تأخرت هذه التدوينة كثيرًا، والسبب الرئيسي والوحيد: شُغلت بنفسي!
في وقتٍ مضى كان التفكير في التدوين مرتبط بقرصة الذنب المتكررة اكتبي اكتبي اكتبي. بغض النظر عن الوضع والمزاج وكل ما يحدث حولي. قاومت هذه المرة لأنني رتبت الأولويات جيدًا وكانت المدونة في نهاية السلسلة. أكملت ثلاثة أشهر في وظيفتي الجديدة، وقضيت شهر رمضان طيّب ومنتج.
كان العيد هادئًا جدًا وقاومت كسل الاحتفال بسبب العزلة، استيقظت باكرًا وارتديت ملابس جديدة وخبزت لعائلتي رغيف العيد الشهي والتقطنا صورة عائلية وهذا التقليد غاب طويلًا عنا.
خلال الفترة الماضية شاركت نموذج لتلقي اسئلتكم والكتابة عن إجاباتها، كانت الفكرة مبدئيًا ممتعة ولم أتوقع أن يغمرني كمّ هائل من الاسئلة. بعدها قررت تصنيفها وتقسيمها وتحويلها إلى تدوينات مصغرة تبدأ من هذه التدوينة.
للاسئلة صياغات مختلفة، لكنها تجتمع في التالي:
- ما هو نظامك اليومي؟
- كيف تقسّمين وقتك؟
- كيف أضع نمط حياة يحقق أهدافي بحيث يتكوّن لدي روتين وعلى مدى سنوات يحقق نتيجة كبرى؟
- ما سرّ الاستمرارية وكأن لا خيار آخر غير الاستمرار؟
- كيف أصنع عادات تستمر طويلًا؟
- هل بناء الروتين مهمّة مستحيلة؟
أحببت هذه الاسئلة كثيرًا، ربما لأن نمط الحياة وتصميم اليوم من أقرب الأشياء لنفسي. وربما أيضًا لأنني عانيت لسنوات حتى حصلت على ما يشبه النظام أو الروتين. في البداية يجب أن أخبركم بأنني لم أكبر في منزل يهتم بالروتين الصارم، وفي شريحة كبيرة من الوقت اختار والداي أن يتركا لنا الحريّة في إدارة يومنا. المهمّ جدًا هو النوم في وقت محدد، وإنجاز الواجبات المدرسية. عدا عن ذلك كل شيء امتلكنا حريّة تجربته وعيشه. في أيام الأسبوع نعود للمنزل من المدرسة، نتناول الغداء، ونقضي النهار كله في مشاهدة التلفزيون،وإتمام الواجبات، واللعب في الخارج. وفي الصيف امتدت ساعات اللعب والاكتشاف واختلطت الأيام بلا نهاية. وإذا كانت العطلة الصيفية في بيت الأجداد، نستمتع بالفوضى التي تأتي مع كثرة الناس والمُتع.
إذًا ما الذي ضبط هذا كله؟
لم اكتشف أهمية الروتين والنظام إلا في مرحلة الدراسة الجامعية. بعد انتهاء المدرسة والجدول اليومي للحصص والواجبات المفروضة علي، أصبح اليوم كله ملكي واتحمل مسؤولية إدارته ولا أحد سينقذني. لم تعد والدتي توقظني للمدرسة في الصباح ولم تعد لتذكرني بتناول الغداء أو حلّ الواجبات! الضربة الأولى كانت السهر الطويل أيام الدراسة والنوم في المحاضرات والخجل من الاستاذات والزميلات، ثم شهدت الضربة التي أوجعت الطالبة المثالية: الرسوب! للمرة الأولى في حياتي أمر بهذا الموقف، رسوب وإعادة الدراسة أو الاختبار من جديد والانتظار لسنة أخرى. أيضًا بالرسوب هذا فقدت مرتبة الشرف. الزلزال الكبير أجبرني على إعادة حساباتي. بدأت تدريجيًا بضبط ساعتي اليومية واستخدام المنبّه لتذكيري بفعل الأشياء. لم يكن الموضوع لطيف أو محبب لكن بعد فترة أصبح أسهل حتى وصلت لإلغاء المنبه والاعتماد على منبهي الداخلي. ضبطت خلال فترة الدراسة الجامعية نومي، ودراستي، ونشاطي البدني، وتركت مساحة للتعلم الحرّ والقراءة واكتشاف الكتابة والانطلاق لحياة صناعة المحتوى التي أعرفها اليوم. بعد انتهاء الدراسة الجامعية، عدت للفوضى مؤقتًا واستعدت اتزاني. وكلما مررت بمنعطف جديد أو تجربة حياتية وعملية مختلفة يهتز النظام وأعود لاكتشافه من جديد. مررت بتغييرات كثيرة، منها الانتقال لمدينة أخرى للدراسة من جديد، والعيش مع أقاربي، وهذا تغيير يتطلب نظام جديد أيضًا. من ثم بعد عامين العودة للمنزل والبدء بوظيفة بدوام كامل بعد ثمان سنوات من العمل المستقل. هناك أيضًا التغييرات الموسمية التي تأتي مع مشاريع عمل مرهقة اتفرغ لها بالكامل. والتغيير الأكبر هو انتقالي وعائلتي للرياض قبل خمس سنوات. كانت مرحلة تعلم جديدة وتنظيم مختلف لكنها الأحبّ لقلبي. قد أقضي ساعات كثيرة في كتابة تفاصيل هذا التغيير، لكنّه بشكل عام حدث بالتدريج. ولو نظرت له من الأعلى سيكون قائمًا على: التجربة، والاكتشاف، والخروج من منطقة الراحة.
