رسائل من وادي الفوضى

اتحسس جرح صغير غائر على إصبعي وأفكر كيف يمكن صياغة افتتاحية مناسبة لهذه التدوينة العشوائية؟ ربما سأحكي أولًا قصة هذا الجرح الذي حدث بسبب انعدام صبري! قبل أسبوع أو يزيد من اليوم وجدت نفسي حبيسة غرفتي مع قطة متوترة بلا طعام أو مكان لقضاء حاجتها. كان يومًا طويلًا ومجهدًا عدت فيه من ورشة تدريبية بدأت صباحًا وتبعتها عدة ساعات عمل في المكتب. لم تعتد قطتي النوم في الغرفة. كل ليلة تقضي بعض الوقت معي ثمّ أخرجها لتتجول في المنزل وتجد زاوية هادئة لتغفو. كانت ظريفة جدًا تلك الليلة!

نظرت لعينيها اللامعتين وقلت هيا معي نختتم اليوم باللعب ثم اتركك تذهبين. أدخلتها وأغلقت الباب بالمفتاح وبعد بضعة دقائق شعرت بالملل وطالبتني بالخروج. حاولت فتح الباب عدة مرات لكن المفتاح امتنع عن الحركة. قررت حينها استخدام منشفة ثقيلة للامساك به وتحريكه بقوة وكسرته! وقفت مذهولة للحظة والمفتاح في يدي ولولو تموء وتدور حول قدمي في محاولة لشرح فتح الباب ببساطة: ما بك يا هيفا؟ هيا ضعي المفتاح هنا وحركي مقبض الباب لنخرج.

قبل أقل من ربع ساعة كان المنزل نابضًا بالحياة، والديّ مستيقظين يشاهدون مباراة أو برنامج رياضي عرفت ذلك من الصوت. وأختي كانت رفيقتي منذ قليل ولا أصدق أن النعاس تمكن منها بهذه السرعة. تواصلت مع كل الهواتف وطلبت النجدة من أخي الذي يعيش في مسكنه المنفصل. وانطلق لنجدتي!

 مختصر القصة يا أصدقاء لأنني رويتها عشرات المرات منذ ذلك اليوم، عشنا ليلة طويلة من محاولات كسر القفل وإصابة في إصبعي بعد استخدام كل أداة حادة في غرفتي وانتظرنا الصباح لاستدعاء فنّي أقفال أو في سيناريو أسوأ: الدفاع المدني. فتح أخي الباب وقررت الذهاب لليوم الأخير من برنامج التدريب والعمل كأي يومٍ آخر لكن برأس لم يغف أكثر من ساعتين. وقطتي لولو المسكينة ركضت كما لم تركض من قبل باتجاه صندوقها وطعامها وشربت الكثير من الماء. أظن أنها ستعيد النظر في قضاء الليل بصحبتي وقد تركض في اتجاه معاكس كلّ مرة نلتقي في الممر.

القصة كلّها كانت بمثابة درس برسائل متعددة. قالت أختي: تأملي كل المجازات الممكنة لما تمرين به. في لحظة واحدة وجدت نفسي حبيسة المكان مع أفكاري ومشاعري والمرحلة الغائمة التي أمرّ بها منذ إبريل الماضي.

والآن سأحكي لكم عن قصة عنوان التدوينة المناسب جدًا لهذه الأيام!

ركز البرنامج التدريبي الذي حضرته على «التغيير» كيف يبدأ في المنظمات؟ وكيف نتعامل معه؟ وكيف تتمكن من الصبر على كلّ تفاصيله؟ كل هذه الأسئلة حضرت مع إجاباتها المسهبة، وقضيت مع زملائي تجربة ممتعة في تطبيق سيناريوهات تخيلية لبعض التحديات التي نواجهها في عملنا اليومي.

علق في ذهني نموذج «كيوبلر – روس» للتغيير. استخدمته المدربة وزميلتها في وصف حالة الموظفين في بداية وخلال ونهاية التغيير. في بدء المنحنى يسيطر الإنكار على الجميع، من ثم يهبطون باتجاه القاع وتبدأ المقاومة والشكوك، وفي القاع يستقرون في «وادي الفوضى» هنا يبدأ الألم والكرب، قد يطول مكوثنا في هذا المكان حتى نقنع بالتغيير ونتبناه بالصبر والمعرفة، ونصعد باتجاه الاكتشاف وتعزيز الإيمان باتجاه القمة حيث نملك الخبرة الكافية والالتزام بهذا التغيير.

