للرياض. لم يحصل توافق، وصرفت النظر عنها. فكرة العمل في وظيفتين يعني تغطية مصروفاتي الشهرية والمساهمة في مصروفات العائلة والحصول على المنزل. كنت أعمل لثمانية ساعات متواصلة في المدرسة، ثم أعود للمنزل في الثالثة مساء وأعمل لست ساعات أخرى في كتابة المحتوى. كانت التجربة انتحار. انتحار لأن صحتي تعثرت، هواياتي انزوت في المقعد الخلفي للسيارة. ذهبت في عطلة، سافرت وحيدة لأفكر في وضعي وهل سيستمر هذا الضياع طويلاً؟ تقلصت مهام العمل تدريجياً، وأصبحت أعمل في وظيفة واحدة. لم يتغير شيء! ابكي بمعدل يومي بسبب الضغوط، افتقدت الكتابة والتدوين والقراءة، بعد أن كان معدل قراءتي كتابين اسبوعياً أصبحت انتصر وأشعر بالفخر إذا انتهيت من كتاب واحد كل ثلاثة أشهر. جلد للذات كلّ يوم، ادائي التدريسي رائع بشهادة منسقة القسم والمديرة، استطلاع رأي للطالبات يكشف للإدارة وليبأنني أفضل مدرسة حاسب آلي مرت عليهم من مراحل دراستهم المبكرة. لكن الرضا الداخلي: ميّت.

* * *

صارحت عائلتي الصغيرة برغبتي في ترك وظيفتي واستعدت بداخلي الفترة التي مررت بها قبل خمسة أعوام. كانت الصدمة أخفّ خاصة وأني مهدت لهم بشكل واضح عدم ارتياحي، العمل الحالي حرمني من الاستماع لصوتي الداخلي. وساهمت رحلتي لنيويورك في تشجيعي على اتخاذ القرار، كانت ستمتد لأسابيع لولا اضطراري للعودة للعمل. كنت سأكتب عنها، سأنتهي من مشاريع عدة لكن. . عدت للعمل والركض خلال عدة أيام. فكرت: لو أنني في وظيفة أكثر مرونة، أو ببساطة حرّة. بكت المنسقة عندما ابلغتها برغبتي في مغادرة المكان، واصدقكم القول ترددت بعد أن شهدت مشاعرها هذه. وفكرت طويلاً في طالباتي المفضلات والتدريس الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر. جلست لوضع قائمة اصنف فيها الايجابيات والسلبيات: سأعود لفوضى الدخل المالي، سأعاني طويلاً من اسئلة الاقارب والغرباء، سيرتي الذاتية بوظائفها المختصرة والسريعة ستثير ريبة جهات العمل المستقبلية. ما الذي ساستعيده؟ راحتي، نومي المسلوب، صباحاتي، وقت الكتابة، السفر، القراءة الكثير منها، والعمل الحرّ. كانت هناك مرحلة انتقالية صعبة، فيما لو مضيت باتجاه قراري سأكون مضطرة للعمل لشهرين أو أكثر حتى نهاية الفصل الدراسي مع معرفتي التامة بأن هذا العمل لن يدوم. كنت بحاجة لمسامحة نفسي على كلّ شيء، تعبي وانشغالي وانقطاعي عن القراءة وقلقي وتوتّري والتركيز على شيء واحد: أداء عملي بشكل مثالي والانتهاء منه بأقل خسائر وضرر.

