آخر أسبوع في الرّبيع

قضيت الأيام الماضية في العمل من المنزل، يتيح لي نظام العمل في الجهة اختيار خمس أيام شهريًا والعمل فيها عن بعد. لم يكن هناك الكثير من المهام للإنجاز، فقط متابعة واتصالات خلال اليوم. لذلك كان من أجمل الأسابيع الماضية، يشبه عطلة لكنه ليس تمامًا. قضيت الصباح الباكر في القراءة عدة ساعات، وكتبت قليلا وترجمت في مشروع جانبي. أعددت الإفطار وبدأت العمل بعد أن شعرت بالامتلاء الحقيقي وهذه الفكرة التي تزورني دائمًا وأجد الكثير يشجعون عليها: افعل شيئًا تحبّه في بداية اليوم. قبل أن تذهب للعمل، وقبل أن تفتح جهاز الكمبيوتر ويمطرك بالمهامّ والرسائل.

هذا الوقت الفائض في الأسبوع ساعدني في ترتيب غرفتي بعد عطلة طويلة وتنظيف سطحي. أعدت تنظيم مهامّ الفترة القادمة من الحياة، وتلصصت على الكتب الجديدة التي تنتظر القراءة. رتبت قائمة سألتزم بها قبل القفز لغيرها. وهذا التأهب وحده كفيل بمنحي البهجة والاستعداد لعطلة الحج الطويلة (أسبوعين من القراءة والنوم العميق).

بدأ الأسبوع بلحظة درامية أجلتها في كل مرة تأتي سلة الغسيل النظيفة لغرفتي. أسبوع بعد الآخر وأنا أرتدي قطعة ملابس عمرها عشرة أعوام. مثقوبة في كلّ اتجاه ولكنه هذا الارتباط السحري الوثيق. هذه آخر قطعة ملابس من بداية العقد الأجمل والأصعب في حياتي. اشتريتها من محل أُقفل اليوم وأقفل المجمع الذي يضمه. حملتها معي في كل رحلة خارج المنزل. لبستها في التجول، في التمارين، في اكتشاف أماكن جديدة، وفي العمل من المنزل بعد أن فقدت شكلها ومعالمها. كل مرة أوشك على التخلص منها اتردد وأضعها عوضا عن ذلك في سلة الغسيل. سأعطيك وأعطي نفسي أسبوع آخر من المغامرات! ما الذي يدفعنا للاحتفاظ بقطعة ملابس باهتة لا تصلح لشيء أو ربما تحويلها لقصاصات أصغر واستخدامها كممسحة أرضيات؟ أو أربطة قطنية؟ أو أي شيء آخر غير الارتداء.

هل هذه الملابس تحلّ محل بطانية الرضيع التي لا يغفو بدونها؟ تسمى بالإنجليزية comfort blanket والتي توصف بأنها أي شيء مألوف يشعرك بالأمان والثقة. بحثت عن معنى عربي للعبارة حتى توقفت عن المحاولة: هل هي بطانية الطمأنينة، أو ملاءة الطمأنة؟ لحاف الحنان؟ (إذا وجدتموها شاركوني) الأكيد أنني ودعت هذه البطانية للأبد.

وهكذا تخلصت من آخر قطعة ملابس قديمة ومتهالكة. كانت اللحظة بلا مشاعر، لكن الحقيقة داهمتني في اليوم التالي: هل كان ما فعلته صائبًا؟ الأمر ينطبق على الكثير من الحاجيات التي تخلصت منها تباعًا خلال السنوات القليلة الماضية. إما بسبب المساحة التي تضيق وتتسع في المسكن، أو لأن النظر إليها يطلق سلسلة من الذكريات التي طويتها وأخفيتها بحرص.

ما زلت استعيد ذكريات الرحلة القريبة إلى لندن، وبينما اتصفح الصور القليلة التي التقطتها وجدت صورة للوحة أحبها للرسام الانطباعي إدغار ديغا مهزوزة ومظلمة. لم يكن التقاط الصورة عملية سهلة وتذكرت السبب. في هذه الرحلة وفي كلّ متحف أو معرض فنّي زرناه وحتى عندما خرجنا بعيدًا عن المدينة والصخب إلى قصر هامبتون كورت، سبقتنا الرحلات المدرسية! في نصل باكرًا مع فتح الأبواب ويصطف إلى جوارنا طوابير لا نهائية من الصغار.