في رحلتي الشخصية مع التغيير أقف في المنتصف، في وادي الفوضى! واللحظة الأولى التي ظهر النموذج على الشاشة أمامي ابتسمت لا إراديًا للمدربة. نعم أعرف هذا المكان جيدًا. من بين كل الرسائل التي تصلني كلما استشرت من أثق به: الصبر الصبر الصبر. تتردد الكلمة على سمعي كأنها تهويدة. هذا الصبر الذي سيخفف عني شعور الضياع العميق ويسهّل خطو أقدامي صعودًا.

بدأت التفكير في هذه التدوينة قبل أسبوعين تقريبًا، كنت أبحث عن نافذة أزفر منها ثقل مايو الطويل جدًا وأحداثه الغريبة وصعوباته. الأسبوع امتدّ وزادت الحكايات في رأسي والتفاصيل والتأملات.

ما زلت أفكر في الغرفة المغلقة وحديث عابر مع صديقتي مساء الأربعاء البعيد: اليوم سأعود للمنزل، أبكي قليلا، وأكتب تدوينة جديدة! وجدت سببًا للبكاء، وقصة جديدة لترويها.

يونيو يبشر بالخير من بدايته، العيد ورحلة صيفية وكتب جديدة أتطلع لالتهامها.

إذا كان هناك قائمة للحظات مبهجة خلال الفترة الماضية ستكون كالتالي:

  • إتمام رواية يابانية ممتعة للكاتب كيئتشيرو هيرانو بعنوان «أحد الرجال» والبدء برواية للكاتبة الإيطالية نتاليا غينزبرغ بعنوان «معجم عائلي»
  • سولو الكمان في مطلع ليلة حب لأم كلثوم.
  • أطراف شعري المقصوصة حديثا.
  • إنطفاء اللون الأحمر في خصلاتي الفاتحة والشيب المغمور بالبندق.
  • فستان للعيد بلون السماء.

Photo by Rachel Rector

.

.

الأسبوع ١٨

استيقظت صباح الأول من مايو وعلى غير العادة امسكت بهاتفي المحمول لتظهر على الشاشة رسالة نصية من صديق نيويوركي كانت الرسالة مقتضبة جدًا وكافية لأفهم ما حدث: «هذا يوم حزين». قضيت دقيقة كاملة وفكّرت هناك أمر واحد تعنيه الرسالة، فصديقنا المشترك توفي في صيف ٢٠١٩ وبقي صديقنا الآخر* بول أوستر يصارع المرض من فترة. قلت لنفسي: لقد رحل أوستر بالتأكيد. فتحت المتصفح وكتبت اسمه وإذا بالأخبار تتوالى.

استدل على معرفتي به وقراءاتي الأولى من خلال مقالة نشرت في الاقتصادية، ربما كانت بداية القصة نهاية العام ٢٠٠٨ وبداية ٢٠٠٩. التهمت كتبه الواحد بعد الآخر خلال عدة سنوات ومن بعدها لم يبقَ من أعماله شيء إلا وزرته بالعربية أو الإنجليزية. لكنني أحب سرده الواقعي كثيرًا، أكثر من رواياته وقصصه. رحلاته ونظام عمله ودائرة معارفه كلها كانت محلّ اهتمام. وكلما سافر أحد أفراد العائلة طلبت منه عنوانًا أو اثنين سواء من كتبه أو قراءاته. أذكر أن أول** كتاب صوتي سمعته كان لرسائله وجي. إم. كوتزي وكلّ منهما يقرأ رسائله بصوته. في الكتاب نفسه عرفت بأنه لا يستخدم البريد الإلكتروني ولا يملك حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي. وهي معلومة أكدتها زوجته سيري هوستفيدت في منشورها الأول بعد وفاته. أذكر أني كتبت شيئًا في تدوينة سابقة عن القوائم التي نبدأ بسردها في أذهاننا عند فقد أحدٍ نحبّه. وربما كانت هذه قائمتي!