* * *

في قلب حيرتي مررت بتدوينة جميلة في مدونة Zen Habitsالتي أحبها وتُلهمني. كانت التدوينة عن مواجهة الاحباط والخيبة التي تصادفك تجاه نفسك، وكيف تتجاوزها. نشعر بالاحباط والخيبة عندما لا نرتقي للمعايير التي وضعناها لأنفسنا، ولم نستطع تحقيق أي هدف أو نجاح نرضاه. عندما نفتقر للانتاجية المعتادة، ونترك مهامنا الصغيرة منها والكبيرةبلا انجاز. لا نتغذى بشكل جيد، ولا نتمرّن. القائمة تطول لكن الفكرة اتضحت لي بشكل جيد، أنا أعاني منها كلها! الخطوة الأولى هي الاعتراف بمشاعرك، النظر إليها من الداخل، والتعرف على ما يصاحبها قد تكون هناك احتمالية بأننا نتوقع من أنفسنا الكثير، أكثر من المعقول. ثم تأتي المرحلة التالية: نعطي هذه المشاعر مساحة، نعيشها ونعيها، ولا نصارعها. الخطوة الثالثة: نتعاطف مع أرواحنا، ونحتضنها، مهما كانت الظروف الخارجية مؤذية لا تتعاون معها عليك. والخطوة الرابعة كانت الأهم لدي: اكتشاف روعة الحاضر، كيف سأمضي هذه الايام حتى وصولي لخط النهاية، نهاية الفصل الدراسي. استعدت روتيني – أو جزء منه، عدت للخروج والتنزه، الاجتماع مع صديقاتي مع تجاهل الحديث عن احباطي العام، تخلصت من القيلولة لأدخل أنشطه ممتعة مكانها، عدت للقراءة تدريجياً باختيار روايات صغيرة مدهشة، أو قراءة كتب متنوعة التخصص استعدادا للفصل القادم من حياتي العملية. ابحثوا عن شيء تتقنونه ويمكنكم قياس نجاحكم الملحوظ فيه بشكل يومي بعيداً عن أجواء الاحباط. كنت انتهي من عملي قبل ظهيرة الخميس واستقبل نهاية الاسبوع بحماس ونشاط، لا اترك لحظة للصدفة واقسم وقتي على المتع المفقودة. الخطوة الأخيرة والممتعة: واصلوا التقدم بفضول. وهذا ما حصل معي، تقدمت للعمل في جهات مختلفة مع التأكيد بأني لن استطيع مباشرة أي وظيفة إلا في يناير. وعلى شرط آخر: سأعمل بدوام جزئي أو عن بعد. هل كانت لدي فكرة بأني سأحصل على وظيفة؟ لا طبعاً. كان الخروج من الوظيفة مرعب، لأنه يساوي المجهول. واصلت تقدمي بلا توقعات، أيّ توقعات. مرت الايام ببطء وسعادة لأنني قررت التعايش معها، وتوقفت عن البكاء. وصلت لخطّ النهاية واحتفلت الخميس الماضي. انتهى العام وقد تحررت من قيود اخترت الدخول إليها بكامل قواي العقلية والجسدية. انتهيت من تدريس فصل كامل، تقييم طالباتي والفخر بمن تفوق منهن. ممتنة لتلك الأيام بكل ما فيها، علمتني حدود صبري، وقدرتي على العودة من الاحباط التامّ. سنة ٢٠١٥م كانت سنة الخروج من منطقة الراحة بجدارة. والخبر الجميل الذي أريد أن اختم به هذه التدوينة: الاسبوع المقبل سأبدأ العمل من جديد مع شركة همزة المتخصصة بكتابة المحتوى الابداعي. والقادم أجمل.

تحديث ٢٠١٨

تركت ثلاثة وظائف بعد هذه التدوينة، لم تكن روحي حرّة ولم تشبع نفسي كما أحبّ. في ديسمبر ٢٠١٧ تركت وظيفتي الأخيرة واستعد الآن للعمل على مشروعي الخاصّ. مرحلة جديدة من رحلتي مع العمل الإبداعي. وسأخبركم بتفاصيلها حين تكتمل.

تحديث ٢٠٢٠

في العام ٢٠١٨ بدأت شركتي الخاصة لصناعة المحتوى. في بداية ٢٠١٩ عدت للعمل في وظيفة من جديد، كانت كارثية على المستوى الشخصي، جيدة مهنيًا. لم أستطع البقاء لأكثر من عشرة أشهر وتركتها. عندما قدمت استقالتي لم يكن أمامي وجهة واضحة، كنت أعمل على مشاريع محتوى عبر شركتي، وبعض المشاريع الإبداعية الأخرى بشكل مستقل. عملت كمستشارة محتوى لجهة حكومية حتى بداية ٢٠٢٠. وصلني عرض وظيفي رائع وبدأت العمل قبل أسبوع من انتشار جائحة كورونا. ما زلت في وظيفتي الممتعة والجديدة كليًا على كل ما سبق وعملت به. أحبها وأظن إنها المرة الأولى التي أفكر في استقرار وظيفي طويل.

.

.

.

بيت صغير بمنهاتن.

Screen Shot 2015-12-18 at 3.40.30 PM

كنت سأجلس لكتابة هذه التدوينة قبل عيدي الثالث والثلاثين – أكتوبر الماضيلكنّني فشلت كالعادة في صنع الوقت. لا وقت أفضل من ديسمبر للحديث عن سنة ملوّنة شهدت تغيرات كثيرة. لكن تجربة السفر وحيدة غيّرت حياتي كلها وليس سنتي. لم تكن هذه الخطة الابتدائية طبعاً، لكن انشغال أخوتي بدراستهم جعلتني أواجه المدينة الضخمة واستمتع بإجازة مستحقة.