يركضون في كل اتجاه وتصرخ بهم المدرّسة: لا تلمسوا شيئا. يتحداها أحد المشاكسين ويضع يده على تمثال عمره مئات السنين أو يقترب ليقف بيني وبين لوحة اقتربت بحذر لرؤيتها. كنا ننتقل من غرفة لأخرى ونحذر بعضنا: هيا قبل أن يهجموا. وفي اللحظة الانتقالية للعبور، يمكننا سماع الأحذية الصغيرة تتدافع.  هذه المرة الأولى التي أشهد فيها هذا العدد من الرحلات المدرسية. ربما لأنني أسافر صيفا أو في وقت الأعياد حيث يمضي الصغار لعطلاتهم الخاصة.

لقد التهمني وجودهم بالكامل! وفكرت في هذه الفرصة العظيمة التي تتاح لهم في هذا العمر، أن تخرج من مدرستك صباحًا لتتأمل ديغا وبيكاسو وفان غوخ. لست بحاجة للسفر آلاف الأميال والتعرض للمشقة. تنادي المعلمة مجددًا: تأملوا هذه اللوحات جيدًا لديكم مهمة للكتابة عنها. وفي زاوية من هامبتون كورت تمدّ معلمة أخرى أوراق لأسئلة اختيار من متعدد عن زوجات هنري الثامن الستة. أليس مبكرًا الحديث عن المقصلة في هذا العمر؟ لا أعرف شيئًا غير الغبطة في هذه اللحظة.

قرأت خلال الأسبوع عن عملية الـ unlearning ودخلت من جديد عن بحث عن أفضل ترجمة لها: نبذ الطباع؟ نبذ المعرفة؟ اللاتعلم؟ المقصود بها هو التخلص من معرفة أو معلومة عن شيء أو سلوك التصق بك طويلًا وترغب في استبعاده. والوصف الحرفي يقول: تجاهل (شيء تم تعلمه خاصة العادات السيئة أو المعلومات الخاطئة أو القديمة) واستبعاده من ذاكرة المرء.

أقول إن هذه السنة بالنسبة لي سنة الـunlearning، لكن هذه العملية غير سهلة! تبدأ بالوعي، ثم اكتشاف البديل وتبنيه. في مقال نشرته مجلة Breathe حول الموضوع، يقترح ريتشارد آيفري أستاذ علم النفس والأعصاب بجامعة كاليفورنيا- بيركلي  الخطوات التالية لعملية استبعاد ناجحة:

  • حدد ما تودّ تغييره. إذا كنت تعرف أن ادائك في مكانٍ ما لا يتفق مع ما تريده راجع أسلوبك ومهاراتك وأهدافك واسأل نفسك ما هي الجوانب التي يمكنني تغييرها؟
  • حدد حجم التحدّي. هل ستحاول تضمين إصلاحات بسيطة أو ستذهب إلى حلول جذرية؟
  • قيّم تجربتك. راجع التغييرات التي أجريتها على حياتك، هل أدت إلى النتائج المرجوة؟ إن تتبع هذا التغيير واختباره يضمن ثبات الجيّد منه.
  • تحمّل المطبات. ستشهد تذبذب في الأداء حتى تصل للمستوى المطلوب. والأهم هنا أن تكون صبورًا لتجني الفوائد على المدى البعيد.

لم أطلع على اقتراحات ريتشارد من قبل ولكنها ذكرتني بمساري العفوي الذي لم اختر له أي خطة. يمكن أن يكون نبذ المعرفة أو اللاتعلم الخاص بك في مجال شخصي، أو مهني، أو حتى في علاقتك مع الناس حولك، وعلاقتك بالمال مثلًا. إذا كنت سأقترح شيء ما من تجربتي: لا تحاول فرض التغيير دفعة كاملة. تدرج مع نفسك وعاملها برفق حتى لا تفقد شهية التغيير بالكامل.

أتمنى لكم نهاية أسبوع سعيدة!

يوم السبت بإذن الله سأشارك معكم تدوينة منوّعة عن مفضلات الفترة الماضية.

.

.

.