الليلة السابقة لوفاة أوستر كنت اتحدث مع أختي عن شعور أجسادنا بالعمر وتأثيره عليها وتذكرت اقتباسًا في بداية «حكاية الشتاء» لأوستر، يصف شعور الأقدام على الأرض الباردة أو شيء من هذا القبيل. وقبل أسبوع من هذا اليوم كنت اقرأ بشكل عشوائي تدوينات قديمة أحبّها ومررت بتلك التي سجلت فيها مشاعري عند لقاءه في بروكلين!

حلمت كثيرًا بتلك اللحظة لدرجة أني قررت الذهاب لحيّه الذي يقطنه. حديقته العامة والشوارع التي تتخلل الحيّ كي نلتقي في صدفة مجنونة. لكنّ الأمنيات تتحقق بعد عشر سنوات بالتحديد من قراءتي الأولى. وقّع نسختي العربية من ثلاثية نيويورك والتقطنا صورة لطيفة سأحملها في ذاكرتي للأبد.

في أخبار أخرى انتهى شهر أبريل الذي ينافس في طوله شهر شوّال. كان شهرًا عاصفًا*** على جميع الأصعدة لكنّه جميل وممتع. استعدت فيه شهيتي للقراءة والاكتشاف ورتبت لعطلتي الصيفية القادمة وعدت للتدوين طبعًا.

كيف يبدو مايو من هنا؟

اشتركت في تطبيق أبجد للكتب الرقمية أخيرًا بعد عدة محاولات من الصديقات لإقناعي أن القراءة الرقمية مجدية وربما لأن مكتبتي لم تعد تحتمل المزيد من الكتب المطبوعة في الوقت الحالي. قد اتخفف من مجموعة كتب في نهاية السنة لكن حاليًا اخترت القراءة الرقمية وقيمة الاشتراك مذهلة مقارنة بما سأدفعه لشراء كتب ورقية جديدة.

استمتعت بقراءة مقالتين عن القراءة الجهرية ومتعتنا المفقودة عندما توقفنا عنها. أحبّ قراءة مقاطع من الكتب والمقالات أينما كنت أجلس بصحبة عائلتي أو الصديقات.

في كلّ شهر أجرّب إضافة عادة أو تغيير على نظامي الغذائي وفي مايو سأعود لنظام غذائي جربته قبل سبع سنوات وساعدني في اكتشاف الأطعمة التي تسبب لي الانزعاج في جهازي الهضمي ويظهر تأثيرها على جسدي بشكل عامّ. اسم النظام «Whole 30» وكتبت عنه في هذه التدوينة بالتفصيل. سأعيد التجربة لمايو استعدادًا للصيف في محاولة هي مزيج من تنظيف للنظام واكتشاف مذاقات مختلفة. الشيء الذي لن التزم به في هذه المرة هو استبعاد البقول والشوفان ومنتجات الحليب حيث إنها أساسية في نظامي الحالي.

نهاية الأسبوع قضيتها في قراءة الصفحات الأخيرة من رواية «الطباخ» لمارتين سوتر لا أستطيع القول بأنها رائعة جيدة وليست سيئة لكنّها ممتعة ومثيرة للفضول. يوم الجمعة ذهبت مع أخواتي لباليه بحيرة البجع – نعم أردت قول الجملة لأنها تشعرني بالسعادة. أن تذهب للأوبرا مساءً أو تحضر مسرحية أو باليه في مدينتك نوع من الترفيه الذي انتظرته.

أشاهد على يوتوب سلسلة ممتعة عن البيوت والقصور التاريخية في بريطانيا والتي ما زالت تدار من الأسر الارستقراطية التي أسستها وسكنتها أول مرة أو من أفراد العائلة الذين يتحدرون من تلك الأسر. تقدّم هذه السلسلة الفيكونتس جولي مونتغيو وهي سيدة أمريكية متزوجة من ارستقراطي بريطاني. كتبت عنها في تدوينة سابقة بعد مشاهدة سلسلة وثائقية مشابهة وها هي تعود من جديد عبر قناة متخصصة على يوتوب. الكثير من المتعة والاكتشاف وجمال المعمار والطبيعة ينتظركم!

*طلب مني صديق ذات مرّة أن أرشح له كتب لبول أوستر فهو لم يقرأ له من قبل ويرى أنني وهو أصدقاء مقربين. أخذت شهادته هذه على محمل الجدّ واعتمدتها. نحن أصدقاء!