أعتقد بشدة أنك تحتاج للسفر وحيداً لتحتفل بنضجك وقدرتك على مواجهة أصوات روحك، ركضنا المستمر في العمل وروابطنا الاجتماعية التي لا تنقطع يجعل مهمة التركيز على أنفسنا صعبة وأقرب لدى البعض للمستحيلة. فكرت في كل المنافع التي سأجنيها من السفر وحيدة، بينما كان البعض يتساءل عن جدوى الذهاب لآلاف الأميال لترافق ظلك، لتشعر بالرعب في الشوارع الخالية، وتلتفت كل لحظة لتشارك دهشتك مع أحد ولا تجد رفيق.

الآن وبعد عودتي بشهور أتأمل التجربة بسعادة، لقد سيطرت على كل مخاوفي، النوم في بناية مرتفعة قرب الموقع الذي سقطت به أبراج التجارة في ٢٠٠١م، المشي مع شروق الشمس لمقهى قريب والوقوف في طابور مع عمال البناء الروس، واستكشاف خطوط القطارات التي لم أجربها من قبل، والصمت الطويل وأنا أراجع ملفاتي المعلقة لأصل لقرار بشأنها. لم تكن هناك ضمانات بأنني لن أشعر بالملل أو الخوف، حصلت على وقت فائض مع نفسي، أخذتها في مواعيد، واشبعت دهشتها.

آلان دي بوتون في كتابة فنّ السفريقول شيئا بمعنى أننا حينما نسافر وحدنا نتخلص من أثر رفقتنا التي تعجن آراءنا وتفاعلنا مع ما هو حولنا وبالتالي تكبح فضولنا. السفر مع الآخرين يقوم بفلترة التجارب حتى قبل أن تقدم عليها. أحبّ السفر مع أخوتي وصديقاتي كثيراً لكنّ هذه المرة كانت لي.

قرأت قبل عدة أيام مقالة لطيفة عن أهمية السفر وحيداً للكتّاب والمبدعين بشكل عاملم يكن ذلك هدفي من الرحلة، لكن هل ساعدتني؟ نعم كثيراً! ووجدت أنني بلا وعي منّي أطبق النصائح التي جاءت في المقالة لتفيدني لاحقاً بما سأكتبه.

خلال العشرة أيام التي قضيتها تأملت المبدعين وهم يعملون بحماس وتركيز، الرسام والنحات والموسيقي ونادل المقهى ومتسابقي الرسم على القهوة وقاطع تذاكر المسرح.

السّفر وحيدة ساعدني على تجاوز خجلي وخوفي من الحديث مع الآخرين، السؤال عن الاتجاهات ومكونات الاطباق وقياسات الملابس ومحتويات المشروبات، كانت مهمة رفقتي وكنت أتأمل وانتظر. السفر وحيدة منحني الوقت الكثير من الوقت. والشيء الأجمل من هذا كلّه: لم يكن معي خطة. كانت هناك بعض الفعاليات التي حضرتها وعدا عن ذلك لا شيء يلزمني بالخروج والعودة في وقت محدد أو الالتزام بطريق أقلّ ازدحاماً.

مشيت كثيرا حتى شعرت بأن قدمي كُسِرت واحتجزني الألم لساعات الظهيرة حتى انتهيت من تكميدها والتحقق من سلامتها.

التقطت خلال رحلتي هذه صوراً أقل بكثير من كل مرة، كان رأسي يقول ارفعي هاتفك والتقطي الصورة الآن، وكنت اتحسسه في جيبي واتجاهله. الآن كلما بحثت عن قصة لأرويها يطلب مني المستمع صورة وأخبره بكل حماس: لا يوجد صورة، الصورة هنا في قلبي.

هل سأكرر التجربة؟ بالتّأكيد، حتى لو كان الذهاب وحيدة لعدة ساعات يومياً داخل المدينة. لقد وجدت الكثير من الاجابات وواجهت الكثير من المخاوف. وتذكرت على طول الطريق أوسكار وايلد وهو يذكرنا بحاجتنا لتعلم الوحدة.

مخرج

art-of-travel

كتاب آلان دي بوتون عن فنّ السفرتوصية خاصة، ورفيق مبهج في السفر.