Painting by Henri Matisse – Interior with a Young Girl (Girl Reading)

,

,

,

لندن | دليل عطلات

إذا كنت سأتحدث عن نفسي وخياراتي في العطلات، لم تكن لندن واحدة من الوجهات التي أردت زيارتها أو رؤيتها-على الأقل لم تكن ضمن الوجهات الأولى. علاقتي مع المدينة رسمتها من قصص الأقارب الذين يزورونها لعقود مضت. بالإضافة لتجربة والدي. والمرة الأولى التي عرفت فيها لندن وأبنيتها القديمة: في فيلم بيتر بان من ديزني! كل إجازة أو فرصة متاحة كانت تحملني إلى نيويورك. ولكن، كنت أسمع تعليق من صديقاتي وقريباتي: لكن لندن تستحق الاكتشاف، وهي تشبه كثيرًا الأحياء التي تفضلينها في نيويورك. سوهو وتشيلسي وويست فيلج كلها كانت نسخ ممتدة عن النموذج الأصل شرق المحيط.

جاء صيف ٢٠١٧م وكنت بدأت حينها وظيفة براتب جيد وإجازات حكومية طويلة. أخواتي كنّ في بنسلفانيا وقتها، وقضيت صيفًا طويلا وحدي. بحثت عن فكرة لإجازة فردية لطيفة وظهرت اسكتلندا الخضراء بين عيني. لقد جاءت اللحظة المناسبة لرؤيتها. تسهلت أمور الفيزا وحجزت تذكرة الطائرة للوصول إلى لندن ومن ثم السفر بالقطار لبدء رحلتي الإسكتلندية من أدنبره.

كانت صيفية موفقة! عندما وصلت إلى لندن كنت بلا خطة واضحة، فقط حجز فندق لثلاث ليالي، ومجموعة متحمسة من القريبات اللاتي يقضين كلّ صيف في المدينة منذ سنوات. تعلمت حينها فضيلة ترك القيادة للآخرين. كانت المرة الأولى في لندن ولم تكن الأخيرة. زرنا عدة مناطق في المدينة سوية. تناولت الطعام في قهوة اخترنها وفي مطعم آخر، وتركنا المدينة لمزرعة في الريف عدة ساعات في اليوم الثالث.

ذاكرتي غائمة إذا استعدت أغسطس ٢٠١٧ في لندن. اسكتلندا جوهرة رحلتي وبقيت تزورني في الأحلام حتى أعود لها في المستقبل.

إذا نجحت تلك الرحلة في شيء سيكون زراعة حالة من الفضول ستعيدني إلى العاصمة البريطانية مرة تلو الأخرى حتى ربيع هذا العام. أصبحت خيار إضافي لعطلة كسولة لا أركض فيها ولا أجهد نفسي بالتحديات أو الجداول المزدحمة. أذكر أنني تجرأت على العمل عن بعد في لندن. كتبت وبحثت وقرأت خلال ساعات الصباح الأولى بانتظار استيقاظ الجميع.

لم اكتشف ربع المدينة حتى الآن، ولا أنوي ذلك بسرعة. في كل زيارة أعود لنفس الأماكن والشوارع واكتشف بعض الزوايا الجديدة. نقطة الانطلاق دائمًا فندقي الذي أسكنه ولو أمكنني تصوير خطواتي من الفضاء ستمتد كشعاع نجمي حول المكان.

متابعة قراءة لندن | دليل عطلات

ما الذي يمكن حدوثه في ستة أشهر؟

كل شيء ولا شيء.

أهلا!

نسيت كيف أبدأ تدوينة جديدة، لكن أهلًا تبدو مناسبة ومطمئنة لي لبدء الحديث. حوالي ستة أشهر مرّت على آخر مرة كتبت فيها هنا. هذه هي الفترة الأطول التي أتوقف فيها عن التدوين في قصاصات، لكنّها كانت الأجمل بالنسبة لي. كانت الرغبة في الحصول على الوقت المستقطع واضحة لديّ. شعرت بها في كل مرة دفعت نفسي للكتابة والمشاركة دفعًا. شيء آخر لطيف في هذه التجربة: لم أعلنها ولم أكتب مودعة. وهذا خفف عني أيضا ضغط الفكرة: متى تكتبين مجددًا؟ وما هي فكرة التدوينة الأولى بعد الانقطاع؟ هل من خطة تدوينية؟ سلسلة مثلا؟ إعادة هيكلة للمدونة؟ إعادة تصميم الهوية؟ أسئلة كثيرة لم تكن ببالي. مرت الأسابيع ومن ثمّ الشهور ولم انتبه للعداد الذهني. تلاشى أي أثر للكتابة في المدونة من مرآتي وركزت على الطريق أمامي. أصبحت أنظر للأشياء بعين مختلفة، عندما أقرأ وفي ذهني تدوين الفوائد لنفسي أفعلها بشكل مختلف، أدون كلمات متفرقة، مشاعر أو اقتباسات تعكس شعوري اللحظي حينها وليس ما أودّ قوله وشرحه في تدوينة بعد أسبوع من الآن. لكن حتى لا استرسل في مديح التوقف عن الكتابة أرى أنّه من الضروري الحديث عن اشتياقي لها في نفس الوقت. قضيت الشهور الماضية في الكتابة الشخصية، تدوين اليوميات، والكتابة العلاجية كما أحبّ تسميتها. كتبت في مشاريع مستقلة، وعملت بوظيفة جزئية مع شركة أحبّها. كل ذلك ساعدني على البقاء قريبة من الكتابة، حتى لو تعمدت الابتعاد عنها.