**لدي شكوك حول صحة المعلومة هل كان هذا هو الكتاب الصوتي الأول؟ أو كتاب عن تيد هيوز وسيلفيا بلاث؟

***غمرتني المشاعر والأمطار خلال أبريل بشكل غير مسبوق.

.

.

.

٢٦ أغسطس

أنهيت مهام ليلة الأحد باكرًا اليوم وجلست للتفكير في التدوينة، بلا ضغط أو تأهب. أتذكر دائمًا مبدأ التخلص من الالتزامات وأذكر نفسي أن التدوينة الأسبوعية هذه ستكون تمرين كتابي جيّد في سباق المسافات الطويلة -إنجاز كتابي مثلا. كان الأسبوع قبل الأخير من أغسطس حافل بالعمل والزيارات والقصص. التقيت فيه عدة صديقات بعد عدة أشهر من الانقطاع وتبادلنا آخر الأخبار وتفاصيل الحياة التي لم نشاركها على منصات التواصل الاجتماعي.

وضعت من يدي كتاب حاولت جاهدة مواصلة القراءة فيه بلا جدوى! الرواية المكتوبة بطريقة مختلفة «خلية النحل» كاميلو خوسيه ثيلا فشلت في القبض على انتباهي. أحب الكاتب وأتابع المترجم وقرأت له عدة مرات. عندما يحبطني كتاب اتردد في اختياري التالي وأعود لقوائم مشترياتي القديمة وأنبش الرفوف. وفي المرتبة التالية: المقالات الطويلة التي تصلني في النشرات البريدية أو أحفظها في قائمة مفضلة لا نهائية. لديّ كتاب عن الخبز وآخر عن قطّ مفقود وثالث عن سلسلة جرائم في أوكلاهوما الأمريكية. سأنتظر بداية الأسبوع واتبع مزاجي أينما ذهب.

عدت لضبط موعد استيقاظي من النوم بعد فترة خمول ووجدت أن الحضور المبكر للمكتب وبدء العمل قبل ازدحام المكاتب المشتركة أفضل شيء اخترته لطاقتي وتركيزي.

قرأت خلال الأسبوع ضمن نشرة Brain Food فكرة مثيرة للاهتمام عن مفهوم التفوّق – أو ما يجعل بعض الأفراد متفوقين على غيرهم سابقين لهم. وأوجزت الفكرة تسعة أسباب لذلك أترجمها هنا:

  • الموهبة والذكاء. بعض الأشخاص أفضل وأكثر ذكاء بطبيعتهم.
  • العمل الجاد، فالبعض يعمل بجهد أكبر.
  • التفاوت في رؤية العالم بشكل مختلف. تجربة الأشياء المختلفة، قراءة كتب مختلفة، وتفسير المعلومات بشكل مختلف.
  • الانضباط والنظام. ويقصد به تصميم نظام للعمل والعيش والمواظبة عليه (التمرين اليومي مثلا).
  • اقتناص المواهب البعض لديه المهارة في توظيف أفضل الناس وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم.
  • الصبر. انعدام الصّبر يغير النتائج.
  • القدرة على تحمّل الألم. ما هو مقدار المخاطرة التي يمكنك تحملها؟ والأهم من هذا: هل يمكنك التعامل مع الخسائر؟
  • الطباع والحالة المزاجية والحفاظ على ثباتك عندما يفقد الآخرين عقولهم.

أشاهد حاليًا -ببطء- مسلسل Halt and Catch Fire.  المسلسل الدرامي الذي يقع في أربعة مواسم ويصوّر فترة ثورة الكمبيوتر الشخصي في الثمانينات وبداية شبكة الانترنت. أعادني المسلسل لأيام الدراسة ومقررات البرمجة البدائية. ولكن بصورة أكبر أثار بداخلي شغفًا خفيًا لبدء مشروع عظيم والسهر لتحقيقه. أحببت تطور الاحداث التدريجي وتعلقي بكل الشخصيات بلا استثناء وهذا نادر الحدوث! دائما لدي شخصية أو اثنتين مفضلة في سياق الأحداث. الكتابة رائعة ولدي استفهام كبير عن شكل نهاية المسلسل؟ لماذا لم يمتد لأبعد من أربعة مواسم؟ تبقى لي موسم ونصف تقريبًا وسأجد الإجابة.