.

.

.

.

كيف استعدت حياتي؟

novpost

مساء الخير.

آخر تدوينة هنا كُتبت قبل ثلاثة أشهر بالتمام، ويومين. آخذ من وقتي عدة دقائق يومياً لأفكر في شيء يستحق الكتابة، حياتي تركض على دولاب منذ أغسطس الماضي، وكل يوم هو أربعة فصول كاملة. كل ما يحدث يستحق التدوين، لكنني لا أملك التركيز لتسجيله هنا. حصل ما كنت أخشاه والتهمت وظيفة التدريس حياتي بالكامل على الأقل خلال الشهر الأول من العمل ومحاولتي لاستيعاب كلّ شيء في إطار وقت ضيق. مدرسة جديدة، نظام جديد، وعشرات القوانين التي لم تكن موجودة في ذاكرتي التعليمية. واليوم ما الذي استجد؟ فكرت في الكتابة عن محاولتي لاستعادة حياتي التي اختطفها العمل. في البدء كان التخلص من القيلولة مؤلماً، كانت وسيلتي الوحيدة لاستعادة نشاطي لما تبقى من اليوم. واكتشفت –كالعادة- أنني استطيع فعل المزيد عند تجنبها. مشاهدة التلفزيون والجلوس مع العائلة، الخروج خلال أيام الأسبوع والمحافظة على حياة اجتماعية صحية. لقد تعرفت على قدراتي الجسدية الكامنة خلال رحلتي القصيرة لنيويورك. كنت استيقظ قبل الفجر، أتناول الفطور في السادسة والنص تقريباً وانطلق للمشي واستكشاف المدينة ولا أعود لمسكني حتى السابعة مساء للنوم من جديد، لم تكن القيلولة مهمة!

التغيير الثاني: تحضير الدروس بالكامل خلال نهاية الأسبوع وصنع خطة بديلة في حالة تعثر أداء الحصص أو فوجئت بتدني مستوى الطالبات وصعوبة الدروس التي أعددتها لهم. لم تعد مفاجآت الأسبوع متعبة، كل ما فعلته هو قراءة بعض النقاط والاستعداد للإلقاء في اليوم التالي.

التغيير الثالث: قررت تطبيق فكرة الـ 20% التي عملت بها شركة غووغل قبل سنوات. يسمح للموظفين باستخدام 20% من وقتهم خلال أيام العمل لمتابعة شغفهم والعمل على مشاريع تهمهم ويبتكرونها والتعلم كذلك. إحدى الأفكار العظيمة التي ولدت من الوقت المستقطع هذا: بريد جيميل الإلكتروني. غيرت في الفكرة لأعيد توزيع وقتي. أعمل يومياً لـ 8 ساعات، وأقضي 8 ساعات في النوم ليلاً، يبقى 8 ساعات في اليوم للخروج، لتناول الطعام، للرياضة، للجلوس مع العائلة ومشاهدة برامجي ومسلسلاتي المفضلة. 20% من الثمان ساعات = ساعة ونصف. ساعة ونصف خصصتها يومياً للعمل على شيء يهمني ويغذّي شغفي. عدت للقراءة بتركيز أكبر، مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية، واللحاق بما فاتني من مستجدات خارج نطاق عملي اليومي. بهذه الطريقة تخلصت من عقدة الشعور بالذنب تجاه نفسي والأشياء التي أحبها، أصبحت استقبل يوم العمل المنهك بطاقة أكبر ويقين أن ما بعد الثمان ساعات هذه رحلة ممتعة وشيء جيد أتطلع إليه.

الالتزام بهذه التقسيمة الجديدة للوقت ساعدني في المحافظة على جدول نوم ثابت، لأنني ببساطة لا استطيع التفريط بأي دقيقة. التغييرات أعلاه ساعدتني في الجلوس وكتابة التدوينة اليوم. فكروا في استخدامها واستمتعوا بالنتائج.

مخرج

أقرأ في مفكرة خوسيه ساراماغو واستوقفني المقطع التالي الذي ذكرني بشعوري تجاه مدونتي والكتابة: “مللت من الاستماع إلى نفسي. فما قد يبدو جديداً للآخرين قد تحول مع مرور الزمن إلى حساء أعيد تسخينه.” لكنه يعود ويقول شيء جميل “أعانق الكلمات التي كتبتها، أتمنى لها عمراً طويلاً، وأستأنف كتابتي من حيث توقفت.”

وهكذا سأفعل!