كيف قضيت الوقت بين ديسمبر ويونيو؟

تعويض اللحظات الفائتة

بعد أن استقرت حياتنا بعودة اخوتي للرياض حرصت على تعويض لحظاتنا الفائتة. في رمضان الماضي مثلًا غمرتنا لحظة الاكتشاف: هذه المرة الأولى التي نصوم فيها الشهر معًا بعد عشر سنوات. لم يكن الأمر سهلا في البدء، وأعني بذلك ضبط جدولنا معًا. لدى كلّ منا عمله واهتماماته ودوائره الاجتماعية. والأهم من ذلك تعلمنا إعادة رسم علاقتنا من جديد وكأننا نلتقي بصديق من الطفولة أو قريب مسافر. استدعت مع اكتمال العائلة أمسيات الطهي والذهاب للسينما واستكشاف المدينة.

البحث عن عمل من جديد!

قررت مع بداية العام استكشاف حياتي المهنية وتطوير مساري إن استطعت. كانت تجربة مربكة فقد مضى وقت طويل على تحديث سيرتي الذاتية وصارعت قليلا لإبقائها كما هي بلا تفاصيل أو تعديل. احتجت ليوم كامل من تتبع مهاراتي وإعادة الصياغة وكانت النسخة المحدثة منعشة. بدأت بعدها رحلة التواصل مع الأصدقاء ودائرة معارفي وحتى دائرتي المهنية السابقة. شاركتهم وضعي الوظيفي الحالي، والصعوبات والتطلعات، وما أريد أن أعمل عليه، وطبيعة الجهات التي أودّ الوصول إليها. اكتشفت قوائم الوظائف في مواقع التوظيف وقدمت على كل وظيفة شعرت بأنها تتطابق ومهاراتي. ثلاثة أشهر من البحث والاكتشاف المتواصل بلا تفاعل حقيقي، أو تفاعل ناقص من جهات تجري مقابلة رسمية وتأخذ وثائقي ولا تكلف نفسها بتقديم اعتذار صريح أو رفض.

هذه التجربة وإن لم تكن نهايتها تغيير وظيفتي أو الانتقال لمكان جديد إلا أنها أنعشت معلوماتي حول سوق العمل الحالي بعد سنتين من التوقف عن البحث. تعرفت على المهارات التي تنقصني، والتفاصيل التي يمكنني التخلي عنها في وظيفة مقابل اكتشاف مجال جديد، وأيضا وهذا الأهم: قيمتي الحقيقية والمنافع التي استحقها وهذا يأتي مع المفاوضات والتواصل.

ورشة إعادة اختراع

قدّمت خلال الفترة الماضية ورشة استمتعت كثيرًا ببنائها وسعدت بالحضور والأفكار التي خرجنا بها بعد عدة ساعات. الفكرة الأساسية كانت: إعادة بناء الهوية الشخصية. وجاء وقت تقديمها في فترة مهمة من حياتي. كنت أجمع تجارب التحولات السابقة وأنظر بحماس للقادم وأشاركه مع الحضور لنعمل عليه سوية.