اكتشفت قناة يوتوب مليئة بالفيديوهات الممتعة تقدّمها مطورة وصفات وطاهية بريطانية اسمها تيش وندرز. لديها أيضا كتب وصفات رقمية جاهزة للاقتناء. لكن اقترح عليكم أولا مشاهدة الفيديوهات والوصفات قبل الشراء. الوصفات مناسبة للطهي في المنزل والتقليل من الأكل خارجه. وأعطتني أفكار لذيذة لغداءات العمل.

.

.

١٧ فبراير

استذكر هذه الفترة اقتباس حول الكتابة لمارلين روبنسون:

«اكتب عندما تسيطر عليّ الرغبة في الكتابة بقوّة. عندما لا أشعر بذلك لا أكتب، لا أكتب مهما حاولت. حتى وإن أردت العمل على كتابة شيء من أجل الاستمرار فإنني انتهي إلى كره ما كتبته، وهذا يصيبني بالكآبة. لا أريد الانتظار حتى يحترق الورق ويصعد للخارج عبر المدخنة.»

اكتب كلّ يوم في مكانٍ آخر، بعيدًا عن مساحتي المفضلة لكنّها كتابة بشكل أو آخر حتى وإن لم تحمل اسمي أو مشاعري أو يومياتي. أكتب في دفتر للمذكرات وأقفز عدة صفحات عندما لا أشعر بذلك.

*

استقرّ معنى الشتاء في قلبي هذا العام بشكل كامل. الاختلاء بالنفس، الهدوء، التباطؤ، والكثير من الفوضى. مراقبة الطبيعة وهي تنفض عنها كلّ حليتها وتسكن حتى تمر العاصفة وتطهّرها بطريقة ما. هذا التذكير السنوي الذي تحدّثت عنه الكاتبة كاثرين ماي في كتابها Wintering الذي لم انتهِ من قراءته حتى الآن لكنّ اقتباسًا منه قادني إليه:

«لدينا مواسم نزدهر فيها ومواسم تساقط فيها أوراقنا، وتكشف عن عظامنا العارية. وبمرور الوقت تنمو مرة أخرى».

مع كلّ هذا التحول البطيء يظهر الصبر كقيمة جوهرية، قبل عدة سنوات وخلال بحث مطوّل عن قيمي التي أعيش بها وحصرها لأتذكرها كلما اشتدت الحياة وتحولت كان الصّبر يظهر بينها متكررًا بإصرار. كلما تسلل الشكّ إلى نفسي حول جدوى كلّ شيء أتذكر: الصبر الصبر الصبر.

وبينما كنت أكتب عن الصبر وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية من جيمس كلير وضحكت من الاقتباس الذي توسطها:

«الصبر لا ينفع إلا إذا ربطته بالعمل.

أن تعمل على شيء + الصبر= النتائج

التخطيط للعمل+ الصبر= الانتظار فقط»

**

لو التقطت كاميرا علوية صورة لسريري خلال أشهر السنة ستكون المساحة الأكبر منه محجوزة لقطّتي. في الصيف تحبّ النوم على أقدامي ربما تظن أنها المنطقة الأكثر برودة في المكان، وربما هي كذلك. في الشتاء تبحث عن الدفء فتحتل الوسادة التي أصبحت لها بوضع المخالب! تبحث عن الدفء وتحاول استعادة ذاكرتها للحياة كما تعرفها. لكن لولو (Elle) لا تتصف بالوداعة دائمًا. لديها مسرحية ليلية مرهقة تتكون من فصلين أحدها “أدخليني” والآخر “أخرجيني!”.

لم تتوقف عن أدائها طيلة السنوات الماضية وأنا بلا مقاومة أحضرها أو ألعبها معها. هذه الأرجوحة المتحركة تذكرني بالحياة في العالم الخارجي، بعيدًا عن قطتي وبعيدًا عن سهراتها. المدّ والجزر في الحضور، في العلاقات، في العمل، في كلّ شيء. لا يمكنني الحكم على القطة فهي لا تمتلك قدرة متطورة على الانتباه والتحليل لتصرفاتها المتناقضة بين الرغبة في البقاء أو الرحيل.