كيف نبدأ؟
في المرحلة الأولى وقبل اعتماد أي خطة لتنظيم الوقت تخيلوا يومكم المثالي، كيف تريدون قضاء ساعات اليقظة بين العمل والترفيه والنوم؟
القائمة تشبه شيء كالتالي:
- بدء الصباح بحماس.
- إنجاز مهامّ العمل.
- وقت مخصص لتجهيز أو تناول وجبات الطعام الشهية والمحببة.
- قضاء وقت مع العائلة بذهن حاضر.
- الأعمال المنزلية.
- وقت للتمرين أو المشي.
- القراءة أو الاطلاع والاكتشاف.
- مشاهدة البرامج أو المسلسلات.
- الاستعداد للنوم.
- النوم الكافي.
هذه القائمة عامّة ولا أنصح بتخصيصها (على الأقل في البداية) يهمّ معرفة ما هو شكل اليوم المنشود، ومن ثمّ وضع التفاصيل حسب كل يوم من أيام الأسبوع، أو الموسم. وهذا ما أفعله بالتخطيط الأسبوعي في مذكرتي.
إذا كانت حياتك فوضى عارمة، لا تيأس! البدء في هذا التنظيم قد يبدو متعب قليلًا أو بلا فائدة لكنه ضروري وسيغير حياتك للأفضل.
الفترة التالية
إنشاء جدول يومي، حتى لو استعنت بجدول جاهز من الانترنت أو من تجربة صديق أو قريب (في هذه الحالة جربت أتابع المقربين مني وانتفع بعاداتهم الإيجابية). يمكن أن يكون الجدول مرن في البداية، يعني مثلا لو قررت الاستيقاظ في السابعة صباحًا وتأخرت حتى الثامنة ليست كارثة! ما زال بإمكانك الاستعداد وتناول فطور جيد قبل البدء بالعمل في التاسعة. وقياسًا على ذلك كل المهام والعناصر المحددة في جدولك.
ما هو الشيء الذي يمكنه إحباطك في هذه المرحلة؟ أن تقرر إنجاز كل شيء بمثالية، أو ما اسميه “تناول الحياة دفعة واحدة“. لا تندفع من الصفر للمليون، اهدف لتحسين حياتك بنسبة معقولة في البدء واستمتع بالنتائج الأولية. مثال: لو ما تمرنت أبدًا لا تبدأ بتمرين مدته ساعتين أو باستخدام جهاز رياضي جديد. غيّر تدريجيًا من عاداتك واعتمد المشي الخفيف أو صعود الدرج كل ساعة والنزول مثلا.
في هذه المرحلة أيضًا يمكن اعتماد أمرين مهمين: النوم والاستيقاظ في وقت محدد بشكل يومي حتى تضبط كل شيء بينهما.
وقد تعود في هذه المرحلة للقائمة التي دونتها في المرحلة السابقة لتحقيق يوم مثالي، واعتمد عنصرين أو ثلاثة منها كل عدة أسابيع حتى تصبح عادة ثابتة وانتقل لغيرها وهكذا.
أيضًا ستتمكن من التعرف على نفسك أكثر في هذه المرحلة، الثوابت التي ظننت أنك لن تغيرها في يومك ستغيرها، هل كنت تظن إنّك تكره الصباحات؟ أعد اكتشافها! هل ظننت أنك لن تحصل على وقت للقراءة يوميًا؟ جرب. ومن الممكن أيضًا مشاركة هذا التغيير مع شخص أو مجموعة أشخاص حتى يثيرون حماسك ويقدمون لك الدعم الذي تحتاجه.
إذا لم تكن التدوينة هذه كافية يمكنكم الاطلاع على مواضيع مفصّلة في مدونتي تناولت موضوع بناء العادات والطقوس والتدرج فيها وهي:
- إعادة تصميم يومك لأداء أفضل
- روتينكم الصباحي
- كيف تصنع نسختك الأفضل؟
- ماذا يفعل الناجحون قبل الإفطار؟
- عن أهمية الطقوس اليومية
- مراجعة كتاب Manage your Day to Day
- لماذا تختلف إنتاجيتنا؟
- ١٦ ألف صباح مستعاد
.
.