لكن ما الذي قد يدفعك لإعادة بناء هويتك الشخصية؟

تحتاج لإعادة البناء أو الاختراع كما يسميه البعض عندما تجد نفسك في مكان يشبه الحالات التالية:

  • لم يعد بإمكانك تحديد التعرّف على نفسك وما هي رؤيتك المستقبلية وأين ستذهب خلال خمس سنوات مثلا.
  • تعيش مرحلة جديدة من حياتك وتريد أن تُعرف بشكل مختلف.
  • تركت وظيفة وتودّ إعادة بناء سيرتك المهنية ومهاراتك لتحصل على وظيفة جديدة.
  • تحاول الحصول على ترقية أو تحسن من ظروفك المهنية.
  • انتقلت لمدينة جديدة وترغب في بناء شبكة علاقات اجتماعية ومهنية متنوعة.
  • تخرجت حديثا وتشعر أن هويتك المرتبطة بحياة الدراسة لا تناسب وجهتك التالية.
  • تفكر في الانتقال من مجال مهني إلى آخر لا يتفق معه ولا يشارك مؤهلاتك الأكاديمية وترغب في إثبات نفسك هناك.

أفكر في زيارة محتوى الورشة مجددًا وتلخيصه ونشره هنا في المدونة، سأطلعكم على النتيجة بالتأكيد.

الآباء يكبرون أيضا

تعرض والدي لوعكة صحية خلال مارس الماضي، كان يعاني من أعراض خفيفة، ولكنه فعل ما يفعله الآباء دائمًا: تحامل على ألمه وأصرّ على أنها وعكات صغيرة عابرة. من تشخيص لآخر استسلم في نهاية الأمر وأقر بحاجته للإنقاذ. بقي لمدة أسبوعين تحت الملاحظة والفحوصات والاكتشافات. وخلال هذه الأيام التي طالت أكثر من احتمالي أدركت أمرًا أهرب منه كل يوم. هربت منه عندما بدأت علب الأدوية بالظهور، وأجهزة قياس الضغط، والاحترازات والتنبه للتغذية والنوم وأي علامات حيوية أخرى.

لكن الهروب الطويل لم يكن في صالحي عندما أدركت الحقيقة وهو يتكلم بهدوء: ما الذي تظنينه؟ أنا رجل في السبعين! هذه التغيرات متوقعة ويستقبلها هو بإيمان واستسلام يربكني أحيانًا. لكنني دائمًا أرجو أن يبقى بصورته الأولى وهو يحملني على كتفيه، أو يهددني بالخروج عند باب المنزل لتراه زميلات المدرسة بعد أن حلق رأسه وأرجوه ألا يفعل!

ترك والدي المستشفى بصحة أفضل وفي وقت مناسب لنحتفل بالشهر الكريم سوية. لقد كانت لحظة فاصلة لتعلمني درس جديد، أن استعد للزمن في نفسي، أن اتعامل معه كرحلة طويلة تتوقف عند معالم مختلفة وأقبله بتسليم كامل.

إجازة مستحقة

احتفلت بفاصل ممتع مع بداية شهر مايو الماضي. وذهبت في رحلة قصيرة إلى لندن مع أخواتي. الرحلة كانت خاصة لعدة أسباب أولها أن المرة الأخيرة التي سافرنا فيها سوية كانت في ٢٠١٦، لا رحلات داخلية أو خارجية. وكلما بدأنا تخطيط هذه الاجازة يحدث ما يؤجلها. والسبب الثاني أن حصة دخلت عامها العشرين قبل عدة أشهر. احتفال بانضمامها لدائرة الكبار! لدي الكثير لمشاركته حول هذه الرحلة لذلك أنوي التدوين عنها قريبًا.

قررت شيئين أساسيين لاستمتع بها: أريد أن أنام جيدًا لأعوض أرق الفترة الماضية، وأريد أن استمتع بالطعام بكل أصنافه. تركت التخطيط بالكامل لموضي التي بنت تقويمها الخاصّ وشاركته معي. شعور ترك القيادة للآخرين شعور لطيف ما زلت اتعلم قبوله والاستمتاع به. عدت من الاجازة التي امتدت لشهر (مع أيام العيد) منتعشة وسعيدة ومستعدة. شعرت بذلك بوضوح عندما عدت لمهامي التي لم تتغير، ولكن النظر إليها بعين جديدة يهوّن صعوباتها.  

كانت فترة تنفس جميلة.

ستة أشهر من اكتشاف هوايات جديدة والتعرف على أصدقاء جدد وزيارة أماكن مختلفة.

تشافيت من إصابة ركبتي التي لازمتني منذ أبريل الماضي، اليوم اتحسس مكان الألم ولا أجده وهذا جيد!