***  

يقترب شهر فبراير من نهايته. قد تستسلم للفكرة المرعبة بأن شهران انقضيا في العام الجديد، أو ببساطة ستقول كانت شهرين رائعة من رعاية الذات ورفض ثقافة السباق وقوائم المهام التي يجب عليك إتمامها مع مطلع يناير.

ينتهي فبراير بالاحتفال بيوم التأسيس وعطلة قصيرة ممتعة، زواج لإحدى قريباتي، ورحلة مفاجأة بمزيج من العمل والاستجمام. سأقضي الأيام القادمة في الاستعداد لتحول الفصول ومشاريع إبداعية مؤجلة، بالإضافة للمزيد من التدوينات من وجهتي القادمة بإذن الله. هذه التدوينة عاصفة أفكار بسيطة بلا هدف واضح وربما هذه سمة الكتابة المحببة عندما تحضر ولا أقاومها.

.

،

،

،

Photo by Luca Severin on Unsplash

ضع حدودك وانعم بالسّلام

خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت لي باستمرار وبشكل يومي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تشجع على وضع الحدود الشخصية واحترامها. بعضها كان لطيفًا وملهمًا والبعض الآخر مليء بالغضب والأوامر غير المنطقية لنا كبشر. نعيش في جماعات ونأنس بالآخرين ونحبهم. هذا التأرجح في عرض موضوع مهمّ وحساس يضمن لنا عيش الحياة بصورتها الأفضل دفع فضولي في اتجاهات مختلفة. مرة اتحدث مع الأهل والأصدقاء عن تعريفهم للحدود وكيف يفعلونها في حياتهم اليومية؟ ومرة بالقراءة والبحث عبر المصادر الرقمية ومشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للبودكاست. لا أعلم حقيقة ما الدافع وراء موجة التصحيح والتحول لعيش أطيب، هل كانت الجائحة التي دفعتنا للشعور بأننا نوشك على الانتهاء؟ هل كان الانفصال الاجباري عن الآخرين؟ هل دفعنا بطريقة ما لتحليل كل نواحي حياتنا واكتشفنا أن المسبب الرئيسي لكثير من مطباتها: نحنُ؟

لم أجد إجابة بعد، لكنني عثرت على كتاب لطيف واقرأ فيه على مهل منذ شهر أو يزيد. اسم الكتاب Set Boundaries, Find Peace للكاتبة نيدرا غلوفر تواب. قرأت عدة فصول منه باللغة الإنجليزية. ومع أن نسخة عربية صدرت خلال هذا العام إلا أنني لم اطلع بعد عليها أو جودة ترجمتها. تهدف الكاتبة عبر كتابها هذا إلى تعريفنا بالحدود الصحية، كيف نضعها؟ وكيف نحقق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة – إن وجد ذلك حقًا – وكيف نستمتع بعلاقات جيدة مع الآخرين.

الكتاب مقسم إلى قسمين رئيسيين:

الأول يساعدنا على فهم أهمية وضع الحدود الشخصية وأنواعها وتعريفها، والقسم الثاني مرتبط بالعمل الفعلي وكيفية وضعها.

يتبع كل قسم مجموعة من الفصول التي كُتبت بلغة خفيفة وواضحة ومؤثرة، وبعد كل قسم تمرين مخصص لمراجعة ما تعلمناه. أحببت طريقة الكاتبة في اعتمادها على إجابة الأسئلة كتابيًا وهذا في ظني يترك الأثر الأفضل على الانسان. أن ترى كل شيء مدونًا أمامك: اجاباتك الحقيقية والشفافة على الأسئلة الصعبة، واستعدادك للتغيير والتحسين. سأشارك معكم في الجزء التالي من التدوينة ما اقتبسته من الجزء الأول في الكتاب. أتوقع أن يثير حماسكم لاقتنائه أو اكتشاف الكاتبة عبر ما نشرته من مقالات وتوجيهات بهذا الخصوص.

لكن ماذا نقصد بالحدود؟

الحدود هي التوقعات والاحتياجات التي تساعدك على الشعور بالأمان والراحة في علاقاتك. تساعدك التوقعات في العلاقات على سبيل المثال على البقاء بصحة جيدة. تعلم متى تقول لا ومتى تقول نعم هو أيضًا جزء أساسي من الشعور بالراحة عند تفاعلك مع الآخرين.

متابعة قراءة ضع حدودك وانعم بالسّلام