لم يستطع أحد معرفة السرّ الكامن في لوحات الفنان الانطباعي الثائر مانيه. لقد كتب القوانين من جديد ووضع الأسس للفنّ الحديث كما نعرفه، أسسّ مدرسة وإن لم يكن واعياً لها. وفي هذه التدوينة التي جمعت لها الملاحظات والصور منذ فترة قصيرة وأحببت مشاركتكم بها اليوم، بمناسبة ذكرى ميلاده. سأتحدث باختصار عن مانيه، وعن الوثائقي الرائع الذي شاهدته عنه، والكتب التي قرأتها حول أعماله.
تحدر إدوارد مانيه من أسرة باريسية غنية ومحافظة، ونشأ على العادات والتقاليد بين 1849-1857م. ثم انتقل من المسار المخطط له منذ طفولته إلى الفنّ الواقعي والانطباعي، أصبح بعدها الأبّ الروحي للمدرسة الانطباعية والحركة الفنية التي انطلقت تحت مظلتها وامتدت لأشكال أخرى من الإبداع الإنساني. يُنظر إليه بأنّه مؤسس الفنّ الحديث. وهذه الألقاب لم ينسبها لنفسه بالتأكيد، لكن طبيعته الثورية ومسيرته المختلفة دفعت بالمتابعين والنقاد –المحبين والكارهين- إلى تلقيبه بذلك. بدأ كلّ شيء في اللحظة التي رُفضت بها لوحته “غداء على العشب” ولم تشارك في صالون باريس الفنيّ الشهير 1863م. ثمّ وبأمر إمبراطوري أصدره نابليون الثالث عُرضت مع لوحات المنبوذين الأخرى في معرض Salon des Refuse. لقد حرّك مانيه الأجواء وأثار ضجة لم تهدأ لثلاثين عاماً. لم تكن العارضة العارية في الصورة السبب، فقد امتلأت اللوحات الكلاسيكية القديمة بصور العراة. لكنّها الطريقة التي ظهرت بها المرأة ونظرتها الجريئة التي تقابل بها المشاهد، جلوسها على العشب بجانب كومة ملابسها، والرجلان اللذان احتفظا بكامل أناقتهما وشاركاها الجلوس. كان ذلك كثيراً جداً وصادماً. لم تكن لوحته “غداء على العشب” خاتمة الدهشة والنفور ولن تكون الأخيرة. مانيه عرض لوحة “أوليمبيا” التي كانت بطلتها عاهرة تستريح على فراش وثير، لا ترتدي سوى شريط أسود مزين حول عنقها وحذاء بكعب في قدميها، تنظر في عيني المشاهد أيضاً، وفي ركن الصورة الآخر تقف خادمتها التي تحمل زهوراً من أحد زبائنها. متابعة قراءة ثائر على الكانفاس: إدوارد مانيه.