شكرًا لكل الرسائل اللطيفة التي وصلتني، والسؤال المستمر عن قصاصات.

عدت لنفض الغبار عن بيتي الأحبّ وكلي حماس للقادم والقصص التي سأعود لمشاركتها معكم.

.

.

.

كيف تكتشف يومك المثالي؟

أهلا بكم!

هذه التدوينة ولدت من ورشة عمل قدمتها أكثر من مرّة حول تصميم يومك المثالي وأجد أن إعادة نشرها اليوم فكرة مناسبة للتحضير لتغيير جيّد مع بداية السنة. هناك الكثير من الأسئلة والاجابة عليها والتفاعل معها تقودكم للشكل المثالي لليوم.

قبل البدء

اجلسوا مع أنفسكم لأطول مدة ممكنة واقسموا صفحة كبيرة إلى قسمين وابدؤوا بالكتابة بلا توقف في الجهتين. أحدها يوم مثالي تتمنون عيشه، والجزء المقابل يومكم السيء أو يومكم الحالي إذا كنتم غير راضين عنه. هذا التمرين ملهم ومؤلم في نفس الوقت. لأنكم ستقفون بمواجهة حياتكم الحالية وكل المشاكل التي تعيق وصولكم ليوم مثالي. ومن جهة ثانية ملهم لأنّه سيضعكم على أول خطوة في الطريق إلى تصميم يومكم المثالي. 

نصيحتي لكم: احتفظوا بهذه الورقة قريبة منكم وعودوا إليها كلما أضاعت بوصلتكم الطريق. أو فكرتم في إثارة الفوضى في أيامكم.

متابعة قراءة كيف تكتشف يومك المثالي؟

تدوينة لأطول ليلة في السنة

اكتب هذه التدوينة بعد نهاية أسبوع حافل. كل مرة أكتب هذه الجملة أفكر كيف كانت أسابيع هذه السنة حافلة بطريقة أو بأخرى؟ بالسعادة والغضب والحزن والدهشة والألم. لو مُدت لي دائرة تحليلية لكل مشاعر الحياة سأربطها بأيام هذه السنة وسأجد لها قصص مناسبة بالتأكيد.

لم أكن خارقة هذا الأسبوع، بقيت أمور معلقة وزيارات مؤجلة ودائما هناك وقت. هذا الأسبوع مددت ساعات يومي لاثنتين إضافية والمفاجأة كانت أن مسار العمل لم يتأثر! بقيت في فراشي حتى تركت نقشة اللحاف توقيعها على خدي. أتممت المهام، وأجريت الاتصالات وحصلت على وقت مستقطع للقاء صديقات وحضور اجتماع عمل عن بعد بينما مكائن القهوة تهدر خلفي. الجو لطيف في الرياض هذا الأسبوع ويذكرني بالأعوام السبعة التي قضيتها في المدينة. اللحظة التي حملت كل حياتي في صناديق ورق مقوى وودعت بيتي في الظلام والساحل الشرقي يبتعد ورائي. الرياض حلوة هذه الأيام بالفعاليات والاكتشافات والألوان والأضواء. كلّ يوم هناك شيء يشبهك إذا أردت البحث عنه. فعالية فنية؟ أمسية موسيقية؟ مقهى جديد في الحيّ؟ تخفيضات في محل أثاث تحبّه؟ كلها قريبة ومناسبة.

بدأت كتابة مسودة هذه التدوينة لأنشرها يوم ٢١ ديسمبر، الليلة الأطول في السنة وأول ليالي الشتاء. اليوم شاهدت تعليق من خبير الطقس المحلي يقول إن الليالي التالية: الثلاثاء والأربعاء والخميس ستكون الأطول في السنة. ما زال العنوان مناسبًا إذًا؟

كتبت تغريدة قبل عدة أيام عن أشياء عشوائية أحبها وفوجئت اليوم بالحماس والتعليقات عليها. وجدت لنفسي متعة اكتشاف ما يحبه الآخرون واقترح عليكم اكتشافها كذلك.

أحب أيضًا احتفال الأطفال بالقطط عندما تحضر لبيوتهم. أشاهد فيديوهات الآباء والأمهات وهم يحملون الكائنات الصغيرة بين يديهم ويمدونها لطفلهم فيقفز ويضحك وأحيانا يتأثر حدّ البكاء. لم يكن لقائي بقطتي لولو مماثلا، لكن أذكر تبنيها في بيتنا. عدت ذات عطلة قصيرة من الرياض وكانت في استقبالي مع أختي الصغرى. لا أدري أيهما ألذّ؟ أختي التي فقدت اسنانها الأمامية أو قطتنا التي تحاول المشي باتزان.

رفيقتي الوفية. لولو.

تجلس على وسادة ضخمة أحركها لها كل يوم مع تحرك بقعة ضوء الشمس في غرفتي، وكلما حجبت اشعتها كتل الغيم التفتت نحوي بمواء له نغمة التساؤل. تظن أنني خبأت الشمس عنها، تستمر بالمواء حتى تعود الشمس من جديد وتمدّ ذراعيها لاستقبالها.

على جواربي علامات ترشدني للفردة اليمنى واليسرى، حرفي L و R، اتجاهلها وأقلب الجوارب كلّ مرة. ماذا سيحصل إذا قاومت هذا الأمر؟ لا شيء طبعًا. أذكر نفسي بالانتصارات اليومية الصغيرة على الإطارات والقوالب. كيف تمضي أيامي؟ أحاول.

نهاية العام الماضي كتبت قائمة تشبه الامنيات للسنة كلها، لم أعد لقراءاتها أبدًا. خبأتها في كتاب سيرة ماركيز كتاب أنهيته قبل أكثر من ١٠ سنوات وكانت لدي رغبة طموحة في ترجمته. تبخرت. خبأت في أمنياتي وسأعود لقراءتها نهاية الأسبوع المقبل.

هل سأكتب جديدة؟ لا أعلم.

أشياء أحببتها هذا الأسبوع

  • تابعت عدة حلقات من مسلسل نيوزلندي من العام ٢٠١٩ بعنوان «الخليج» دراما وإثارة وجريمة. شدتني الاحداث وكالعادة أحب تفرد المسلسلات النيوزلندية والأسترالية. لها طابع مختلف لا يشبه الأمريكية التي اعتدناها.
  • جربت مذاقات جديدة لصلصات طعام شهية! جربتها مع مقرمشات وجبنة وفواكه ومرة أخرى في ساندويتش وبرغر. وجدتها في متجر Chopped في الرياض وهي من انتاج مزرعة عائلية في استراليا. الصلصات التي جربتها (البصل المكرمل، والفلفل الحلو)
  • قرأت هذا الأسبوع رواية قصيرة لسيلفيا أرازي بعنوان «الانفصال» لطيفة ومختلفة عن القراءات التي أنهيتها هذا العام. ذكرتني قليلا برواية «أربطة» لدومينيكو ستارنونه.
  • استمعت لحلقة من بودكاست مفضل Life Kit وكانت في مجملها تتحدث عن اللغة السلبية والخطاب المؤذي الذي نوجهه لأنفسنا وكيف نقاومه بشكل أفضل. أحببت أحد التقنيات المذكورة وهي: لنتمكن من إيقاف الصوت الذي يتردد بداخلنا يجب أن نتعرف على كيفية عمله. تقترح د. جوي أن نراقب هذه الأحاديث السلبية ونسجلها. اختر نصف يوم مثلا وراقب هذه الأفكار وقم بتدوينها. لاحقًا تحقق ما إذا كانت هناك أدلة تدعم هذا الحديث. ما هو الدليل الذي يؤكد هل أنت فعلا كسول؟ هل أنت فعلا غبي؟ هل أنت فعلا مكروه؟ وغيرها من العبارات التي نستخدمها مع أنفسنا على سبيل الأذى والتحقير. دوّن هذه الأشياء التي تنفي الحديث السلبي أو فكر فيها بنفسك. اليوم استيقظت في وقت مناسب وأنجزت مهامي كاملة يعني أنا لستُ كسولا. الحلقة كلها ممتعة ومفيدة واقترح عليكم الاستماع لها.
  • في الأيام التي أعمل برفقة أختي في مكتبها تقترح تجربة مكان فطور جديد، لا اعتمد يوميًا على احضار فطوري وأحب التغيير من وقت لآخر. مرة نتناول المناقيش ومرة أخرى ساندويتش جبن أو خضروات من مقهى. هذا الأسبوع جربت ساندويتش البيض الشهي من ارابيتا، مطعم ومقهى في الرياض.

Painting by Nora Heysen

.